فيما أعلنت حكومة مالي أنّه تمت مطالبة السلطات الدينية في البلاد بفتح مفاوضات مع الفرع المحلي التابع لتنظيم القاعدة تنشط عدة مجموعات في مالي الا انّ جماعة نصرة الإسلام و المسلمين، فرع القاعدة في مالي التي يتزعمها إياد أغ غالي تبقى الأخطر من بين هذه المجموعات.
هو اليوم أبرز وجوه القاعدة والوحيد الذي تمكّن من الحفاظ على وجودها وهيبتها في الساحل الإفريقي فيما خفت نجمها في آسيا والدول العربيّة حيث أبرز معاقلها، فكيف تمكّن أغ غالي من الإمساك بقبضة من حديد على مفاصل نفوذ القاعدة في الساحل الإفريقي؟ وما هو السيناريو المحتمل في مالي بعد تجربة أفغانستان؟
من هو إياد أغ غالي؟
• ولد إياد آغ غالي عام 1954 في مدينة كيدال في مالي وهو ينتمي إلى قبيلة إيفوغاس.
• أرغم الجفاف الكثير من شباب الطوارق على ترك أرضيهم وكان أغ غالي أحدهم، فقد هاجر بدوره إلى ليبيا ثم إلى لبنان وتشاد.
• امتاز إياد أغ غالي بالغموض فهو نادراً ما كان يتحدّث إلى السكان في تمبكتو حيث أقام لفترة من الزمن لذلك يقال عنه أنه هادئ الطباع، غير أن لهدوئه هذا حدود إذ ينتفض ويغضب كل ما يأتي أحد على ذكر ماضيه أو تذكيره به إذ كان مولعاً بشرب الخمر ومعاشرة النساء بحسب ما نشرت مجلة الفورين بوليسي.
• اعتنق أغ غالي الفكر الجهادي وكان عضواً في كتائب العقيد الليبي المخلوع معمر القذافي، ومع انهيار نظام القذافي، عاد من ليبيا إلى أزواد وبدأ بتجميع المقاتلين الطوارق ليكونوا نواة تنظيمه الجديد الذي سيطر فيما بعد على مناطق واسعة من شمال مالي.
• في التسعينات قاد أغ غالي قتال متمردي الطوارق ضد حكومة مالي وكان في ذلك الوقت أقرب إلى الفكر اليساري القومي منه إلى الإسلامي. وبعد عام من المعارك دخل الطوارق في صلح مع حكومة باماكو بوساطة إقليمية، ليتقلد آغ غالي نتيجة هذا الصلح منصب قنصل عام في السعودية، لكنه اختفى بعد اتفاق 1991 الذي قادته الجزائر عن الساحتين السياسيّة والعسكريّة ليظهر من جديد في عام 2000 كوسيط للإفراج عن رهائن غربيين اتهمت القاعدة في بلاد المغرب والشام بخطفهم.
• مرّة أخرى تمكّن أغ غالي في العام 2003 من المساعدة على إطلاق سراح 14 أوروبياً غالبيتهم من الألمان بعد اختطافهم على يد مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة في الجزائر ويقال أنه جنى ثروته من مساهماته العديدة في مفاوضات ووساطات إطلاق الرهائن.
• في العام 2006 نفّذ الطوارق تمرّداً ما دفع الرئيس المالي السابق أحمد توماني توري إلى تأسيس مليشيا مشتركة مؤلفة من العرب والطوارق ووضع على رأسها محمد آغ غامو، وهو من قبيلة تابعة لقبيلة إيفوغاس التي ينتمي إليها غالي. أصبح غامو ورجاله سادة منطقة كيدال، ما دفع بأغ غالي إلى محاولة استرجاع مجد قبيلته من خلال تأسيس حركة مسلحة هي أنصار الدين.
• في بداية عام 2012، كانت حركة أغ غالي تفتقر للتمويل، ففيما كانت حركة أنصار الدين تمتلك ثلاث سيارات فقط، كان لدى الحركة الوطنية لتحرير أزواد عشرات المركبات المختلفة. فقرر أغ غالي التقرّب من تنظيم القاعدة بهدف الحصول على دعمها المالي.
• مع تقرّب أغ غالي من القاعدة، بدأت جماعته بفرض تعاليم الشريعة الإسلاميّة في شمال مالي حيث مناطق نفوذه، فحظّر الموسيقى ومنع التدخين كما فرض العقاب على النساء اللواتي لا ترتدين لباساً محتشماً.
تصاعد نجوميّة أغ غالي كقائد محتمل للمرحلة المقبلة
مع مقتل زعيم تنظيم القاعدة في العام 2011 بدأت هيبة التنظيم بالتراجع وخصوصاً بعد أن تلا قتل بن لادن اغتيال قيادات أخرى نافذة بالتزامن مع بروز نجم تنظيم الدولة الإسلاميّة، إلى ذلك أدّى تعرّض قيادات بارزة للإغتيال والتصفية في أفغانستان وإيران واليمن وسوريا كما وضعف بنية التنظيم في العراق إلى تراجع فرع القاعدة في آسيا، لكن مقابل كل ذلك كان فرع التنظيم في الساحل الإفريقي يزداد قوّة وبروزاً على الساحة الجهاديّة، فمن يقف خلف ذلك ولماذا؟
إنها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، فرع تنظيم القاعدة في الساحل الأفريقي الذي يقوده أغ غالي الذي تمكّن من الحفاظ على قوّة التنظيم سواء على مستوى العتاد العسكري أو على مستوى العديد البشري، كما وحافظ على وجوده السياسي عبر تحقيق مكاسب سياسيّة لافتة ما جعل اسمه مطروحاً لخلافة أيمن الظواهري.
فما هي هذه المكاسب التي حققها أغ غالي وكيف تمكّن من الحفاظ على قوّة تنظيمه؟
• حقق أغ غالي انتصارات ميدانية وسياسية وعسكريّة في إفريقيا أدّت إلى فرض قوّة تنظيم القاعدة من خلال الحروب والمواجهات العسكرية التي قادها، بالإضافة إلى العمليات التي شنّها ضدّ القوات الفرنسيّة والغرب في مالي.
• كان لأغ غالي دوراً بارزاً في الترويج لفكر القاعدة ومزجه بالعصبيّة الإثنية والقبليّة المحليّة.
• عقد صفقة تبادل سجناء، حرّر بموجبها مئة وثمانين عضواً من أعضاء تنظيمه في مقابل إطلاق سراح أربعة رهائن غربيّين مختطفين لدى جماعة نصرة الإسلام.
• انتزعت هذه المكاسب مكاناً مرموقاً وسمعة مميّزة لأغ غالي لدى أنصار القاعدة في مقابل تراجع شعبية التنظيم في دول عربية وآسيوية، وقد حاول أغ غالي استغلال انتصاراته وضعف القاعدة المركزيّة وفروعها في الشرق الأوسط والمنطقة العربية ليظهر بمظهر القيادي القادر على حماية التنظيم من الإنهيار. في المقابل يراهن أنصار تنظيم القاعدة على قادة الأفرع في أفريقيا لاستعادة هيبة التنظيم بسبب تمتعهم بالقوة والحضور والنفوذ اللافت داخل المجتمعات المحليّة وفي أفريقيا مقارنة بمثيلاتها في آسيا بعد أن أصبحت القيادة المركزيّة لتنظيم القاعدة ضعيفة، ومن الواضح أن أغ غالي بات يشكّل بالنسبة لأنصار القاعدة الملجأ القادر على الحفاظ على أفكار ومبادئ وحضور التنظيم في ظل تراجع القيادات العربيّة وتخاذلها وتقصيرها في تبني تلك العقائد.
مطلوب على لائحة الإرهاب
بحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة تم إدراج إسم إياد أغ غالي بين أسماء المطلوبين على قائمة الإرهاب في 25 شباط 2013 وذلك لـ”ارتباطه بتنظيم القاعدة وبسبب المشاركة في تمويل أعمال أو أنشطة يقوم بها تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، أو التخطيط لهذه الأعمال أو الأنشطة أو تيسير القيام بها أو الإعداد لها أو ارتكابها، أو المشاركة في ذلك معهما أو باسمهما أو بالنيابة عنهما أو دعماً لهما، وبسبب توريد الأسلحة وما يتّصل بها من معدات لهما أو بيعها لهما أو نقلها إليهما وبسبب التجنيد لحسابهما، أو تقديم أي أشكال أخرى من الدعم للأعمال أو الأنشطة التي يقومان بها”.
ويضيف الموقع سرد الأسباب التي دفعت إلى إضافة إسم أغ غالي إلى قائمة الإرهاب وأبرزها اضطلاعه بدور الوسيط في العام 1999 وفي العام 2003 “في إطلاق سراح رهائن غربيين اختطفتهم الجماعة السلفية للدعوة والقتال المدرَجة في القائمة باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومنذ ذلك الحين احتفظ بعلاقات وثيقة مع زعماء هذا التنظيم”.
إلى ذلك إن “إياد أغ غالي حالياً هو زعيم جماعة أنصار الدين التي أنشأها في ديسمبر 2011. وهذا الشخص وهذا الكيان، على حد سواء، مرتبطان بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.
ومنذ نشأة هذا الكيان، تحظى جماعة أنصار الدين وقائدها، اياد اغ غالي، بدعم مستمر من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وقد حدّد الموقع طبيعة هذا الدعم الذي يحصل عليه أغ غالي وجماعته كالتالي:
• الدعم المالي: تلقى اياد اغ غالي مبلغا ماليا قدره 000 400 يورو من أحد قادة لواء تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في منطقة الساحل، هو لواء طارق بن زياد.
• الدعم اللوجستي: يشمل في الأصل حوالي 50 رجلا من المقربين إلى اياد أغ غالي، وقد رحّب أنصار الدين بالعديد من المقاتلين التابعين لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.
وقد زادت قوة الصلات التي تربط أنصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي منذ تشرين نوفمبر 2012 كالي:
• نوفمبر 2012: أنشئت مكاتب شمال غاو من جانب بعثة تضم أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.
• نوفمبر 2012: أنشئ تحالف بين أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وحُددت استراتيجية مشتركة، وقد أعلن إياد أغ غالي صراحة وعلنًا عن تأييده للإيديولوجية التي يدافع عنها هذا التنظيم، مشدداً على تطابق آرائه تماماً مع آراء هذه المنظمة الإرهابية الجزائرية.
هل يتكرر المشهد الأفغاني في مالي؟
مع الإنسحاب الأميركي من أفغانستان سيطرت جماعة طالبان على مفاصل الحكم والنظام في الدّولة، وقد سارع إياد أغ غالي إلى الإشادة بانتصار طالبان وانسحاب القوات الأمريكيّة من أفغانستان، فيما يتحدّث كثر عن طموح أغ غالي بإسقاط السيناريو الأفغاني على الأوضاع في مالي وتولّي قيادة المرحلة المقبلة، خصوصاً مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 10 يونيو الماضي عن انتهاء مهمّة “برخان” كعملية خارجيّة، وبدء مرحلة “تحول عميق” للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، ستكون بداية الإنسحاب تدريجيّة في نهاية العام 2021 ومن المتوقّع أن يبقى حوالي 2500 إلى 3000 جندي في الميدان، كجزء من الحرب الدولية ضد الإرهاب.
وما يرجّح سيناريو سيطرة أغ غالي على مالي بعد الخروج الفرنسي المحتمل، هو الوضع الأمني الهش في مالي وتصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية، وغياب سلطة منتخبة ومستقرة، مع تراجع الدعم الدولي، والاحتباس الحراري وما يخلفه من جفاف وفيضانات مفاجئة وحروب قبلية بين الرعاة والمزارعين.. كل تلك الأزمات لا تهدد النظام الحالي بالسقوط فحسب بل تنذر بانهيار الدّولة وزوالها.
ولهذه التداعيات تأثير في إمكانيّة تمكّن تنظيم القاعدة من إعلان “إمارة إسلامية” في شمال مالي، على غرار ما يجري في أفغانستان من قبل طالبان، حتى قبل اكتمال الانسحاب الفرنسي من المنطقة مطلع سنة 2022. وعليه فإن السيناريو الأفغاني في مالي غير مستبعد ومن المتوقع أن يكون أغ غالي أبرز أبطاله.
رجل تقوده شهوة السلطة
يصف الباحث والمحلل في الإرهاب الجهادي دانيال غاروفالو أغ غالي بأنه “رجل تستحوذ عليه الرغبة في السلطة، ويفنّد مراحل حياته بحسب أبرز محطاتها كالتالي:
• أُجبر في سن الـ 15 أو 16 على مغادرة مالي بعد جفاف عنيف أصاب المنطقة، وانتقل بعد ذلك عبر رحلات طويلة إلى طرابلس في ليبيا حيث عمل لمدة عامين تقريباً في وظائف عديدة كبستاني ونجار ورسام وراعي.
• حوالي عامي 1975 و 1976 أسس حركة متمردة صغيرة للطوارق وبدأ التخطيط لانتفاضة في شمال مالي، على الرغم من أن والده الذي كان جندياً في الجيش المالي كان قد قُتل على يد ثوار الطوارق الذين ثاروا ضد الحكومة العسكريّة عام 1963عندما كان أغ غالي في السادسة من عمره. شهد أغ غالي في طفولته وأعوام مراهقته وخلال المرحلة التي سبقت انتقاله إلى ليبيا على وحشيّة وعنف الحكومة العسكرية في مالي فأصبح شديد الإرتباط بقضية المتمردين خلال الأعوام التي قضاها مع المنفيّين من الطوارق.
• في العشرين من عمره أي في أوائل الثمانينات خضع لتدريب عسكري في معسكر تابع لجيش القذافي وفي عام 1982 انضم إلى كتائب القذافي الإسلامية وحارب معها إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية في الحرب بين لبنان وإسرائيل، كما شارك في العام 1987 في حملة التشاد، ومع ذلك كان غالي خلال الفترة الليبية على اتصال بمقاتلي الطوارق والمتمردين واقترب من حلم تأسيس دولة أزواد.
• في العام 1990، غادر إلى ليبيا على رأس 100 رجل وبدأ تمرد الطوارق في العام 1990 وانتهى في العام 1991 باتفاق سلام خرج منه غالي بصورة بطل وقائد بلا منازع لحركة تمرّد الطوارق.
• في العام 2003، بدأ غالي ارتياد مسجد سلفي في باماكو مرتبط بجماعة التبليغ، وهي منظمة دينية عابرة للحدود الوطنية (ولدت من ضلع حركة ديوباندي)، كان عاشقًا للسجائر والكحول والحفلات، وشديد الإهتمام بالموسيقى والشعر، لكن خلال تلك الفترة تحوّل إلى رجل متديّن، وكان خلال تلك الفترة على اتصال بجهاديي “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، وفي غضون سنوات قليلة شهد نهضة دينية دفعته إلى إطلاق لحيته والاقتراب أكثر فأكثر من الجهاديين. في العام 2009 عندما عاد إلى باماكو، بدأ يتردد إلى المسجد الأخضر حيث يلتقي السلفيين.
• في نوفمبر 2011، التقى غالي بأبو زيد ومختار بلمختار من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في أراضي قبيلة إيفوغ حيث ختموا تحالفهم الجهادي، وكانت جماعة أنصار الدين، التي كانت جزءًا من تحالف جبهة نصرة الإسلام والمسلمين منذ العام 2017 وسيلة لطموحات العديد من الجهات الفاعلة. بالنسبة لغالي أتاح إنشاء أنصار الدين فرصة للمطالبة بقيادة تمرد الطوارق الانفصاليين، وكانت أيضًا وسيلة لمتابعة التزامه بالسلفية، وكان ارتباطه بالقاعدة أحد أكثر الطرق الواعدة لاستمرار دوره وأهميته على المستوى السياسي.
تفاصيل عن هيكلية عمل كيان جماعة نصرة الإسلام والمسلمين
بحسب غاروفالو “يعمل كيان جماعة نصرة الإسلام والمسلمين كاتحاد للجماعات الجهادية التي ليس لها هيكل قيادة وسيطرة موحد، تمتلك الجماعة قواعد عمليّاتية عديدة وتسلسلات هرمية مختلفة ومجموعات مقاتلة عديدة، مما يجعل من الصعب على قوات الأمن استهدافها، ويعكس تكوين الجماعات التي تتكوّن منها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (الطوارق والفولاني وعرب الساحل) فإن تكوين قادتها يسمح للجماعة بتمثيل مناطق مختلفة، هذا الاتساع في التمثيل العرقي والجغرافي جعل المجموعة قوية، وخلق لها تصورًا للوحدة والتأثير والتوسع”.
وعلى الرغم من أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تقدم نفسها كجبهة موحدة في منطقة الساحل “فإن مجموعاتها الأعضاء تعمل مدفوعة بالديناميات المحلية في المناطق المختلفة التي تعمل فيها، ويتم تسهيل عمليات الجماعة في مالي من خلال وجود العديد من الأقليات، بعضها منتشر خارج مالي، مما يتيح للمجموعة الوصول إلى شبكة واسعة من التعاون، وتستخدم المنظمة نموذج تنظيم فيدرالي وشبه دولة يفرض سيطرة مباشرة على الإقليم”.
ويقول غاروفالو بالإستناد إلى مصادر عديدة إن “زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أغ غالي وكوفا على استعداد للدخول في مفاوضات مع حكومات المناطق التي ينشطون فيها ومع السلطات المحلية أيضاً لوقف القتال، ويبدو أن الجماعة المدعومة من القاعدة، تتبع الخط نفسه التي اتبعته طالبان في أفغانستان، فالمطالب متشابهة جداً مثل الانسحاب الكامل للقوات الفرنسية (ليس موقفا غير محبوب) وحلفائها من المنطقة، وإدراج مقاتليها في قوات الأمن والشرطة، والأدوار السياسية، وإمكانية الاعتراف بمنطقة فيدرالية في شمال البلاد (تحت سيطرة جيش التحرير الوطني، ولو جزئياً).
تهدف هذه الخطوة السياسية لقادة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى تقديم الجماعة الجهادية على أنها حركة شعبوية في مناطق الساحل، وهو جزء من استراتيجية طويلة الأمد للجماعة لبناء دعم قوي ودائم بين السكان المحليّين، ومع ذلك لا يبدو حالياً أنها مستعدّة لمراجعة تطبيقاتها بشأن الفرض الصارم لبعض قواعد الشريعة، مثل القيود على الملابس والمظهر العام للمرأة”.
ويشير غاروفالو أخيراُ إلى أن “الصعوبات والقضايا الحرجة التي نشأت وحدثت في الاتفاقية في أفغانستان بين الولايات المتحدة وطالبان يمكن أن تحدث أيضًا في مالي، مع خطر زيادة العنف”.
إنتهازي وأمير حرب
يصف مدير البرامج العالمية في 14N Strategies مايكل شوركين إياد أغ غالي في إحدى تغريداته بأنه جزار وقد أوضح لـ”الآن” بأن اغ غالي قد “بدأ حياته المهنية كإنتهازي وأمير حرب وقد نشط في هذا المجال خلال الحرب الأهلية بين الطوارق في التسعينات، ومنذ ذلك الحين تمسك بحركات راديكالية مختلفة في شمال مالي لبعض الوقت، وأعتقد أن ذلك يقود للإعتقاد بأنه شخص يعمل دائماً على تعزيز مصالحه الشخصيّة ضمن هذه المجموعة الفرعيّة في مجتمع الطوارق وباسم قضايا أكبر هو ربما يقاتل من أجل الإسلام أو ربما من أجل استقلال الطوارق، لكن في الحقيقة تشير الدلائل إلى أن الأمر يتعلق حقًا بتقدمه الذاتي وربما بتقدم مجموعته الفرعية خصوصاً الطوارق”.
لكن ما أصبح أكثر وضوحاً بالنسبة لشوركين هو أنه ومنذ العام 2000 تقريبًا أصبح أغ غالي يبدو إلى حد ما “جهادي إسلامي مقتنع ومخلص وهو قادر على استخدام الجهاد كوسيلة لحشد الناس ولتبرير الكثير مما كان يفعله. لذلك من الصعب معرفة ما إذا كان ما يفعله مرتبط بالجهاد أو بدوافعه الخاصة والشخصيّة، لأنه بالنسبة إليه أعتقد أن الأمر سيان.
من الواضح أنه متحالف مع القاعدة وكان يروج لأجندة القاعدة في شمال مالي، وقد وصل به الأمر الآن إلى حد التسبب بالانهيار في مالي وتمزيق هذا البلد وتدميره… إن ما فعله هو أنه باسم المنطقة الأوسع في شمال مالي وباسم الطوارق جعل الناس يعيشون حيث ينشط حياة أكثر فقرًا وبؤسًا ويأسًا، كان من المفترض تنشيط السياحة في شمال مالي، لكنه تسبب بجعل ذلك المكان غير آمن… حتى الآن تراكمت كمية هائلة من الدم على يديه وكل ذلك من أجل أجندته السياسية الشخصية”.
رحلة أغ غالي مع القاعدة بدأت مع تقربه إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي فقد أتاح له ذلك بحسب شوركين مجموعة من الفرص أكثر فأكثر في مالي، لذلك تمكنت الجماعات الإسلامية مثل القاعدة من التسلل إلى السياسات المحلية ما خلق المزيد والمزيد من الفرص لإياد للعمل معها، كان من مصلحته مؤخرًا العمل مع هذه المجموعات… فالمسألة تتقاطع مع مصلحته الذاتية والعمليّة وربما شجعه انتماؤه الإسلامي أيضاً على ذلك إذ يفيده ذلك بأن يقدّمهم لأعدائهم على أنهم مسلمون أشرار.
وعلى الأرجح أن 99.99% من الأشخاص الذين قُتلوا على يده ويد جماعته كانوا من المسلمين وقد تمكن من القيام بذلك إلى حد كبير من خلال القبض عليهم بطرق مختلفة، وبحجة أنهم مسلمون أشرار… وقد ساعده ذلك على ما أعتقد في تبرير ما كان يفعله بالناس… أعتقد في النهاية أن الأمر مثير للسخرية ومن الصعب التصوّر أن ذلك يقود مالي حقًا إلى أي مكان أفضل. كيف يمكن لذلك أن يكون مفيداً للماليين؟”
الخداع وانتهاز الفرص سبيله إلى السيطرة
نمت جماعة أغ غالي بالإعتماد على الفكر الديني وعلى الخداع الذي كان يمارسه مستغلاً بحسب شوركين الإستياء المحلي للناس والخلافات والصراعات المحلية والمصالح الشخصية، ومن ثم في مالي طرق قليلة جداً للشباب تساعدهم على تحقيق التقدم الاجتماعي والإقتصادي والسياسي، وبالتالي يرون في الإنضمام إلى منظمة وسيلة تساعدهم على التقدم. بطريقة أو بأخرى استخدم أغ غالي بحسب شوركين الإسلام في محاولة لجمع كل تلك العناصر المتباينة لتمكين نفسه ولتكون جزءاً من التحالف.
وعما إذا كان أغ غالي يرى في القاعدة سبيله الوحيد إلى تحقيق ذلك قال شوركين “لا أعرف إذا ما كان يرى في القاعدة سبيله الوحيد إلى ذلك، لكنني أعتقد أن ثمة بعض الإيجابيات للعمل مع القاعدة، لذلك لم ينتمي أبداً للقضية من الناحية التقنية لكنه كان حليفًا لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، لم يكن عضواً فيها كان لديه كيانه الخاص وأجندة مختلفة وأتباع مختلفين، لكنه وجد بالتأكيد أنه من مصلحتة التحالف مع التنظيم”.
وأضاف أن جزءاً من ذلك التحالف يتعلق أيضًا “بسياسات ما حصل في العام 2012، حيث بدأ التمرد في مالي في بداية العام 2012، ولقد بدأ من قبل مجموعة من الطوارق التي كانت متباينة سياسياً مع مجموعة الطوارق… كان الذين أطلقوا تمرّد الطوارق في أعوام 2008 و 2010 و 2012 ينتمون إلى فصيل مخالف سياسيًا للفصيل الذي يرغب إياد غالي في الترويج لصالحه، لذلك كان هناك تنافس… في النهاية عندما أطلقت تلك المجموعة تمردها حققت الكثير من النجاح ضد الدولة المالية. وقد تدخلت الكثير من الجماعات الإسلامية في المغرب الإسلامي لدعم هذا التمرد وانضمت إليه وساعدت في طرد الدولة المالية، ثم انقلبوا على الطوارق ودفعوهم جانبًا.
لقد كانت تلك الخطوة بمثابة تحرك ذو نفوذ، سمعت أنهم حاولوا في البداية اختطاف الحركة الوطنية لتحرير أزواد للاستيلاء عليها لأغراض غالي الخاصة، لكنه اصطدم بقادة الحركة الذين لم يريدوه ويعود ذلك جزئيًا إلى أنه في الحقيقة يمثل فصيلًا مختلفًا عن الفصائل التي تم تمثيلها… بعد ذلك ذهب وبدأ نشاطه الخاص مطلقاً على نفسه صفة الإسلامي… يبدو أنه لأسباب عملية أصبح الاصطفاف مع القاعدة في المغرب ومساعدتهم على التخلص من الأدلة التي ساعدت على هزيمة الفرنسيين شيئاً مفيداً… من المؤكد أن ذلك كان منطقيًا بحسب مصلحته فالأمر كله يتعلق بالحساب المنطقي لكيفية لعب هذا الموقف والإستفادة منه على أفضل وجه”.
يعتبر شوركين أن ما يقوم به أغ غالي ليس عدلاً بالنسبة للطوارق “لدي بعض الأصدقاء الماليين والخبراء الذين كانوا مستائين جداً مما يحصل. لدي صديق وهو مرشد سياحي في تمبكتو، قد عبّر لي عن انزعاجه الشديد لقد بدا غاضباً جداً عندما قال لي أنا من الطوارق ولا يمكنني حتى الذهاب والتجول في الصحراء، في صحرائي لأنها خطيرة بسبب إياد، وبسبب حزبه. وقد التقيت بأحد مواطني الطوارق من تمبكتو الذين تعرضوا للدمار الإقتصادي لأنهم اعتادوا بيع الأشياء للسياح ولم يعد هؤلاء قادرين على القدوم للسياحة، لن يذهب أي سائح إلى شمال مالي الآن لأن المكان خطير للغاية، لقد دمّر أغ غالي سبل العيش في الكثير منها، أتمنى أن يأخذ الناس هذه الفكرة ربما هو لا يمثل الطوارق بأي حال.
شهوة السلطة وعقدة النقص
أشار كثر إلى أن أغ غالي يعاني من عقدة نقص، وقد أقر شوركين باحتمال أن يكون ذلك صحيحاً كون إياد أغ غالي ينتمي إلى ثاني أبرز عشيرة في التسلسل الهرمي لاتحاد الطوارق لكنه ليس من العشيرة التي تحتل موقع النخبة والتي يخرج منها الزعيم التقليدي الملقب بالمينكا وبالتالي لا يمكن لأغ غالي أن يكون المينكا لأنه ينتمي إلى عشيرة مختلفة وقد كان ذلك بمثابة مشكلة حقيقية بالنسبة لأغ غالي.
واستطرد شوركين موضحا أنه قيل أيضاً أن أغ غالي تحول إلى الإسلاموية كطريقة لمحاولة تقويض سلطة المينكا، فهؤلاء يتحدرون من سلالة النبي محمد وهم أول من غزا الجانب الإسلامي من إفريقيا، وقد أصبح هذا النسب جزءًا من أساس سلطتهم ومطالبتهم بالشرعية في الدين والحكم، وقد وجد أغ غالي في التسمك بالإسلام واستخدامه للجهاد كوسيلة يحاول عبرها أن يطغى على المينكا.
وبالنظر إلى سعيه الدائم للسيطرة عبر اقتناص الفرص، يقارن كثر ما حصل بأفغانستان مع الأوضاع في مالي ويربطونها بفشل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي متحدثين عن احتمال انفصال أغ غالي عن القاعدة للسيطرة على الحكم في المنطقة.
يقول شوركين في هذا المجال: من الناحية الافتراضية إذا قاموا بغزو مالي وانتهى بهم الأمر في السيطرة على جزء كبير منها، تصبح إمارة للقاعدة، ما يعني في هذه المرحلة أن الفرنسيين قد استسلموا واستسلمت الأمم المتحدة، وبهذه الطريقة يمكن نظريًا إجراء نوع من محادثات سلام كتلك التي جرت بين الولايات المتحدة وطالبان في أفغانستان، نظريًا من الممكن أن يكون غالي من البراغماتيين ذوي الحيلة فيكون على استعداد للتخلي عن القاعدة إذا كان هذا هو السبيل ليقدم نفسه على أنه الأفضل بالنسبة للمجتمع الدولي، لكن سيكون من الصعب تحقيق ذلك، فقد ذهب بعيدًا جدًا في تحالفه مع القاعدة… لذلك أجد أنه من غير المحتمل أن يستنتج المجتمع الدولي أن إمارة القاعدة في مالي ستكون مستساغة بالطريقة التي تعاملت بها مع الأمور في أفغانستان والتفسير الذي قدمته لذلك بسيط للغاية وهو أنني أعتقد، وذلك من وجهة النظر الأمريكية، أن أفغانستان بعيدة جدًا لدرجة أنه ربما لا يهم ما يحدث هناك، إنه أمر سيء للغاية”.
وأضاف “لكن كما تعلمون لا يؤدي هذا في الواقع إلى زيادة التهديد الإرهابي للولايات المتحدة. لكن أعتقد أن حقيقة الأمر مختلفة بالنسبة لفرنسا والأوروبيين، أعتقد أنه من غير المقبول بالنسبة لي أن يكون الفرنسيون على استعداد لابتلاع فكرة قيام إمارة تابعة للقاعدة في شمال مالي، لأنها قريبة جدًا منهم جغرافيًا والتهديد الذي تمثلة سيكون مباشرًا… نحن فقط نتكهن”.
ولفت إلى أن “القاعدة تستغل الوجود الفرنسي وتقدم فرنسا على أنها العدو… وأعتقد أنه من الواضح جدًا أنها تستفيد من الانقسام بين الحكومة المالية والفرنسيين، فالخلاف الذي نراه بين الرئيس ماكرون ورئيس الوزراء مايغا يذهبان لصالح القاعدة وأعتقد أن السياسة الفرنسية تعاني حالياً، ثمة مشكلة حقيقة أن فرنسا معرضة لخطر فقدان الصبر والرغبة في المغادرة”.
وعن رأيه في قدوم فاغنر إلى مالي لتدريب الجيش قال شوركين “لا يوجد دليل على أن فاغنر قد جاء إلى مالي أو أنه سيأتي غدًا، حتى الآن، ما رأيناه هو أن ثمة غزل بين الحكومة المالية ومالي، لكن ليس هناك من اتفاق على الأقل بقدر ما يعلم أي شخص، أعتقد أنها فكرة سيئة بالنسبة للماليين، والجزء الذي يجعل الأمر سيئًا للغاية هو أن المراقبين الغربيين يعلمون كما فرنسا أنه كي تنتصر مالي في الحرب ضد هذا التمرد الإسلامي عليها لا أن تستمر بالقتال فحسب بل أن تكون قادرة على التمسك بالسياسة في الحكم والتنمية”.
وأضاف أن في مال “كل أنواع الصراعات المحلية المعقدة للغاية التي تقود الناس إلى حمل السلاح، وببساطة وجود رجال مدربين على القتال لا يعالج في الواقع أيًا من مشاكلها. مالي بحاجة إلى الإصلاح السياسي والحكومي بينما لم تقم حكومة مالي بأي من هذا في الواقع. وإذا ظهر فاغنر في الصورة فإن الحكومة المالية ستتحرر من الضغط لفعل أي شيء وأعني بذلك أنه في حين شجع الغرب على الأقل نوعًا ما دولة مالي على التصرف فإن الروس لن يفعلوا أي شيء من هذا القبيل.
وأعتقد أن الهدف الأساسي لفاغنر في مالي لن يكون محاربة الجماعات الإسلامية بل مجرد توفير الأمن للنظام العسكري الذي يتولى السلطة حاليًا في مالي”.
وشدد على أن “فاغنر هي بوليصة تأمين للنظام وليس للدولة المالية والشعب المالي، ومن خلال لعب دور الحارس فإن ذلك سيساعد في الحفاظ على النظام في مأمن من الإنقلابات، وفنون الحكم ضد عناصر أخرى داخل الجيش وسيحميهم. ولكن ذلك يعني أيضًا أنه سيعزلهم عن الشعور بالضغط للحكم، والضغط باتجاه أن يكونوا ديمقراطيين والقيام بأي من الأشياء التي يعتقد معظمنا أن مالي يجب أن تفعلها من أجل مواجهة التمرد فعليًا، ربما يحصل النظام المالي الآن على بعض الفوائد من حيث أنهم قاموا بتدريب الناس، أعتقد أن هذا شيء جيد، لكن من الناحية السياسية، هذه مجرد طريق مختصرة ستتبعها الحكومة المالية بدلاً من إجراء إصلاحات سياسية، وإصلاحات في الحوكمة والتي أخبرهم الفرنسيون أنهم بحاجة إلى القيام بها، وهو ما يخبرهم به الأمريكيون وما يخبرهم به المجتمع الأوروبي، لكن لن يخبرهم الروس بأي من ذلك لأنهم لا يهتمون”.
وشكا شوركين من أن “الماليين يتهمون الفرنسيين والأمريكيين بأنهم موجودون فقط من أجل تحقيق أهدافهم بالاستيلاء على مواردهم الطبيعية وهو أمر سخيف، فالروس سيكونون هناك صراحةً من أجل مواردهم الطبيعية، وسيكونون هناك من أجل الذهب، ومن أجل المال، ويصعب عليّ أن أفهم سبب انتقاد الماليين للفرنسيين لوجودهم هناك فقط بسبب الموارد الطبيعية وعدم قول الشيء نفسه عن الروس الموجودون هناك صراحة من أجل مواردهم الطبيعية، لكن في النهاية أرى أن هذا تطور سيء للغاية بالإضافة إلى حقيقة أنه من خلال جلب فاغنر، فإنهم يعادون الفرنسيين ويضعون إسفينًا آخر بينهم وبين الفرنسيين وأنا لا أرى أن ذلك في صالح دولة مالي وشعبها”.