انتهاكات حقوق الإنسان الملف الشائك الذي يمتد على مدى عقود، تقاربه الدول والحكومات والمنظمات، لكنّ النتيجة أنّ سياسة القمع والانتهاكات مستمرة. فلطالما حاولت بعض الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة الإلتفافَ على أي قرار يّصدر عن تلك المنظمة الحقوقية، في حال كان مخالفاً لتوجهِاتها أو ينتقدها، أو يدعوها للتحرك، أو يُدين أعمالها، ويطالب بمحاسبتها.
- انتهاكات حقوق الإنسان ملف شائك يمتد على مدى عقود والمساعي لوقفها تفشل
- الصين تستعمل سلاحها الاقتصادي في وجه الدول لإسكاتها وقيادتها تعتمد المراوغة
- السياسة والمصالح تفسدان مسار وقف انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة
- مدير هيومن رايتس ووتش التنفيذي السابق يكشف لأخبار الآن ما يخافه بوتين بالمحكمة الجنائية
- روث: لا بدّ أن يواجه فلاديمير بوتين مصير ديكتاتوريين كثر ومنهم البشير المسجون حالياً
كذلك هيئات الأمم المتحدة وأجهزتها المنوطة بحماية حقوق الإنسان، غارقة في بحر السياسة ومصالح الدول الأعضاء، لذلك تتجه الأنظار إلى المنظمات الدولية غير الحكومية، الموثوقة والمتخصصة في رصد انتهاكات حقوق الإنسان على اختلافها، وتقصيِ الحقائق في الإطار.
على رأس تلك المؤسسات، تأتي منظمة هيومن رايتس واتش (Human Rights Watch) صاحبة الباع الطويل في التقصي عن الجرائم التي تطال الإنسان.
أخبار الآن، أجرت مقابلة خاصة مع المدير العام التنفيذي السابق لهيومن رايتس واتش كينيث روث (Kenneth Roth) الذي رأس تلك المنظمة من العام 1993 حتى أبريل العام 2022، واضعا إياها في طليعة المنظمات الدولية غير الحكومية التي تقوم بالتقصي عن كل الجرائم التي ترتكب ضد حقوق الإنسان.
روث الذي وضعت عليه الصين وروسيا عقوبات اقتصادية، ساهم في انشاء المحكمة الجنائية الدولية، وحازت هيومن رايتس واتش في عهده العام 1997 على جائزة نوبل للسلام تقديرا لعملها. تناول حوار روث مع أخبار الآن، الأنظمة التوتاليتارية بدء من الصين إلى روسيا مروراً بإيران.
انتهاكات الصين للإيغور: خطوات أممية خجولة
وردّاً على سؤال حول مستقبل قضية الإيغور في إقليم شينجيانغ الصيني الذين يعانون اضطهاداً قلّما يوجد له مثيل في عالمنا المعاصر، قال روث إنَّ “جرائم ضدّ الإنسانية ترتكب بحق الإيغور وغيرهم من الأتراك المسلمين الذين يعيشون في منطقة شينجيانغ في الصين، إذ قامت الدولة باعتقال ملايين الإيغور ووضعهم في السجون وإبقائهم فيها لتحمّل الإنهاء القسري، ولدفعهم لترك الإسلام والتخلّي عن حضارتهم ولغتهم، وتحويلهم إلى صينيين الهان”.
وتابع: “ذلك وضع رهيب، وهو يهدد الإسلام وحضارة الإيغور في الصين، ويجب على العالم بأسره أن يقف في وجه ذلك، إنَّما الخبر الجيد الآن أن المزيد والمزيد من الحكومات تُوقِّع على بيانات إدانة دورية مشتركة، ففي السنوات الـ3 الماضية انتقلنا من 23 حكومة إلى 50 حكومة وقعت على تلك الإدانات في شهر أوكتوبر، وتلك البيانات تدين الصين بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية في شينجيانغ”.
وأضاف: “كذلك حصل تصويت في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لادانة الصين، ولكن خسرنا فيه بفارق ضئيل، خسرنا بفارق صوتين، مع ذلك، ستكون هناك محاولة أخرى وأعتقد أنّنا سننجح في المرّة المقبلة لأنّ الإتجاه حالياً هو ضدّ الحكومة الصينية”.
روث تحدَّث عن ضرورة دعم العالم لقضية الإيغور لاسيما الدول الاسلامية وتلك التي تربطها روابط عرقية وثقافية مع الإيغور. وقال في السياق، “إذا اطلعت على الإعلام الدولي يمكنك أن تجد كلّ المعلومات التي تريدها، فهناك معلومات كثيرة عمّا يحصل مع الإيغور الذين يواجهون صعوبة في التواصل هذه الأيام، فحتّى القيام باتصال هاتفي دولي قد يعرّضهم للاعتقال، وحتّى التواصل عبر البريد الإلكتروني مع أشخاص في الخارج قد يعرّضهم للاعتقال، الإيغور محاصرون بالفعل حالياً، والدول التي تربطها روابط مع الايغور لا تقوم بشي لخدمتهم، فدول آسيا الوسطى مثلا، للأسف لم يكونوا على قدر المسؤولية بالرغم من أنّ هناك عرقيات أخرى غير الإيغور كالمسلمين الأتراك والكازاخيين وهؤلاء من مواطني تلك المناطق، لكن إذا ما نظرت إلى مواقف حكومات أوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزستان، فترى أنّهم صامتون وما يهمهم بالدرجة الأولى هو تجارتهم مع الصين، وتلك خيبة أمل عميقة”.
الضغط الاقتصادي: سلاح الصين لاستمرار انتهاكات للإيغور
روث وصف لـ أخبار الآن حجم الضغط الذي يضعه النظام الصيني على دول العالم كي يصمتوا ولا يتدخلوا بما يرتكب من جرائم واضطهادات قسرية بحق الإيغور. إذ قال في السياق، “الحكومة الصينية برعت في استخدام الإكراه الاقتصادي لإسكات الحكومات، وجعلها ترفض التحدّث بالأمر أو إدانة الاضطهاد الصيني، كما أجبرتهم على التصويت مع الصين في الأمم المتحدة، والأمثلة على ذلك أصبحت معروفة جدّاً، ومن أشهر القضايا هي عندما نشر المدير العام لفريق كرّة السلة الأمريكي هيوستن روكتس (Houston Rockets) تغريدة يدعم فيها هونغ كونغ، ألغت الحكومة الصينية عقدها مع الاتحاد الوطني لكرة السلة، ونحن نرى أموراً مماثلة عديدة، إذا كان بلد ما قريب من تايوان يتعرض لعقوبات، وإذا قام بلد ما بانتقاد الصين تزداد قيمة الرسوم الجمركية المتوجبة عليه، مثلاً استراليا كان لديها الجرأة للقيام بتحقيق مستقل حول مصدر كوفيد 19، وفجأة قامت الصين بزيادة قيمة الرسوم الجمركية على كلّ الصادرات الأسترالية، ذلك هو الإكراه الإقتصادي الذي تستخدمه الصين”>
وأضاف: “ما نحتاجه للخروج من ذلك الوضع في شينجيانغ هو تضامن كلّ الحكومات لأنّه عندما تتحدث 50 حكومة بالأمر لا يمكن للصين أن تنتقم منها كلّها ويصبح وضعها صعباً، ذلك حلّ فعّال جدّاً، وأعتقد أنّه يجب أن تكون هناك رغبة أكبر في التعاون والتضافر بين الدول، وأحد الأماكن التي تكون فيها الصين معرضة للخطر اقتصادياً”.
وعن الانتهاكات التي تمارس بحقّ الإيغور حتى بعد اطلاق سراحهم من قبل النظام الصيني، قال روث: “العديد من الإيغور عندما يُطلق سراحهم من الاحتجاز يتمّ وضعهم في العمل القسري، والعمل القسري الآن منتشر في شينجيانغ لدرجة أنّ الحكومة الأمريكية تبنّت بالفعل تشريعاً يقول إنّه لا يمكن لأيّا كان استيراد أيّ شيء من شينجيانغ إلّا بعد التأكّد من أنّه ليس نتيجة عمل قسري، لأنّنا نفترض أنّ كلّ ما يُصنع هو نتيجة عمل قسري، وفي الواقع لا يمكنك أن تُثبت عكس ذلك لأنّ الصين منغلقة على نفسها، لذا نحن نفترض أن كلّ منتجات شينجيانغ كالبولي سيليكون الذي يُستعمل في ألواح الطاقة الشمسية أو القطن، الذي 25% من اجمال قيمته المستهلكة فب اعلالم تأتي من شينجيانغ، أو يمكن أن يكون طماطم، وكما ذكرت العديد من قطع غيار السيارات مصدرها شينجيانغ، لذا من المهم جدّاً أن يسأل المستهلكون من أين تأتي تلك البضائع هل هي نتيجة العمل القسري، أنا لا أريد أن أكون مشاركاً في العمل القسري، كيف يمكنني التأكّد من أنّ ذلك المنتج لا علاقة له بالعمل القسري في شينجيانغ، ذلك سؤال مهم جدّاً”.
ضغوطات الصين على المجتمع الدولي
أخبار الآن سألت روث عمَّا إذا كان قد تعرَّض إلى ضغوطات من قبل النظام الصيني خلال سنوات عمله لعدم نشر ما تكتشفه وتوثّقه المنظمة بحق أقلية الإيغور. وقد قال في السياق: “الحكومة الصينية ليست غبية لتعتقد أنّ بوسعها إسكات منظمة هيومن رايتس واتش، لذلك هم لم يتواصلوا معنا أبداً ليطلبوا منّا تخفيف لهجتنا، لكن ما قاموا به في يناير 2020 عندما توجهت إلى هونغ كونغ لعقد مؤتمر صحافي أدين فيه الحكومة الصينية لمحاولتها نزع الصفة القانونية عن نظام حقوق الإنسان العالمي، قاموا بتوقيفي في المطار وأعادوني إلى نيويورك، قاموا بذلك، كما أنّهم عاقبوني شخصياً، حسنا تمّت معاقبتي، ماذا يعني ذلك، حياتي لم تتغيَّر، لكنّني معاقب، هم يقومون بهكذا أمور، إنّها تصرّفات طفولية ولن توقفنا أبداً”.
وتناول روث مفوضية حقوق الإنسان المنوطة بتقصي وتوثيق كل الاعتداءات والانتهاكات التي تطال حقوق الانسان، لخلق بيئة أممية مناسبة لمحاسبة المرتكبين. ولكنَّه اعتبر أن الأم مالمتحدة بصورة عامة لا تقوم بواجبها بل على العكس فهي بدورها تصمت أيضا عن كل ما يُرتكب بحق الإيغور في شينجيانغ وترضخ للصين، فاتحا النار على كل من المفوض السامي الحالي لحقوق الإنسان فولكر تورك (Volker Turk) والأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنطونيو غويتيرش (Antonio Guterres).
وقال: “تقرير ميشيل باشليت كان قوياً جدا وان صدر قبل 13 دقيقة من انتهاء ولايتها، ولكن إحدى خيبات الأمل الكبيرة هي أن خليفها فولكر تورك والذي اختاره أنطونيو غوتيريش أميناً عاماً للأمم المتحدة شخصياً، حتى يومنا هذا، وبعد مرور شهرين على توليه منصبه لم يوجه أيّ انتقاد لتصرفات الحكومة الصينية في شينجيانغ، ذلك تخلٍّ كامل عن المسؤولية، ذلك تصرّف جبان جدّاً، إنّه يفشل في أهم تحدّ يواجهه في مهنته، وهو كرئيسه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي مضى على وجوده في ذلك المنصب 5 سنوات ولم يقم مرّة واحدة بانتقاد الحكومة الصينية على ممارساتها في شينجيانغ، لذا عندما يكون لديك ذلك النوع من القيادة الضعيفة ستكون صورة الأمم المتحدة سيئة للغاية”.
روث أردف بالقول إنَّه من الممكن أنّ يبني تورك على تقرير باشليت الذي وصفه بالجيد. ولكنَّه انتقد بشكل شديد ما صدر عن تورك حول محاورته للصين، معتبرا ذلك المنطق سخيف وساذج، إذ قال: “تورك ليس لديه ميزانية للمساعدات ولا عائدات تجارية، لذلك هو سيذهب إلى شي جين بينغ ويقول أرجوك يا سيادة الرئيس عامل الإيغور بطريقة أفضل، وشي جين بينغ سيرد لماذا لا نناقش ذلك الموضوع في السنوات الأربعة المقبلة، حتى انتهاء العشر السنوات الخاصة بك، ولا تنتقدني لأنّني عندها سأوقف النقاش، ذلك هو مدى سخافة ذلك النوع من الحوار، ولهذا، فإنَّ الآداة الوحيدة الموجودة في يد المفوض السامي، هي القدرة على القيام بتحقيق والإبلاغ والإدانة، لا يملك وسيلة أخرى، لذا فإنّ الفكرة القائلة بأنّ الإقناع القوي الهادئ سيحدث أيّ اختلاف هي فكرة سخيفة، إنّها مجرَّد تنازل”.
وتابع: “حكومات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقوم بعمل أفضل، فهي على الأقل تحظر بعض الأمور، واقتربت من وضع شينجيانغ رسمياً على جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لكن إذا ما نَظرتَ إلى الأشخاص البارزين كالأمين العام للأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان، ترى أنَّهما لم يذكرا شيئاً عن شينجيانغ، ذلك تَخلٍّ فاضح عن مسؤوليتهما تجاه المحافظة على حقوق الإنسان والتي تعتبر أحد المداميك الأساسية لنظام الأمم المتحدة”.
هل تموّل الصين الأمم المتحدة؟
خيبة أمل روث الكبيرة من الأمم المتحدة والسكوت المتمادي تجاه كل ما تتعرض له أقلية الإيغور وغيرها من الاقليات المسلمة في اقليم شينجيانغ، دفعنا للسؤال عمَّا إذا كانت الصين ممولة للأمم المتحدة. وقد قال روث في السياق، “الصين مساهم رئيسي في الأمم المتحدة، فتمويل الأمم المتحدة يأتي من عدد من الدول، ويتم تقسيم المبالغ بحسب ثراء كلّ دولة، لذا الصين هي مساهم كبير، لكن أعتقد أنّ الأمر أكبر من ذلك، الصين كانت مستعدة لاستغلال قوّتها الإقتصادية لابتزاز الدول لدعمها، مبادرة الحزام والطريق الشهيرة التي أطلقها شي جين بينغ كلفت مليارات الدولارات، كان يفترض بالمبادرة بناء البنى التحتية، لكنَّ الهدف الحقيقي من ورائها كان تقديم رشوة للحكومات لدعمه في الأمم المتحدة، وبالفعل حصل على دعم بعض الديكتاتوريين في العالم، لكنّه لم يحصل على دعم من يهتمون بحقوق الإنسان، ونعتقد أنّ الأمم المتحدة التي قامت على أسس الأمان والنمو وحقوق الإنسان، ستتمكن من مواجهة تلك التهديدات والابتزازات من بكين، ومع وجود الأشخاص المناسبين تمكّنت من ذلك حتى ميشيل باشليت صحّحت مسارها في النهاية ونشرت تقريراً قوياً، لكن حتى الآن أنطونيو غوتيريش وفولكر تورك ضعفاء جدّاً، ولا يستطيعان إيجاد الشجاعة للقيام بذلك، وكلّ ما بوسعنا فعله هو الاستمرار في انتقادهما لأنّهما يهدران مراكزهما، فهما يواجهان أكبر تحدّ لحقوق الإنسان لكنّهما يتظاهران بأنّ كلّ شيء على ما يرام”.
روث: نظام المراقبة الصيني في شينجيانغ لا مثيل له
في ختام الحديث مع روث عن الصين وانتهاكاتها المتعددة الأوجه تجا الإيغور، كشف لنا عن حجم نظام المراقبة التي تمتلك. وقد قال، “أعتقد أنّ هناك أمراً لا يفهمه الناس جيّداً، هم يعلمون أنّ ملايين الإيغور قد تمّ اعتقالهم وأجبروا على ترك الإسلام وترك حضارتهم ولغتهم، لكن ما لا يدركه الناس هو أنَّ أهم نظام مراقبة في العالم، موجود في شينجيانغ، فالسكان عليهم المرور عبر عدة نقاط تفتيش حيث يتمّ حرفياً نقل كلّ ما يوجد على هواتفهم إلى البيانات الحكومية، كما يوجد على منازل السكان رمز الإستجابة السريع أو (QR code) فتأتي الشرطة وتتحقق من ذلك الرمز وتعلم كلّ شيء عن ذلك الشخص، وقد تمكّنت هيومن رايتس واتش من الحصول على الجهاز الذي تستعمله الشرطة، وقد عكسنا هندسته فتمكّنا من الحصول على 11 صفحة من المعلومات التي تملكها الدولة عن كلّ فرد إيغوري، وضمنها ما إذا كان لديه لحيةً، أو ما إذا كان يذهب إلى المسجد: هل يصلي؟ هل لديه أيّ أصدقاء في الخارج أو أقارب؟ كل تلك المعلومات قد تكون سبباً لحجزهم، إذاً ذلك هو مستوى المراقبة والسيطرة التي يفرضها شين جين بينغ والحكومة الصينية على سكان شينجيانغ”.
خوف بوتين من المحكمة الجنائية الدولية
في الفترة الأخيرة، كثر الحديث عن جواسيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين داخل المحكمة الجنائية الدولية (International Criminal Court) ومحاولاته المستمرة لادخال نفوذه إلى ذلك الجسم الأممي المتخصص بمحاسبة مجرمي الحرب ومنتحكي حقوق الإنسان.
أخبار الآن سألت روث عن السبب خلف ذلك، وقد قال: “بوتين لديه كلّ الأسباب ليشعر بالقلق الشديد حيال المحكمة الجنائية الدولية، عندما التقيت مع كريم خان (Karim Khan)، مدعي العام، كان قد أرسل 40 محققاً إلى أوكرانيا لجمع معلومات تؤكّد حصول جرائم حرب، والمحكمة الجنائية الدولية لا تركّز كثيراً على الجندي العادي الذي ربّما يكون قد ارتكب جريمة حرب، بل تركّز على أولئك الذين لديهم مراكز عالية، ويبحثون عن القادة الذين يديرون جرائم الحرب أو يشجعون تلك الجرائم، واذا ما تحقّقت من التسلسل القيادي ترى أنّه يصل في النهاية إلى بوتين، فهو لديه أولئك الجنرالات المشهورين بإدارة جرائم الحرب وهو يمنحهم جائزة بطل روسيا، وهي أعلى جائزة في الأمة، وكأنّه يقول لهم أحسنتم هيا إرتكبوا المزيد من جرائم الحرب، عندما تصدر تقارير عن حصول جرائم حرب يقولون ذلك أمر فظيع، علينا أن نحقق بالأمر، لكن لا، هو يكذب وينفي حدوث ذلك ويقول إنّ الأوكرانيين يقتلون شعبهم”.
وأضاف روث في السياق نفسه: “إذاً بوتين يفعل ما بوسعه للتغطية على تلك الجرائم وللتشجيع عليها، تلك كلّها أدلّة على مسؤولية القيادة، وأنا أتوقع أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، وسيكون بوتين على رأس القائمة، لذا لديه كلّ الأسباب ليشعر بالقلق، يمكن أن تقول، كيف ذلك وهو موجود في الكرملين والمحكمة الجنائية الدولية لا تملك قوّة من الشرطة لتلقي القبض عليه، لكن ذلك ما كان يعتقده سلوبودان ميلوسيفيتش (Slobodan Milosevic) الزعيم الصربي السابق، الذي أدانته المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في يوغوسلافيا، كان يقول أنا رئيس صربيا ما الذي سيحصل لي، لكنّه خسر سيطرته، وتشكلت حكومة جديدة وادعت أنّها تريد الإصلاح وتريد رفع العقوبات فسلمت ميلوسيفيتش إلى لاهاي، وحصل أمر مماثل مع تشارلز تايلور (Charles Taylor) رئيس ليبيريا السابق، الذي فرّ إلى نيجيريا وظن أنّ نيجيريا ستحميه، لكنّ الحكومة النيجيرية كانت تتعرض لضغوطات فسلمته إلى لاهاي، ويمكنك أن ترى تكراراً لهذا النمط، حسين حبري (Hissene Habre) الديكتاتور التشادي السابق الذي حُكم عليه في السنغال، وعمر البشير (Omar Al Bachir) الديكتاتور السوداني السابق الموجود الآن في السجن بانتظار نقله إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
وأضاف: “الطريقة الوحيدة لتجنّب المحاكمة هي أن تكون بوتين رئيساً لمدى الحياة، ومن الصعب أن تبقى رئيساً لمدى الحياة، ومن السهل تَخَيُّل سيناريو حيث تكون الناس مستاءة من غزو بوتين لأوكرانيا ومن الانهيار الذي تسبب به ذلك للاقتصاد الروسي، فيقرّرون التخلّص منه، وتأتي حكومة جديدة وتقول يجب أن نتخلص من كلّ تلك العقوبات، ويسرد الجميع أوّل خطوة للتخلّص من تلك العقوبات هي تسليم بوتين للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته، هناك ستكون نهايته، أعتقد أنّ الحياة ليست وردية إذا كنت تنظر إلى المستقبل من منظور بوتين”.
هل ثمة معارضة داخلية لبوتين تُمهدّ لاسقاط بوتين؟
أكَّد روث في حديثه لأخبار الآن أنَّه فعلا من الصعب جدًّا إجراء استطلاعات موثوقة في روسيا تشير إلى حجم الرفض أو القبول لبوتين، قائلا إنَّ “الحكومة الروسية والكرملين يفعلون ما بوسعهم لمراقبة المعلومات المحايدة التي قد تصل إلى الشعب الروسي والتسويق لأنفسهم، وذلك أمر محزن، من الواضح أنّ عدد المعارضين كبير، وقد حصلت تظاهرات ضدّ الحرب في نحو 40 مدينة، وأعتقد أنّ عدد الفارين من روسيا قد ارتفع بعد الإعلان عن التعبئة الجزئية، حتّى استطلاعات الرأي التي حصلت والتي قام بها مركز ليفادا اند بول (Levada Centre Poll)، وهو مركز إحصائي موثوق، أظهرت أنّ عدد الأشخاص الذين يشعرون أنّه يجب أن تحصل مفاوضات، هم لا يقولون بشكل علني نحن ضدّ الحرب، فمن الصعب قول ذلك في روسيا تلك الأيام، لكن أعطوا إشارات أنّهم غير متحمّسين للحرب ويفضّلون اللجوء إلى المفاوضات للتوصل إلى حلول”.
,اضاف في السياق عينه، “يمكننا القول إنّ الناس غير راضية عن مسار الأمور. بوتين لديه قاعدة ستدعمه في كلّ الظروف، وهناك بعض القوميون الروس الذين يحلمون بروسيا الكبرى ويرون أنّ أوكرانيا لا وجود لها، لكنّ أعداداً متزايدة من الروس غير راضين عن غزو بوتين أو عن جرائم الحرب التي ارتُكبت باسم الأمة الروسية”.
مجموعة فاغنر تُقرّ بحقيقتها
أخبار الآن سألت روث عن مجموعة فاغنر وجرائمها التي تتخطى المشهد الأوكراني لتصل إلى أفريقيا، وسابقاً في سوريا، وأرادت أن تكشف المعلومات التي تمتلكها منظمة هيومن رايتس واتش عن تلك المجموعة. وقد قال روث في السياق، “فاغنر التي أسسها ضابط سابق كان قريباً من بوتين، تلك المجموعة حتى وقت قريب كانت تدعي أنّها مستقلة، وأنّها شركة تتعاطى الأعمال وليس لها أيّ علاقة بالكرملين، لكنّها حالياً أسقطت ذلك الإدعاء واعترفت أنّها بيدق للحكومة الروسية. وكما هو معروف، فعناصرها ذهبوا إلى أفريقيا ودخلوا بلداً حصل فيه إنقلاب عسكري وحيث يحتاج فيه القائد الفاسد إلى دعم، وهم قدّموا الدعم العسكري لهذا القائد، وفي العادة هذا القائد لا يملك المال ليدفع لهم، فيتفاوضون للحصول على المعادن الموجودة، بمعنى آخر هم يسرقون الثروة المعدنية الموجودة في البلد مقابل دعمهم للديكتاتور. إذاً تلك إتفاقية رائعة بالنسبة للديكتاتور وسيئة جدّاً للشعب، وذلك يحدث مع بلد إفريقي تلو الآخر”.
وأكمل روث حديثه عن فاغنر قائلاً: “أكبر مثال على أعمالها في أفريقيا ما يحصل في جمهورية أفريقيا الوسطى، مستقبل ذلك البلد تمّ بيعه لمجموعة فاغنر مقابل الحصول على المرتزقة الذين سيقدمون الدعم إلى الحكومة، وما حدث مؤخّراً أنّ مجموعة فاغنر، لأنّ الحرب في أوكرانيا تسير بشكل سيء بالنسبة للجيش الروسي، فهم يخسرون آلاف الرجال إمّا بسبب الوفاة أو الإصابات، هنا فكّرت مجموعة فاغنر أنّ تلك فرصة لها لاستعادة هيبتها في روسيا، فأرسلت قواتها تحديداً إلى المنطقة التي كانوا يتقاتلون عليها شرق أوكرانيا في دونباس، عناصر الفاغنر يتوجهون إلى السجون ويقولون للسجناء إذا أردتم أن تخرجوا قبل إنتهاء مدّة حكمكم فعليكم المشاركة في القتال في أوكرانيا، تلك هي نوعية الناس الذين يجنّدونهم، معروف عنهم القيام بالمجازر في مالي على سبيل المثال، وهيومن رايتس ووتش وثّقت كيف قامت مجموعة فاغنر نفسها بارتكاب المجازر، لم يتضح بعد ما الذي فعلوه في أوكرانيا في المنطقة المتنازع عليها، غير أنّهم كانوا يستعملون القاذفات والصواريخ، لكن عندما تسمح لنا الظروف بالدخول إلى المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، سنسأل السكان ما إذا كانوا مسؤولين عن نفس عمليات الإعدام والتعذيب والإغتصاب التي نفذتها القوّات الروسية في أجزاء أخرى من البلاد”.
إيران واللوبي الخارجي الداعم لخامنئي
في الجزء الأخير من مقابلة أخبار الآن مع المدير التنفيذي السابق لمنظمة هيومن رايتس واتش الذي شغل منصبه لـ3 عقود من الزمن، تمت مناقشة الواقع في إيران التي دخلت انتفاضتها شهرها الرابع والمكونات التي مازالت تدعم خامنئي بل تحميه. وقد تحدث روث عن اللوبي الإيراني الخارجي وردا على سؤالنا قال: “إذا اطلعت على العقوبات التي فُرضت على إيران، خصوصأً في ما يتعلق ببرنامجها النووي، ترى أنّها عقوبات كبيرة، لقد قطعوا وصول معظم الشركات الغربية إلى الاقتصاد الإيراني، وتلك عقوبات قوية جدّاً، لكن حتى الآن لم تنجح تلك العقوبات بإزاحة الحكومة، لكن لا يمكننا أن ننفي مدى جديتها، مع ظهور الاحتجاجات منذ نحو 3 أشهر لم يعد هناك ما يمكن أن تفعله الدول الغربية، فالكثير من العقوبات فُرضت حتى الآن، لكن الدول الغربية كانت واضحة جداً في دعمها للمحتجين على المستويين الخطابي والسياسي، إنّهم لا يرعون الاحتجاجات لأنّ تلك احتجاجات السكان الأصليين، هؤلاء إيرانيون غاضبون ممّا قامت به عناصر الشرطة الأخلاقية من تصرفات متشددة باسم الإسلام، فهم قاموا بقمع النساء وأجبروهنّ على ارتداء زي معين، وما بدأ كاحتجاج على مقتل إمرأة وهي في عهدة شرطة الأخلاق لأنّها كانت تضع الحجاب بطريقة خاطئة، تطوّر إلى احتجاجات ضخمة ضدّ ذلك القمع. الإيرانيون شعب راق جدّاً ومنفتح، كما أنّه مجتمع مثقف ويحب الحياة، وهم لا يريدون أن يُحكموا من قبل مجموعة من رجال الدين البعيدين تماماً عن العالم الحديث، رجال الدين خسروا دعم الشعب الإيراني”.
وعن مستقبل المشهد الإيراني قال روث: “من الصعب التنبؤ بالمستقبل، لكنّنا نعلم أمراً واحداً أنّ القائد الأعلى خامنئي متقدم في السن ومريض، وسيتوفى في المستقبل القريب، وهنا سيظهر موضوع الخلافة، ظنّ الناس أنّ إبراهيم رئيسي الرئيس الحالي، مرشح جدي لخلافة خامنئي، لكن رئيسي متشدّد أيضاً وهو من الفصيل المحافظ للغاية في الحكومة، وليس من الواضح ما إذا كان سيحظى بالدعم ليصبح القائد الأعلى، ربّما عليهم العودة إلى الإصلاحيين الذين استلموا الرئاسة في الماضي، لكن حتّى عندما كانت سلطتهم محدودة جدّاً، وكانت السلطة الفعلية في يد القائد الأعلى، وليس في يد الرئيس أو مجلس النواب، لذا من الصعب جدّاً التنبؤ، لكن ذلك بداية لحظة تغييرية في إيران وهي تزيد من قلق رجال الدين لأنّهم يشعرون أنّهم لن يتمكنوا من السيطرة على ذلك التغيير. من ناحية أخرى تلك فرصة كبيرة بالنسبة للمحتجين لرؤية حكومة أكثر ديمقراطية وأكثر عرضة للمساءلة تجاه رغبات واحتياجات الشعب الإيراني”.