تصادف اليوم الذكرى الخامسة لترحيل أقلية الروهينغا عن موطنها الأصلي راخين في ميانمار، حيث هربوا من الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها على يد الجيش ومجموعات بوذية أخرى، لكنّهم لم يعرفوا ان ما ينتظره لا يقلّ قسوة…
ففي المخيّمات الـ36 في بنغلادش، الوضع ليس على ما يرام، وهم يعيشون حاضراً أليماً، فيما مستقبلهم ضائع، حتى أنّ العودة إلى راخين باتت مستحلية بما أنّهم فقدوا كلّ شيء هناك، حتى أوراقهم لم تعد بحوزتهم في خطوة فعلية لتجريدهم من انتمائهم إلى الوطن حتى.
المقرّر الخاص التابع للأمم المتحدة المعني بأشكال العبودية المعاصر تومويا أوبوكاتا (Tomoya Obokata)، كان أعدّ مؤخراً تقريراً خاصاً لمناسبة العيد الت30 للإعلان حول حماية الأقليات، وفي السياق قال المسؤول الأممي لـ “أخبار الآن“، إنّ نساء وفتيات تلك الأقلية تتعرضن للعبودية الجنسية والعنف، معتبراً أن الأمم المتحدة يمكنها أن تفعل أكثر مما تقوم به.
فقال: “في ما يتعلق بالروهينغا، لاحظت حالات من العبودية الجنسية والعنف التي تعرّضت لها نساء وفتيات، وقد سجّلت حالات مماثلة وتناقلها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تقريره الخاص حول حالة حقوق الإنسان في ميانمار. أظن أن تلك الحالات موثّقة جيّداً وهي من ضمن اختصاصي. كما تعلمون، أنا مقرر خاص حول أشكال العبودية المعاصرة، وبالتالي يمكنني فقط أن أنظر في مسائل مرتبطة بعملي مباشرةً، فأنا غير قادر على النظر في مسائل أخرى ولكن العنف المبني على الجندر والعنف الجنسي مرتفع في النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية. لقد ذكرت أنّه في موضوع الروهينغا، وقعت النساء والفتيات ضحية تلك الأمور التي سجّلت كذلك في إقليم تيغراي في إثيوبيا وبحق النساء الإيزيديات اللواتي عشن الإتجار بالبشر والعبودية الجنسية، وفي أفريقيا على يدّ مجموعات إرهابية إلى ما هنالك. وبالتالي تثير تلك المسائل قلقي كثيراً”.
وتابع: “أعتقد أنّ الأمم المتحدة قادرة على التحرّك أكثر، كما أعتبر أنّ المنظمات الإقليمية لديها دور عليها أن تلعبه على غرار منظمة آسيان، أي رابطة دول جنوب شرق آسيا. بنظري تلك المنظمات الإقليمية قادرة على التحرك أكثر للعمل مع السلطات في ميانمار لضمان حماية وتعزيز حقوق الإنسان الخاصة بكل فرد في ذلك البلد. كما أنّ النازحين كما تعلمون الذين أجبروا على مغادرة البلاد والعيش في مخيم كوكس بازار وبنغلادش، برأيي لا بدّ من معالجة ذلك الوضع الخطير. أنا أعتقد أنّ تلك المسألة تقع على عاتق الأسرة الدولية ككل لأنّها خليط يجمع المنظمات الدولية ودول أعضاء في الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية وفاعلين في المجتمع المدني وناشطين إنسانيين”.
لمحة تاريخية على أزمة الروهينغا
كانت أقلية الروهينغا المسلمة تعيش شمال إقليم راخين (أراكان سابقاً)، وتعود جذور أزمتهم إلى ما قبل قيام الدولة المعاصرة في ميانمار (بورما سابقاً)، وذلك بعدما حرّض الاستعمار البريطاني البوذيين على قتلهم وتعذيبهم، مؤسساً بذلك لأزمة إنسانية وسياسيّة متفاقمة ومستمرة منذ عقود. ونتيجة للتحريض البريطاني، قام البوذيون بعدما مدّهم البريطانيون بالسلاح، بارتكاب مذبحة بحقّ الروهينغا عام 1942 وقد فتكوا خلالها بالآلاف. رحل الإستعمار البريطاني عن ميانمار العام 1948، لكنّه خلّف وراءه إرثاً عنيفاً إذ أخذت الانتهاكات ضدّ الروهينغا تتزايد.
سعى النظام العسكري لبناء وتأسيس مفهوم جديد للقومية، وكانت جماعة الروهينغا ضحيّته نتيجة لاختلافها من حيث الشكل بسبب البشرة الداكنة لأفرادها، وبسبب ديانة الجماعة المختلفة عن باقي السكان، ما جعلهم بنظر النظام العسكري أقرب إلى بنغلاديشمنهم إلى بورما. أدّى كل ذلك بجماعة الروهينغا إلى تقديم التماس لضمّها إلى بنغلاديش خلال تقسيم العام 1947.
العام 1962 استولى انقلاب عسكري على السلطة، ومن أجل تثبيت أركانه استخدم الدين كعامل أساسي يحدّد على أساسه ما إذا كان الشخص مواطناً أصيلاً تابعاً للدولة، مستنداً إلى البوذية لتبرير القومية المقترحة. وفي العام 1974، جُرّد الروهينغا من هويتهم وصنفتهم الدولة بالأجانب، ما أدّى إلى فرار أعداد كبيرة منهم إلى البلدان المجاورة هرباً من العنف الذي يبرره ذلك التشريع.
وفي العام 1982، سنّت الدولة قانون المواطنة ليس لاستبعاد الروهينغا من الحصول على الجنسية فحسب، بل حرمانهم من الحق بالعيش ضمن الدولة ما لم يكن لديهم دليل دامغ يُظهر أن أجدادهم عاشوا في البلاد قبل الإستقلال، وكان الحصول على وثائق الجنسية لمعظم المجتمعات مستحيل. وقد ترتّب على قانون المواطنة حرمان مسلمي الروهينغا من تملّك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلّد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، كما حرموا من حقّ التصويت في الانتخابات البرلمانية، وتأسيس المنظمات وممارسة الأنشطة السياسية.
كذلك فرضت الحكومات المتعاقبة في ميانمار ضرائب باهظة على المسلمين ومنعتهم من مواصلة التعليم العالي، وحدّت من حريّة تنقلهم وسفرهم وحتى زواجهم. وقد أشارت تقارير إلى أنّ السلطات قامت العام 1988 بإنشاء قرى نموذجية شمال راخين لتشجيع أُسَر البوذيين على الإستيطان في تلك المناطق بدلاً من المسلمين.
شهدت أزمة الروهينغا منعطفاً كبيراً يوم التاسع من أكتوبر 2016 عندما أعلنت الحكومة عن أوّل هجوم مسلّح شارك فيه المئات على مراكز للشرطة الحدودية مع بنغلاديش بالأسلحة البيضاء والمصنّعة منزلياً، متهمةً تنظيمات روهينغية كان لها وجود تاريخي خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات بالمسؤولية عنه. واستمرّت تلك المواجهات الدمويّة والعنيفة حتى أغسطس العام 2017، وقد فرّ أكثر من 898 ألف رجل وإمرأة وطفل عبر الحدود إلى كوكس بازار في بنغلاديش، وانضمّوا إلى ما يقدّر بنحو 212 ألف لاجئ كانوا قد سبقوهم إلى المنطقة.