أثار اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا أزمة غذائية ومخاوف لدى العالم، وجزء كبير من تلك المخاوف يعيشها العالم العربي، إذ أنّ هناك الكثير من تلك الدول تعتمد بشكل شبه كامل على القمح من أوكرانيا التي تُعدّ خامس مُصدِّر للقمح في العالم، وتبلغ صادراتها أكثر من 7 % من مجمل الصادرات العالمية.
وبحسب بيانات مرصد أو إي سي (OEC) للتجارة الدولية، فتعد مصر أكبر دولة مستورِدة للقمح في العالم، وهي أيضاً أكبر مستورِد للقمح من أوكرانيا بنسبة 26 % من إجمالي صادرات أوكرانيا للقمح العام 2020، فيما يستقبل لبنان حاجاته من القمح من أوكرانيا بنسبة 5 % من صادراتها، تليه تركيا بنسبة 4,5 % ثمّ كلّ من المغرب وتونس وليبيا واليمن والأردن والسودان.
حرب روسيا على أوكرانيا تتسبب بأزمة غذاء عالمية
أخبار الآن في أكبر شركة زراعية في أوكرانيا
أخبار الآن قامت بزيارة حقول هارف إيست (Harveast)، أكبر شركة زراعية في أوكرانيا والمنتج الزراعي الرئيسي، لنطلع على آلية العمل والتصدير. تنقلنا في ربوع تلك المساحات الشاسعة حيث أطلعنا العاملون على سير العمل في إنتاج الحبوب. على الرغم من المساحات الكبيرة، إلّا أنّ تلك الشركة خسرت أضعافها وباتت تعمل في مساحات تقدر بأقلّ من نصف ما كانت تعمل عليه قبل الحرب.
شركة هارف ايست للحبوب تخسر أجزاء كبيرة من أرضيها الزراعية
خلال جولتنا تلك، شاهدنا حجم الأضرار التي لحقت بمعدات تلك الشركة جرّاء الحرب التي لم توفّر الأمن الغذائي، وتضرّر تلك المعدات يعتبر عاملاً إضافياً مهمّاً في تراجع الإنتاج. المسؤول في شركة هارف ايست تحدّث لـ”أخبار الآن” عن أبرز المشاكل التي يواجهونها في الشركة، فقال: “كانت تمتلك شركتنا أكثر من 200000 هكتار من الأراضي الزراعية، وبعد الغزو الذي قامت به روسيا، خسرت شركتنا ما يقرب من 80 % من تلك الأراضي، كما خسرنا أراضينا في منطقة دونباس”.
وتابع: “نقوم حالياً بزرع نحو 30000 هكتار في منطقة كييف بعد تحريرها، كما تمكّنا من الوصول إلى بعض الأراضي التي كانت محتلة سابقاً، وقد عثرنا على ألغام في مساحة تبلغ 10000 هكتار، فقمنا بعملية إزالتها بأنفسنا، وأشركنا بذلك بعثات إنسانية لكي نتخلص من الألغام بأسرع وقت ممكن، وبالتالي فمن الضروري أن تبدأ عملية إصلاح الأراضي بسرعة”. وأضاف: “تكبّدنا خسائر هائلة في دونباس، إذ سُرق 52 ألف طن من حبوبنا وكلّ المركبات والمعدات التقنية، تمّ تدمير بعضها، ونُقل الباقي إلى مناطق غير خاضعة لسيطرة الحكومة”.
انخفاض دراماتيكي لإنتاج الحبوب مع توسع رقعة الأعمال الحربية
تقدر إدارة التجارة الدولية أنّ قرابة 70 % من أراضي أوكرانيا، أي نحو 41 مليون هكتار، هي أراض زراعية أو تصلح للزراعة. وكانت الصادرات الزراعية تعدّ مصدر الدخل الأهم لاقتصاد أوكرانيا. العام 2021 أي قبل الحرب الروسية، كانت صُنفت أوكرانيا كخامس مُصدِّر للحبوب في العالم بحجم صادرات كلي قارب الـ 50 مليون طن، ورابع مُصدِّر للقمح بمعدّل 7 ملايين طن شهرياً.
أمّا خلال العام الأوّل من حرب روسيا، فقد انخفض الإنتاج بشكل دراماتيكي إلى 53 مليون طن مع توسّع رقعة الأعمال الحربية في المناطق الشرقية والشمالية والجنوبية من البلاد، وتفاقمت إثر ذلك أزمة غذاء عالمية.
سولسكي: نفعل ما بوسعنا للحفاظ على التعاون مع دول الشرق الأوسط
من شركة هارف إيست في مدينة دونيتسك التي تقع جنوب شرق أوكرانيا وبالقرب من حدود روسيا، انتقلنا إلى العاصمة كييف حيث التقينا وزير الزراعة الأوكراني ميكولا سولسكي (Mykola Solskyi)، الذي كشف لـ”أخبار الآن” حجم التأثير الذي تسبب به الغزو الروسي على قطاع الزراعة والحبوب في أوكرانيا، والذي أثّر على العديد من دول العالم، لاسيّما دول الشرق الأوسط التي كانت تعتمد على أوكرانيا للحصول على حبوبها. وقال: “انخفضت الكمية التي تُصدر إلى الدول العربية كما هي الحال مع معظم البلدان التي كنّا نتعامل معها، لكنّنا نفعل ما بوسعنا للحفاظ على ذلك التعاون مع دول الشرق الأوسط، ونعتبرهم شركاء موثوقين، لذلك في الصيف الماضي عندما اُتيحت لنا فرصة لتصدير الحبوب الأوكرانية، صدّرنا ما بين 17 و 18 % من إجمالي المحاصيل إلى دول الشرق الأوسط، وتلك نسبة عالية جدّاً”.
بيانات رسمية أوكرانية في الفترة التي سبقت اندلاع الحرب أشارت إلى أنّ العام 2021 سجل معدل الصادرات من الحبوب نحو 48 مليون طن، بينما وصلت كميات الحصاد إلى قرابة 86 مليون طن من الحبوب، في رقم قياسي غير مسبوق. وفي ذلك الصدد، قال سولسكي لـ”أخبار الآن“: “قبل عام واحد من بدء الغزو أي موسم 2021-2022 كان موسماً جيداً، جمعنا نحو 108 مليون طن من الحبوب، أما هذا العام فنحن نتوقع أن لا يتعدى الرقم الـ 64 مليون طن، أيضاً في الصيف الماضي، جمعنا كمية شعير أقل بمرتين مقارنة بموسم 2021 وكمية القمح”.
بوتين يشترط رفع العقوبات للعودة إلى اتفاق الحبوب
ومؤخراً، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنّ موسكو ستعود إلى اتفاق الحبوب بمجرد رفع العقوبات الغربية عن نقل الحبوب والأسمدة الروسية، معتبراً في مؤتمر صحافي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي، أن الغرب خدع روسيا بشأن الأهداف الإنسانية لمبادرة البحر الأسود وزعم أنّ موسكو أُجبرت على الخروج من الاتفاقية؛ لأن الدول الغربية فرضت عقوبات عليها.
تجدر الإشارة إلى أنّه في 17 يوليو من العام الجاري، كانت أبلغت روسيا رسمياً كلّا من تركيا وأوكرانيا والأمانة العامة للأمم المتحدة اعتراضها على تمديد صفقة الحبوب، بدعوى عدم تنفيذ الجزء الثاني من الصفقة المتعلق بوصول الحبوب والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية بسبب حزمة العقوبات الغربية الموجهة ضدّ الصادرات الروسية. وهو ما يطرح تساؤلات حول تداعيات ذلك القرار على أسعار الحبوب خصوصاً القمح، وعلى الأمن الغذائي العالمي بشكل عام.
وعقب ذلك، قرّر الاتحاد الأوروبي تمديد عقوباته المفروضة على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، لستة أشهر حتى الـ31 من يناير 2024، متهماً موسكو بالتسبب في أزمة غذاء عالمية بانسحابها من اتفاق الحبوب. وتزامن ذلك مع مواصلة موسكو قصفها الموانئ الأوكرانية. وحينها كان قال المجلس الأوروبي في بيان حول قراره تمديد العقوبات على روسيا حتى يناير 2024: “هذه العقوبات التي بدأ تطبيقها لأول مرة في 2014 رداً على أفعال روسيا التي تزعزع استقرار الوضع في أوكرانيا، اتسع نطاقها بشدة منذ فبراير 2022، رداً على الحرب الروسية على أوكرانيا”.
شاهدوا أيضاً: بعد الدمار.. الأوكرانيون يعيدون بناء حياتهم تحت التهديد الروسي