في العام 1997 تمّ تشييد المنحوتة الفنية التي أطلق عليها اسم “عامود العار”، وتمّ منحها آنذاك إلى تحالف هونغ كونغ، وهو منظمة مؤيدة للديمقراطية في الصين، تأسست في العام 1989. وتخلّد تلك المنحوتة الفنية ذكرى ضحايا النهاية الدموية لتلك المنظمة.
- جدل حول “عامود العار” الذي تريد الصين إزالته بغية طمس حقيقة مجزرة تياننمن في هونغ كونغ
- تفاصيل عن منحوتة غالشيوت “عامود العار” الذي يبلغ طوله 8 أمتار ويضم 50 جثة ملتوية
- غالشيوت: حزين على هونغ كونغ وقد كنّا ظننا في وقت ما أنّها ستكون مساحة لحرية الرأي
- غالشيوت: الصين تتصرف أحياناً بغباء وهي ساعدتنا بجعل العالم كله يتحدث عن “عامود العار”
- غالشيوت: لو حطّمت السلطات الصينية التمثال سنجمع أجزاءه لنصع تمثالاً آخر
اشتهرت المنظمة بتنظيم وقفة احتجاجية سنوية في الرابع من يونيو من كلّ عام، إلى أن تمّ حظر التجمع في العام 2020، فيما أثير جدل واسع حول النية بإزالة هذه المنحوتة من حرم جامعة هونغ كونغ، ليزال بذلك ما قيل إنّه العمل الفني الأخير على الأراضي الصينية، لإحياء ذكرى الأحداث الدامية في ميدان تياننمن.
تمّ إنشاء عمود العار من قبل الفنان الدنماركي ينس غالشيوت، والذي يشعر بالحزن لما تريد أن تقوم به الصين لناحية محو معلم فني تاريخي، يجسد مدى الظلم الذي تمارسه الصين على مَنْ يتحدّى سلطتها.
يصوّر التمثال الذي يبلغ ارتفاعه 8 أمتار، والذي يعتبر معلماً بارزاً في جامعة هونغ كونغ على مدار 24 عاماً، 50 جثة ملتوية إحياءً لذكرى أحداث 4 يونيو 1989، عندما قام جيش التحرير الشعبي بإخلاء ساحة تياننمن في بكين، من المتظاهرين المؤيّدين للديمقراطية. وتتراوح تقديرات عدد القتلى آنذاك من المئات إلى الآلاف.
غالشيوت: الصين تريدنا أن ننسى ما فعلته في العام 1989 بحقّ الصينيين في تياننمن
وأشار غالشيوت، في حديث خاص مع “أخبار الآن“، إلى أنّه صدم عندما قرأ في الصحيفة أنّهم يريدون نقل التمثال من جامعة هونغ كونغ، قائلاً: “لقد دُهشت جدّاً عندما سمعت ذلك لأنّ التمثال موجود هناك منذ 25 عاماً، لكنّني سُررت بالمناقشات التي حصلت لأنّ هذه المناقشات ألقت الضوء على الموضوع، وأوقفت عملية النقل الآن، إلاّ أنّ تلك الفترة موقتة، وقد طالبنا بمنحنا المزيد من الوقت لننقله، في البداية كانوا يريدون نقله خلال 4 أيّام وإلّا سيحطمونه بطريقة ما، ربحنا الآن وذلك بسبب الإهتمام الدولي بالأمر”.
وأضاف أنّ “الصين تريدنا أن ننسى ما فعلته في العام 1989 بحقّ الصينيين في تياننمن. هم يحاولون طمس الموضوع، ويرون أنّ الناس تقصد ذلك التمثال في هونغ كونغ لوضع الزهور حوله، والعديد منهم يتقابلون كلّ أسبوع هناك ليتحدثوا عمّا جرى في تياننمن. أعتقد أنّ تلك خطوة لمحاولة محو القضية، ذلك هو السبب الرئيسي، وثمّة سبب آخر هو أنّ العمل يرمز إلى حرية التعبير في هونغ كونغ، وهم لا يريدون وجود هكذا رمز في المدينة”.
وتابع غالشيوت: “عندما تصنع عملاً فنيّاً، فأنت تخلق رمزاً جديداً. عندما هاجمت الصين عامود العار، وعندما هاجم المثقفون في العالم الصين على قرارها، فأنت قد خلقت قصة وأعطيت قيمة أكبر للعمل الفنّي، لذا لا يمكنك أبداً أن تقتل أيّ عمل فني، بل يمكنك فقط أن تجعله أكثر أهمية، والطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها أن تقتل العمل الفني، هي أن توقف الحديث عنه، فعندما لا تقول شيئاً، عندها يموت العمل، أمّا إذا استمريت بالحديث عنه، فهو سيعيش، لذا أعتقد أنّ ذلك هو الهدف، لكنّه لن يموت، أعتقد أنّه سيبقى إلى الأبد، سننقله ونضعه عندنا، ولعل الصين ساعدتنا لنلفت الإنتباه إليه”.
وعن كيفية العمل لنقل التمثال من هونغ كونغ، أوضح غالشيوت لـ “أخبار الآن“ أنّ ثمّة أشخاصاً في هونغ كونغ يقومون بمسح ثلاثي الأبعاد، سيتمّ توزيعها مجاناً، قائلاً: “سنقول حسناً وزّعوا هذه النماذج ليحصل العالم كلّه على نسخ منه”. وأضاف: “أعتقد أنّ ذلك أمر جيّد، ثمّ سأتوجه إلى هونغ كونغ وأنقله إلى أيّ مكان في العالم… ليس لديّ أيّ فكرة إلى أين حالياً، ربّما إلى الدنمارك كي أرمّمه أو إلى الولايات المتحدة، وهناك احتمالات أخرى وأماكن كثيرة. أقول إنّنا في وضع جيّد لأنّنا ربحنا هذه القضية، ذلك انتصار للفن برأيي”.
غالشيوت: أعتقد أنّ الحكومة الصينية تتصرف بغباء أحياناً وقد ساعدتنا بجعل التمثال رمزاً عالمياً
وأردف: “إذا توصّلنا إلى اتفاق مع السلطات الصينية وجامعة هونغ كونغ، وأعتقد أنّنا سنفعل، عندها سنأخذ القطعة وأعتقد أنا مَنْ سيقوم بذلك، لكن أعتقد أنّ لدينا مشكلة، إذ من الممكن أن لا يسمحوا لي بدخول هونغ كونغ، أمّا في حال تمكّنت من الدخول، فسأضعه في حاوية، ثمّ أشحنه إلى أوروبا وأعيد تجميعه هناك. لقد قمت بذلك العمل من قبل عندما وضعته في هونغ كونغ وغيره من الأعمال الفنية في المكسيك وبلجيكا، لذا أنا أجيد ذلك العمل، ولكنّني حالياً لا أعلم كيف سأنقله”.
وعبّر غالشيوت عن حزنه للقرار، مشيراً إلى أنّهم لا يريدون التمثال لأنّه يعتبر رمزاً في هونغ كونغ، كان رمزاً كبيراً في هونغ كونغ، والآن أصبح رمزاً مهمّاً للعالم أجمع، وطبعاً إذا الصين أجبرت الجامعة على تدمير عامود العار، وطبعاً لديها النية لفعل ذلك، فإنّ ذلك سيكون خطوة غبية جدّاً من قبل الحكومة الصينية. لكن أعتقد أنّ الحكومة الصينية تتصرف بغباء أحياناً، لذا من الممكن أن يحصل ذلك، وإذا فعلت ذلك وحطمته إلى قطع صغيرة، سنحاول أخذ القطع ونصنع منحوتة جديدة. أنا ما زلت أعمل في النحت، ولديّ ورش عمل كبيرة، يمكننا أن نصنع عاموداً جديداً إذا حصل أمر ما. إذاً، لا يزال لدينا الرمز هو كالفينيق، إذا حرقته سينهض من جديد”.
وأوضح غالشيوت أنّه هدفه إلقاء الضوء على ما حصل في تياننمن.. “الجميع يتحدّث عن التلاميذ الذين قتلوا في العام 1989 في بكين. إنّ ذلك انتصار للفن، وذلك ما نريده، أودّ التركيز على عدم نسيان ما حصل في ساحة تياننمن في العام 1989.
وعن الشرارة التي دفعته آنذاك للشروع بإنشاء هذه المنحوتة، قال غالشيوت لـ”أخبار الآن“: “ذلك حصل منذ عدّة سنوات، منذ 27 عاماً عملت عليه لمدّة 3 سنوات، وذلك بسبب القمع الذي حصل في تياننمن. كلّ التلاميذ في العام 1989 كانوا مسالمين، كانوا يرقصون ويعزفون في الساحة، رأيت الديمقراطية تصل إلى الصين في تلك اللحظة، ثمّ استقدمت الصين الدبابات وقتلت العديد من الناس هناك”.
ولفت إلى أنّ “ذلك كان محزناً جدّاً”، قائلاً: “كنت أساعدهم لنشر بعض المعلومات في الصين، ثمّ فكرت بأنّني أريد بناء نصب ليذكّر بتلك القصة لأنّني كنت أعلم أنّ الصين ستحاول طمس القضية، والآن بدأت بصنع منحوتات ووضعها في أماكن مختلفة في العالم للتذكير بالقصص، خصوصاً القصص التي لا يريدون أن يتذكروها، وأعتقد أنّ ذلك مهم جدّاً، بالعادة تضع نصباً لتكريم أحد ما، لكنّنا هنا نريد تكريم الحدث، القصة التي حصلت”.
غالشيوت: معاناة الإيغور كبيرة جداً ومن المعيب أن يجلس العالم من دون أن يفعل شيئاً حيال الموضوع
وتابع: “أنا حزين فعلاً لأنّني اعتقدت أنّه سيبقى إلى الأبد في هونغ كونغ، وأنا حزين أيضاً لأنّ كلّ الناس الذين عملت معهم لسنوات، هم الآن في السجن، وهم أناس محترمون، أطباء ورؤساء نقابات، إنّهم أشخاص مسالمون وكلّهم في السجن، وأنا أعلم أنّهم مسجونون ولا يمكنني أن أفعل شيئاً، أنا أفكر بطريقة لمساعدتهم، لا أستطيع التواصل معهم”.
وأضاف: “أنا هنا في الدنمارك لكنّني حزين جدّاً على ما يحصل في هونغ كونغ، ظننت أنّ الصين عقدت إتفاقاً مع العالم، دولة واحدة ونظامان، نظام للصين ونظام لهونغ كونغ يمنح الشعب حرية الرأي والتعبير، لكن الآن هناك دولة واحدة ونظام واحد، وذلك خرق للقوانين، وأنا حزين جدّاً لما يحصل، أنا أحب هونغ كونغ كثيراً، فهي بلد جميل وشعبها طيب، وهم يتعرضون للقمع الآن”.
وعمّا إذا كان يفكّر ببناء نصب تذكاري يجسد معاناة أقلية الإيغور، ردّ بالقول: “حاولت لفت الإنتباه إلى مشكلة المسلمين في إقليم شينجيانغ، وحاولت أنّ أفعل شيئاً، لكن من الصعب جدّاً الدخول إلى الصين، لكن تواصلت مع بعض الجمعيات للفت الإنتباه للموضوع”.
وختم بالقول: “أعتقد أنّ العديد من الناس تطرّقوا إلى ما يحصل مع عامود العار داخل الصين في شينجيانغ، لديهم معسكرات اعتقال، ربّما نحو المليون من هؤلاء الناس موجودون في معسكرات الإعتقال، وأعتقد أنّه من المعيب أن يجلس العالم من دون أن يفعل شيئاً حيال الموضوع، أنا لا يمكنني أن أفعل الكثير، أنا مجرّد نحّات أحاول لفت الأنظار للموضوع والتحدث عنه”.