أخبار الآن | اللاذقية – سوريا – (عبد السلام حاج بكري)
شهد السوريون في عهد بشار الأسد افتتاح عدد غير قليل من الحسينيات التي تمارس فيها الطقوس الدينية لأتباع المذهب الشيعي، وتعددت مهماتها لاحقا لتتحول إلى منابر لتعليم المذهب وتلقينه لمتشيعين جدد على أيدي رجال دين من إيران وباكستان والعراق ولبنان، ولم يكن والده حافظ الأسد يسمح بإقامة الحسينيات إلا على نطاق ضيق واشترط إشراف سوريين عليها.
وكان لافتا أن بشار الأسد سمح بافتتاح مدارس ثانوية شرعية لتعليم المذهب الشيعي، أولها كان قبل سنتين في ناحية الدالية بريف جبلة على الساحل السوري، ولم تنجح لعدم إقبال الطلاب عليها، ولكن الثانوية التي افتتحت مطلع العام الدراسي 2016-2017 في ناحية البهلولية التابعة لمحافظة اللاذقية كان حظها من النجاح أكبر بسبب المغريات المادية التي قدمتها للطلاب، رغم تردد كثير من الأسر العلوية بإرسال أبنائهم إليها.
الثانويتان يشرف عليهما مجمع الرسول الأعظم في اللاذقية الذي أنشأه رجل الأعمال رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري منذ سنوات بالتعاون مع المراجع الدينية من مدينة قمّ الإيرانية، وترعاهما جمعية البستان التي يرأسها رامي نفسه، وتتبعان إداريا لمديرية التربية.
وأوضح معاون مدير تربية اللاذقية محمد خضرة في تصريح لوسائل إعلام محلية أن الغاية من افتتاح مدرسة شيعية في البهلولية هي نشر المذهب الشيعي وإطلاع الطلاب وذويهم على تعاليمه.
محاولات سابقة فاشلة
في مطلع ثمانينيات القرن وعقب انتصار ما سمي بـ "الثورة الإسلامية" في إيران عمل جميل الأسد عمّ بشار على تحويل أتباع الطائفة العلوية إلى المذهب الشيعي بدعم مادي كبير من إيران عبر تشكيله جمعية الإمام المرتضى التي فشلت في نشر التشيّع بسبب وقوف "المجلس الملّي العلوي" في وجهها بقيادة الشيخ فضل غزال.
باسم غزال أحد أقارب الشيخ فضل تحدث في اتصال هاتفي مع موقع أخبار الآن عن سبب رفض عمّه والمجلس الملّي العلوي للتشيّع في ذلك الوقت هو الخوف من تغييب الهوية العلوية للطائفة، إضافة لكراهية غير معلنة تجاه الشيعة الذين دأبوا على وصف العلويين بالكفار والجَهَلة ولم يعترفوا بمذهبهم من قبل، ووافقهم حافظ الأسد على موقفهم وأصدر أمرا لشقيقه بوقف عمل جمعيته.
وأضاف باسم "مع تولي بشار الحكم خالف أباه ووجّه بنشر التشيّع في كل سورية، وشجع عليه بقوة في الساحل، ولكن السنوات الخمس الأولى شهدت فتورا في استقبال الفكر الديني الجديد، وتحسنت الأمور بعد ذلك شيئا فشيئا مع افتتاح عشرات الحسينيات في القرى التي يقطنها العلويون وتخلّي المجلس الملّي عن رفضه لنشر المذهب الشيعي مع وفاة شيخ الطائفة فضل غزال".
بداية التشيّع
في مطلع عام 2000 كلّفت السفارة الإيرانية المعمم الباكستاني فضل الله خان بقيادة حملة تشييع العلويين في اللاذقية، فأشرف على افتتاح حسينيات وتدريس علوم المذهب.
الشيخ خان قال في لقاء جمعني به في دمشق عام 2005 "جهل أتباع الطائفة بالمفاهيم الدينية وتمسّكهم بعناد بالقليل الذي يعرفونه كان عائقا في وجه نشر التشيّع، احتجنا للعشرات من رجال الدين ووقت طويل حتى بدأت جهودنا تعرف النجاح".
لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد المتشيعين في الساحل السوري، ولكن مراسل شبكة إعلام اللاذقية محمد الساحلي أشار إلى أن المظاهر الشيعية باتت واضحة في الوسط العلوي لا سيما في المناسبات الدينية الخاصة بالمذهب مثل ذكرى مولد ووفاة وأربعينية الحسين وعاشوراء وغيرها، حيث بات البعض يمارسون طقوس اللطم والنواح.
استمرار التردّد
لم يستقبل سكان ناحية البهلولية خبر افتتاح الثانوية الشيعية بسعادة، وترددوا في إرسال أبنائهم من الجنسين إليها، وقد اشترطت وضع الحجاب على البنات، حيث نقل الساحلي أن شعبتان فقط افتتحتا في المدرسة واحدة للذكور وأخرى للإناث، ولم يتجاوز عدد المنتسبين إليها 60 طالبا تم جمعهم من عدة مناطق ومنها البعيدة.
ولم يكن الوصول للعدد 60 سهلا فقد سبق افتتاح الثانوية وواكبته حملة إعلامية كبيرة، واضطر المدرّسون فيها من رجال الدين الشيعة ومعممون من مجمع الرسول الأعظم للقيام بجولات على كثير من القرى لإقناع ذوي الطلاب لتسجيل أبنائهم فيها وإغرائهم برواتب شهرية ودفع تكاليف المواصلات والقرطاسية والملابس، وضمان تسجيلهم في الجامعات أسوة بطلاب القسم الأدبي في الثانويات السورية.