ممارسات الأساطيل الصينيّة تتسبب بمشاكل بيئيّة واجتماعيّة واقتصاديّة جمّة في تونس
تعيش تونس خطراً وجودياً جدياًّ يهدّد شعبها وذلك بسبب انعدام الأمن الغذائي والاقتصادي والاجتماعي الذي تتسبب به الصين وأساطيلها عبر صيدها غير المشروع والجائر في مياه تونس وسرقتها لثروتها السمكيّة. فمتى سيحصل الانفجار الاجتماعي المتوقع في تونس؟ وكيف ستكون تداعياته على الدول الأوروبية الصامتة عن نشاطات الصين والمستفيدة منها؟.
يقول الناشط البيئي حسام حمدي أن المشكلة تكمن “في طريقة استغلال هذه الأساطيل للثروة السمكية فما نعرفه أن الصيد يتمّ عبر طرق عديدة، وأن هناك استخدام لتقنيات غير قانونية بالإضافة إلى عدم احترام لفترات الراحة البيولوجية التي تحدّدها السلطة التونسيّة وبعض المناطق العالميّة. والمشكلة هذه لا تهدّد تونس فحسب وإنما كامل حوض البحر الأبيض المتوسط، وحتى بعض الدول الضعيفة سياسيّاً واقتصاديّاً كدول غرب إفريقيا وليبيريا وغانا والسنغال، حتى أن جشع هذه الشركات وهذه الأساطيل يمتدّ إلى بعض المحميات الطبيعية مثل محميّة غالاباغوس في سواحل الإكوادور والتي لم تنج من بطش هذه الشركات”.
مشاكل بيئية وتصحّر بحري
تتسبّب ممارسات الأساطيل الصينيّة بمشاكل بيئيّة واجتماعيّة واقتصاديّة جمّة في تونس يصفها حمدي بأنها “مشكلة كبيرة جداً وحتى المواطن التونسي أصبح يعاني يومياً من ندرة بعض الأنواع المحليّة ومن غلاء أسعارها، فالصين واليابان وبعض الشركات الأجنبيّة يستحوذون على 75% من الثروة السمكيّة أضف إلى ذلك أنهم لم يكتفوا فقط بالصيد الجائر، بل ثمة مشكلة في تربية الأسماك في تونس وهي مشكلة حساسة جداً لأننا نعرف أن لتربية الأسماك آثار بيئية كبيرة جداً، ولكن ثمّة إفراط في الإنتاج وتركيز للوحدات الصناعية في السواحل التونسية، وثمة مشاكل بيئية عديدة فهناك تصحر بحري يتسببون به في بعض المناطق القريبة وأيضاً في المناطق المحاذية لهذه الأحواض، رأينا ذلك في خليج غابس وأيضاً في خليج الحمامات، ففي الحقيقة لم تسلم أي جهة من هذه التجاوزات”.
غير أن الضوء الوحيد في هذه القضية بحسب حمدي هو أن “ثمة مقاومة من قبل بعض الصيادين التقليديين، ففي برقة مثلاً منعوا بعض الأساطيل من اجتياح مياه السواحل في المدينة، ومع ذلك يبقى هناك بطش المال والمال الفاسد أي بطش اللوبيات الفاسدة التي تتستر خلف هذه الممارسات بحكم أن معظم المنتجات البحرية يتم تصديرها من قبل هذه الشركات”.
وأضاف “نحن نعاني من معضلة كبيرة لأن هناك تجاوزات بحريّة جمة، لكن على الأرجح أن هناك أشخاص تقف الصين خلفهم وهناك أيضاً بعض اللوبيات الأخرى وهي أقوى من أطراف حكومية، لذلك يجب على السلطات التونسية اتخاذ قرارات حازمة”.
ومع كل ذلك يؤكد حمدي أنه لا يقصد “شيطنة هذه الشركات فنحن نرحب بالاستثمار شرط أن يكون استثمار مسؤول، لكن هناك توغل حقيقة خصوصاً في القارة الإفريقية، فأسماك الحوت مثلا في غرب أفريقيا تشكّل 75% من بروتينيات الشعوب، وإن تقلص هده الثروة السمكية يمكن أن يؤدي إلى هجرة جماعية إلى بعض الدول الأوروبية وهي مشكلة تؤرق حتى الدول الأوروبية نفسها. لذلك إن هذا التوغل لا يخفي أيضا تواطؤ بعض الدول، فمن الممكن أن الشركات الصينية هي اليد التي تقوم بالتجاوزات لكن هناك وراءها جهاز وجسم كامل يمثل المجتمعات الأوروبية والسوق الأوروبية والسوق الأميركية فالكل متواطئ حقيقة، وبغض النظر عن الاستهلاك المحلي للصين واليابان، هناك طلب كبير في السوق الأوروبية أيضا وفي السوق الأميركية، ومن المثير للضحك أن بعض الأسماك التي يحرّم استغلالها ويحرّم صيدها نظراً لصغر سنها وحجما يتمّ استعمالها كأعلاف لبعض الأسماك ولبعض الحيوانات الأليفة كالكلاب والقطط، وهذا يتطلب منا كتونس أن تكون قوانيننا أكثر صرامة وأكثر شفافية على مستوى قطاع الصيد البحري، وهناك عمل دبلوماسي على الدولة التونسية والدول الغنية أن تقوم به أيضاً لإيجاد حلّ لأن المشكل تهدّد الكل بما فيهم الصين نفسها بسبب تلك الممارسات غير البيئية”.
انفجار إجتماعي محتّم!
للمجتمع الدولي دور مهمّ لمعالجة تلك المشكلة المتفاقمة وفق حمدي إذ يؤكد أنه “على المجتمع الدولي ومن ضمنهم تونس إيجاد حلول لكبح جماح هذه الشركات وهذه اللوبيات ومَن يقف خلفها لضمان مستقبل أفضل لهذه الشعوب التي إذا مُسّت في اقتصادها ومُسّت في حياتها وفي ثروتها السمكيّة ستتسبب بالضرر للمجتمعات الأوروبية، فمعظم الذين يسافرون بطريقة غير نظامية إلى البلدان الأوروبية هم صيادون. هذا ما نراه في غانا وفي ليبيريا، فإذا كانت مدينة ساحلية كالشابة، يقتات 50% من سكانها من الصيد البحري لن تجد ثروتها السمكية فهي فبالطبع ستتجه نحو الهجرة الجماعية إلى المناطق الأوروبية. هذا يعني أن المشكلة تخصّ الجميع ويجب أن تتضافر الجهود لحلحلة هذه المشكلة وإيجاد طرق شفافة وعمليّة لمراقبة هذه الأساطيل وغيرها”.
ولفت إلى أن “ثمّة وعي متنامي لكن ليس بالشكل المطلوب لدى الصيادين، فبعضهم يشكو من توغّل هذه الشركات، لكن بعضهم الآخر يشارك في هذه العمليات، فلنقلها صراحة. وبالنسبة لبعضهم هناك شركة أخرى تأخذ السمك ولو توفّرت لهم نفس الإمكانيات المتوفرة للأساطيل الصينية لقاموا بنفس الشيء. هذه مشكلة أساسية الآن ويجب أن نرتقي بوعي بيئي شامل لأنه صحيح أن هناك تجاوزات صينية مكروهة، ولكن أيضا هناك تجاوزات صغيرة من بعض الصيادين مهما صغر حجمهم وهي موجودة على أرض الواقع. إذاً يجب العمل على نشر الوعي بين الصيادين”.
وختم حمدي محذراً من أن “توغل هذه الشركات يمثل تهديداً للثروة السمكية والبيئة التونسية، لكن هناك أيضاً تهديد اقتصادي واجتماعي حقيقي يواجه الصيادين أي أن هناك بعض المدن في السواحل التونسية 50% من سكانها يقتاتون من الثروة السمكية ومن نشاط الصيد البحري، أي هناك خطر وجودي يهدد هذه الشريحة وتونس لا تستحق إنفجارات اجتماعية كبيرة، لكن هذه التجاوزات وهذه التراكمات يمكن أن تهدد بانفجار اجتماعي كبير يصل امتداده وتأثيره إلى ما بعد الحدود التونسية من خلال عمليات الهجرة غير النظامية. وإن بعض الأرقام تشير إلى أن عدد الناشطين في قطاع الصيد البحري هم من أكثر النسب التي تشارك في عمليات الهجرة غير النظامية، وهو في حد ذاته مؤشر يجب أن يؤخذ على محمل الجد من كل الأطراف ومن كل دول حوض البحر الأبيض المتوسط وأيضا من تونس”.
ليست المرة الأولى التي يتم فيها التحدث صراحة بنشاطات الصين وغيرها من الدول المستفيدة في بحر تونس وبحار الدول الإفريقية الضعيفة سياسياً واقتصادياً ومع ذلك ما من معالجة تلوح في الأفق لتلك الأوضاع المتأزمة، وما من حلول تضع حداً لذلك الجشع الصيني المتنامي الذي يخلّف دماراً بيئياً وينذر بانفجارات اجتماعية واقتصادية وأمنية لا يُعرف حتى الساعة ما ستكون عليه تداعياتها المحتملة.