“خلافة المسلمين”.. جهادية إندونيسية في ثوب جديد
- طالب أعضاء الجماعة بإقامة خلافة عالمية
- ساهم عبد القادر حسن باراجا في تأسيس جماعة الدولة الإسلامية الإندونيسي
أواخر مايو/ آيار الماضي، برزت جماعة “خلافة المسلمين” الإندونيسية على السطح، بعد مسيرة بالدراجات النارية نظمته الجماعة في بريبس بجاوة الوسطى (إحدى مقاطعات إندونسيا. وعاصمتها سمارانغ)، إذ حظيت الجماعة التي ترفع شعارات “الخلافة العالمية” باهتمام كبير، خاصةً بعد ظهورها اللافت والمفاجئ في إندونيسيا.
فخلال المسيرة التي نظمتها، طالب أعضاء الجماعة بإقامة خلافة عالمية، على غرار الخلافة المكانية التي أقامها تنظيم داعش، لكن التدقيق في مسيرة جماعة “خلافة المسلمين” يكشف أن جذورها الحقيقية تمتد أبعد من الفترة التي جرى فيها تأسيس تنظيم داعش في العراق وسوريا، فضلًا عن أن عضويتها تضم مئات الآلاف من المؤمنين بفكرها والمنتمين لها، متوزعين ما بين إندونيسيا وحتى أستراليا.
ومع أن ظهور الجماعة على ساحة الأحداث فاجئ العديد من الدوائر المعنية بمتابعة ورصد الحركات الراديكالية في جميع أنحاء العالم، وخصوصًا في قارة آسيا، إلا أن وجود جماعة “خلافة المسلمين” داخل إندونيسيا يمتد لأكثر من عقدين ونصف.
عبد القادر حسن باراجا.. أمير “خلافة المسلمين”
وتشير المعلومات المتوفرة من المصادر الإندونيسية عن جماعة “خلافة المسلمين” إلى أن الجماعة تأسست في حوالي العام 1997، واتخذت من مدينة “بندر لامبونغ”، (عاصمة وأكبر مدن مقاطعة لامبونغ الإندونيسية، تقع على الطرف الجنوبي لسومطرة) مقرًا لها، وعملت على نشر أيديولوجيتها في أوساط السكان، واستقطاب وتجنيد أعضاء جدد من إندونيسيا وخارجها.
وتقول الشرطة الإندونيسية إن مؤسس الجماعة هو عبد القادر حسن باراجا، وهو أحد الجهاديين الإندونيسيين المخضرمين، الذي سبق إدانته في قضايا إرهاب منها قضية تنظيم “كوماندوز جيهات” (يُعرف أيضًا بتنظيم “كوماندو جهاد” وهو تنظيم جهادي تأسس من رحم حركة “دار الإسلام” التي ظهرت في إندونيسيا خلال فترة الكفاح ضد المستعمر الهولندي، وتبنت آراءً تدعو لتأسيس “دولة إندونيسيا الإسلامية” قبل أن تُحل عام 1962 بعد القبض على زعيمها ومؤسسها ” سيكارماجي ماريدان كارتوسوويرجو”).
مؤسس الجماعة هو عبد القادر حسن باراجا، وهو أحد الجهاديين الإندونيسيين المخضرمين
الشرطة الإندونيسية
وساهم عبد القادر حسن باراجا في تأسيس جماعة الدولة الإسلامية الإندونيسية في لامبونج عام 1970، كما عمل، لاحقًا، في تنظيم “كوماندو جهاد” وشارك في توفير قنابل استُخدمت في هجمات إرهابية عام 1979، وتورط أيضًا في قضية تفجير معبد “بوروبودور” في ماجيلانج (جاوة الوسطى في إندونيسيا)، عام 1985، وجرى القبض على “باراجا” في 1979، و1985 ، وأُودع السجن لمدة 3 سنوات في المرة الأولى، و13 سنة في المرة الثانية، وفقًا لمعلومات الأجهزة الأمنية الإندونيسية.
وألمحت مصادر إندونيسية إلى أن عبد القادر حسن باراجا عمل سابقًا كمدرس في مدرسة نجروكي الإسلامية وهي مدرسة داخلية في سولو بوسط جاوة، أدارها “أبو بكر باعشير” الأب الروحي لتنظيم الجماعة الإسلامية الإندونيسية.
ووفقًا للشرطة الإندونيسية فإنه جرى القبض على “عبد القادر حسن باراجا” و3 آخرين من قادة جماعة “خلافة المسلمين” في جاوة الوسطى، ويرمز للقادة الثلاثة لهم بالأحرف: (GZ و DS و AS).
خلافة المسلمين.. حكاية تطور جماعة متشددة
ويتضح من مسيرة عبد القادر حسن باراجا أنه تأثر بفكر حركة دار الإسلام وحزب التحرير الإسلامي، إلى حد كبير، وعمل على تأسيس جماعة عالمية تتبنى مبادئً قريبة من مبادئهما، بيد أن المجموعة التي أسسها والمعروفة بـ”خلافة المسلمين” تطورت بمرور الوقت وأصبحت تعتبر نفسها بمثابة حركة متمردة تهدف لإقامة نظام حكم خاص بها بديلًا عن الحكومة الإندونيسية.
وأنشأت الجماعة، في عام 2011، مدارس تُعرف بمدارس الإخوة الإسلامية في جاوة الغربية، وسُجل عبد القادر حسن باراجا كأحد مؤسسي المدارس، والتي سُجلت في وزارة القانون وحقوق الإنسان، بيد أن الحكومة الإندونيسية تقول إن تلك المدارس ارتكبت عدة مخالفات قانونية، خلال فترة عملها.
وحسب النظام الداخلي لمدارس الإخوة الإسلامية التي يُشرف عليها عبد القادر حسن باراجا باعتباره أميرًا وخليفةً لجماعة “خلافة المسلمين” فإن المدارس تتكون من 4 مراحل تُسمى كل منها باسم أحد خلفاء المسلمين الأوائل، فمثل تعد المرحلة الابتدائية أولى المراحل، وتعرف بمرحلة عثمان بن عفان ويتم الدراسة بها لمدة 3 سنوات، بينما تليها مرحلة التعليم الإعدادي وتعرف بمرحلة عمر بن الخطاب وتستمر الدراسة بها لمدة عامين، تتبعها مرحلتين للتعليم العالي هما مرحلة علي بن أبي طالب، ومرحلة أبو بكر الصديق وتستمر الدراسة بكل منهما لمدة عامين، ويتخرج الطالب من هذا السلك التعليمي في عمر الـ16، ليصير أحد الكوادر الشرعية للجماعة.
وتُطبق المدرسة نظام الفصل بين الجنسين، فيتم التدريس للطلاب داخل المسجد، بينما تدرس الطالبات في أماكن مخصصة لهن بالسكن الجامعي المعد لإقامتهن.
وتمول مدارس الإخوة الإسلامية التابعة لـ”خلافة المسلمين” عبر التبرعات والمساعدات التي يقدمها الأهالي والسكان المحليين لها، وتكون هذه التبرعات في صور مادية وعينية تشمل الأطعمة والمشروبات وغيرها، ويتعهد أولياء أمور الطلاب الدارسين فيها بالولاء لخليفة الجماعة.
النظام الداخلي لـ”خلافة المسلمين”
ويكشف كُتيب تنظيمي داخلي معنون بـ”صحوة الخلافة”، ضبطته قوات مكافحة الإرهاب الإندونيسية خلال مداهمة مقر “خلافة المسلمين” في بندر لامبونج، أن الجماعة لديها نظام داخلي قائم على أساس مبادئ الخلافة الأممية/ العالمية، ويترأسها الخليفة (عبد القادر حسن باراجا)، كما أن لها نظام عضوية داخلي يقوم على إعطاء الرقم هوية جماعية شبيهة بالهوية الوطنية التي تصدرها الحكومة الإندونيسية، وتضم في عضويتها عشرات الآلاف من الأشخاص متوزعين على مناطق إندونيسيا وخارجها، حيث تمتد عضوية الجماعة إلى دول أخرى منها أستراليا، وذلك بحسب وثائق العضوية التي حصلت عليها الشرطة أثناء مداهمة مقرات الجماعة.
وتدعي مصادر إندونيسية أن جماعة “خلافة المسلمين” لها أفرع في نحو 25 مقاطعة إندونيسية ومكاتب فرعية في نحو 310 منطقة، كما أن لها مكاتب خارجية في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى، وعلاوة على ذلك عمدت الجماعة إلى اختراق أحزاب وحركات إندونيسية أخرى ، إذ ذكر منسق مكافحة الإرهاب الإندونيسي أن الحركة اخترقت حزب الانتداب الوطني وغيره، وذلك لجمع معلومات عن تلك الأحزاب وتوظيفها لتحقيق أهداف الجماعة بعد السيطرة عليها من الداخل.
وأنشأت الجماعة هياكل إدارية موازية للوزارات والمؤسسات الحكومية، فلديها وزراء (أمراء) خاصين بها، وفق ما كشفته الشرطة الإندونيسية التي ألقت القبض، في الـ7 من يونيو/ حزيران الجاري، على وزير تعليم الجماعة المعروف اختصارًا بـ”AS”.
ويتوجب على أعضاء جماعة “خلافة المسلمين” إعطاء بيعات (يمين ولاء) لخليفة الجماعة، كما يُفرض عليهم حفظ عدد من آيات القرآن، وكذلك يتوجب عليهم التبرع بنحو 10: 30 % من إجمالي دخولهم الشهرية لصالح تمويل أنشطة الجماعة، كما يقدم أولياء أمور الطلاب الذين يدرسون في مدارس “الإخوة الإسلامية” تبرعات إلى المدارس تبدأ من 1000 روبية إندونيسية، ويتعهدون بالولاء للخليفة عبد القادر حسن باراجا.
حملة أمنية ضد تمدد “خلافة المسلمين”
وعقب سلسلة من المسيرات والاحتجاجات التي قامت بها جماعة “خلافة المسلمين” في مدن إندونيسية منها العاصمة جاكرتا، و بورواكارتا (جاوة الغربية)، و ريجنسي كلاتن (جاوة الوسطى) وغيرها، قامت الشرطة الإندونيسية والوحدة 88 لمكافحة الإرهاب بشن حملة ضد الجماعة، شملت مداهمة مقراتها والقبض على قادتها وأعضائها الفاعلين.
وحتى الآن، جرى القبض على العشرات من قادة وأعضاء جماعة “خلافة المسلمين”، كما جرى مصادرة كتيبات ومنشورات وأوراق تنظيمية داخلية تابعة للجماعة، وضبط الشرطة داخل مقرات الجماعة كتبًا ومنشورات تعود لحركة دار الإسلام ، وحزب التحرير الإسلامي الذي يؤمن أيضًا ويروج لفكرة الخلافة العالمية.
وتواصل الشرطة الإندونيسية، حاليًا، حملتها ضد الجماعة، موضحةً أنها اكتشفت مخالفات عديدة داخل أروقة الكيانات والمدارس التابعة لـ”خلافة المسلمين”، منها مخالفات مالية تتعلق بالتبرعات التي تتلقاها من داخل وخارج البلاد.
خبير: “خلافة المسلمين” محاولة للالتفاف على حظر المجموعات الجهادية في إندونيسيا
ومن جهته، قال هشام النجار، الخبير المصري في شؤون الجماعات المتطرفة والذي شارك سابقًا في مناظرات مع الجهاديين الإندونيسيين ضمن البرامج الحكومية الإندونيسية لنزع ومكافحة التطرف، إن ظهور جماعة “خلافة المسلمين” على الساحة في هذا التوقيت، يحمل العديد من الدلالات الهامة التي تؤكد على استمرار التنظيمات والجماعات الإسلامية التي تؤمن بمفهوم الخلافة الأممية في العمل مستغلةً أي فرصة مناسبة لترميم شبكاتها والانتشار في مناطق وفضاءات جديدة.
ورجح “النجار” في تصريح لـ”أخبار الآن” أن تكون جماعة “خلافة المسلمين” مجرد محاولة جديدة من المجموعات المؤمنة بفكرة الخلافة الأممية في إندونيسيا للالتفاف على قرار حظر حركة دار الإسلام، وحزب التحرير الإسلامي، مضيفًا أن أعضاء الجماعة الجديدة يقدرون بالآلاف وهو ما يعني أنها تعمل منذ فترة طويلة، وتحاول تجاوز الحظر المفروض على “دار الإسلام” و”حزب التحرير”.
ولفت الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة إلى أن التحقيقات التي أجرتها أجهزة الأمن الإندونيسية تؤكد حصول جماعة “خلافة المسلمين” على تمويلات مالية ضخمة، لافتًا إلى أنه لاحظ أن الجهاديين الإندونيسيين يستغلون قضية فلسطين والمسجد الأقصى بصورة كبيرة للحصول على التمويل، ويداعبون أحلام السكان المحليين بفكرة المقدسات الإسلامية لدفعهم للتبرع للجماعات، والمساهمة في تأسيس “خلافة أممية”، على حد قولهم.