في أواخر الثمانيات أصبح ألكسندر لوكاشينكو عضواً في البرلمان البيلاروسي، وقد أنشأ تياراً أسماه “شيوعيون من أجل الديمقراطية”، وكان النائب الوحيد الذي عارض اتفاق حل الإتحاد السوفيتي.
في العام 1994، انتخب رئيساً لبيلاروسيا حيث عزّز سلطته بقمع وسائل الإعلام المستقلة واعتقال المنتقدين، وبعد عامين أقنع الناخبين بالموافقة على دستور جديد يمنحه سلطات واسعة، منها إمكان تمديد ولايته وحقّه في تعيين ثلث أعضاء الهيئة العليا للبرلمان، وبعد إعادة انتخابه لولاية ثانية العام 2001 غيّر الدستور مرّة أخرى للسماح بترشحه لولاية رئاسية ثالثة، وذلك ما حصل فعلاً، ففاز في الإنتخابات على مدى السنوات الماضية.
- بيلاروسيا دولة معزولة بسبب دعم رئيسها ألكسندر لوكاشينكو لبوتين في حريه على أوكرانيا
- لوكاشينكو يمارس قمع الحريات في بيلاورسيا وبوتين يساعده في البقاء في الحكم
- زعيمة المعارضة البيلاروسية تيخانوفسكايا: اعتقال نحو 50 ألف شخص منذ أغسطس 2020
- تيخانوفسكايا: استقلال بيلاروسيا مهدّد ولوكاشينكو دمية بيد بوتين وكل ما يهمّه البقاء بالسلطة
في العام 2020 كانت سفيتلانا تيخانوفسكايا خسرت في الانتخابات الرئاسية أمام لوكاشينكو، غير أنّ المعارضة والغرب يعتبران أنّ ثمّة تزويراً للنتائج، وأنّ الرئيس الفعلي لبيلاروسيا هي تيخانوفسكايا، وعليه تناضل الأخيرة من ليتوانيا ضدّ نظام لوكاشينكو الديكتاتوري، فهي تدير المعارضة في الاغتراب وفي الداخل، مستندة إلى الدعم الشعبي والغربي.
أخبار الآن أجرت لقاءً خاصاً مع منافسة لوكاشينكو في الإنتخابات الرئاسية، وزعيمة المعارضة البيلاروسية الحالية سفيتلانا تيخانوفسكايا (Sviatlana Tsikhanouskaya)، التي أوضحت استراتيجية لوكاشينكو التي بدأت في العام 2020 فقالت: “عندما خسر نظام لوكاشينكو الانتخابات لكنه استطاع البقاء في منصبه بسبب القمع الموجود في بلادنا وبسبب دعم الكرملين له حينها، ومنذ ذلك الوقت بدأنا نرى آلاف السجناء السياسيين في بيلاروسيا وقد اضطر مئات الآلاف الى مغادرة البلاد بسبب الترهيب الذي يحصل”.
وعلى الرّغم من كلّ ذلك القمع والترهيب تؤكد تيخانوفسكايا أنّ “البيلاروسيين ما زالوا يحاربون النظام”، لافتة إلى أنّ “الاستراتيجية التي يتّبعها لوكاشينكو الآن هي تهديد الناس، وثمّة توقيفات جديدة تحصل كل يوم في بلادنا، كما تمّ القضاء على كل وسائل الإعلام غير الرسمية، وكان على البيلاروسيين إعادة تموضعهم للتمكن من متابعة البث ونقل الحقيقة للناس”. إلى ذلك تمّ بحسب تأكيدها إغلاق “706 منظمة غير حكومية داخل البلاد وذلك يعني أن لوكاشينكو يحاول تدمير كل ما له علاقة بالحياة وإخافة الشعب الى أقصى الحدود، وطبعاً الآن بتنا نفهم العلاقة ما بين لوكاشينكو والكرملين، فهو قد أصبح دمية بيد الكرملين وهو لا يقوم بحل أيّ مشكلة إلا بعد استشارة الكرملين”.
استقلال بلادنا مهدّد لأن لوكاشينكو لا يفكّر بشعبنا ولا ببلدنا، كل ما يهمّه هو السلطة
سفيتلانا تيخانوفسكايا
وأضافت أنّ “استقلال بلادنا مهدّد لأن لوكاشينكو لا يفكّر بشعبنا ولا ببلدنا، لأن كل ما يهمّه هو السلطة والبقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة. غير أن الشعب البيلاروسي مستعدّ لأن يحارب من أجل استقلاله، علماً أنّه من الصعب جدّاً حصول تلك الإنتفاضة محلياً لأن الثمن سيكون غالياً جداً ونحن نريد الحفاظ على الناشطين داخل بيلاروسيا”.
لوكاشينكو نفى وجود سجناء سياسيين.. وتيخانوفسكايا ترد
تتجلى استراتيجية لوكاشينكو الترهيبية بوضوح بالممارسات التي ينتهجها حكمه ضدّ الشعب والمعارضين، فبحسب تيخانوفسكايا “تم اعتقال نحو 50 ألف شخص منذ أغسطس عام 2020، لكن الآن يتم الإعتراف فقط بوجود 1500 شخصاً يتم الاعتراف بهم كسجناء سياسيين، محكوم عليهم بسنين طويلة من السجن تصل الى 10 و 15 و18 سنة. وقد تمّ مؤخراً الحكم على شابة عمرها 21 عاماً بالسجن لمدة خمس أو ست سنوات لمجرد وضعها تعليق ضدّ الحرب على وسائل التواصل الاجتماعي”.
تمّ اعتقال نحو 50 ألف شخص منذ أغسطس عام 2020
سفيتلانا تيخانوفسكايا
ولفتت تيخانوفسكايا في حديثها لـ “أخبار الآن” إلى أنّه: “يتم اعتقال الناس لأسباب مختلفة، ويتم اعتقالهم خصوصاً إذا عبّروا عن رأيهم بأنهم ضد النظام وضد الحرب. ولا يمكننا معرفة أوضاعهم في تلك السجون التي تشبه السجون التي كانت قائمة في عهد ستالين خصوصاً لناحية وضع 6 أشخاص في زنزانة تتسع لأربعة أشخاص”.
وأوضحت أنّ “السجناء يتعرضون لإهانات معنوية وجسدية كما يُحرمون من الطعام اللائق والهواء، ولا يتم تسليم الرسائل لهم كما يُمنع المحامين من مقابلتهم أحياناً وهم يخفون عنهم الأخبار فالعديد منهم مثلاً لم يعرفوا عن الحرب على أوكرانيا إلا بعد مرور أشهر على بدئها”. وأضافت إلى أن المعتقلين بدورهم “يُضربون أحياناً عن الطعام احتجاجاً على تلك المعاملة، وقد توفّي عدد منهم في الزنزانات وجرح بعضهم نفسه لعدم قدرتهم على تحمّل هكذا معاملة. كما يتم وضع المعتقلين السياسيين في زنزانات التأديب من دون أسباب موجبة ويتم وشمهم بعلامات لتحذير السجناء الآخرين من التواصل معهم، فالناس يتعرّضون للقمع في السجون بسبب آرائهم السياسية”.
ونظراً لتلك الظروف غير الإنسانية التي يفرضها الحكم على البيلاروسيين غادرت تيخانوفسكايا البلاد مع مئات الآلاف من البيلاروسيّين منذ سنتين وتقول: “منذ ذلك الوقت نجحنا في المحافظة على وحدة القوى الديمقراطية والمغتربين، وطبعاً الأشخاص الذين لا يزالون في بيلاروسيا، فمن المهم جداً مساندة المقيمين في بيلاروسيا ومساعدتهم وتشجيعهم على النضال”. وتوضح أن “التواصل بات سهلاً بسبب التكنولوجيا التي توفّر تطبيقات كالزوم وغيره، ومهمّتنا هي إلهام الناس وشرح ما نقاتل من أجله، وأن نعطيهم فكرة عمّا ستكون عليه بيلاروسيا عند التخلّص من هذا النظام الديكتاتوري، وكيف يمكن أن تحيا في ظل نظام ديمقراطي لأنه بعد العيش لمدة 27 أو 28 عاماً في ظل نظام ديكتاتوري لم يعد لدى الناس أي فكرة عن الديمقراطية، وما معنى أن تتحمل مسؤولية مستقبل البلاد”.
وأضافت “لم يعد لدى الناس أي فكرة عن معنى القيم المتعلقة بحقوق الانسان والإحتكام الى القانون، فذلك أمر مهم جداً للبيلاروسيين. إلى ذلك من المهم جداً الحفاظ عل هويتنا البيلاروسية والشعور بأننا أمة، لأنه على مدى 27 عاماً تم عمداً قمع الهوية البيلاروسية، واليوم عدد قليل من الناس يتحدث باللغة البيلاروسية، لذلك إن مهمتنا الأساسيّة هي أن نعيد الإفتخار بكوننا بيلاروسيين، فنحن نريد أن نختار مستقبلنا بأنفسنا”.
لوكاشينكو جعل من بيلاروسيا مركزاً لإطلاق الصواريخ الروسيّة فيما الشعب البيلاروسي ضد الحرب
سفيتلانا تيخانوفسكايا
تصرّ تيخانوفسكايا على التمييز ما بين موقف نظام لوكاشينكو والشعب البيلاورسي من الحرب الروسية على أوكرانيا، فالشعب بحسب قولها ضدّ تلك الحرب وهو لا يريدها. وقد شكّلت الحرب بحسب قولها “صدمة للبيلاروسيّين لأننا لم نتوقع أن تشارك بلادنا في أي حرب على الإطلاق وخاصة ضدّ إخواننا الأوكرانيين. وهنا نحن نفرّق ما بين نظام لوكاشينكو الذي كان متعاوناً وطرفاً في تلك الحرب، فهو قد جعل من بيلاروسيا مركزاً لإطلاق الصواريخ الروسيّة فيما الشعب البيلاروسي ضد الحرب”.
وأوضحت أن “86% من الشعب البيلاروسي ضد التدخل البيلاروسي في الحرب، ومنذ اندلاعها انطلقت في بلادنا تحركات عديدة تندّد بهذا التدخل، كما قام البيلاروسيون بتخريب سكك الحديد لعرقلة عبور القوات الروسية الى أوكرانيا عبر بلدنا، وأرسلوا معلومات للجانب الأوكراني تكشف عن مواقع قاذفات وطائرات الجيش الروسي في بيلاروسيا كي يتحضّروا للهجمات”. إلى ذلك لفتت إلى “انتقال العديد من المتطوّعين البيلاروسيين إلى الداخل الأوكراني حيث نظّموا كتيبتهم البيلاروسية الخاصة للدفاع عن أوكرانيا، كما قاتل المواطنون البيلاروسيون الذين غادروا بيلاروسيا بسبب الاضطهاد إلى جانب الجيش الأوكراني، وقدموا الكثير من المساعدة للاجئين الأوكرانيين”. وأضافت “نحن نفهم تماماً معنى أن يحمل المرء ابنه أو ابنته ويهرب من بلده تاركا كل شيء خلفه، فنحن نتشارك الألم ونفهم ما يشعر به الاوكرانيين الآن”.
الجيش البيلاروسي يرفض الحرب والقتال
وتقول تيخانوفسكايا أنّ الحرب “سيّست الناس وجعلتهم يفهمون أن مصير أوكرانيا وبيلاروسيا مترابط لأن روسيا مثلاً لا تعترف بسيادة واستقلال أوكرانيا وبيلاروسيا، لكننا لا نعتبر أنفسنا روس فنحن بلدان مستقلة، ونريد مع الأوكرانيين حماية بلادنا من الغزو”. وأكدت أن المعارضة البيلاروسية تعتبر أن “بيلاروسيا محتلة من قبل روسيا، لأن ما يسمّى بالحكومة البيلاروسية التي انتزعت السلطة لا يمكنها اتّخاذ أي قرار بمفردها من دون التنسيق مع الكرملين، ونحن نتعامل مع ديكتاتوريين لا يمكن التنبؤ بمخططاتهم، فمن الممكن أن يستعمل الجيش الروسي أرضنا مراراً وتكراراً لتهديد جيراننا الغربيين وليس فقط أوكرانيا”.
من الممكن أن يستعمل الجيش الروسي أرضنا مراراً وتكراراً لتهديد جيراننا الغربيين وليس فقط أوكرانيا
سفيتلانا تيخانوفسكايا
على الرّغم من دعم النظام في بيلاروسيا الروس في حربهم على أوكرانيا، إلاّ أن الجيش البيلاروسي لم يشارك في هذه الحرب، فبيلاروسيا منحت أرضها لروسيا لتسهيل أعمالها العسكرية غير أن جيشها لم يشارك في الأعمال العسكرية.
في ذلك السياق، تقول تيخانوفسكايا أنّ “الجيش البيلاروسي لم يدخل أوكرانيا، والسبب في ذلك يعود الى رفض فكرة الحرب ضمن صفوف الجيش، فهم لا يفهمون لم عليهم القتال في أوكرانيا تحقيقاً لطموحات الآخرين”. وأضافت “طوال 27 عاماً، كان لوكاشينكو يحاول أن يأخذ موقفاً وسطيّاً بين روسيا والغرب، وكان يقوم بابتزاز الجميع، لكن الآن لم يعد للوكاشينكو حلفاء غير روسيا لذلك عليه أن يكون وفياً وأن يدفع ديونه لها. فهو يشعر حالياً أنه ضعيف جداً، لكنه يستحق ذلك وعليه أن يتحمل كامل المسؤولية لأنه أعطى أرضنا كمنصة انطلاق للروس في هذه الحرب”. ولفتت إلى أن استراتيجية المعارضة الآن “هي استنفاد النظام الى أقصى حد ممكن على المستويين السياسي والاقتصادي، فالدول الغربية لا تنظر للوكاشينكو الآن كرئيس لبيلاروسيا وتوقيعه لا يعني لها شيئاً”.
وتابعت: “لذلك نحن نحاول أن نشرح أهمية العقوبات في هذه الاوقات الصعبة لبلدنا لأن تلك العقوبات ستحرم النظام من موارده وهذا سيؤدي الى القضاء على مخططات الفساد في بيلاروسيا، فبفضل الضغوطات الاقتصادية والسياسية أدرك لوكاشينكو أنه لا سبيل للخروج من هذه الأزمة إلا بالاصغاء الى البيلاروسيين الذين يطالبون بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف القمع في البلاد وإجراء انتخابات جديدة تسمح للناس باختيار من يريدونه رئيساً للبلاد”.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مع الإستعدادات الروسية للحرب على أوكرانيا، تلقى لوكاشينكا دعماً مالياً من حليفه فلاديمير بوتين شمل قرضاً بقيمة 1.5 مليار دولار وتبين دور بيلاروسيا البارز في استقبال آلاف الجنود الروس وتحرك الرئيس بوتين لعمل تغيير جديد في الدستور تضمن توسيع نصب أسلحة نووية وقوات روسية والسماح للوكاشينكو بالبقاء في السلطة حتى عشرة أعوام مع حصانة مدى الحياة من الملاحقة القضائية.
مع الإستعدادات الروسية للحرب على أوكرانيا، تحرك بوتين لتعديل الدستور والسماح للوكاشينكو بالبقاء في السلطة حتى 10 أعوام مع حصانة مدى الحياة من الملاحقة القضائية
وعن صدّ الجيش للوكاشينكو ورفضه خوض الحرب العسكرية إلى جانب روسيا تقول تيخانوفسكايا لـ “أخبار الآن” : “وصلتنا معلومات أنه عندما حصلت مناقشات بين القادة الموالين للنظام والعسكريين ذو المراتب العالية، أبلغوا لوكاشينكو أن الجنود البيلاروسيون غير جاهزين للقتال، وإذا تم إجبارهم على المشاركة فسينشقون أو سينقلبون أو ربما سيفرّون من أرض المعركة، لأنهم لا يرغبون في القتال ضد الأوكرانيين”.
لكنها تشير إلى أن ما من معلومات تؤكد إذا ما تم إعطاء أمر كهذا للجنود “لكن المؤكد أن نظام لوكاشينكو كان يعرف مزاج الجنود البيلاروسيين، وأشك في أنه كان يريد أن يعرف الكرملين أنه لا يستطيع السيطرة على الجيش لهذا لم يحدث ذلك و بدأ البيلاروسيون التحرك و وجهوا رسائل الى المسؤولين العسكريين يطالبون فيها عدم المشاركة في الحرب ضد الأوكرانيين، وقد شكّل هذا الهجوم العنيف على القادة العسكريين سبب نجاح الجيش البيلاروسي. لكنني أكرّر مجدّداً أننا نتعامل مع ديكتاتوريين، وربما تحت ضغط الكرملين سيتم إجبار جنودنا البيلاروسيين على المشاركة في الحرب، لكن النتيجة لذلك ستكون كما قلت سابقاً، ربما سينشقون أو يغيّرون الجهة التي يحاربون معها أو ستقع أمور أخرى من هذا القبيل”.
على غرار كثير من الجمهوريات السّوفيتية السابقة التي استقلت عن روسيا، كان لوكاشينكو من أبرز الموالين لموسكو والمؤيدين لتوثيق العلاقات معها. حتى أنّه دعم مقترحاً لم يرَ النور لتوحيد روسيا وبيلاروسيا ضمن جمهورية واحدة.
ولم يغادر لوكاشينكو منصبه عام 1999 بانتهاء ولايته الأولى. فحيث أن روسيا تحظى بالنفوذ السياسي الأكبر في بيلاروسيا، استمر في شغل مهامه “بعد ترتيبات ومفاوضات مع موسكو”. وواصل الحكم لاحقاً لخمس ولايات أخرى على رأس الجمهورية السوفيتية السابقة، التي يحكمها بيد من حديد. وانهالت عليه الاتهامات بالتلاعب بالانتخابات وانتهاك حقوق الإنسان.
شاهدوا أيضاً: طريق بوتين إلى كالينينغراد روسيا..الممر الذي سيفجر كل أوروبا