استخدام روسيا لبيلاروسيا كمنصة أخرى لحربها على أوكرانيا يهدّدُ نظام ألكسندر لوكاشينكو، الذي بات يواجهُ معارضة متزايدة في الداخل، وانتقادات وتضييقاً من الخارج أيضاً. المشهد ليس متكافئاً بالنسبة للرجلين، فإذا كانت الحرب قد تساعد بوتين على إحكام قبضته على المشهد السياسي الروسي، إلّا أنّ جنونها قد يطيح بلوكاشينكو وهدوء بيلاروسيا الهش، المفروض بالقوّة وبمساعدة موسكو بالتأكيد.
- مساع روسية حثيثة لدفع بيلاروسيا إلى الإنخراط أكثر بحرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا
- كيث سيؤثر انغماس لوكاشينكو بالحرب على أوكرانيا على التوزان العسكري داخل الجيش البيلاروسي؟
- زعيمة المعارضة البيلاروسية تكشف لأخبار الآن السيناريو الأسوأ ما لو قرر لوكاشينكو الإنصياع لطلبات بوتين
- زعيمة المعارضة البيلاروسية سفياتلانا تيخانوسكايا: 86 % من الشعب ضدّ مشاركة بيلاروسيا في تلك الحرب
- تيخانوسكايا: إجبار الجيش في بيلاروسيا على المشاركة في الحرب هو بمثابة انتحار سياسي للوكاشينكو
ليونيد كاسينسكي، وهو مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع في بيلاروسيا، كان قال إنّ “أنظمة الصواريخ التكتيكية إسكندر وأنظمة الدفاع الجوي إس -400 التي نشرتها روسيا في بيلاروسيا، جاهزة تماماً لأداء المهام المنوطة بها”. وقال: “أتمّ جنودنا وأطقمنا تدريبهم بالكامل في مراكز التدريب القتالي المشترك للقوّات المسلحة للاتحاد الروسي وجمهورية بيلاروسيا”. ولم يتضح عدد أنظمة إسكندر القادرة على حمل أسلحة نووية التي تم نشرها في بيلاروسيا، بعدما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يونيو الماضي، إنّ موسكو ستزود مينسك بها وبأنظمة دفاع جوي. وتأتي تلك الأخبار وسط ضغوط موسكو المتزايدة على مينسك للمساعدة في غزوها لأوكرانيا، الذي دخل الآن شهره العاشر من دون أن تلوح نهاية في الأفق.
86 % من مواطني بيلاروسيا يعارضون الحرب
استطلاعات الرأي التي أجراها مركز الابحاث شاثام هاوس (Chatham House)، أظهرت أنّ أكثر من 86 % من مواطني بيلاروسيا يعارضون الحرب، كما يعارضون استخدام موسكو لبلادهم من أجل إرسال القوّات العسكرية وإطلاق الصواريخ على أوكرانيا.
في ذلك السياق، تقول زعيمة المعارضة البيلاروسية سفياتلانا تيخانوسكايا (Sviatlana Tsikhanouskaya)، في لقاء خاص مع “أخبار الآن“، إنّ “تلك الحرب الفظيعة في أوكرانيا لا تؤثّر فقط على الأوكرانيين بل على العالم بأسره، وعلى البيلاروسيين كذلك”، مشيرةً إلى أنّها “واثقة أنّ أوكرانيا ستربح لأنّ العالم الديمقراطي اتحد حول الأوكرانيين وساعدهم على قدر ما يستطيع، لكن طبعاً مصير أوكرانيا ومصير بيلاروسيا متشابك ومترابط”.
وتابعت: “86 % من الشعب البيلاروسي ليس مع مشاركة بيلاروسيا في تلك الحرب، ونحن في بيلاروسيا مؤمنون بأنّه إذا لم يكن هناك أوكرانيا حرّة، فلن تكون هناك بيلاروسيا حرّة، والعكس صحيح. من دون وجود بيلاروسيا ستكون هناك تهديدات مستمرة لأوكرانيا ولغيرها من جيراننا الغربيين، إنّ بيلاروسيا هي جزء من تلك الكارثة التي حلت في المنطقة، وتلك المشكلة يجب أن تُحل”.
زيارة بوتين
مؤخراً زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (Vladimir Putin) مينسك حيث التقى نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في زيارة تعدّ الأولى له منذ 3 أعوام، وهي الزيارة التي أثارت قلق كييف والغرب، كما أرسل من خلالها بوتين رسائل واتفاقات عدة ترسم ملامح الجبهة الشرقية.
وعلقت تيخانوفسكايا في حديثها لـ “أخبار الآن” على تلك الزيارة قائلةً إنّ “زيارة بوتين إلى مينسك هي لطلب دعم لوكاشينكو وجرّ بيلاروسيا أكثر إلى الحرب… لكن لا يمكنك جرّ الناس إلى الحرب إذا ما كانوا لا يريدون ذلك”، لافتةً إلى أنّ “قادة الجيش البيلاروسي وجنوده لا يريدون القتال ضدّ الأوكرانيين، أو أن يُستعملوا كعتاد للمدافع في تلك الحرب”.
“انتحار سياسي”
وشدّدت على أنّ “إجبار الجيش على المشاركة في تلك الحرب انتحار سياسي للوكاشينكو”، قائلةً: “مشاركة بيلاروسيا في الحرب قد يسبب حدوث انشقاقات في صفوف العسكريين، وبالطبع لوكاشينكو خائف من حدوث حالة من عدم الإستقرار جرّاء ذلك”. وتابعت: “إجبار الجيش على المشاركة في تلك الحرب سيكون انتحاراً سياسياً للوكاشينكو، وفي حال وُجهت إليهم هكذا أوامر، فأنا واثقة أنّ جنودنا البيلاروسيين سوف ينشقون وينتقلون إلى المقلب الآخر، وسيهربون من المشاركة في تلك الحرب، لأنّهم لا يريدون الموت من أجل تحقيق طموحات الغير”.
وأضافت: “بالطبع يمكن أن يأمر بوتين لوكاشينكو بالمشاركة أكثر بالحرب، لكن لوكاشينكو يعلم أنّه لا يوجد مزاج عدائي ضدّ الأوكرانيين بين الجنود البيلاروسيين، وسيحصل فشل كبير إذا ما تمّ إرسال القوات البيلاروسية إلى أوكرانيا، لأنّهم سينتقلون إلى المقلب الآخر وينشقون، فتخيّلوا موقف لوكاشينكو حينها أمام بوتين، سيبدو وكأنّه لا يستطيع السيطرة على جيشه، لكن في حال عبرت بعض القوّات الحدود الأوكرانية ستصبح بيلاروسيا في نظر العالم دولة معتدية مثلها مثل روسيا.
ما فعالية المعارضة؟
وعلى الرّغم من كلّ ذلك القمع والترهيب، أكّدت تيخانوفسكايا مواصلة عملها في المنفى قائلةً: “أطلقنا في أغسطس 2022 مجلس الوزراء الانتقالي الموحّد الذي اُنشىء ليضع حدّاً للعنف والفوضى في بيلاروسيا، الأزمة بدأت عندما رفض لوكاشينكو الأصغاء للناس وقرر اللجوء إلى العنف، حاول مجلس الوزراء التعامل مع ما كان يهدد استقلالنا، ندرك جميعاً أنّه لا يمكن تحديد الاستقلال بالإعلان فقط، فعمل مجلس الوزراء على إقامة علاقات مع الحكومات الأجنبية، كما عزّز وجوده في بيلاروسيا من خلال التنسيق بين السياسيين والمجتمع المدني، إذاً نحن أظهرنا وحدتنا من خلال إنشاء ذلك المجلس، ونحن نعمل معاً لتحقيق مشروعنا”.
وتابعت: “في ما خص الشقّ الدولي، فنحن ندعم الأوكرانيين بقدر ما نستطيع ونطالب بمجال جوي مغلق فوق أوكرانيا، ونحاول تسليط الاهتمام الدولي على المشاكل التي يعاني منها الأوكرانيون لأنّنا نعتبر ما يحصل في أوكرانيا ليس مجرد حرب بين الأوكرانيين والروس، إنّها حرب من أجل مستقبل منطقتنا، ومن أجل مستقبل الديمقراطية، ليس لدينا مساحة كبيرة لنتحرك ونعبّر عن رأينا لكن بالرغم من الوضع على الأرض وبالرغم من أنّنا في المنفى فنحن نفعل ما بوسعنا”.
طهران ومينسك ترسمان خارطة طريق للتعاون
في اجتماع مشترك عقد مؤخراً في طهران بين أعضاء الوفد البيلاروسي ونظرائهم الإيرانيين، اقترح النائب الأوّل لرئيس الجمهورية محمد مخبر إنشاء لجنة مشتركة تعنى بمجالات الشحن والنقل بين إيران وبيلاروسيا، وبما يتيح الأرضيات اللازمة لتبادل الترانزيت وتسيير خطوط جوية مباشرة بين البلدين. وأضاف مخبر أنّ تعميق العلاقات الاقتصادية يشكّل دعامة للأواصر السياسية بين طهران ومينسك، متطلعاً الى تحقيق النتائج المرجوة عبر المباحثات في طهران مع رئيس الوزراء البيلاروسي والوفد المرافق له، وبما يضمن استمرار التعاون بين الجانبين.
وهنا تقول تيخانوفسكايا لـ “أخبار الآن” إنّ “الوضع خطير جدّاً، فنحن كما علمنا من مخبرينا في الداخل أنّ تصنيع المسيرات الإيرانية قد يحصل في بيلاروسيا، طبعاً تلك مجرّد أخبار حتّى الآن، لكن في حال كانت المعلومات صحيحة فذلك سيضرّ جدّاً ببيلاروسيا وشعبها، نحن أحياناً يُنظر إلينا كمعتدين في تلك الحرب، وإذا ما تمّ تصنيع تلك المسيرات في بلدنا سيزداد الوضع سوءاً”.
وحول دور ايران في الحرب الروسية على اوكرانيا، تقول: “أعتقد أنّ على كلّ الدول التي تدعم تلك الحرب في أوكرانيا، أن تتوقف عن ذلك، لأنّها تتسبب بأضرار كبيرة لأوكرانيا في المقام الأوّل، وللمواقف تجاه تلك البلدان، وبرأيي لا ينفع في هكذا ظروف إلّا فرض العقوبات. الحل الوحيد هو معاقبة كلّ المؤسسات والبلاد التي تدعم المعتدي في تلك الحرب، تلك هي الطريقة الوحيدة لوقف التعاون مع الكرملين”.
استقرار بيلاروسيا على المحك
مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، يبدو أنّ استقرار بيلاروسيا المجاورة برئاسة لوكاشينكو، والتي تدعم الغزو الروسي، يعاني من اضطراب لافت، ما يرفع منسوب القلق لدى البيلاروسيين الذين باتوا اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، يبحثون عن أيّ وسيلة من أجل مغادرة البلاد.
وقد ردّ نظام ألكسندر لوكاشينكو على المظاهرات التي أعقبت الانتخابات بالترويع والإرهاب والاعتقالات الجماعية، وذلك ما أدّى إلى اندلاع احتجاجات أكبر. وفي غضون أيّام من الانتخابات، بدأت قبضته على السلطة تضعف، مع خروج العمال ووسائل الأعلام والأطباء والطلاب والمتقاعدين وغيرهم.
ودخلت البلاد بأسرها في إضراب، لكن لوكاشينكو الذي يتولّى السلطة منذ العام 1994، أمسك بالسلطة مستعيناً بالتدخلات الوحشية التي شنّتها قوات خاصة موالية. وفي المقابل، تزداد المعارضة البيلاروسية قوّة، وثمّة تغيير ملحوظ لناحية أنّ الحكومة في المنفى تضمّ بالفعل فرعاً مسلّحاً التحق به أكثر من 200 ألف بيلاروسي، على استعداد للانتفاض ضدّ نظام لوكاشينكو ما إنْ تسمح الفرصة.
لوكاشينكو لا يستبعد حرباً ضد بيلاروسيا
تجدر الإشارة إلى أنّ لوكاشينكو كان قال في كلمة له خلال مؤتمر للقادة العسكريين بمناسبة انتهاء عمليات تفتيش عسكرية مفاجئة جرت مؤخراً، إنّه لا يمكنه استبعاد حرب ضد بيلاروسيا من جانب “جيران” لم يحددهم بالاسم. وأضاف: “إذا كنتم تريدون السلام، فاستعدوا للحرب”، قائلاً إن المناورات العسكرية الأخيرة اقتصرت على أراضي بيلاروسيا ولم تهدد أيّ بلد آخر”.
وأعلنت مينسك في الأسابيع الماضية عن موجة من الأنشطة العسكرية، بما في ذلك إجراءات للتحقق من مدى الجاهزية والاستعداد وعملية نشر جديدة لقوات روسية في البلاد. وأثارت المناورات تلميحات من مسؤولين أوكرانيين بأنّ روسيا ربّما تخطط لشن هجوم جديد على أوكرانيا عبر أراضي بيلاروسيا، مثلما فعلت من دون جدوى في الأيام الأولى من حربها في أوكرانيا.
شاهدوا أيضاً: لوكاشينكو يقبض على نفس الشباب.. البيلاروسي دانيل كوسينكو من الزنزانة المظلمة إلى الحرية