سلط خبر تفجير الجيش الحر مؤخراً أحد البلدوزرات المصفحة التي يستخدمها النظام في الاقتحامات في غوطة دمشق الكثير من الضوء على هذه الوحوش الفولاذية.
يعرف المتابعون لأخبار الحرب في سوريا عن استخدام كل الأسلحة في المعارك الدائرة فيها من دبابات وطائرات وغيرها، لكن الذي لا يعرفه كثيرون هو الاستخدام الواسع للجرافات والبلدوزرات من قبل قوات النظام، الأمر الذي جعلها تعتبر وبجدارة أحد أسلحة قوات النظام واسعة الانتشار فخلال المعارك بين الجيش الحر والنظام، خسر الأخير العشرات منها بين مدمر ومغتنم.
وترتبط الجرافة في ذاكرة السوريين بمشاهد جرافات النظام تمثل بجثث عشرات المدنيين الذين سقطوا في كمين قوات النظام ومليشيا حزب الله أثناء محاولتهم الخروج من الغوطة سيراً على الأقدام.
من المتعارف عليه أن الوحدات العسكرية تُرافق من قبل مجموعة من العربات الهندسية والإنشائية، على رأسها الجرافات والبلدوزرات والدبابات الناشرة للجسور.
ويقع على عاتق هذه الآليات واجب مهم يتمثل في إزالة العوائق الطبيعية والاصطناعية من طريق تقدم الوحدات، إضافة لإنشاء مجموعة من الاستحكامات الهندسية من خنادق وسواتر وحفر، والتي تؤمن للقوات الحماية من نيران الثوار وبخاصة النيران المضادة للدبابات.
من الملاحظ أن معظم المدافع والدبابات والعربات المملوكة للنظام تكون محاطة بساتر ترابي يحميها من الصواريخ الموجهة، ويسمح لها بتنفيذ رمايات من وراءه. وكانت هذه السواتر السبب في خسارة الجيش الحركثيرا من الصواريخ المضادة للدبابات بسبب انفجارها لدى اصطدامها بها، والتي ترفعها الجرافات والبلدوزرات وبدونها لكانت خسائر النظام كارثية.
بداية الأمر لم تكن الجرافات تتعرض للكثير من التهديد أو الخطر لأنه يوجد أهداف أهم منها، كالدبابات والعربات العسكرية، فلم يهتم النظام بها كثيراً، لكن لاحقاً بدأت تتعرض للرمايات من الأسلحة المختلفة فأصبحت الجرافات هدفاً مهماً لدرجة أن الكثير منها دمرت سواء بقواذف مضادة للدبابات أو حتى بعبوات ناسفة وبصواريخ موجهة، وذلك للأهمية العسكرية الكبيرة للأعمال التي تؤديها.
فهي تستخدم لإزاله أي عوائق أو أنقاض أبنية من الطريق المتوقع استخدامه للهجوم من قبل دبابات وعربات النظام المدرعة، وتعتبر عنصراً مهماً ضمن التكتيكات الهجومية والدفاعية لقوات النظام؛ فبدونها لا تستطيع الدبابات تجاوز العوائق وكتل الأنقاض الكبيرة وغير المتجانسة وكذلك الأمر بالنسبة للسيارات والعربات المدرعة، وهي أساسية كذلك لإزالة الألغام والعبوات الناسفة، فهي تعمل أحياناً بدور كاسحة ألغام عبر تجريف المناطق التي يتوقع تواجد ألغام فيها، كما أنها تستخدم لبناء الحفر والخنادق ورفع السواتر لنقاط النظام الدفاعية.
استهداف الثوار لهذه الآليات، دفع النظام تدريجيا لحمايتها (بداية بأكياس الرمل) وتدرج الأمر إلى أن وصل مرحلة صُفحت فيها البلدوزرات بشكل خاص بشكل كبير جداً. حيث يستخدم النظام طبقات الفولاذ التي صُفح بها البلدوزر من معظم الجهات لتؤمن له الحماية من نيران الأسلحة الفردية والخفيفة (إلى حد ما).
إضافة لاستخدمه تقنية معروفة في التدريع تسمى (الدرع القفصي) والمكون من مجموعة من القضبان المعدنية المثبتة بشكل قفص يحيط بالأجزاء المراد حمايتها من العربة.
كذلك أضاف النظام مجموعة من المناظير المخصصة للدبابات للبلدوزرات التي صفحّها لأن الدرع غطى كامل نوافذ البلدوزر.
يفيد هذا الدرع جزئياً ضد القذائف المضادة للدروع ذات (الحشوة الجوفاء) مثل قاذف "ر ب ج" فقط، وطلقات الأسلحة الفردية والخفيفة لكنه لا يؤمن حماية من باقي أنواع الأسلحة وخاصة العبوات الناسفة.
فطبيعة صفائح وقضبان الفولاذ التي يصنع منها درع البلدوزر بشكل عام مخصصة أساساً للبناء والأبواب وغير مخصصة للتدريع (استخدم النظام نفس الطريقة لتحسين تدريع دباباته)، لم تجعله أمناً تماماً ضد الأسلحة المختلفة، فقد دُمر العديد من هذه البلدوزرات بأنواع مختلفة من الأسلحة بداية بالأسلحة المضادة للدبابات انتهاء بالمدفعية المضادة للطيران.
عملية تدريع البلدوزرات والجرافات، هي محاولة من قبل الإيرانيين لتخفيف نزف دبابات ومدرعات نظام الأسد التي يخسرها في المعارك وخاصة في المدن، وأحد أساليب الحرب النفسية التي يمارسها النظام وذلك بنشر شائعات عن هذه البلدوزرات ودرعها الأسطوري الذي لا يقهر.
ويمتلك النظام ثلاثة أنواع من الجرافات:
جرافات وتركسات مدولبة: وهي جرافات مدنية عادية لكنها تتبع لوزارة الدفاع أو لمؤسسات الدولة المختلفة وقد تكون مستولى عليها من المدنيين، أو حتى تابعة لبعض الشركات الخاصة المملوكة لشركات او لأشخاص موالين للنظام، ويستخدمها النظام في أعمال التجريف المختلفة ورفع السواتر ومجموعة من الإنشاءات الهندسية المختلفة التي تستدعي هذه النوعية من التجهيزات.
قد تكون هذه الجرافات من أوائل الآليات التي استخدمها نظام الأسد ضد المدنيين، وذلك بإزالة العوائق التي وضعها المدنيون خلال محاولاتهم قطع الطرق أثناء فترة الحراك السلمي والعصيان المدني.
بلدوزرات: يتميز البلدوزر عن الجرافة بوجود معدات حفر إضافية تستخدم لحفر الخنادق والحفر بعمق مناسب للأغراض العسكرية، وإنشاء حفر دبابات، وخنادق وحفر آليات، إضافة لوجود آلية التجريف في المقدمة والتي تستخدم لأعمال التجريف المعتادة إنشاء الحواجز والمساتر.
ويتميز البلدوزر بكونه أضخم في الحجم ويسير على سلسلة وليس على إطارات، فليس هنالك خشية من تمزق إطاراته بنيران الأسلحة الخفيفة (كحال الجرافة)، ما يجعله قادراً على العمل في بيئات أوعر وشروط تشغيلية أصعب وبخاصة في الخطوط الأمامية، ما يجعله مغرياً أكثر لقوات النظام لاستخدامه كوسيلة تجريف في حال تقدمها في المدن.
دبابات هندسية: وهي عبارة عن دبابة تم إزالة البرج والمدفع، وإضافة مجموعة من التجهيزات التي تستخدم في سحب الدبابات المصابة واخلائها خارج ساحة المعركة، ومن بين تجهيزاتها رافعتان ونصل جرافة في مقدمتها، وهي فعلياً متعددة الاستخدامات وغالبا ما توجد واحدة منها مع كل كتيبة دبابات (دبابة منها لكل 33 دبابة)، وتقوم إضافة لمهام السحب والإخلاء بمهام التجريف وإزالة العوائق من طرق مسير الدبابات وخاصة في المدن.