في 15 أغسطس العام 2021، قبل عام كان العالم على موعد مع مفاجأة مدوية تمثّلت في استيلاء حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول وإسقاطها. ومنذ أن عادت طالبان إلى حكم أفغانستان، تغيّرت حياة الأفغان ومناحي الحياة في ذلك البلد الفقير بشكل كبير، للأسوأ طبعاً.
- بعد عام على استبيلاء طالبان على السلطة، الأفغان بين الجوع والإرهاب والإصرار على النضال
- مواطن أفغاني يروي لأخبار الآن كيف أقدمت طالبان على طرده وعائلته من منزلهم وباتوا مشرّدين
- 1.1 مليون طفل أفغاني دون سن الـ5 من المتوقع أن يعانون من سوء التغذية وفقًا لليونيسف
بعد مرور عام، يعرب مقاتلو طالبان عن سرورهم لرؤية حركتهم تمارس السلطة، بينما تشعر وكالات المساعدات الإنسانية من جهتها بالقلق لرؤية نصف سكان البلاد، البالغ عددهم نحو 38 مليون نسمة، يواجهون فقراً مدقعاً.
إلى ذلك، ليس سهلاً أن تكون أفغانياً معارضاً وتبقى تعيش داخل أفغانستان وفي كابول تحديداً… “أخبار الآن” أجرت لقاءً مع المواطن الأفغاني ح.ح. وهو من عِرق الطاجيك، كان الرجل يعيش مع عائلته في منزل ورثه من أسلافه. كانت الحياة طبيعية إلى أن أتت عناصر طالبان ذات يوم بعد استيلائها على السلطة، وطلبت منه تسليم منزله والرحيل.
بحرقة ووجع يروي المواطن الأفغاني تفاصيل ما حدث ذلك اليوم، فيقول: “نحن من الطاجيك، بعدما استلمت طالبان الحكم أعلمتنا الحكومة أنّنا يجب أن نسلم أراضينا وأملاكنا لإمارة طالبان خلال 7 أيّام، وقالوا إنّها أصبحت الآن ملكاً لإمارة طالبان الإسلامية. حاولنا التحدّث مع المسؤولين في طالبان لنفهم لماذا يقومون بذلك ولنرى ما إذا كان من الممكن إيجاد حل، مرّ أسبوع وكان لدينا أمل أن تعطينا طالبان مزيداً من الوقت وأن يشرحوا لنا لماذا يقومون بذلك، والأهم من كلّ ذلك أنّنا تأملنا أن يقدّموا لنا حلاًّ آخر أو عرضاً آخر، لكن بعد 7 أيّام هاجمت طالبان منطقتنا واقتحمت منازل السكان وضربت الرجال والنساء والأولاد”.
حينها لم تعرف العائلة ماذا تفعل، وكذلك كان حال عائلات أخرى، فالصّراخ كان يملأ المكان حيث اعتقلت عناصر طالبان العديد منهم وأشعلوا النار في المنازل وأخرجوهم منها بالقوّة. أحدٌ لم يتمكّن من ثنيهم عن ذلك فقد كانوا يحملون السلاح.
في ذلك السياق، يقول ح. ح.: “حاولنا كثيراً أن نمنعهم لكنّنا فشلنا فقد كانوا يحملون السلاح، طردونا من منازلنا وأجبرونا على الهجرة وتشردت مئات العائلات بعدما أخذوا منّا كلّ ما نملك، نحن و40 عائلة أخرى مع أولادنا إختبئنا في الجبال وكان معنا أيضاً نساء ومسنون، لعدّة ليالٍ نام الأطفال وهم جائعون لم يكن لدينا لا ماء ولا طعام، وكذلك الحال بالنسبة لوالدي المسنين، قضينا أسوأ أيّام حياتنا في ذلك المكان وكان بيننا 5 أو 6 عائلات”.
بعد أيّام عديدة وصلت العائلة إلى كابول وقد كانت الرحلة صعبة للغاية. يقول المواطن الأفغاني في حديثه لـ”أخبار الآن“، إنّ العائلات التي كانت معهم في الجبال تشرّدت والكثير منهم مازال من دون مأوى، ومازالوا يعيشون في الجبال وفي الشوارع في ظلّ ظروف صعبة وربّما العديد منهم لقي حتفه.
يقزل ح.ح: “بعدما وصلنا كابول، بارك الله بأقاربنا، الذين أعطونا منزلاً لنعيش فيه، نحن عائلة مؤلفة من 9 أشخاص ونعيش في غرفتين ونحاول أن نتدبر أمرنا بهاتين الغرفتين، وأنا أبحث عن عمل لأستطيع دفع تكاليف الحياة اليومية ولتأمين الفيول لندفىء أنفسنا في الطقس البارد”.
الإقتصاد في حالة سقوط حر
على الصعيد الاقتصادي، تهاوى الوضع في البلاد وبات الإقتصاد في حالة سقوط حر، وفق وصف الأمم المتحدة التي حذّرت من كارثة إنسانية في أفغانستان.
ومنذ استيلائها على السلطة، تضغط حركة طالبان على المجتمع الدولي للاعتراف بها كسلطة شرعية في أفغانستان، فيما يعدّ ذلك الأمر حاسماً لطالبان لكي تتجنّب انهيار اقتصاد البلاد في ظلّ انتشار الفقر والجوع، وبلوغ انعدام الأمن الغذائي في المجتمعات الحضرية مستويات مماثلة للمناطق الريفية والنائية لأوّل مرّة في البلاد.
في كانون الثاني الماضي، أطلقت الأمم المتحدة أكبر مناشدة على الإطلاق لتقديم مساعدات إنسانية لدولة واحدة حيث شدّدت على أنّها في حاجة إلى تمويل يبلغ 4.4 مليار دولار للحيلولة دون تفاقم الأزمة الإنسانية في أفغانستان التي باتت الأسرع نمواً في العالم.
وبيدو أنّ المجتمع الدولي مازال متردّداً في إرسال مساعدات مالية بشكل مباشر إلى طالبان خوفاً من استخدامها لشراء أسلحة وهي المخاوف التي دفعت واشنطن إلى رفض رفع التجميد على أصول مصرفية أفغانية.
ورغم تزايد المخاطر في أفغانستان، إلاّ أنّ أزمات البلاد باتت لا تحظى باهتمام كبير من المجتمع الدولي مع اندلاع الحرب في أوكرانيا. وعلى إثر ذلك، يرى خبراء ثمة مقاربة بين الوضع الحالي وبين وضع أفغانستان في أواخر تسعينيات القرن الماضي حيث لم يدرك المجتمع الدولي في حينه التداعيات الخطيرة لاستيلاء طالبان على السلطة عام 1996.
“لا نتأمل خيراً من طالبان”
لا أمل لدى المواطن ح.ح. بطالبان وحكومتها، وشأنه شأن أيّ أفغاني آخر، فهم لا يرون أيّ مستقبل في ظلّ وجودهم، فقال: “نحن لا نتأمل خيراً من طالبان لأنّها هي التي شردتنا وأخرجت الناس من منازلها وممتلكاتها، كما ضربت الأبرياء من رجال ونساء واعتقلت العديد من السكان و أخذتهم إلى أماكن مجهولة، ومصير من اعتقلتهم طالبان ما زال مجهولاً حتى الآن ولا أحد يعلم عنهم شيئاً”.
وتابع لـ”أخبار الآن“: “لا أحد منّا لديه أمل في حكومة طالبان ولا نرى أيّ مستقبل مع تلك الحكومة ولن يأتينا أيّ خير منها. نحن لم نرَ من طالبان سوى القمع والقتل والذبح ونهب الفقراء، لم نرَ أيّ خير من طالبان. حياتنا صعبة جدّاً هنا، أولادنا يتعذبون جدّاً في الطقس البارد وقلّة الطعام والماء جعلت حياتنا صعبة جداً، نأمل أن يتحسن الوضع مجدداً في أفغانستان وأن يعم السلام مجدداً وأن يتمّ القضاء على الفقر والبؤس وأن يتمكن الجميع من العيش بسلام في منازلهم وأراضيهم”.
مع عودتها إلى السلطة فاقمت طالبان الأوضاع المعيشة أكثر
وتجدر الإشارة إلى أنّ حركة طالبان كانت شاركت في الحكم بأفغانستان في السابق حتى طردها العام 2001 عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان. ورغم الانتقادات التي طالت الحكومات الأفغانية التي تولت زمام الأمور منذ العام 2001، إلا أنّ أفغانستان حققت تقدّماً في مجالات عديدة خلال العقدين الماضيين، خصوصاً على صعيد تعليم الفتيات وحقوق الإنسان والإعلام، فيما تحسنت حياة أبناء الطبقة الوسطى نسبياً.
ومنذ سيطرة طالبان، تراجعت تلك الإنجازات بشكل كبير في البلاد في ضوء إخلال طالبان عن الوفاء بتعهداتها بموجب اتفاق الدوحة، حيث تردّدت عن تأليف حكومة تضم كافة أطياف البلاد ومنعت الفتيات من مواصلة تعليمهن بعد الصف السادس، فضلاً عن فرض قيود صارمة على عمل وحياة النساء ما أدّى إلى إبعادهن فعلياً عن الحياة العامة.
وفي ظلّ تضاؤل الإهتمام العالمي بشأن الوضع في أفغانستان، وفرت الحركة موطئ قدم لتنظيمات مسلّحة ومتطرفة محلية وأجنبية، فيما يدل مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول مؤخراً على ذالك الخطر.
شاهدوا أيضاً: عام على عودة طالبان.. الأفغان بين الجوع والإرهاب والإصرار على النضال