تتواصل حرب روسيا على أوكرانيا وإنْ بوتيرةٍ أخف مؤخراً، لكن السؤال هل تتهور موسكو بشنِ حربٍ على دول أعضاء في حلف الناتو (NATO)، طرح نفسه بقوة مع سقوط صاروخ أو أكثر في بولندا العضو في الحلف الأطلسي ما أدى لمقتل شخصين وذلك في نوفمبر الماضي. إستونيا هي أيضاً دولة عضو في الحلف الأطلسي تقع شمال أوروبا، وتتشارك جزءاً من حدودها مع روسيا. تلك الدولة الصغيرة لعبت دوراً مهمّاً في دعم القوات الأوكرانية ومساعدة الأوكرانيين على صدّ الهجمات الإلكترونية الكبرى من روسيا ومازالت تواصل لعب ذلك الدور.
الفشل الميداني روسي قد يزخّم ضرباتها الجوية
ووقوفاً عند التطوّرات الميدانية والدعم الذي تقدّمه إستونيا لأوكرانيا، أجرت “أخبار الآن” لقاءً خاصاً مع وزير الدفاع الإستوني هانو بيفكور (Hanno Pevkur)، الذي شرح مجريات الغزو الروسي، وشدّد على أنّ إستونيا مستمرة في دعم القوات الأوكرانية قائلاً: “ندرك جميعاً أنّ الوضع على أرض المعركة بالغ الصعوبة، ويختلف بحسب مواقع المعارك، وهو أكثر صعوبةً في الشمال. وبالنظر إلى الظروف التي نواجهها على الخطوط الأمامية، يمكننا أن نفهم أنّ الشتاء لن يكون سهلاً، وأنّه علينا أن نستعد لفترة طويلة من عدم الحراك، لكنّنا نملك معلومات ونرى أنّ الأوكرانيين سيحاولون التقدّم وسيبذلون قصارى جهدهم لاسترجاع أراضيهم من جديد”.
وتابع: “الروس يركّزون حالياً على الحشد العسكري وإعادة تدريب الجنود الذين تمّ حشدهم، ولربّما قد نشهد المزيد من الضربات الجوية بسبب فشلها على الخطوط الأمامية، فحاولت ضرب أوكرانيا والأوكرانيين من الجو خصوصاً من خلال ضرب البنى التحتية الرئيسية، وتحديداً قطاع الطاقة، ومن الواضح أيضاً أنّهم يرتكبون جرائم حرب لأنّ اقتتال أيّ جيشين لا يتسبب بجرائم حرب، لكن عندما يهاجم أيّ جيش المدنيين مباشرةً، فتلك جرائم حرب وذلك ما نشهده بالتحديد في الوقت الراهن”.
وتجدر الإشارة إلى أنّ إستونيا وقّعت عقداً أسبوع الماضي لشراء 6 منظومات صاروخية أمريكية من طراز “هيمارس” لقاء 200 مليون دولار، في أكبر صفقة سلاح تبرمها البلاد حتى الآن لتعزيز قدراتها بوجه روسيا وفق ما أعلن المركز الإستوني للاستثمارات في الدفاع (DSCA). وقد أبرم المدير العام للمركز الاتفاق مع وكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، بهدف تعزيز قدرة الرماية غير المباشرة للقوّات الإستونية، أي إطلاق النار على أهداف لا يراها مشغل قاذفة الصواريخ، وفق ما جاء في بيان.
روسيا تشكل خطراً دائماً لإستونيا
مؤخراً تأهّب العالم مع سقوط صاروخ أو أكثر في قرية في بولندا، وهنا يمكن طرح السؤال عمّا إذا كانت إستونيا تستشعر خطر التهديد، فاعتبر بيفكور في حديثه لـ”أخبار الآن“، أنّ “روسيا كانت تشكل مصدر خطر بالنسبة لإستونيا ومازالت وستبقى، مضيفاً: “روسيا أظهرت أنّها لا تكن أيّ احترام للقانون الدولي، ففي العام 2008 هاجمت جورجيا، وفي العام 2014 هاجمت شبه جزيرة القرم والجزء الشرقي من أوكرانيا، ويبدو أنّها مازالت مستعدة لتحدي حلف الناتو ولن تتأخر عندما تسنح لها الفرصة ودائماً تشكل خطر لإستونيا”.
وتابع: “علينا أن نكون مستعدّين ونحن نتحضّر لذلك، ولدينا علاقات جيّدة جداً مع الدول الأعضاء في حلف الناتو، ولا بدّ لروسيا أن تعرف أنّها بتلك الحرب أسهمت بتعزيز التحالف داخل الناتو الذي سيضمّ قريباً دولتين عضوتين جديدتين هما فنلندا والسويد، ما يعني حتماً أنّ الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي سيصبح أقوى بكثير، كما أنّ حلفاءنا الغربيين ردّدوا مراراً وتكراراً على مسامعنا أنّه لا مجال للشك في وحدة التحالف بيننا، وسيقوم الناتو كونه تحالف عدة دول، بحماية كلّ أراضيه بكلّ تأكيد”.
هل تقطع إستونيا علاقاتها مع إيران بسبب دورها في الحرب على أوكرانيا؟
وعن نظرة إستونيا إلى دور إيران في الحرب على أوكرانيا، قال بيفكور إنّه “من السيء أن تقوم بعض الدول بمساعدة روسيا في تلك الحرب، خصوصاً إيران في الوقت الحالي. البحرية الأمريكية كانت اعترضت بعض شحنات الذخائر إلى روسيا، وذلك دليل على أنّ موسكو بحاجة ماسة إلى تجهيزات وذخائر إضافية لتغذية حربها على أوكرانيا، بالتأكيد سيتعيّن علينا أن نساعد أوكرانيا قدر المستطاع كي لا تعاني كثيراً من تلك المسيّرات”. وأشار إلى أنّه “لحسن الحظ لم تشهد الأسابيع الماضية ضربات جوية من خلال تلك المسيّرات، لكن علينا أن نفهّم أنّ روسيا ستواصل البحث عن ذلك النوع من التجهيزات والإمكانيات لتعزيز قدراتها، لأنّنا ندرك أيضاً أنّ روسيا تواجه صعوبات على مستوى الذخائر والصواريخ وأسلحة أخرى”.
وعمّا إذا كانت إستونيا تتطلع لقطع علاقاتها مع إيران، ردّا بالقول إنّ “العالم بما في ذلك المجتمع الغربي، لم يفعل ما يكفي لمساعدة أوكرانيا في الحرب، مشدّداً على أنّ العقوبات يجب أن تُتخذ على نطاق واسع أو على مستوى الإتحاد الأوروبي، قائلاً: “من الضروري أن تتخذ كلّ الإجراءات المضادة سواء كانت عقوبات أو أيّ نوع من الإجراءات الأخرى، على نطاق واسع، ولا يجوز الاعتقاد بأنّ إستونيا وحدها قادرة على فرض عقوبات. لقد أوقفنا إصدار تأشيرات الدخول لكن يجب أن نفهم أنّ تلك العقوبات والإجراءات تصبح فعّالة فقط عندما تتخذها كلّ الدول الغربية على حدّ سواء. نحن نتعاون مع شركائنا الجيّدين في الإتحاد الأوروبي وفي حلف الناتو بغية اتخاذ تلك الإجراءات إنْ دعت الحاجة، ونحن دائماً على أهبّة الإستعداد لحماية بلدنا وشعبنا وذلك أمر محسوم”.
تجدر الإشارة إلى أنّ برلمان إستونيا كان أعلن رسمياً أنّ روسيا هي نظام إرهابي، واتهم موسكو بشنّ إبادة جماعية بحقّ الشعب الأوكراني. وقد دعت دول البلطيق الاتحاد الأوروبي إلى العمل مع الشركاء الدوليين من أجل تأليف محكمة جنائية دولية خاصة بالحرب الروسية على أوكرانيا، سعياً لتحقيق العدالة ومحاسبة روسيا على جرائمها في أوكرانيا.
إستونيا تساعد أوكرانيا في المجال السيبراني
إلى ذلك، فقد فاجأت أوكرانيا العالم بقدرتها على صدّ الهجمات الإلكترونية الكبرى من روسيا. وقد لعبت إستونيا دوراً مهمّاً في مساعدتها على القيام بذلك. فتلك الدولة الصغيرة كانت تصدّت للهجمات الإلكترونية داخل حدودها والآتية من روسيا لسنوات عديدة، وهي تقود اليوم العديد من الجهود لتوفير معلومات إستخباراتية عن التهديدات السيبرانية والتمويل والاتصالات الدولية الهامة لحماية أوكرانيا من المتسللين الروس.
وفي مقابلات كانت أجريت في تالين، فقد قدّم المسؤولون الإستونيون تفاصيل جديدة حول كيفية مساعدتهم للعاملين في مجال الأمن السيبراني في أوكرانيا، والتنسيق مع الحلفاء الأكثر قوّة في أوروبا والولايات المتحدة في الجهد العالمي لمواجهة الهجمات الرقمية الروسية.
وقال لوكاس إلفيس، كبير مسؤولي المعلومات في إستونيا، إنه يتحدث مع نظرائه الأوكرانيين أسبوعياً، في حين أنّ بعض زملائه على اتصال يومي. وشملت مساعدتهم تكليف متخصصي الأمن السيبراني الإستوني بالمساعدة في إحباط محاولات التسلّل للبنية التحتية الحيوية الأوكرانية مثل محطات الطاقة الفرعية والأقمار الصناعية.
وأضاف إلفيس: “لقد كنّا واحدة من أكثر الدول الأوروبية نشاطاً في العمل مع أوكرانيا”، وتقود إستونيا برنامجاً للاتحاد الأوروبي بقيمة 11 مليون يورو تقريباً لتوفير خدمات الخصوصية الإلكترونية والرقمية لأوكرانيا.
وفي بعض النواحي، اضطرت إستونيا إلى إعطاء الأولوية للأمن السيبراني في أعقاب هجوم إلكتروني روسي العام 2007 حاول إغلاق المواقع الحكومية والبنوك وغيرها من منظمات الخدمات الحيوية، وذلك ردّاً على إزالة تمثال من الحقبة السوفيتية.
شاهدوا أيضاً: رئيسة إستونيا السابقة كيرستي كاليولايد تكشف تفاصيل لقاءاتها مع بوتين: خططه القديمة لم تتغير