يواجه تتار شبه جزيرة القرم خطر الإبادة العرقية وذلك مع إجبارهم من قبل القوات الروسية على التجنيد والقتال ضدّ القوات الأوكرانية، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فيما تتخوّف تلك الأقلية العرقية المسلمة من مواجهة القتل والتهجير من جديد.
مخاوف لدى التتار من مواجهة التهجير والقتل مرّة جديدة
ومع تزايد خسائر القوّات الروسية التي تقدّر بأكثر من 80 ألف جندي بين قتيل وجريح في أقل من 7 أشهر، تسعى موسكو لتعويض خسائرها عبر التعبئة الجزئية التي أعلنتها في الأراضي الروسية، ومن خلال محاولة فرض التنجيد الإجباري على سكان المناطق التي تحتلها داخل أوكرانيا، وقد أوضحت منظمة Crimea SOS الحقوقية، أنّ 80 % من الاستدعاءات للجيش الروسي التي يصدرها في شبه جزيرة القرم موجّهة إلى عرقية التتار، معتبرةً تلك الإجراءات جريمة حرب قد تؤدّي إلى إبادة جماعية لشعب تتار القرم.
ومع سلسلة الهزائم للجيش الروسي في أوكرانيا، تثير كييف مسألة استعادة شبه جزيرة القرم. وفي ذلك السياق، شدّدت الممثلة الرئاسية لأوكرانيا في شبه جزيرة القرم تاميلا تاشيفا (Tamila Tasheva) في لقاء خاص مع “أخبار الآن“، على مواصلة القتال من أجل تحرير شبه الجزيرة وشعبها، قائلة: “نحن نقاتل ليس فقط من أجل أراضينا بل أيضاً من أجل شعبنا الذي يعيش راهناً في أراض محتلّة في جزيرة القرم وفي مدينة سيفاستوبول، وهم يتعرّضون للاضطهاد من قبل سلطات الاحتلال الروسية، فيما أوكرانيا لن تقبل بالحلول الوسطى في ما يخصّ وحدة أراضيها”.
وتابعت: “موقفنا أعلن عنه بوضوح رئيس أوكرانيا في نهاية قمّة منصة القرم الثانية، وهو أنّنا نطالب باستعادة جزيرة القرم لأنّها لنا وبالطرق التي نراها مناسبة، ووفق ما تقرّره الدولة الأوكرانية ونحن نعمل على أكثر من صعيد، ونتبع آليات مختلفة لمواجهة الاحتلال على الصعيد السياسي والديبلوماسي وطبعاً العسكري”.
وأضافت تاشيفا أنّ أوكرانيا أثارت مسألة جزيرة القرم على الأجندة الدولية، واستخدمت قمّة منصة القرم كآداة سياسية وديبلوماسية، “والآن تعمل مؤسساتنا الرسمية على تطوير خطة إعادة دمج شبه جزيرة القرم في أوكرانيا بعد تحريرها من الاحتلال، ومن المهم جدّاً أن نستعد لعملية التحرير التي بالطبع لا نعلم متى ستحصل، لا نملك معطيات محدّدة عن موعد التخلص من الاحتلال، لكن اعتقادنا أنّ وقت الاحتلال لن يطول”.
روسيا تهدد أوكرانيا بشدّة في حال قامت باستعادة شبه الجزيرة
وتجدر الإشارة إلى أنّ روسيا حذّرت أوكرانيا بشدّة في حال قامت بشنّ اي هجوم لاستعادة شبه الجزيرة، وتقول إنّها ستكون الضربة القاضية عليها. في ذلك الصدد تقول تاشيفا في حديثها لـ”أخبار الآن“: كلّ يوم تحصل مئات الإعتداءات على المدن الأوكرانية تدمّر البنى التحتية، وهناك مئات المعتقلون السياسيون في جزيرة القرم، ونحن نعلم جيّداً أنّ روسيا تستعمل شبه الجزيرة كنقطة انطلاق للهجوم ضدّ أوكرانيا، فماذا يجب أن يفعلوا أكثر من الذي فعلوه حتى الآن، لقد قاموا بالكثير من الأعمال المروّعة، دمّروا البنى التحتية المدنية، دمّروا مدننا، قتلوا شعبنا… قاموا بأعمال مروّعة كثيرة ولا أعلم ماذا يمكن أن يفعلوا أكثر من الذي فعلوه حتى الآن”.
وأضافت: “نحن نعمل بالطرق الديبلوماسية منذ 8 سنوات لاستعادة جزيرة القرم ولوضع حدّ للإعتداءات الروسية، وقد رأى العالم خلال سنوات الاحتلال نتائج ذلك الإعتداء. ولسوء الحظ شركاؤنا الدوليون لم يقوموا بما يكفي لحماية أوكرانيا وشعبنا، ونحن نعي جيّداً أنّ شركاءنا لم يفعلوا الكثير في السنوات الثمانية الماضية عندما احتلت روسيا جزيرة القرم العام 2014”.
مَنْ سيدفع الثمن الأكبر هنا؟
وهنا تقول تاشيفا: “الثمن الأكبر تدفعه أوكرانيا، وتتار القرم تعرّضوا للإضطهاد على يد الروس الذين قتلوا شعبنا من تتار القرم والأوكرانيين، اضطهدوا المجالس التمثيلية لتتار القرم على سبيل المثال مجلس تتار القرم، اعتقلوا الكثيرين… الآن لدينا 150 معتقلاً سياسياً بينهم 111 من تتار القرم، هم مسجونون فقط لأنّهم من تتار القرم أو لأنّهم يمثلون المجتمع الإسلامي في شبه الجزيرة، لأنّ كلّ الأديان الموجودة في جزيرة القرم والتي لا تخضع للقوانين الروسية، عرضة للاضطهاد في الجزيرة، والعديد من الناس يختفون ويتمّ خطفهم”.
وتابعت: “تتار القرم الموجودون في شبه الجزيرة يدعمون القوّات المسلحة الأوكرانية والحكومة الأوكرانية، وينتظرون استرجاع أوكرانيا سيطرتها هناك، فهم لم يدعموا روسيا الإتحادية منذ أن بدأ الاحتلال، ولذلك يتمّ اضطهادهم. تتار القرم هم مجتمع إسلامي سنّي يعيش منذ عقود طويلة في المنطقة حيث تعرّضوا للكثير من الاضطهاد ومازالوا بعد الاحتلال. لذلك عندما نتحدث عن تحرير أراضينا، فذلك يعني أنّنا نقصد أيضاً شعبنا، وكي يتمكّن تتار القرم من الاستمرار في حياتهم في جزيرة القرم يجب إنهاء ذلك الاحتلال”.
التتار يرفضون الإنصياع لأوامر روسيا
ووفق ما قال مسؤولون أوكرانيون، فإنّ موسكو تستعد لتعبئة سرية لتجنيد المزيد من المواطنين الروس في الحرب، لكنّ الكرملين يواصل إنكار قيام الجيش بتجنيد المزيد من الجنود في ذلك الوقت. وفي ذلك الصدد، أوضحت تاشيفا في حديثها لـ”أخبار الآن” أنّ “تتار القرم يرفضون دعوات روسيا للتجنيد الإجباري والتعئبة، قائلةً: “معظم تتار القرم حاولوا تجنّب التعبئة، وآلاف الأشخاص يهربون من جزيرة القرم عبر روسيا ومنها إلى بلدان أخرى مثل كازاخستان وأوزباكستان وإلى جورجيا وتركيا، أو إلى البلدان الأوروبية أو إلى أوكرانيا… ووفق المعلومات التي حصلنا عليها، فإنّ نحو 20 ألف شخص تجنّبوا تلك التعبئة وفرّوا من جزيرة القرم، وذلك الوضع ليس من مصلحة أوكرانيا لأنّ تتار القرم وهم من أكبر القوى الموالية لأوكرانيا الموجودة في جزيرة القرم، وهم يشكلون دعماً كبيراً للقوّات المسلحة الأوكرانية وللحكومة الأوكرانية”.
أمثلة حيّة على اضطهاد تتار القرم
وأوضحت تاشيفا أنّ المسؤولين في أوكرانيا على تواصل يومي مع تتار القرم: “نحن نتواصل مع تتار القرم والأوكرانيين وعائلات السجناء والمحامين والصحافيين والعديد من الأشخاص وبالنسبة لمؤسساتنا الحكومية، ومن المهم جدّاً وجود ذلك النوع من التواصل”، وتابعت: “هناك الكثير من القصص عن المعاناة التي يعيشها الناس في جزيرة القرم وعن الاضطهاد الذي يتعرضون له، هناك مظاهرات عدّة تحدث الآن في جزيرة القرم ضدّ الحرب وموالية لأوكرانيا. ووفقاً للمعلومات التي حصلنا عليها من جلسات الاستماع في المحكمة، فقد تعرّض نحو 200 ناشط في القرم إلى عمليات اضطهاد بسبب مواقفهم السياسية، كذلك حصل مع الناشطين المنددين بالحرب، بينهم بهدان عزيزوف، أشهر قضايا الاضطهاد التي حصلت مع هذا الفنان الأوكراني الشاب الذي يعيش في جزيرة القرم، هو معتقل الآن وربّما سيُحكم عليه بالسجن لـ 12 عاماً أو أكثر. هناك أيضاً ناريمان جلال النائب الأوّل لرئيس مجلس تتار القرم الذي تمّ اعتقاله بعد منصة القرم في القمة العالمية التي حصلت العام الماضي، وقد حُكم عليه بالسجن لـ 17 عاماً فقط لأنّه من تتار القرم ومواطن أوكراني، ولأنّه قال إنّ جزيرة القرم تابعة لأوكرانيا، ولأنّه شارك في قمة منصة القرم.
تاشيفا: أنت من تتار القرم فأنت مضطهد
وتابعت: “هناك العديد من الحالات التي تتعلق بتتار القرم والأوكرانيين، لكن من المهم أن نوضح أنّك إذا لم تكن مخلصاً لسلطات الاحتلال الروسية وإذا كنت مواطناً أوكرانياً أو من تتار القرم أو متعاطفاً مع أوكرانيا، فأنت ستتعرض للاضطهاد في جزيرة القرم من قبل سلطات الاحتلال الروسية”.
يفضّل تتار القرم العيش تحت لواء أوكرانيا، بل يموتون من أجل الحرية هناك، لكن لا يمكنهم التسامح مع الحكم الروسي، فهم دائماً ما ينظرون إلى مستقبل وجودهم في ظلّ الحكم الروسي بعين القلق، لاعتبارهم أنّ العيش في ظل حكم شيوعي شاهد على أمرين، التضييق في مجال الحريات وممارسة الشعائر الدينية من جهة، والمخاوف من انتقام روسيا منهم، جراء مشاركتهم في الإحتجاجات التي أطاحت بالرئيس الأوكراني السابق الموالي لروسيا يانوكوفيتش، إذ كانوا يرفضون تقارب البلاد مع روسيا، ويطالبون بتوقيع اتفاقيات شراكة مع الإتحاد الأوروبي.
شاهدوا أيضاً: تتار القرم المسلمون.. من الإبادة السوفيتية إلى غزو بوتين ثمّ المواجهة