مساعد الأمير المنشق: العنف ليس حلاً وأقول لمسلحي القاعدة والقيادات “عودوا لأهلكم وأوطانكم”
توالت أخبار تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هذا الشهر، شباط/ فبراير من العام الحالي، فقد سبق وخرجت للعلن أنباء انشقاق قياديين وأفراد من القاعدة في الأشهر الماضية، استطاعت أخبار الآن إثباتها كذلك في مقابلات وتحقيقات حصرية أجرتها مع قياديين منشقين عن القاعدة.
من بين الأنباء التي تم تناقلها، عزل التنظيم لزعيمه خالد باطرفي بعد خلافات حادة بينه وبين القيادي أبو عمر النهدي والمواليين له، وخبر آخر عن احتمال تسليم نفسه للسلطات المختصة ووجوده بين القبائل في حضرموت.
في الرابع من هذا الشهر، أعلنت الأمم المتحدة اعتقال باطرفي في تقريرها الصادر عن الفريق المتخصص بمراقبة الجماعات المتطرفة، وفيه أن باطرفي، “اعتقل في عملية بمدينة الغيضة بمحافظة المهرة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي”، كما أضاف التقرير أن العملية أدت كذلك “إلى مقتل نائبه سعد عاطف العولقي”.
هذا بحد ذاته وجه ضربة معنوية للقاعدة، إذ أن باطرفي كان قد أعلن في خطاب تنصيبه زعيماً للتنظيم، أن “استشهاد قادتنا دليل على الصدق في منهجنا”، وبالتالي فبقاؤه على قيد الحياة يعني أنه قد سلم نفسه بشكل أو بآخر.
لكن خالد باطرفي لم يلبث أن ظهر في إصدار مرئي في العاشر من الشهر الحالي في حسابات تتبع للقاعدة في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أيام قليلة على تقرير الأمم المتحدة، في إصدار مرئي مدته 20 دقيقة بعنوان :أمريكا والأخذ الأليم”.
حاول باطرفي في هذا التسجيل دحض خبر اعتقاله أو تسليمه لنفسه، وظهر مرتديًا الزي الشعبي اليمني، وهذا يعدّ محاولة بصرية لحشد التعاطف وإظهار القبول الشعبي في اليمن.
محاولات تدحضها المعلومات التي ترد أخبار الآن من القياديين المنشقين الذين تجري معهم لقاءات حصرية، ومنهم من يرغب باللقاء ليوجه رسائل لمن بقي في القاعدة بالتراجع عن هذا الفكر ونبذه والعودة للوطن والمجتمع والأهل.
تستكمل أخبار الآن، في هذا التقرير، المقابلة الحصرية التي أجرتها مع قيادي من القاعدة كان منصبه مساعد أمير، قبل أن يفهم الصورة على حقيقتها كما قال، ويتوب عن التغرير به، وينشق عن التنظيم، ويقرر العودة بمساعدة أحد أصدقائه الذي سهل التنسيق له مع السلطات لعودة آمنة، وها هو قد عاد لأولاده وعائلته وأهله واليمن.
مساعد الأمير المنشق: القاعدة زرعت قلقاً وخوفاً في مجتمع يحب الأمان والاستقرار
أخبرنا مساعد الأمير السابق، أنه متزوج ولديه بنت وولد، وكان زواجه قد حصل قبل التحاقه بالقاعدة، وقال: “تزوجت قبل الالتحاق بالتنظيم ولكن ظروفي المادية هي التي لم تسمح لي، فالتحقت بالتنظيم ومن ثم حين أخبرني صديقي بأني سأعيش عيشة كريمة إن رجعت فكرت حينها بأولادي، وأني سأعيش معهم، وأنهم ظلوا 3 سنوات ونصف تقريباً من غير أب”.
وأضاف “أعتقد أن البعض ظنّ أنني مت بعد غياب طويل، ولكن عندما ساعدني صديقي وأخبرني، وكان أحياناً يرسل لي صوراً لأولادي، هم كانوا من أسباب أنني أرجع مرة أخرى وأعيش حياتي الطبيعية”.
وعند سؤاله عن موقفه من السلاح الآن وقد عاد للمجتمع المدني في اليمن، كشف هذا القيادي المنشق عن القاعدة أن “عند عودتي إلى أوساط المجتمع، اقتنعت وقتها أن العنف ليس حلًا، اقتنعت وقتها أن التشريد في الوديان والمغارات ليس حلًا، اقتنعت وقتها أنه شيء اسمه بالقوة ليس حلًا نهائياً، فنحن اليوم نعيش بعصر العقلانية، وطبعاً نحن في حضرموت الكل مثقف، والكل عندنا لديه نزعة “لا للسلاح”، الكل يحب أن يعيش بأمان، والكل يحب الاستقرار”.
وأردف القول، “لذلك نحن حين خطونا هذه الخطوة مع التنظيم، زرعنا شيئاً اسمه قلق وخوف في هذا المجتمع، فالكل كان يخاف من السلاح، المجتمع الذي أعيش فيه مجتمع متعاون، ومجتمع لا يحب العنف، مجتمع تستطيع أن تقول أنه خالٍ من السلاح تماماً في ظروف هي التي جعلت البلاد تمر في هذه المرحلة”.
ودعا مساعد الأمير المنشق على رفاقه السابقين في القاعدة أن ينبذوا العنف والفكر هذا، “أتمنى من أصدقائي أن يعودوا ونجعل بلادنا آمنة كما كانت في السابق”.
مساعد الأمير المنشق: عندما سنحت لي المقابلة تكلمت لكي يعود الشباب لأوطانهم ومحاولة تجنيب المجتمع ويلات الاقتتال
لم يقبل مساعد الأمير السابق والمنشق عن القاعدة أن يكشف لنا أياً من الأسماء القيادية أو العادية التي انشقت وتابت عن فكر التنظيم، لافتاً إلى أن ذلك لن يخدم أحداً، فضلاً عن أنه سيعرض حياته وحياة أهله للخطر لأن هويته ستكشف حينها لما كان له من مكانة في القاعدة.
وأصرّ على ذلك، فقال “طبعاً أنا أتحفظ على أسماء القيادات، وأسماء الانشقاقات والأشياء حفاظاً على العهود التي قضيناها، يعني أنه أنا أترك التنظيم والعودة إلى أهلي هذه بالنسبة لي عهود أن لا أحد يلاحقنا أو يضرنا، والكشف عن أسماء المنشقين لا يخدمنا ولا يخدم أي أحد، فأنا أتحفظ على هذه الأسماء وعلى أي شيء بمقابل هذه الأشياء”.
وأضاف “لكن هناك شيء أردت تقديمه، بمعنى أنه في حال مثلًا رغبت بالعيش بطريقة سليمة وجميلة جدًا، فليس هناك من داعٍ لإقحام نفسي في ذكر أسماء أو تواريخ أو أشياء ليست في صالحي ولا في صالح المجتمع”.
وأكد أنه، “أنا عندما قلت هذه الأشياء وسنحت لي هذه المقابلة، تكلمت لكي يعود بعض الشباب إلى أوطانهم وإلى أهلهم، ولمساعدة المجتمع الذي نعيش فيه من ويلات الحروب والاقتتال، وويلات المعارك، وويلات الدماء التي طالما بكت منها العيون الحضرمية، عيون أمهات وأباء وزوجات وأبناء، فأنا أحاول تجنيب هذا المجتمع الذي قد أقول عليه المجتمع الطيب، من هذه المشاكل وهذه الويلات”.
كما شدّد أنه “إنما أردت في هذا اللقاء أو التقرير الذي أتكلم به الآن، أن يرى أصحابي وأصدقائي الذين يهربون في الوديان وفي أماكن أخرى، أنه لا يزال هناك أناس ناجحون، وسترجعون وتتخطون هذه المرحلة والعيش مرة أخرى”، شارحاً لمن يوجه لهم كلامه من مسلحي القاعدة أنه “يعني في تحدي بينك وبين ذاتك، البعض يقول لك يا أخي أنا شاركت، والمجتمع لا يقبلنا. بالعكس، المجتمع الحضرمي مجتمع متراحم قَبول، تستطيع أن تتجاوز هذه المرحلة ولكن بإرادة”.
وتابع موجهاً حديثه لمن لا يزالون تحت لواء القاعدة “أنت قل أنا أريد أن أعيش مرة أخرى، وسوف يسمح المجتمع بهذا، وأنا إنما أردت أن يرى رفاقي السابقون في القاعدة أنني مثال ناجح، أستطيع أن أعيش مرة أخرى في وطني وبين أهلي، وللعلم أنا أتحفظ أيضاً على أسماء وأشياء، لأنه لن يكون هناك في ذكرها أي تقديم أو تأخير، فهذه الأشياء التي أنا متحفظ عنها الآن، فهي لكي أعيش بحرية وطلاقة وسلام، وأتمنى من الكل الذين يسمعون هذا الكلام أن يعودوا مرة أخرى إلى أوطانهم، وأن يروا مثالاً ناجحاً لهم وهو أنا”.
طرحنا عليه سؤالاً وفق المعلومات التي قالها لأخبار الآن قيادي منشق آخر كنا قد أجرينا لقاءاً معه في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهو أن خلافاً كبيراً وقع بين القيادي في القاعدة أبو عمر النهدي وباطرفي، وعما يعرفه هو عن أسباب الخلاف فتمسك بتحفظه عن ذكر أي معلومات أو أسماء، مؤكداً أنه منذ انشقاقه لم يتواصل مع القاعدة ولا يريد أن يتدخل في أي من مواضيعها، فهو قد بدأ حياة غير تلك التي عاشها مع التنظيم.
وبدا واضحاً أنه قد اتخذ قراراً بعدم الخوض بأية معلومات يعرفها بحكم كونه قيادي سابق، تولى مركزاً يخوله معرفة معلومات حساسة، فقد كرر قوله “أنا مرة أخرى، وقد ذكرت من قبل، أنا أتحفظ على هذه الأشياء حفاظًا على سلامتي وسلامة أهلي وسلامة الوطن بأكمله، فهذه أشياء لا تخصني، أنا الآن أعتبر مواطنًا لي حق الحرية، وحق الاختيار بالعيش الكريم، فلا أريد أن أدخل مرة أخرى في هذا المجال، فأنا لا أريد أن أقول أنني مارست أو لاحظت أو شهدت انشقاقات”.
وأوضح “أنا إن ذكرت هذه الأشياء، فأنا رجل معروف لديهم، يعرفون من هو أنا، ويعرفون مدى قدراتي هناك في التنظيم، لكن الآن، أنا شخص آخر، أنا متغير تماماً عما يرونه سابقاً، فلا لي شأن ولا لي دخل في هذا الموضوع”.
كما أكد أنه لا معلومات جديدة لديه عن حال التنظيم أو خبر عزل باطرفي من عدمه، أو حتى اعتقال وأي أخبار أخرى، قائلاً “بصراحة بعد تركي للتنظيم، لا أدري من تولى قيادته، ولا أدري هل تم عزل باطرفي أو لم يتم عزله، فأنا الآن بعيد كل البعد، إذا سألتني سؤال عن التسويق الإلكتروني والتجارة سأخبرك، ولكن في هذا المجال صدقني لا أستطيع”.
مساعد الأمير المنشق: القاعدة وعدت مسلحيها بمناصب وإمارات وأشياء خيالية لكن آمالهم تلاشت
ورداً على سؤال حول الرسالة التي قد يوجهها لقياديي القاعدة ومسلحيها الذين قد يكونون راغبين في العودة للمجتمع المدني ويتخوفون من هذه الخطوة، قال مساعد الأمير السابق، “الآن تنظيم القاعدة يشهد خروجاً كبيراً وانشقاقات كبيرة، بالتالي وبسبب القوة الأمنية التي تشهدها الآن محافظة حضرموت وبعض الأجزاء من المحافظات الأخرى، أصبحت القاعدة ضعيفة، وأصبح الدعم شبه منته، وأصبحت الإستخبارات العسكرية قوية جداً، فضيقوا الخناق”.
وأضاف “البعض يقول، يا أخي أنا أستمر في تنظيم القاعدة ونهايتي مجهولة، لماذا؟ كان البعض يستمر في التنظيم لأنهم كانوا موعودين في مناصب، وكانوا موعودين بإمارات، وكانوا موعودين بأشياء خيالية جداً”.
وتابع قائلًا “فالبعض عندما رأى الآمال تتلاشى، وبدأ يحس بالأمان وبأنه بإمكانه أن يعيش مرة أخرى مع أهله وأصدقاءه، ويقدر أن يتمشى بطريقته في المحافظة وفي المديرية وفي المكان الذي كان يسكن فيه، ويقدر أن يذهب إلى مقهى، من غير قيود، بالتالي يفضل الانشقاق لأنه أفضل، فهذه هي أكثر الأشياء التي جعلت الشباب والذين ينتمون لهذا التنظيم بالابتعاد عنه”.
كما أراد أن يوضح تجربته أكثر ليفهم من يوجه لهم دعوته للعودة إلى أنهم مغرر بهم باسم الدين لأنه قد لمس شخصياً أن أهداف القاعدة سياسة، فأشار إلى أنه “أنا عندما دخلت في التنظيم لم آتِ إلى قوة أو عنف، لكن هناك تعبئة، وتعبئة خاطئة تلقيتها تفيد بأنني أنا أمشي على طريقة الدين الإسلامي، وأنني اليوم يعني أقاتل من أجل دين، وأنني أقاتل من أجل شريعة، وأنني أقاتل من أجل وطن فيه عدل وأمان يكون فيه الحكم بالدين الإسلامي”.
أما الحقيقة التي ظهرت له فهي كما وصفها، “لكنني لم أجد الشيء هذا، بمعنى إذا كنا فيما بيننا في القاعدة نتقاتل ونتناحر، فكيف سنقوم بتطبيق الشريعة على الآخر، الذي هو مجتمع، على ما أعتقد أن الكل فيه مسلم ويعرف أين الحدود وأين هي التجاوزات، فما الداعي لهذا؟ هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل تنظيم القاعدة يأخد منك غرض المقارنة، بأنه ليس غرضاً دينياً وإنما غرض سياسي”.
وكشف أن ما يحدث للشباب هو استهدافهم بالدين مثل الطعم، “لكن الهدف بالتطعيم وأنك تلتحق بالتنظيم، وأنا لو عرفت من البداية أن الهدف سياسي لما كنت التحقت به، لكنهم يغرونك بداعي الدين لكي تمشي في هذا الطريق”.
وكرر القيادي المنشق دعوته لأفراد القاعدة للعودة إلى مجتمعاتهم: “أقول لمسلحي التنظيم وللقيادات أتمنى أن تعودوا إلى أهلكم، أتمنى أن تعودوا إلى أوطانكم، أتمنى أن تكونوا مثل إخوانكم، مثلي، ماذا يمنع؟ ما هو الذي يمنع أن تعيش مثلي؟ ليس من العيب أن تكون في شركة محلية للإعلام، ليس عيباً أن تكون شخصَا آخراً، ليس عيباً إن أخذت طريقي وأتمنى منكم أن تسلكوا هذا الطريق”.
ومد مساعد الأمير المنشق يده لكل من يريد الانشقاق عن القاعدة والعودة للمجتمع المدني، مبيّناً أنه “إن كنتم تريدون العودة فلا مانع، نحن الذين عدنا إلى الوطن، سوف نحاول التنظيم والتنسيق بينكم وبين السلطات للعودة إلى أوطانكم مرة أخرى”.