وصلوا أوكرانيا قبل الحرب بحثاً عن حياة جديدة، أو حتّى مستقبل دراسي مميز… اندلعت الحرب وغزت روسيا الدولة التي يقيمون فيها، خرج من خرج منهم لكنّ بعضهم رفض الخروج، وآخرين قرّروا الدفاع عن بلدهم الثاني.
الحرب ستمرّ والأحوال ستتحسن، ردّ الجميل ظهر في نفوس العرب بعدما عاشوا لسنواتٍ وكبروا سنوات، ليقرّروا في النهاية الدفاع عن أوكرانيا في وجه غزو بوتين لها، واليوم سنروي لكم حكاية العرب في أوكرانيا.
منذ سنوات عديدة وأوكرانيا وجهة لعرب
منذ سنوات طويلة تُعد أوكرانيا وجهة مميزة للعرب بقصد السياحة أو حتى الإقامة فيها بشكل دائم، ناهيك عن اتجاه البعض للعمل فيها بوظيفة أو كمستثمرين. وبحسب تقارير صحافية، فإنّ عدد العرب في أوكرانيا قبل الحرب وصل إلى 50 ألف نسمة قدموا إليها على مرور السنوات واستقروا فيها، وعدد كبير منهم حصل على الجنسية الأوكرانية، ما جعل البعض منهم مواطنين مزدوجي الجنسية، والعدد الأكبر الذي حصل على الجنسية هم من الطلاب الذين قصدوا الجامعات والمعاهد الأوكرانية لاستكمال تعليمهم، فأوكرانيا تُعتبر وجهة كبيرة للطلاب العرب خصوصاً في مجالات مثل الطب والهندسة، والسبب يعود لتعاون كييف في ذلك الخصوص حيث تسهّل عملية الحصول على التأشيرة الدراسية، بالإضافة إلى أنّ جامعاتها تعدّ منخفضة التكاليف مقارنة بدول أخرى، إذ تتراوح الرسوم الدراسية فيها ما بين 1200 دولار إلى 5 آلاف دولار، وفي الوقت ذاته تقدّم جودة تعليم عالية بالإضافة لكونها دولة مناسبة للعيش من حيث التكاليف والمجتمع، ما شجّع العرب على مدار السنوات على إرسال أبنائهم إليها.
“أخبار الآن” في أحد المعسكرات السريّة في كييف
أكبر الجاليات العربية كانت من المغرب والجزائر، ويُشكل الطلاب النسبة الأكبر منهم أيضاً، كل تلك الأرقام والمعلومات كانت قبل فبراير العام 2022، أو بشكلٍ أدق قبل إطلاق بوتين الحرب على أوكرانيا، فمنذ قبل اندلاع الحرب طالبت العديد من الدول العربية رعاياها بمغادرة أوكرانيا على وجه السرعة خوفاً من اندلاع حرب وشيكة في شرق أوروبا، وهو ما حدث فعلاً بعدها بأشهرٍ قليلة، لتُطلق الدول العربية عمليات إجلاء جماعية لمواطنيها من أوكراني.
وعلى ضوء تفجّر الحرب، تمّ تأسيس خلية أزمة عربية هناك ضمّت مجموعة من مختلف الجاليات والمؤسسات العربية في أوكرانيا، هدفها مساعدة الراغبين بالمغادرة على الخروج بأمان، وتمكين المقيمين لمواجهة آثار الحرب. وبالفعل غادر البعض من أوكرانيا عائدين إلى بلادهم الأصلية، في حين قرّر البعض الآخر البقاء في أوكرانيا ومواجهة الغزو الروسي جنباً إلى جنب مع الأوكران، خصوصاً الحاصلون على الجنسية، فهم اعتبروا أنّ الحرب فرصة لردّ الجميل لكييف بعد سنواتٍ من الإقامة فيها والدراسة والعمل، وبعض الذين مازالوا في أوكرانيا قرّروا القتال رفقة الجيش الأوكراني لمواجهة الغزو الروسي.
“أخبار الآن” دخلت إلى كييف والتقت مع البعض منهم ليوضحوا الأسباب التي دفعتهم لذلك القرار وكيف يرون الغزو الروسي من الداخل. المقابلات أجريناها وسط تشديد أمني، فقد دخلنا معسكراً تدريبياً سرياً، التفصيل الوحيد المكشوف عنه أنّه في العاصمة كييف.
جولة في كتيبة “أبالون”
في المقر توجد كتيبة “أبالون” التابعة للفرقة 112 في الجيش الأوكراني. في تلك الكتيبة يوجد عرب وأوكرانيون يقاتلون سويّاً ويعملون معاً لمواجهة الغزو الروسي. بين العرب المتواجدين في المقر طبيب فلسطيني الأصل وهو رامي أبو شمسية، الذي كان يشغل منصب رئيس اتحاد أطباء العرب في أوكرانيا قبل الحرب، لكن مع اندلاع الحرب انضمّ رامي إلى الجيش الأوكراني، وقرّر الدفاع عن كييف مثله مثل أبناء البلد. رامي شرح لنا باستفاضة عن الكتيبة التي انضمّ إليها ومقرّها السرّي. يقول رامي إنّ مقرّهم كان يُعتبر متقدماً في مواجهة الروس عندما حاولوا اقتحام كييف، ويؤكّد أنّه يضمّ الكثير من الجنسيات العربية والإسلامية.
وعن البدايات، يذكر رامي أنّ أغلبهم لم يكن لديه فكرة حتّى عن إطلاق النار، لكن مع التدريب وخوض غمار الحرب بات الجميع قادراً على الدفاع عن كييف.
داخل غرفة في المبنى أشبه بغرفة العمليات، استفاض رامي في شرح تكتيكات خطط سابقة نفّذها جنود عرب وأوكرانيون ضدّ القوّات الروسية وأثبتت نجاعتها، منها الدفاعات الجوية ضدّ الطائرات الإيرانية المسيّرة، والتي يؤكّد أنّها تمكّنت من إسقاط أكثر من 15 طائرة، وذلك عندما أرسلت روسيا 40 طائرة من المسيّرات الإيرانية لِقصف كييف.
وتأكيداً على إيمانه بضرورة قتال القوّات الروسية الغازية، يقول رامي إنّ بوتين قاتل، وسبق له أن قتل الأطفال في سوريا وحتّى في الشيشان، لذلك يُعتبر إرهابياً ولذلك هو مطلوب للعدالة الدولية اليوم. ويُضيف إلى أنّ المجازر اليومية التي ارتكبت في أوكرانيا وكان شاهداً عليها، تؤكّد ما يقوله عن بوتين.
في غرفة ثانية في المقر ذاته، يشرح رامي أكثر عن التصنيع داخل المقر، مؤكّداً أنّ حالة الحرب تحتاج إلى تصنيع معدّات خاصة ومناسبة للوضعية، مثل معدّات تفكيك الألغام وغيرها، بالإضافة إلى تزويد الجنود بالمؤن اللازمة قبل ذهابهم إلى الجبهات.
رامي هو واحد من الكثير من العرب الذين اختاروا القتال إلى جانب أوكرانيا، على الرغم من كون تلك الحرب قد غيّرت حياته بالكامل، فقد تحول من أستاذ في جامعة الطب إلى طبيب ومقاتل ولوجستي في الجيش الأوكراني يعمل ليلاً نهاراً لمواجهة الغزو الروسي، وهو مؤمن بأنّه في الصف الصحيح بعدما كان شاهداً على الكثير من الفظائع التي ارتكبتها روسيا.
في مكان آخر بعيد عن السرية التي دخلناها، توجهنا إلى المركز الثقافي الإسلامي في العاصمة كييف، والذي لا يزال يُرفع فيه الآذان ويُشاهد فيه المصليون الذين حضر بعضهم بزيه العسكري قادماً من جبهات القتال، وأغلبهم من أصولٍ عربية.
بين هؤلاء الجنود أحمد، وهو جزائري الأصل يعيش في أوكرانيا منذ أكثر من 10 سنوات، قبل الحرب كان يدّرس اللغة العربية في إحدى المدارس، أجبرته الحرب على الابتعاد عن عائلته بعدما نقلهم إلى مكان آمن والتحق هو بالجبهات.
وعن أسباب اختياره القتال بدلاً من العودة إلى وطنه الأصلي، يقول أحمد إنّ لديه ابنة وزوجة، وعند هجوم الجيش الروسي اقتحم القرية التي كانوا يعيشون فيها. الدافع الأوّل له للإنخراط في تلك الحرب كان الدفاع عن عائلته التي شعر أنّها بخطر مثل آلاف العوائل في أوكرانيا، بالإضافة إلى مشاهدته تركيز الروس على قصف المدنيين.
ويؤكّد لنا أنّ على جبهات القتال يوجد أيضاً مقاتلون من سوريا كانوا في أوكرانيا واختاروا القتال معها ضدّ روسيا، خصوصاً أنّ موسكو سبق وقد قصفت المدن السورية.
وبلهجة صارمة توضح كمية المعاناة التي شاهدها خلال الحرب، يقول: “الآن الأوكرانيون يعانون نفس المعاناة التي عاشها الناس في القوقاز، والآن الأوكرانيون يعانون نفس المعاناة التي عاشها السوريين في سوريا، والآن الأوكرانيون فهموا في تلك المرحلة ما حدث في القوقاز، فهموا ما معنى روسيا والنازية الروسية”، في إشارة منه لهمجية القصف الروسي على المدنيين.
في ذلك التقرير اليوم تنقل أخبار الآن صورة مغايرة لأوجه الحرب في أوكرانيا فالأفراد هنا عرب اختاروا الوقوف إلى جانب أوكرانيا في مواجهة روسيا ولكلّ منهم أسبابه ودوافعه حتى يصبح البقاء من عدمه قراراً لا يتعلّق بفرد وشخصه وإنّما بمصير مرتبط بأفراد عائلة وانتماء إلى أرض جديدة. فكيف إذا كان الوطن الأم لكلّ منهم هو نفسه يعاني من أزمات واضطرابات لا تنتهي