معركة كونوكو.. من هنا بدأ الصراع بين فاغنر والجنرالات الروس
- انتشرت مجموعة فاغنر العسكرية في شرقي أوكرانيا
- قدمت أعمالا تجارية على مدار سنوات بأمر من الكرملين
- معركة كونوكو شهدت أول هزائم المجموعة الروسية
على مدار الأيام الماضية، استطاعت مجموعة “فاغنر” -وهي شركة عسكرية روسية خاصة- في لفت أنظار العالم إليها، بعد تمردها على الكرملين في واحدة من الخطوات التي ترجمت الصراع المتصاعد بين مالك الشركة يفغيني بريغوجين -والمقرب من بوتين حتى وقت قريب- والقيادة العسكرية العليا.
وبحسب “وول ستريت جورنال“، فإن الصراع بين زعيم مرتزقة “فاغنر” وكبار جنرالات الجيش، كان ملحوظًا بشكل خاص على اعتبار “القمع شبه الكامل” لانتقاد الحرب في روسيا.
وانتشرت مجموعة فاغنر العسكرية في شرقي أوكرانيا للقتال جنبًا إلى جنب قوات الجيش الروسي، لكن بوادر الخلاف بين الجانبين بدأت عندما كرر يفغيني بريغوجين اتهامه لكبار الضباط في الجيش بالتقاعس عن إمداد قواته بالعتاد والمؤن التي تحتاج إليها في قتال القوات الأوكرانية.
لكن الأمور أخذت منحى تصاعديًّا، الجمعة 23 يونيو، حين وجّه بريغوجين اتهامًا إلى الجيش الروسي بتنفيذ ضربات صاروخية على معسكرات قواته، بأمر من وزير الدفاع سيرغي شويغو، وقتل نحو 2000 من مقاتليه، وبعدها صعّد من برة خلافه، آمرا قواته بالتوجه نحو موسكو، قبل أن يتراجع بعد 24 ساعة، متجها إلى بيلاروسيا.
وكانت أجهزة الأمن الروسية فعالة للغاية في اجتثاث المعارضة الليبرالية، ودفعت عشرات الآلاف من معارضي الحرب إلى المنفى وإسكات معظم الآخرين بعقوبات شديدة القسوة.
وبموجب القوانين التي صدرت في أوائل العام الماضي، فإن “تشويه سمعة” القوات المسلحة الروسية حتى باستخدام فيسبوك، يؤدي إلى عقوبات سجن طويلة.
لكن بريغوجين لم يتقيد لهذه القواعد، واستمر في نشر مقاطع فيديو يومية يسلط فيها الضوء على نقاط الضعف في الاستراتيجية العسكرية الروسية وسوء الإدارة.
ويقول مراقبون إن مثل هذه الحملات غير المحظورة، والتي تخلق قصة عن وقوف بريغوجين في وجه “الخونة الأقوياء الذين يسرقون انتصار روسيا”، ستكون مستحيلة بدون موافقة بوتين.
وقال ميخائيل كاسيانوف، الذي شغل منصب رئيس وزراء روسيا خلال ولاية بوتين الأولى ويعيش الآن في المنفى: “بريغوجين مكروه من قبل الجنرالات”.
وتابع: “مصيره ووجوده الجسدي يعتمدان كليا على بوتين. بمجرد رحيل بوتين، يرحل بريغوجين أيضا”.
وكان لدى الضباط العسكريين الروس الكثير من الأسباب لكراهية فاغنر ومؤسسها، بسبب اتصاله المباشر مع بوتين. وبفضل الرواتب المرتفعة ومرونة العمل والثقافة الوحشية، بدأ جيش بريغوجين الخاص في تجنيد أفضل الضباط والجنود من الجيش النظامي.
من سوريا.. بدأت القطيعة
في سوريا؛ استولت فاغنر على بعض من حقول النفط والغاز لحمايتها لصالح حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، مع حصول المرتزقة على حصة من عائدات الإنتاج، بحسب مسؤولي المخابرات الأمريكية.
وفي 7 فبراير 2018 وقعت المعركة التي كانت سببًا في بداية الأزمة بين زعيم فاغنر والجنرالات الروس.
ففي فبراير من ذلك العام، بدأت قوات “فاغنر” هجومًا على منطقة تعرف باسم خشام في سوريا، حيث كانت حقولها النفطية تديرها شركة “كونوكو” الأمريكية بمحافظة دير الزور. وحافظت الولايات المتحدة على موقع صغير للعمليات الخاصة هناك.
وبمجرد تعرض القوات الأمريكية لقصف من مرتزقة “فاغنر”، وضع البنتاغون وزير الدفاع الروسي على المحك.
تفاصيل معركة كونوكو
وفي تفاصيل المعركة: “في الساعة الثالثة مساءً، بدأت قوات فاغنر في التجمع بالقرب من المصفاة، وبحلول وقت مبكر من المساء، كان أكثر من 500 جندي و27 مركبة، بما في ذلك الدبابات وناقلات الجند المدرعة، في مواقعهم”.
وفي الساعة 8:30 مساءً، تحركت ثلاث دبابات روسية الصنع من طراز T-72 ، تزن حوالي 50 طنًا ومسلحة بمدافع 125 ملم، على بعد ميل واحد من المصفاة، وبعدها بساعة ونصف وتحديدا في العاشرة مساءً، رأى الجنود الأمريكيون رتلًا من الدبابات والعربات المدرعة الأخرى تستدير وتتجه نحو المصفاة من حي قريب حيث حاولوا التجمع دون أن يتم اكتشافهم.
وفي إفادة أمام الكونغرس، قال وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، جيم ماتيس، إن الروس نفوا علاقتهم بمجموعة فاغنر التي قصفت القوات الأمريكية.
وحينها، أمر ماتيس القوات الأمريكية بضرب فاغنر. وفي غضون ساعات، قُتل وأصيب المئات من المرتزقة الروس في غارات أمريكية شملت مروحيات هجومية وطائرات بدون طيار وطائرة حربية من طراز “AC-130” وصواريخ “هيمارس”، فيما ظلت موسكو صامتة، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”.
ووفقا لكتاب مذكرات صدر مؤخرا اكيريل رومانوفسكي، مراسل الحرب لوكالة الأنباء الفدرالية الروسي (ريا-فان)، والذي تابع أنشطة “فاغنر” حول العالم وتوفي بسبب السرطان في يناير الماضي، كان رجال “فاغنر” مطمئنين بأنهم سيحصلون على الحماية بالطائرات والدفاعات الجوية الروسية. لكن هذا لم يحدث.
وكتب رومانوفسكي عن الهجوم قائلا: “لقد تعرضنا للخيانة ببساطة. عندما بدأنا الهجوم، لم نكن نعرف أن الطائرة الوحيدة فوقنا كانت أمريكية وأن رجال الدفاع الجوي كانوا جميعا يختبئون”.
وأصبحت هذه المعركة واحدة من المناسبات النادرة التي تبادل فيها المقاتلون الأمريكيون والروس إطلاق النار.
فاغنر.. جرائم حرب
ونشطت المجموعة على مدى السنوات الماضية في كل من أوكرانيا وسوريا وعدد من الدول الأفريقية، واتُهمت مرارا بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان.
وكان قد أشار تحقيق أجرته بي بي سي بشأن مجموعة فاغنر، إلى انخراط محتمل لضابط الجيش الروسي السابق، دميتري أوتكين، البالغ من العمر 51 عاما، في بدايات نشاط الشركة إذ يُعتقد أنه أسس شركة “فاغنر” وأعطاها اسمها – تيمنا بلقبه أو اسمه الحركي السابق حين كان ضابطا.
وأوتكين من قدامى المحاربين في حروب الشيشان، وضابط سابق في القوات الخاصة وكذلك في المخابرات العسكرية الروسية.
بدأت مجموعة فاغنر العمل لأول مرة أثناء ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، كما تقول تريسي جيرمان، أستاذة الصراعات والأمن في جامعة كينغز كوليدج بلندن.
وتضيف: “يُعتقد أن مرتزقتها هم من الرجال (بالزي الأخضر) الذين احتلوا المنطقة..ثم دعم حوالي ألف منهم الميليشيات الموالية لروسيا التي تقاتل من أجل السيطرة على منطقتي لوهانسك ودونيتسك”.
ويقول صموئيل راماني، الزميل المشارك في معهد رويال يونايتد سيرفيسز: “تُجند فاغنر بشكل أساسي قدامى المحاربين الذين يحتاجون إلى سداد الديون وتغطية تكاليف الحياة.. إنهم يأتون من مناطق ريفية حيث توجد فرص أخرى قليلة أمامهم لكسب المال”.
تقول تريسي جيرمان: “إن إدارة جيش من المرتزقة يتعارض مع الدستور الروسي..ولكن رغم ذلك فإن فاغنر توفر للحكومة قوة تستطيع إنكارها والتنصل منها.. إذ يمكن أن تتدخل فاغنر في الخارج ويمكن للكرملين أن يقول ببساطة: لا علاقة لنا بالأمر”.