أخبار الآن | المغاربية الآن (حاورتها: نوال مسيخ)
بعد أن إنتهينا من محاورتها إتصلت بنا مساء وقالت إنها بكت كثيرا بمفردها، لأن الحوار جعلها تعود لمرحلة عصيبة من حياتها وتتذكر تفاصيل مؤلمة.. مع ذلك هي سعيدة لأن الإجابة عن أسئلتنا جعلتها تقف مع نفسها وترتب بعض الأشياء بداخلها وتتخلص من أخرى. وقبل أن ننهي المكالمة قالت لنا: رجاء لا أريد المتاجرة بمرضي..
دجى بن فرج.. صحفية جزائرية مقيمة في دبي منذ سنوات، كانت تعيش أوج سعادتها مع إبنها وزوجها حين إنقض عليها السرطان فجأة وقلب حياتها رأسا على عقب.. بعد عام ونصف شفيت تماما من المرض.. قصتها قد تتعبكم نفسيا، لكن المؤكد أنكم ستتأكدون في الأخير أن " السرطان قاتل.. لكنه لا يقتل دائما ".. مثلما قالت دجى.
إقرأ أيضا: خاص | مرح البقاعي.. وحديث عن دور المرأة السورية والعربية لمناسبة يوم المرأة العالمي
– أولا نبارك لك تأكيدات الطبيب بشفائك التام من السرطان.. ماذا كان شعورك لحظة أبلغك الطبيب هذا الخبر السعيد؟
أحببت أنك بدأت من النهاية، يعني من شعوري لما عرفت أن جسمي أصبح خاليا من السرطان ، كان ذلك يوم 11 آب/أغسطس 2016.. كنت فرحة جدا لما عرفت أن جسمي بات خاليا من المرض بعد معاناة طويلة مع السرطان استمرت سنة وستة أشهر، فرحت جدا لأني شفيت تماما، لكن يبقى الهاجس موجودا لأن السرطان "خبيث ".
– اسمحي لنا أن نعود بك إلى مرحلة صعبة من حياتك.. حدثينا عن اللحظة الأولى التي أبلغك فيها الطبيب بأنك مصابة بالسرطان؟
عرفت أني مصابة يوم 23 شباط/فبراير 2015، كان يوما مميزا بالنسبة لي لأنه اليوم الذي أجرى فيه إبني قاسم أول إختبار له قبل دخول الحضانة، العالم لم يكن يتسع لفرحتي، لكن في نفس اليوم شعرت بألم غريب في الثدي الأيسر، إتصلت بالدكتور فطلب أن أقصد عيادته فورا، توجهت إلى عيادته برفقة زوجي، وشعور سيء يخالجني بأن هناك خطب ما، وبعد إجراء الفحوصات لم يخفي الدكتور عني الأمر..
في القوقعة السوداء عجزت عن دعاء ربي!
تصمت قليلا تم تستطرد قائلة: أصعب فترة كانت فترة الصدمة وكأن شخصا يصفعك فجأة ويصدمك بالأمر الواقع ويقول لك: " أنت تعانين من أمر خطير"، بعدها تأتي فترة الإستسلام للأمر الواقع، أين بدأت أبحث عن تفسير للمرض و تجارب العلاج منه الناجحة والفاشلة، فترة طرح الكثير من الأسئلة، البحث عبر الإنترنت حول المرض والعلاج وقصص النجاح.. كانت فادية الطويل من الناس الذين حفزوني كثيرا. أما المرحلة الأصعب فكانت إنكار الذات والواقع، والإبتعاد عن الناس والعيش في "قوقعة سوداء"، هذه أصعب مرحلة عشتها، والسبب أنني صرت عاجزة حتى عن الدعاء، لم أتمكن من التواصل مع أحد، وهو الأسبوع الذي سبق العملية، وقتها إتصلت بأهلي في الجزائر وطلبت منهم أن يدعوا لي، وطلبت عبر الفايس بوك من الجميع أن يدعوا لي لأني "تعبت "، والحمد لله استجاب الله لدعائهم .
– دجى أنت اعلامية جزائرية معروفة.. لكن الناس عرفوك أكثرعبر رحلة كفاحك لأكثر من سنة مع سرطان الثدي.. مما استمديت قوتك في تحدي السرطان؟
استمديت هذه القوة من الله سبحانه، ومن ابني قاسم ومن زوجي وأهلي وكل الناس الذين أحاطوني بالرعاية والحب. ليس سهلا أبدا أن يتحدث الإنسان عن حياته الشخصية أو مرضه أو لحظات الضعف التي يمر بها، ليس بامكان كل إنسان أن يقول إنه مريض أو ضعيف أو محتاج لمساعدة، خاصة إذا كان مثلي عصاميا معتمدا على نفسه، فقد عشت بعيدة عن الأهل وأمي وبيت العائلة لفترات طويلة جدا وبنيت نفسي بنفسي.
زارني الموت كثيرا.. اليوم لا أخافه
– كم مرة زارك الموت ويئست من الحياة؟
بصوت خافت يكاد يختفي : الموت زارني عدة مرات.. تصمت ثم تستطرد قائلة: في البداية كنت خائفة من الموت لكن بعدها لم أعد أخافه، لأنه كان لدي في قرارة نفسي إحساس بأنه لم يحن وقته بعد. خلال مرحلة العلاج بالكيماوي وصل بي الأمر لحد نطق الشهادة لأني شعرت أني سأموت، وقلت لنفسي أنه آخر يوم في حياتي بل هي آخر دقيقة.. لكن بعدها تمر العاصفة وأسترجع أنفاسي وأعود تدريجيا لحالتي العادية..
– إبنك قاسم حفظه الله (5 سنوات) هل لاحظ فرقا في حياته وبيته بسبب مرضك؟ وهل المرور بهذه التجربة هو أصعب بالنسبة لأم ، أم أن وجود الأطفال يعني دافعا آخر للصمود والتمسك بالحياة ؟
أعتقد أن ابني قاسم لم يشعر كثيرا بمرضي، لأنني كنت أتصرف بطريقة عادية جدا، كما أنه كان يقضي أوقاتا في المدرسة. الفرق الوحيد الذي لاحظه إبني علي هو حين فقدت كامل شعري، لما وصلت لمرحلة "الصلع" اضطررت لوضع شعر مصطنع "باروكة"، لكني بعدها سئمتها فاستبدلتها بغطاء شعر سألني يومها "لماذا تضعينها؟"، فنزعتها فتفاجأ لما شاهدني بدون شعر، لكنه فاجأني بالقول "أنت جميلة".. كانت كلماته جرعة تشجيع غريبة.
– كان هناك التفاف كبير حولك من قبل الناس: أصدقاء وزملاء وحتى ناس ربما لا يعرفونك.. إلى أي درجة مهم هذا الدعم للمصاب بالسرطان؟
إلتفاف الناس حولي كان شيئا مفرحا للغاية، كان تعاطفهم معي عميقا، جعلني أشعر بالفرح والفخر والتميز. عدد الذين زاروني في المستشفى أثار دهشة وذهول قسم الإستقبال في المستشفى..الحمد لله
أصريت على العلاج في دبي
– إكتشفت المرض وعالجته بعيدا عن العائلة في الجزائر.. هل هذا صعب عليك الأمر؟
إكتشفت المرض حين كنت في دبي، وأنا من أصر على إجراء كل الفحوصات هنا في الإمارات لأني لم أرد أن أغير شيئا في حياتي، أردت مواصلتها بالطريقة التي بنيتها ورسمتها، لذلك رفضت أن أتعالج خارج الإمارات أو اي بلد آخر، حتى بلدي الجزائر.. لأني كنت مصرة أن أبقى ببيتي وفي عملي وأظل قريبة من إبني وزوجي، وأواصل حياتي بطريقة عادية جدا، والحمد لله أنني تمكنت من فعل ذلك.
– خلال رحلة علاجك كنت تمارسين عملك بشكل عادي.. لدرجة أن البعض لم يصدق أنك مصابة بالسرطان.. كيف تمكنت من التركيز في عملك الإعلامي الذي يتطلب درجة كبيرة من التركيز والصفاء الذهني..؟
قبل أن أقرر مواصلة العمل استشرت الدكتور وسمح لي بذلك وقال إنه بإمكاني مواصلة حياتي بطريقة عادية، والحمد لله أن الجهة التي أعمل بها (إذاعة دبي) الجميع بها على قدر عال من الطيبة والإنسانية، مديرتي أمل الحيان هي أخت وصديقة، كانت حقا قريبة مني في هذه الفترة، تسأل عني باستمرار وتحفزني وتشجعني وتتابع عملي دائما، لذلك كنت مصرة على ممارسة عملي، طبعا الأمر كان صعبا خلال الايام التي أخضع فيها للعلاج الكيماوي.. إذ تتأثر نفسيتي وجسدي بشكل فظيع جدا.
– أكيد هناك شيء بداخلك كان يحدث لم يكن يظهر للناس المصفقين لكفاحك.. صح؟
بل أشياء كثيرة كانت تحدث بداخلي، أولها الخوف من أن أترك طفلا صغيرا يحتاجني ويحتاج لحنانني ووجودي، يحتاجني لأن أربيه ويكبر وأحتفل بأعياد ميلاده وأدخله المدرسة والجامعة وأزوجه يوما ما.. لما لا؟ كنت خائفة من أن لا يسعني العمر لأعيش أياما جميلة مع زوجي.. كل هذه الأفكار لم أكن أظهرها للناس، إضافة للإحباط.. فمرات كثيرة أصاب بالإحباط وأمر بفترات صعبة لكني أتجاوزها، ولم تكن تستغرق وقتا طويلا لأن إيماني بالله كبير وإيماني بالحياة كبير، كما أني كنت دائما محاطة بالأصدقاء والناس الذين يحبوني.
– أنت اليوم ملهمة الآلاف من الذين تابعوا قصتك ومراحل علاجك وكفاحك الفريد من نوعه.. ماذا يعني لك أن تكوني ملهمة لهذا العدد الهائل من الناس الذين باتوا يعتبرونك مرجعا في الشجاعة وقدوة في التغلب على مصاعب الحياة؟
كلمة ملهمة كبيرة علي، لكنني فرحانة لأن قصتي كانت محفزة للكثير من السيدات اللواتي كن خائفات من المرض. أول شيء أردت أن أقدمه للناس هو أن أؤكد لهم أن السرطان قاتل لكنه لا يقتل في الكثير من الأحيان، هو مرض خطير لكن بامكاننا أن نتعايش معه بالوقاية والعلاج ويمكن التغلب على هذا المرض، المهم أن يكتشفه الانسان في مراحله الأولى، وعلى الجميع أن يقوموا بالفحوصات اللازمة.
إقرأ أيضا: خاص | "ممارسة مهنة الطب هي تحد زمني وعملي للمرأة"
أصبحت أقرب إلى الله
– ما الأشياء التي تغيرت في دجى بعد هذه التجربة الصعبة؟
أشياء كثيرة تغيرت في: تقربت لله أكثر، أصبحت إيجابية أكثر، أصبحت هادئة نوعا ما ولم أعد أتعصب كثيرا، أصبحت أحب دجى، أحبها أن تكون دائما مرحة وسعيدة وجميلة، صرت أعتني بنفسي كثيرا، ولم أعد أسمح لدجى أن تتعصب أو تنزعج أوتشعر بالألم، صرت أتحاشى الناس السلبيين وأبحث عن الإيجابيين، آخذ الأمور من زاوية الحل وليس الغوص في عمق المشكل.. فلكل مشكلة حل، أصبحت إيجابية أكثر ومتفائلة أكثر. ورغم أني صريحة بطبعي لكني ازددت صراحة، بمعنى أني أقول ما يختلج صدري ولا أخشى شيئا.
– رغم الدعوات الكثيرة التي وجهت إليك لإستضافتك عبر القنوات والمنابر الاعلامية إلا أنك لا تقبلين، لماذا التحفظ على الظهور في الاعلام؟
لست متحفظة على الظهور في الإعلام لكني لا أريد أن أتاجر بمرضي وتجربتي الخاصة مع السرطان. أحب أن يكون ظهوري في الإعلام لدعوة النساء لإجراء الفحوص اللازمة الدورية والسنوية للإطمئنان على صحتهن. لأن هناك الكثير من السيدات في العام 2017 يتخوفن من خطوة إجراء فحص " الماموغرام "، بل منهن من تخاف أصلا الحديث في الموضوع. أنا أدعوهن عبر صفحة " المغاربية الآن " للتوجه للطبيب وإجراء الفحص وعدم الخوف
– ألا تنوين تدوين تجربتك مع السرطان في كتاب ؟
طبعا أفكر في تدوين التجربة في كتاب، لأن الذي عشته في عام ونصف يمكن ان تكتب عنه كتب وليس كتابا واحدا.
– اليوم تمارسين عملك في قناة إذاعة دبي التابعة لمؤسسة "دبي للإعلام "، تعدين وتقدمين نشرات الأخبار، كما تعدين وتقدمين برنامجا ناجحا ومميزا عن الاطفال.. حدثينا عنه؟
تجربتي في إذاعة دبي من أحلى التجارب في حياتي، رغم أني بنت التلفزيون، لكن الإذاعة بالنسبة لي حلم وتحقق لأن أول تجربة إذاعية لي كانت في إذاعة سطيف الجهوية في 1996 ، وبعدها في 2014 التحقت بإذاعة دبي كمعدة ومقدمة أخبار، و بعد اكتشاف مرضي رغبت في أن يكون لي برنامج والحمد لله وفقت في ذلك، قدمت برنامج " عام القراءة " و برنامج " فواصل " عن القراءة وهو عبارة عن ملخصات من القصص العربية والغربية، والآن أقدم برنامج "صغار كبار" الموجه للأطفال والأولياء، من بين فقراته: "المفكرة الصغيرة" وفقرة "هل تعلم " و "التربية الأخلاقية" يقدم مادة مفيدة وقيمة للأطفال والأولياء، إضافة لفقرة "كان يا مكان" نقوم من خلالها بقراءة قصص صغيرة للأطفال.
عملي بإذاعة دبي ساعدني على تجاوز محنتي
– خضت هذه التجربة الإعلامية الناجحة في أصعب مرحلة في حياتك، فكيف تعيشينها حاليا؟
ساعدني المحيط المهني على تجاوز محنتي العصيبة، اليوم أنا مستمتعة جدا بالعمل في إذاعة دبي، وبالعمل مع الاطفال، طبعا هناك فرق بين العمل في الأخبار الجادة وبين البرامج الخاصة بالأطفال، أطقلت العنان لدجى الأم والطفلة التي لا تزال بداخلي، كل شيء في العمل تغير من الصوت إلى طريقة القراءة، إنها حقا تجربة ممتعة جدا.
– معروف عنك منذ كنت في الجزائر إضافة لكونك إعلامية كفؤة فأنت طموحة جدا.. ما هي طموحاتك الآن؟
تقول بفرح: طموحاتي كبيرة جدا أطمح لأن أكون إعلامية لامعة ومتألقة، أطمح لتقديم برنامج إجتماعي يعالج العديد من القضايا، أحلم بولوج عالم العمل التطوعي، أطمح لأن أكون إنسانة فاعلة في المجتمع.. طموحاتي وأحلامي كبيرة جدا، والحمد لله أن الله سبحانه وتعالى وفقني في تحقيق جزء منها.
– كلمة لمن يلعن الظلام في هذه الحياة.. لمن ييأس من الحياة لمجرد عثرة أو فشل..
أقول لهؤلاء: مثلما هناك ظلام فإن هناك نور والظلام لا يدوم، الله سبحانه عز وجل لما خلق الليل والنهار كانت له حكمة في ذلك، طبيعي أن نمر بفترات عصيبة في حياتنا، وطبيعي أن نتعثر.. المهم أن ننهض بعد كل عثرة، علينا أن نكون متفائلين ومحبين للحياة ولدينا أمل.
– دجى بن فرج شكرا جزيلا على هذا الحوار الاستثناء لصفحة "المغاربية الآن "..
أشكر صفحة "المغاربية الآن" على هذا اللقاء الجميل الذي ذكرني بفترة لم ولن أنسها طوال حياتي، وهي أهم فترة في عمري لأني عرفت خلالها أن الحياة جميلة، ونحن نمر بتجارب وإمتحانات كبيرة في حياتنا، المهم أن نخرج منها فائزين وأقوياء، ونكون إيجابيين ولدينا أمل.. لأن مع إشراقة كل يوم جديد هناك إيجابيات وحب وسعادة والكثير من الأمل.
إقرأ أيضا: يوم المرأة العالمي.. التسلسل الزمني لنضال المرأة من أجل نيل حقوقها