العالم كلّه يذكر بوتشا، تلك المدينة التي كانت لها حصّة كبيرة من انتهاكات الروس في أوكرانيا، حيث مازال العالم يكتشف حجم الفظائع التي لحقت بتلك المدينة الصغيرة قرب العاصمة كييف. ومؤخراً كشفت السلطات الأوكرانية عن مجزرة بحقّ سكان بوتشا، ارتكبها القوات الروسية قبل أن تنسحب من المدينة. مئات الجثث في المباني والشوارع، ومعلومات عن مجازر بحقّ مدنيين مكبّلي الأيدي ومعصوبي الأعين، عليهم آثار طلقات مباشرة في الرأس، ومقابر جماعية إضافة إلى اتهامات باغتصاب نساء، وقتل أطفال…
مازالت مشاهد الجثث والمقابر في تلك البلدة تتصدر المشهد، فيما كييف تصف ما حدث في تلك المدينة بجريمة إبادة جماعية، وتقارنها بجرائم سربرنيتسا البوسنية والمدن السورية، متعهّدة بمحاسبة من يقف خلفها في قوات روسيا، التي تنفي في المقابل تلك اتهامات وجهت لها بارتكاب جرائم حرب هناك. وقد ظهرت أدلّة كثيرة على عمليات قتل وتعذيب منذ انسحاب القوات الروسية والجثث منتشرة في الشوارع ومكدّسة في مقابر جماعية.
“هكذا بات لكلّ أوكراني في بوتشا قصة”
أحد هؤلاء الفتى يورا نيتشيبورينكو الذي فقد والده، أو بالأحرى قتل والده أمام أعينه بينما كانا متوجهين إلى مبنى البلدية للحصول على مساعدات. يقول يورا لـ”أخبار الآن“: “أذكر أنني استيقظت من النوم، وكانت أمي قد بدأت بإعداد الطعام، وسألني أبي إنْ كنت أريد مرافقته إلى مبنى البلدية. ففكرت في نفسي لِمَ لا؟ لم نكن نعلم ماذا كان يوجد هناك.. على بعد 500 متر منا كان هناك جنود روس”.
لقد بدّل الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية كلّ شيء. شاهد يورا المراهق والده يموت على يدي جندي روسي، ونجا هو نفسه بأعجوبة بعدما أصيب بطلقة نارية في رأسه، وتحوّل إلى شاهد عيان على جرائم كثيرة ارتكبها الجيش الروسي. فالغزو الروسي الواسع النطاق قد ترك ندبة عميقة في نفس يورا المتحدر من بوتشا.
تقول آلا نيتشيبورينكو، والدة يورا، لـ”أخبار الآن“: “بعد الساعة العاشرة صباحاً تناولنا الفطور، وقال زوجي إنه سيذهب إلى تاراسوفسكا 30. ثمّة منزل فيه أشخاص طاعنون في السن، يقدّم لهم زوجي المساعدة، وقد حضّر الموقد لهم وكنّا نتشاطر تحضير المواقد والطعام. بعدها قال زوجي إنّه سيأخذ معه يورا على الدراجات للحصول على مساعدات إنسانية، فلم أجادله. كانت تلك الكلمات الأخيرة التي تبادلناها مع زوجي. فأنا لم أره حياً قط بعد ذلك الوقت”.
يروي يورا لحظات الرعب التي عاشها، فيقول: “لقد ذهبنا إلى المجلس البلدي، قدنا الدراجات وتناقشنا بشأن أيّ طريق سنسلك، وفي الطريق أوقفنا أحد الجنود الروس، أمرنا بالتوقف فتوقفنا وترجلنا عن الدراجات، وقد طلب منّا أن نرفع أيدينا إلى أعلى، سألنا عن وجهتنا فأجبناه أنّنا ذاهبان للحصول على مساعدات إنسانية من المجلس البلدي… بعدها استدار والدي نحوي، فأطلق الجندي الروسي النار، أطلق أول رصاصة على والدي، لقد سمعت طلقتين ناريتين ثمّ سقط والدي أرضاً، من ثمّ أطلق الجندي الروسي النار عليّ فوقعت على الأرض… سألت الجندي الروسي إنْ كان يسمح لي بأن أغيث والدي، لم أكن أدري إنْ كان على مازال على قيد الحياة أم لا… وإذ أطلق الجندي النار مرّة أخرى، وقد أصابني تلك المرة في ذراعي، بعد ذلك استلقيت على وجهي”.
كان يصرخ إفتحوا الباب”
“سمعت صوت إبني في الشارع”، تقول والدة يورا، وتضيف: “كان يصرخ إفتحوا الباب، فخرجت وسألته ما الذي حصل؟ فأجابني: لقد أصبنا يا أمي… كان مذعوراً للغاية، يومها رايت الخوف الشديد في عيون إبني، وكان يقول: “أمي، أنا أتوسلك لا تذهبي. سيقتلك الروس أنت أيضاً”. حاول يورا أن يمنع أمّه من الذهاب إلى الخارج. “قلت لها إنّهم يطلقون النار على أيّ كان، فهم لا يأبهون لأحد”، يقول يورا.
كان يورا ووالده بين الضحايا الأبرياء الكثيرين للجيش الروسي. بالنسبة لتلك العائلة، الحياة لن تعود كما كانت في السابق. اليوم يحاول يورا المراهق أن يتأقلم مع حياة جديدة والده ليس موجوداً فيها، ويحاول أن يتأقلم مع الواقع الجديد الذي فرضته تلك الحرب، وهو يكمل القيام بعمل والده الذي كان المفضل لديه، وهو تربية النحل وإنتاج العسل.. نعم، لقد ترك الغزو الروسي علامة بارزة على روح يورا في بوتشا. لقد لعبت روسيا الدور الأبرز في إطلاق شرارة حروب كثيرة في بلدان عديدة، منها أوكرانيا وجورجيا وسوريا إلى ما هنالك. السؤال: أي بلد هو التالي؟ وهل تتمكن دول العالم من وقف ذلك؟
مجزرة بوتشا
وكانت مجزرة بوتشا التي اكتشفت مع خروج الروس من المدينة قد أثارت ردود فعل مستنكرة واسعة، إذ تمّ العثور على على عدد من الجثث في مقبرة جماعية في بوتشا، حيث ترك الروس خلفهم جثثاً متناثرة وألغاماً أرضية، وما قال المسؤولون الأوكرانيون إنّه دليل على جرائم حرب محتملة. وقد دفن السكان عشرات القتلى في مقابر جماعية مع استمرار هطول أمطار باردة، بينما حاول آخرون إرشاد الجنود الأوكرانيين إلى أماكن عثر فيها على جثث القتلى.
وعقب تلك المشاهد، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي قال إنّ القوات الروسية المنسحبة “تركت كارثة كاملة ومخاطر كثيرة”، مضيفاً أنّ المنطقة بقيت غير آمنة. واتهم روسيا بارتكاب إبادة في أوكرانيا، فيما قال كان أناتولي فيدوروك، رئيس بلدية المدينة، قال إنّ “كلّ هؤلاء الأشخاص أعدموا، قتلوا برصاصة في مؤخر الرأس”، مشيرا إلى دفن نحو 300 شخص في مقابر جماعية”.
شاهدوا أيضاً: ماريوبول جحيم على الأرض.. ومعركة الشرق الأوكراني مفصلية