مذبحة أورومتشي هي واحدة من المذابح وعمليات الإضطهاد التي دُوّنت في سجّل الصين، الحافل بالإنتهاكات، ويعتبر الخامس من يوليو العام 2009 نقطة تحوّل في تاريح عرق الإيغور. فماذا جرى في تركستان الشرقية في ذلك اليوم؟
- 13 عاماً على مذبحة أورومتشي المروّعة ومازالت ماثلة في عقول كل إيغوري
- الخامس من يوليو 2009 كان التاريخ الفاصل لتصعيد العنف في وجه الإيغور
- ناجية من مجزرة أورومتشي توثّق جرائم الصين أنذاك وتزوّد أخبار الآن بالصور
- 3000 إيغوري قتلتهم الشرطة الصينية بيوم واحد خلال تظاهرة سلمية للإيغور
في لمحة تاريخية سريعة، فإنّ تركستان الشرقية هي بوتقة تقع وسط آسيا، تحتلها الصين منذ عقود عديدة، ربّما منذ العام 1950 فعلياً، بعد مرحلة من الاضطراب لجأت بكين خلالها أحياناً إلى حليفتها روسيا، للمساعدة في تثبيت أقدامها في تلك المنطقة.
لم تتوقف حملة الصين على المسلمين الإيغور هناك، وقد مارست عليهم الترهيب وسلبتهم أراضيهم، واستقدمت إليها صينيين، لكن رغم ذلك، وطوال تلك العقود، كان الإيغور يعيشون في ظلّ الإحتلال الصيني راضين بواقعهم الأليم، ولو أنّ ذلك الواقع دفع الكثيرين إلى الهجرة والهروب خارج تركستان الشرقية، التي اصبحت أورومتشي لاحقاً.
في الفترة الماضية إذاً، لم تصل حملة القمع الصينينة إلى ما بلغته في العام 2009، فذلك العام كان التاريخ الفاصل في تغيير النهج الصيني، فحينها كان قد حان موعد تنفيذ القرار السياسي لدى الإدارة الصينية في إحكام القبضة على المنطقة، التي كانت ومازالت تتمتع بأهمية تجارية عالمية كبرى حيث كان طريق الحرير يمرّ بها، كما أنّها تمتلك ثروات مهمّة يتم نقلها إلى داخل الصين… وهكذا عبّدت الصين الطريق للإبادة الجماعية بحقّ الإيغور.
على الرغم من انقضاء أعوام على المذبحة، فإنّ الوقائع تعيد نفسها وسط صمت عالمي عن كلّ ما يتعرض له الإيغور على يد السلطات الصينية. فهؤلاء يتعرضون يومياً وبشكل نمطي ومنظم للتصفية والتعذيب والاستغلال غير الإنساني، وقمع الحقوق والحريات والترهيب، ومع ذلك ما من جهة تتدخل لوقف ذلك الاستنزاف الأخلاقي والإنساني لتلك الأقلية المستضعفة ضمن المجتمع الصيني.
فما الذي حصل في أورومتشي يوم الخامس من يوليو؟ وكيف أراقت السلطات الصينية دماء الإيغور بدم بارد؟
بدأت أحداث أورومتشي في الـ26 من شهر يونيو على خلفيّة إشكال عنيف حصل بين عمال من الإيغور وآخرين من عرق الهان، وذلك في مصنع لألعاب الأطفال في مدينة شاوجوون، بعدما اتهم عامل صيني عدد من العمال الإيغور باغتصاب إمرأتين من الهان، ليتبيّن فيما بعد أنّها مجرّد شائعة.
غير أنّ الحادثة أسفرت عن مقتل إثنين من الإيغور، وقد طرد المئات من الإيغور أيضاً من المصنع على خلفية الحادثة، ما دفع بهم إلى الإحتجاج والتظاهر في أورومتشي. وكانت حصيلة التصادم الأوّل بين القوات الصينية والمتظاهرين 20 قتيلاً من الإيغور، إضافة إلى عشرات الجرحى.
غير أنّ القمع الوحشي للسلطات الصينية لم ينجح في ردع التظاهرات، إذ تشكّلت احتجاجات جديدة من قبل طلاب الجامعات الذين طالبوا الحكومة بعدم تجاهل ما يحصل، وتشكيل لجنة للتحقيق بالأحداث الأخيرة، لكن الشرطة فتحت النار بشكل عشوائي على الطلاب والمتظاهرين، ما أسفر عن مقتل أكثر من 3000 من الإيغور.
وقد قامت السلطات الصينية بعد المذبحة بفرض رقابة مشدّدة على شبكة الإنترنت وشبكة الهواتف المحلية والدولية، لمنع تسريب أيّ معلومات تفضح وحشية ممارستها، وأعدمت بعد ذلك نحو 200 شخص من الإيغور رمياً بالرصاص، إذ اعتبرت أنّهم على صلة بأحداث الخامس من يوليو، كما اعتقلت أكثر من 4000 شخص بتهمة إثارة الشغب والقتل والسلب والنهب في مدن أوروميتشي وكاشغار وهوتن، بحسب ما أوردت منظمة حقوق الإنسان الدولية في تقاريرها آنذاك، وتراوحت أعمارهم بين 12 عاماً و 40 عاماً، ولا يعرف بعد مصير معظمهم.
جثث ودماء ومشاهد تحوّلت إلى كابوس
يستعيد الإيغوري إكرام حبيب الله (Ikram Habibulla) تفاصيل ليلة حصول المجزرة بالكثير من الحزن الممزوج بالألم، ألم الذاكرة التي تبكيه في كلّ مرّة يستعيد فيها التفاصيل وتحرمه النوم ليلاً، يقول لـ “أخبار الآن“: “لقد كنت عالقاً في منطقة البازار، وقد أتى صديقي لاصطحابي وكان يرتدي زيّ جيش التحرير الشعبي للتنكر. قررنا أن نرى المدينة بأكملها وما يجري هناك… وفيما كنّا نقود السيارة، ذهبنا إلى تشاندلر وهي جزء آخر من أورمتشي حيث شاهدنا الكثير من الجثث. كان الجيش يسحب الأولاد القتلى ويرميهم في شاحنة… لا يمكن لي أن أنسى أبداً تلك اللحظات، فمنذ ذلك اليوم وأنا أرى الكوابيس ولا أستطيع النوم، وفي كل مرّة أتذكر فيها تلك المشاهد أبكي”.
في صباح اليوم التالي كان حبيب الله مع صديقة أيضاً في السيارة، وأضاف: “أتينا إلى البازار وكانت هناك المئات من الجثث بجانب المسجد، ورأيت الدم يسيل على الأرض في كل مكان، لكن انتبهنا أن زيّ رفيقي مزيّف فلم نكن نريد الوقوع في المشاكل، فقررنا العودة. وتابع: “أراد صديق آخر لنا أن يأتي ليرى بنفسه، وقد جاء إلى مكان الحادث حول منطقة المسجد بالدراجة، كان جيش التحرير الشعبي يجمع الجثث وكانت بعض النساء الإيغوريّات ينظفن الدم على الأرض وكنّ يبكين بشدّة. إنه كابوس، لقد قتلوا الإيغور”.
ناجية وثّقت المشاهد بالصور
نجحت جولي محسوت (Guly Mahsut)، التي شاركت في التظاهرات بتضليل رجال الشرطة وإيهامهم بأنّها سائحة، فنجت من الإعتقال وقد التقطت بعد المشاهد المروّعة للتصادم العنيف بين القوات الصينية والمتظاهرين.
تقول محسوت: “كنت في أورومتشي في بداية التظاهرة وقد شهدت شجاعة المشاركين فيها من شباب وشابات الإيغور، الذين كانوا يهتفون إيغور. قبل ساعة أو ساعتين كان هناك عدد كبير من الشرطة والجيش، كما أنّ رجال الشرطة كانوا ينتشرون بثياب مدنية في كلّ مكان ضمن ساحة مدينة أورومتشي، ثم بدأوا يعتقلون الناس من دون أسباب منطقية، اعتقلوا الشبّان الصغار بعضهم كان في الـ15 أو الـ16 وقد حصل ذلك حتى قبل أن تبدأ التظاهرة”.
وأضافت: “مع انطلاق التظاهرة، شجعتني حماسة هؤلاء الشبان الذين كانوا يهتفون إيغور، وبما أنّني كنت أحمل آلة التصوير بدأت بالتقاط الصور، فقد كنت أتظاهر بأنّني سائحة وأنّني ألتقط صوراً لنفسي وللمنطقة المجاورة وللشرطة والجيش وبعض الطلاب الذين يسيرون في الساحة قبل بدء التظاهرة. أردت أن أحتفظ بذكريات عن تلك اللحظات المهمّة، لذلك كنت ألتقط الصور، فلفتّ ذلك انتباه أحد رجال الشرطة، ربّما هو من الحزب الشيوعي الصيني أو شرطي في ثياب مدنية لا أعلم، لكنه اقترب منّي وبدأ يسألني ماذا تفعلين؟ أجبته أنا سائحة أتيت إلى مدينة أورومتشي لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، فطلب منّي أن أتوقف عن التقاط الصور والمغادرة لأنّ اليوم هو يوم غير عادي وعليّ العودة. مشيت والكاميرا تتدلى من يدي، وتابعت تصوير الإعتقالات وتسجيلها بطريقة سرية، كانت لحظة مخيفة جدّاً فقد خفت كثيراً على حياتي إذ كان يمكن أن أصبح واحدة من المعتقلين”.
تجاهلت محسوت خوفها وانضمّت إلى المتظاهرين وهي تسجل سرّاً عبر كاميرتها ما يحصل. وكانت تهتف معهم باسم الإيغور… بحسب قولها حتى تلك اللحظات لم يكن هناك بعد من عنف على الإطلاق، “ولم نكن نحمل شيئاً في أيدينا، كانت تظاهرة سلمية، سرنا من ساحة الشعب باتجاه جنوب مدينة أورومتشي، وكنت التقط الصور طوال الوقت لكن عندما التقينا مع الشرطة عمّت الفوضى والعنف، وفي تلك اللحظة نفدت بطارية آلة التصوير، فيما كنت حتى تلك اللحظة قد التقطت صوراً وفيديوهات للإعتقالات التي قامت بها الشرطة وللتظاهر السلمي”.
لن أنسى تلك اللحظات طوال حياتي، وكانت تلك المرّة الأولى التي أرى فيها جيشاً مدججاً بالسلاح
جولي محسوت
نجحت محسوت بتفادي الإعتقال والهروب من الأحداث العنيفة التي عمّت التظاهرة. في اليوم التالي زارت صديقها لمعرفة تفاصيل ما حصل. تقول لـ”أخبار الآن“: “كان يقيم في فندق يقع في تلك المنطقة، ذهبت لزيارته وإجراء مقابلة معه وتسجيل ما شاهده. في تلك الليلة قامت الشرطة بإطلاق النار على الشبان والشابات، وكانت جثثهم في كلّ مكان، وقد رأى كيف مات الناس في تلك الليلة كان خائفاً أيضاً وقد بدأ بالبكاء وهو يصف تلك اللحظات. قال إنّه ترك سيارته في الشارع وركض إلى الفندق ولم يخرج منذ ذلك الحين”.
وأضافت: “لن أنسى تلك اللحظات أبداً خصوصاً شجاعة الشبان والشابات الإيغور وهم يسيرون أمام الجيش ورجال الشرطة. لقد كنّا بالمئات أو بالآلاف في الشارع، وكان ينضمن المزيد من الناس إلى التظاهرة وكنّا نهتف إيغور إيغور. لن أنسى تلك اللحظات طوال حياتي، لقد كانت تلك المرّة الأولى التي أرى فيها جيشاً مدججاً بالسلاح”.
وتابعت: “في اليوم التالي كانت الشوارع أشبه بساحات القتال، وكنت خائفة طوال الوقت من أن يتم اعتقالي في أي لحظة”، موضحةً بعض تفاصيل المحادثات التي حصلت بين المتظاهرين، “فخلال التظاهرة كنا نتحدث عمّا حصل في مقاطعة غوانغ دونغ في مصنع الألعاب عندما قتل الصينيون العمال الإيغور في الشارع، وكنّا نتحدث عن ردّ فعل الحكومة، وكنّا نريد العدالة لهم، وكنّا نهتف إيغور إيغور، كنّا نسأل بعضنا البعض ما إذا كانت الهواتف تعمل أم لا، وما إذا كان هناك إنترنت لأنّه تمّ إطفاء كلّ شيء، لا رسائل نصية ولا اتصالات هاتفية ولا إنترنت، كلّ شيء توقف مع بدء التظاهرة، كنت على الهاتف قبل ذلك بدقائق أتحدث مع أخي وقد طلب مني العودة إلى المنزل، ثمّ انقطعت الإتصالات وبدأ الناس يسألون بعضهم ما إذا كانت هواتفهم تعمل”.
5 يوليو… يوم تحوّل الإيغور إلى أمّة
بحسب الناشط الإيغوري عبد الوالي أيوب (Abduweli Ayup)، لقد صحّ في الخامس من يوليو تفسيره لحضارة الإيغور ولتلك الأمة. يقول لـ “أخبار الآن“: “كنت من قبل أعتقد أنّ الإيغور في طريقهم ليصبحوا أمّة غير أنّ ذلك لم يكتمل بعد، لكن منذ الخامس من يوليو أدركت أنّ العملية قد اكتملت وذلك لثلاثة أسباب:
- أولاً: الإيغور أصبحوا أمّة وهم مجموعة إثنية مستقلّة ولهم وجودهم، ومستعدون للقتال من أجل حقوقهم. فالمجزرة التي حصلت في معمل صيني أثّرت على الآلاف من الإيغور، وهم من الطلاب والأطباء والأساتذة ورجال أعمال وكل المجتمع الإيغوري.
- ثانياً: الإيغور قد نضجوا كمجموعة إثنية، والدليل على ذلك هو أنّهم يحملون العلم الصيني عندما ينزلون إلى الشارع ردّاً على اتهام الحكومة الصينية لهم بأنّهم يريدون الإنفصال عن الصين. ففي كل عمل إعتراضي يقوم به الإيغور تتهمهم الحكومة الصينية بأنّهم يسعون للإنفصال، غير أنّهم في تلك المرّة حملوا العلم الصيني ليوضحوا أنّهم ليسوا إنفصاليين، لكننا نريد حقوقنا ولا يمكنكم التمييز بيننا كما لا يمكنكم إلغاؤنا ولا يمكنكم حظر ثقافتنا، نحن موجودون ونريد حقوقنا، ولن نقوم بأيّ عمل غير شرعي، فإن ذلك حقنا.
- ثالثاً: أدركت من خلال تلك التظاهرة أنّ الإيغور كمجموعة إثنيّة استيقظت بالفعل، ففي السابق لم يكن من السهل نشر أفكار حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير ضمن المجتمع الإيغوري، كنّا بحاجة إلى الكثير من الجهد والتعب كون ذلك الأمر كان صعباً جدّاً… لكن بعد حادثة أورومتشي أدركت أنّ الناس أصبحوا أكثر وعياً وأنّهم يريدون حقوقهم، وكان الشعار الذي رفعوه ضدّ التمييز وضدّ الإنشقاق وضدّ عدم المساواة، وكانوا يهتفون إيغور إيغور إيغور، وأنا ما زلت أسمع ذلك الهتاف لأنّه في ذلك الوقت تم احتجاز آلاف التلامذة في المدارس ولم يناموا لليلة كاملة، وكانوا يهتفون إيغور إيغور إيغور، وكان ذلك بمثابة تعبير عن مشاعرهم، كانوا يريدون القول، نحن هنا ونريد حقوقنا، ونريد أن نعيش كبشر”.
لهذه الإعتبارات أعلاه، غيّر أيوب فكرته عن الإيغور ووجهة نظره تجاههم وتفسيره لهم كجماعة، “بعد ذلك قررت أن أقاتل، في السابق كنت مجرّد مراقب وباحث، كنت شخصاً يعمل على عدّة مشاريع، لكن بعد تلك التظاهرة وبعد حصول تلك المجزرة، قرّرت أنّ ذلك ما سأفعله، هم لا يصلون إلى حقوقهم لكنّ ذلك سيتغير إذا حاربنا من أجلهم، إذا ساهمنا في حصولهم على الحرية، فهم أوّلاً يستحقون ذلك، ومن ثمّ إن الأمر يمكن أن يتحقق لذلك قرّرت التخصص في حقوق الإنسان اللغوية بعد الخامس من يوليو لأن تلك الحادثة قد غيّرت حياتي، وغيّرت قراري حيال مجتمعي”.
قمع الحريّات وتعتيم إعلامي
يروي أيوب لـ”أخبار الآن” القصة التي تؤلمه، فيقول: “كان لديّ صديق يدعى نياز قاهار، كنّا زملاء دراسة في جامعة شينجيانغ، وهو صحافي متميّز جدّاً في أورومتشي ديلي. لم يفعل شيئاً ولم يشارك في تلك التظاهرة، هو قام بتوثيقها، فقط التقط صورة، لكن بسبب تلك الصورة حُكم عليه بالسجن لـ 10 سنوات وقد تمّ تأجيل إطلاق سراحه وأنا أشعر بالحزن. عندما كنت في أورومتشي كرهت نفسي لأنّني خفت أن أزور عائلته، عندما ذهبت إلى هناك رأيت الشرطة المدنية حول المنزل ولم أتمكّن من زيارة عائلته، وأشعر بالسوء حيال ذلك الأمر، لم أستطع القيام بأيّ شيء”.
ولفت أيوب إلى أنّه كان يجب إطلاق سراح صديقه في العام 2019، ومع ذلك ورغم انقضاء ذلك العام فهو لا يزال محتجزاً… هو أحد أصدقائي الذين تمّ اعتقالهم في الخامس من يوليو 2009، هناك مصورون ومغنّون وأطباء وأساتذة وأيضاً تلامذة محتجزون، أشعر بالحزن الشديد على تلاميذي، كنت أعمل في شينجيانغ فاينانشال وايكونوميك يونيفيرسيتي وكانوا تلاميذي يعملون هناك أيضاً، وقد تم اعتقالهم والحكم عليهم، لذلك أنا أشعر بالأسى تجاههم لأنّني لم أتمكن من مساندتهم أو إنقاذهم”.
ويشير أيوب إلى أنّ مَنْ نظم التظاهرة وحضّر لها هم “المثقفون الإيغور، فهؤلاء هم مَنْ قاد تلك التظاهرة، بعضهم يملك مواقع إلكترونية والبعض الآخر أساتذة وبعضهم مسؤولون حكوميون، أعرفهم جيّداً، هم من خططوا للتظاهرة لأنّهم أرادوا الدفاع عن حقوق الإيغور. لكنّني لم أتوقّع أن يتشجع عشرات الآلاف من الناس، فقد علمت في ذلك اليوم أنّ كلّ الناس وكلّ طبقات المجتمع شاركوا في تلك التظاهرة”.
وأضاف: “يمكنني أن أقول إنّ أورومتشي استفاقت في ذلك اليوم، لأنّني لم أرَ ذلك العدد من الإيغور من قبل في حياتي في أورومتشي، فنحو 10% من السكان هم من الإيغور، و90% من الهان الصينيين، في ذلك اليوم كانت أورومتشي كلّها إيغور يمسكون أيدي بعضهم البعض. كانت صورة الإيغور رائعة في ذلك اليوم، كلّهم غاضبون وكلهم حزينون، وجميعهم يتفاعل، لكن ما أحزنني هو اختراق المتظاهرين من قبل بعض البلطجية الذين قاموا بقتل الهان الصينيين”.
وتوقف أيوب عند بعض التفاصيل التي حصلت خلال التظاهرة، فقال: “التظاهرة الأولى كانت أمام مبنى الحزب الإقليمي والحكومة الإقليمية، وقد تمّ اعتقال بعض المتظاهرين… إحدى السيّدات فقدت الوعي، وبعد ذلك عمّت الفوضى وبدأ البلطجية بمهاجمة الهان الصينيّين وإحراق الباصات ودبّت الفوضى”.
أورومتشي جعلت العالم يرى أنّ الإيغور موجودون وهم يريدون حقوقهم ويرفضون التمييز والتفرقة
عبدالوالي أيوب
وأضاف: “لا أعلم ما سبب فقدان المرأة لوعيها وإذا كانت الشرطة قد أطلقت عليها النار، فما إن فقدت تلك السيدة الخمسينية وعيها حتى بدأت الشرطة باعتقال الطلاب الأويغور أمام تلك المباني الحكومية، ثم بدأ الطلاب يركضون في كلّ الإتجاهات، ثمّ بدأ القتل وإحراق الباصات، لكن معظمهم حافظ على الهدوء واستمر في التظاهر في معظم أنحاء أورومتشي، لكن في الساحة الرئيسية قامت الشرطة بتفريقهم”.
بالنسبة لأيوب، فإنّ أورومتشي “جعلت العالم يرى أنّ الإيغور موجودون وهم يريدون حقوقهم ويرفضون التمييز والتفرقة، ولديهم القوة للمطالبة بذلك. لقد أورومتشي في ذلك اليوم أوضحت للعالم أنّ لدى الصين مشكلة همع الإيغور، وذلك أمر مهم لأنّه في السابق كان الإيغور المسلمون يعيشون هناك، ولك يكن العالم يعرف أنّهم يواجهون مشاكل كثيرة، وأنهم يريدون حقوقهم، ففي ذلك الجانب تكمن أهمية تلك التظاهرة”.
وختم: “من المؤسف أنّه بعد تلك التظاهرة تمّ اعتقال أكثر من 10 آلاف إيغوري، ومن تمّ اعتقالهم في العام 2009 لم يتم الإفراج عنهم بعد، ومازالوا مسجونين وحكمهم لم ينته بعد، كأصدقائي ماما تشان ونياز قاهار وصديقي المصوّر كوراش”.
بعد أحداث أورومتشي، بدأت الصين في استخدام اتهامات الإرهاب ضدّ الإيغور بشكل مكثّف. وما التسريبات العديدة، وآخرُها التسريب الكبير، إلّا دليل على مدى تمادي الصين في ممارساتها التعسفية والقمعية بحق الإيغور. فطالما بقي العالم صامتاً على ما يحدث بحق تلك الأقلية، ستواصل الصين قمعّها واضطهادها للإيغور.
إنّ رواية أورومتشي محطة مهمّة للغاية، ليس لكي تروى فقط، إنّما كي يَعتبر العالم منها ويتحرّك، لا أن يشاهدَها أو يسمعَها، ثمّ يبدي أسفاً لما ويمضي، الأمر فقط يحتاج إلى الجرأة لا اكثر.