الإيرانيون بين براثن النظام القاتل.. كرامي لـ”أخبار الآن” “إنَّه نظام قذر ووسخ وفي كل عائلة هناك شخص قضى على يد النظام”.
بعد 20 يوم على مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني التي تعرّضت للضرب المبرح على يد ما يعرف بـ”شرطة الآداب”، مازال الشارع الإيراني يضجّ بالمتظاهرين والمحتجّين الرافضين الاستمرار بالسكوت على ارتكابات النظام الإيراني.
تقول المعلومات من داخل إيران حيث قطع النظام شبكات الإنترنت، وبالكاد ينجح البعض بالتواصل مع الخارج وتسريب مقاطع فيديو، إنَّ نحو 100 شخص كلَّهم من فئة الشباب، قتلوا منذ اندلاع التظاهرات التي قوبلت من اليوم الأوّل بالعنف، إذ تلاحق قوات الباسيج التابعة لميليشيا الحرس الثوري الايراني المتظاهرين بقوّة، مع الإشارة إلى أنّ تلك القوات هي قوّات شبه عسكرية من متطوعين تابعين مباشرة للخامنئي.
ومع ذلك، استمرت الاحتجاجات وازداد زخمها رغم الاعتقالات والقتل العلني والسري من قبل قوات الباسيج وغيرها أيضاً من أجهزة الحرس الثوري الإيراني، الذين أغضبتهم تلك الاحتجاجات التي وصلت إلى كلّ المحافظات الإيرانية، ولم تسلم منها أيّ منطقة ضمنها مدينة قمّ الموجودة جنوب العاصمة طهران، وهي مسقط رأس خامنئي، وتعتبر قلب النظام الايراني ومركزه، التي تشهد تظاهرات متقطعة تضمن بعضها إحراق تمثال الأخير.
بيجي كرامي حاضرة في الإنتفاضة عن بعد
في ذلك السياق، ملايين الايرانيين حول العالم تظاهروا دعماً لإيرانيي الداخل وردّدوا الهتافات التي انطلقت من الداخل، كـ “الموت لخامنئي” و “الموت للديكتاتور”… بينهم الشابة الإيرانية بيجي كرامي الموجودة في المنفى، وتحديداً في مدينة هامبورغ الألمانية، وقد هربت من بطش النظام الإيراني بعد ارتكابه أبشع الجرائم بحقّ عائلتها. غادرت كرامي إيران العام 2013 ودخلت ألمانيا كلاجئة سياسية، وذلك بعدما أعدم النظام والدها علي رضا في العام نفسه، فيما كان قتل أيضاً أخاها أوميت قبل تصفية والدها بـ 9 سنوات، أي العام 2004.
تقول كرامي لـ “أخبار الآن“: دُمرت حياتي بسبب النظام الإيراني القذر والوسخ الذي يقتل من دون أيّ حدود، وأنا ما عرفته إلّا بالقتل لأنَّه كما قتل من عائلتي أخي ووالدي، قتل الملايين، فكلّ الإيرانيين الذين أعرفهم هنا في ألمانيا، قتل النظام أحداً من عائلتهم”.
اتهم النظام الإيراني والدها بـ”محاولة تهريب عائلته بشكل غير شرعي” خارج البلاد، وذلك بينما كان يعمل كموظفٍ رسمي. وتقول كرامي: “والدي لم يكن يريدنا أن نعيش في إيران تحت رحمة ذلك النظام الذي انقلب على الحكم العام 1979، لأنَّه كان يقول دائماً إنَّنا لا نستطيع العيش بسبب سياسة القمع، وأراد إنقاذ أخيه الذي كان يتعرّض للاعتقال والتنكيل بشكل مستمر من قبل النظام بسبب معارضته سياسة القتل والقمع القائمة”.
وتُضيف: “لم يكن أحد من عائلتي يعمل بالسياسة أو ينتمي لأيّ حزب أو جهة سياسية، ولكن في إيران السياسة تدخل في كلّ شيء، ومَنْ يطالب بأبسط حقوقه يتم استهدافه ويتم توجيه اتهامات له زوراً والتنكيل به كما فعلوا مع والدي قبل إعدامه”.
لمحة على التظاهرات
ما يحدث اليوم في إيران ليس الأوّل من نوعه، بل كان ثمّة موجات مختلفة من الإحتجاجات طوال السنوات الماضية. وقد كانت بدأت تلك الاحتجاجات العام 1999 عندما شهدت البلاد موجة من الاحتجاجات الرافضة لاغلاق صحيفة “سلام” الإصلاحية، وكانت التظاهرات قد انطلقت من جامعة طهران وتمّ حينها اعتقال أكثر من 1000 طالب واستخدام البطش لايقافهم.
وبعد 10 سنوات، في يونيو العام 2009، اندلعت ما يعرف بالثورة الخضراء احتجاجاً على التزوير في الانتخابات الرئاسية التي أعادت محمود أحمدي نجاد مجدّداً إلى الرئاسة. حينها قتلت قوات الباسيج عشرات الشباب والصحافيين والناشطين واعتقلت الآلاف منهم.
وكان رمز تلك الثورة الخضراء الصحافية ندى آغا سلطان التي قتلت برصاصة صوبت على صدرها من قبل عنصر من قوات الباسيج بلباس مدني. وقد صور مشهد قتلها وانتشر في العالم فاضحاً حقيقة النظام الايراني.
كذلك سُجّلت موجتان من الاحتجاجات التي جالت في مدن إيران العام 2017 إلى 2019، لكنّها كانت أخذت طابعاً معيشياً مع العديد من الرسائل السياسية. وفي السياق، يبرز اسم الملاكم الايراني الشهير ناويد أفكاري الذي أيضاً أعدمه النظام العام 2020 بتهمة طعنه لعنصر أمني خلال احتجاجات 2018 التي شارك فيها.
من أوميت كرامي إلى مهسا أميني مروراً بندى سلطان ونافيد أفكاري
وتقول كرامي لـ”أخبار الآن” إنَّها ترى أخاها أوميت كرامي الذي قُتل عندما كان عمره 21 عاماً، في كلّ شهداء البلاد الذين قضوا على يد نظامهم من ندى آغا سلطان إلى مهسا أميني مروراً بنافيد أفكاري”. وتُضيف: “9 سنوات لي في ألمانيا لم تجعلني أعيش حياة طبيعية بعد كل ما جرى لعائلتنا، لأنّ القتل والإجرام يتواصلان، وأنا لا أستطيع نسيان الماضي الأليم حتى ولو كنت هنا في أمان بألمانيا، فأنا أصلا أفضل العيش في مجتمعي، لكنّني لا أستطيع وذلك الشعور يؤلمني كثيراً”.
تظاهرات اليوم ليست كسابقاتها
تظاهرات اليوم ليست كسابقاتها بنظر بعض المتابعين للشأن الإيراني خصوصاً أنّها تتمدد، فبعدما بدأت كانتفاضة نسائية إذا صح التعبير، انضمت إليها فئات عديدة من المجتمع الإيراني أبرزها فئة الطلبة الجامعيين وتلامذة المدارس الذين يرفضون الإنصياع إلى المدراء المتواطئين مع النظام. وفي ذلك السياق، بدأت تظاهرات واسعة يوم الأحد 2 أوكتوبر الماضي للحركة الطلابية من قلب طهران، تحديداً من جامعة الشريف للتكنولوجيا وكانت ردّات الفعل من الهيئة الإدارية للجامعة متمثلة بفتح الطريق أمام الطلبة للنزول إلى الطوابق السفلية مع وصول قوات الباسيج، وذلك بهدف تسهيل اعتقالهم وقتلهم كما أكّد لنا مراسلون ميدانيون في الداخل الإيراني.
وتقول بيجي “الناس اليوم أصبحوا أقوياء، في العام 2009 يوم قُتلت ندى آغا سلطان كانت الإحتجاجات هادئة لأنّ الايرانيين أرادوا رأيهم الذي انخطف، ولكن مذاك بدأ مسار سفك الدماء، فعام 2019 مثلاً قطعوا شبكة الإنترنت وقتلوا 1500 شخص خلال 3 أيام”. وتضيف: “يقتلون شبابنا وشاباتنا ونحن متعبون والايرانيون في الداخل لا يستطيعون تحمل المزيد”!
في ختام حديثها، قالت كرامي إنَّ “كل يوم ثمَّة مهسا أميني في إيران منذ 43 عاماً، أي منذ استيلاء الخميني على الحكم. ووجهت رسالة عبر “أخبار الآن” عن الشعب الإيراني وما تعتبره صورة نمطية خاطئة عنه، إذ قالت: “الشعب الإيراني متروك لمصيره وهو يخوض حربا ضد حكومته التي تقتله وليس في اليد حيلة، ومع الأسف العديد من الشعوب لا تعرف هذا الواقع ولا تدري أنَّ الفرق كبير بين الحكومة وبين الشعب الذي يريد السلام والمساعدة من العالم ومن الأخوة العرب تحديداً”.