الروس لاحقوا الفارين من جحيم بوتشا وأطلقوا عليهم النيران بكثافة
- أهالي بوتشا هربوا ذعرا فلحق مقاتلو روسيا بالفارين وقتلوهم
- ضحية من الفارين قتل الروس زوجته وأبناءه وتسببوا في بتر ساقه
في رحلتنا لتغطية الحرب بأوكرانيا رصدنا العديد من الجرائم الصادرة من الروس ضد الأوكران وكان أحدثها أن الروس قرروا ملاحقة الفارين من وجه الوحش القابع خلف بذته العسكرية، فقد فر البعض من أهالي بوتشا عقب دخول الروس إلى المدينة بعدة أيام، فلاحق الروس الفارين على الطرقات وفتحوا عليهم فوهات البنادق لتنطلق رصاصاتهم بشكل عشوائي، لا يمكن تفسير ذلك إلا في إطار أنهم كانوا يريدون من الأوكران أن يتعايشوا مع التعذيب والاغتصاب والموت مجهولين دون شاهد قبر، بمعنى أدق أن يتعايشوا مع الاحتلال، فقد كانت تلك هي مظاهر الحياة تحت احتلال الروس.
على مدار شهر تجولنا بين مدن أوكرانيا لنرصد الحرب ومعاركها وآثارها على الحجر والشجر والبشر في أوكرانيا، ومن البشر كان الفارون على الطرقات من جحيم المقاتلين الروس فماذا كان مصير الفارين من بوتين في بوتشا؟ هذا ما رصدته لكم كاميرا “أخبار الآن” من طرقات المدن بأوكرانيا.
هرب من الروس في الدونباس 2014 فلحقوا به في 2022
كان ألكسندر يمني نفسه أن ينجح في فراره الثاني من الروس بعد ان فر من الدونباس إلى بوتشا في 2014 ولكنه في هذه المرة لم يكن يعرف أنه سيفقد كل شئ
يقول ألكسندر تشيكماريوف، أحد الفارين من أهل بوشتاوالذين لحق بهم الروس وفتححوا عليهم وعلى أسرهم النيران “أعيش هنا في مدينة بوتشا مع والدي، والآن انضمت لنا أختي لاجئة من الدونباس ومعها ابنها،
لم يكن هروبي من الدونباس في السابق هو أسوأ ما في حياتي كما كنت اظن، نعم فقد سبق و هربنا من الروس و من الحرب في عام 2014، للأسف الحرب لحقت بي إلي هنا في بوتشا.”
ثم يستدرك ألكسندر الذي يصعب عليه الحديث عن ذلك اليوم الذي انقلبت فيه حياته رأسا على عقب فيقول”تعلمون الآن لماذا لم أرد أن أتحدث لأن هذا في غاية الألم، لا أدري ماذا أقول عن ذلك اليوم ولكن باختصار يمكنني القول أن الروس قتلة، لقد عملت و عشت بروسيا ٥ سنوات قبل أن أتزوج، أحسست أني لا أستطيع العيش في هذا البلد، وقررت العيش في وطني فعدت لأوكرانيا، كانت لدي عروض للعيش والعمل في روسيا ولكني فضلت الرجوع الى أوكرانيا. لم أعش في روسيا بشكل دائم كنت أذهب في رحلات عمل قصيرة لكسب المال ثم أعود إلى منزلي في أوكرانيا، في الدونباس. فهمت وأدركت أن روسيا شريرة.”
تشيكماريوف: الروس قتلة و روسيا شر عظيم يعاني منه نساؤنا وأبناؤنا
تحتد نبرة صوت ألكسندر محملة بغضب شديد “إن روسيا شر عظيم، وتخبئ الكثير من الشر والكراهية للأوكران، ويعاني من شرها نساؤنا و أطفالنا، نعم روسيا شر عظيم و أود أن أنقل هذا للعالم كله. و لسوء الحظ لا تنتشر مثل هذه المعلومات للعالم بأسره عن ما هي روسيا؟ وحقيقتها .”فليخبرني أحد ما عن ما هي أسباب غزو روسيا لأوكرانيا؟ لماذا؟ لماذا جاء الروس لقتل الأوكران؟ لأجل ماذا يرسل بوتين جنوده لقتل أبنائنا و بناتنا و شعبنا؟ لماذا؟ لا توجد إجابة لهذه الأسئلة و لن توجد أبدا.”
ثم يعرب ألكسندر عن رغبته في كشف حقيقة روسيا للعالم فيقول “لدي رغبة عارمة في أن يجتمع العالم كله بطريقة ما ويبذل الجهد لوقف الروس، ليس العالم العربي فقط بل العالم الأوروبي أيضا، والعالم كله، وللأسف العالم الأوروبي يتأخر كثيرا في تقديم المساعدات لأوكرانيا، وعندما تأخروا كثيرا مات الكثير من الناس، والأطفال الأبرياء من الأوكرانيين وللأسف لا أحد يستطيع إيقاف الروس حتى الآن، فروسيا تقتل الكثير من الناس في بلدان أخرى عانت أيضا.”
أمسك ألكسندر بألبوم صور بجواره وأخذ يتصفحه ثم رفع وجهه إلينا وقال”الأفضل أن أعرض لكم صور عائلتي حتي تروا ما فعله الروس” استعرض ألكسندر صوره مع زوجته وطفليه وأجهش بالبكاء قبيل أن يحاول التماسك ليبدأ في روايته عن تعقب الفارين وكيف كان ذلك اليوم ولماذا كان القرار بترك المدينة من البداية.
ألكسندر تشيكماريوف: حين حاولت الفرار من بوتشا لحقوا بي وقتلوا زوجتي وأبنائي
في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا كان ألكسندر يمني نفسه أن ينجح في فراره الثاني من الروس بعد ان فر من الدونباس إلى بوتشا في 2014 ولكنه في هذه المرة لم يكن يعرف أنه سيفقد كل شئ، وسوف تذهب حياته إلى نقطة اللاعودة بعدها.
يقول تشيكماريوف عن ذلك اليوم”يوم ٤ مارس الماضي تناقشت مع زوجتي وأخي وقررنا الرحيل من بوتشا إلي غرب أوكرانيا، هنا في بوتشا قضينا ليلتنا وكانت عصيبة، قضينا الليل في القبو مع زوجتي وأطفالي أما أمي و أبي كانوا في الطابق الأول، قررنا الرحيل من بوتشا، وفي الصباح الباكر تواصلت مع جاري و شحنا السيارات و تحركنا في اتجاه منزل أخي الذي لا يبعد كثيرا، وتجمع عدد كبير من الجيران و اصطففنا خلف بعضنا للرحيل الي غرب أوكرانيا، وتحركنا من هنا حوالي ١٠ كيلومتر.”
تشيكماريوف: بدأ الروسي في إطلاق النار علينا ثم نظرت خلفي فوجدت زوجتي وأطفالي قتلى
ثم يكمل ألكسندر”كنا سيارتين خلف بعضنا، أنا وأسرتي في سيارتي وكانت جارتي غالينا تقود السيارة الثانية خلفنا و بجانبها زوجها وفي الخلف أمه، لقد تحركنا في اتجاه حديقة ليشينسكي و اعترضت طريقنا سيارة عسكرية روسية فأخذنا جانب الطريق و توقفنا عن الحركة، تم فتح باب السيارة ونزل إلينا وبدأ في إطلاق النار علينا ثم نظرت إلى الخلف فوجدت زوجتي و أطفالي قد فارقوا الحياة، كنت جريحا ولم أستطع القيام علي قدمي فنزلت إلى الأرض وزحفت بمحاذاة السيارة حتى أقرب شجرة واختبأت فمرت المدرعة و توقفت بالقرب مني ثم لحقت بهم سيارة عسكرية أخري تحدثوا بعض الوقت ثم تحركت المدرعة.”
لم يعرف ألكسندر كم مر عليه من الوقت داخل الغابة ولكنه فاجانا أثناء التصوير معه بنتيجة ذلك، فقد فقد ساقه أيضا حيث قام بخلع ساقه الصناعية فجأة أثناء حديثنا معه وقال “ماذا أقول لكم؟! فقدت قدمي. وهذا طرف صناعي، حتى تروا بوضوح ليس لدي كلمات أكثر لأقولها ولا أستطيع التحدث بعد كل ما حدث لي ولأسرتي.”
فقد تمنى ألكسندر لو أن الروس أخذوا ساقه وتركوا له أسرته، زوجته وطفليه اللذان لطالما عمل وهو يحلم أن يكبرا في كنفه.
يقول تشيكماريوف “كم من الزمن مضى لا أذكر حتى تجمع الناس وانتبهوا لوجودي فلمحني رجال الإطفاء التابعون لمدينة بوتشا وفي تلك الأثناء مرت سيارة، أوقفها رجال الإطفاء و جاء صاحبها إلى المكان الذي كنت ملقى به وأخذني إلي سيارته ووضعوني بالمقعد الخلفي في سيارته ثم أخذوني إلى مركز الإطفاء وبعدها فقدت الوعي ولم أسترد وعيي إلا في اليوم التالي بالمستشفى في مدينة بوتشا، أسبوع كامل وأنا بمستشفي بوتشا وعند إجلاء المواطنين من بوتشا تم ترحيلي مع الأطباء الي مستشفي أخمديت وهناك تلقيت العلاجات وإعادة تأهيل جزئية و بعد ذلك من انتقلت من مدينة أخمديت إلي مستشفي اخر، كان هنالك طبيب من معارف أخي، كنت في مستشفاه ثم رجعت إلي مستشفي بوتشا ومن ثم إلي البيت حتى الآن لا أغادر المنزل.”
غالينا توفكاتش: كانت الدبابات والطائرات تهدر طوال الوقت فقررنا الرحيل عن بوتشا
بينما كان ألكسندر تشيكماريوف يجاهد زاحفا للوصول إلى الغابة للاختباء بها من مقاتلي الروس الذين اغتالوا للتو زوجته وطفليه بالمقعد الخلفي للسيارة، كانت غالينا جارته تودع زوجها بعد مقتله بسيارتها وتحاول أن تخبئ والدة زوجها تحت الأشجار في نفس الغابة، حتى لا تلقى مصير زوجها.
لم يكن في حسبان غالينا توفكاتش وزوجها وجيرانهم أن يفروا ، ولكنها نيران الحرب وفزع تصرفات المرتزقة الذين قتلوا الناس في شوارع بوتشا منذ اللحظة الأولى
وتقول غالينا توفكاتش “لم نكن ننوي الرحيل ولكن تغيرت الأحوال بالمدينة وزاد الوضع سوءا يوما بعد يوم، فباتت الدبابات و المدرعات تهدر و الطائرات فوق رؤوسنا طوال الوقت فقررنا مع جيراننا الرحيل بعد نفاذ صبرنا و عدم قدرتنا على تحمل المزيد، وفي يوم ٥ مارس استيقظنا مبكرا وتقابلنا أمام المنزل مع جارنا وأسرته و تحركنا في اتجاه منزل شقيقه، كانوا أمامنا بسيارتهم ونحن خلفهم، تعرضت لنا مدرعة روسية في الطريق و فتحت النيران علي سيارتينا، حاولت الفرار ولكن في تلك اللحظة استوعبت أن جيراني ماتوا في السيارة، وأنا أصبت فقلت لزوجي أن يخرج من السيارة لكني وجدته أيضا قتيل.”
ثم تكمل غالينا تفاصيل ذلك اليوم الذي فقدت فيه زوجها ورأت جيرانها يقتلون بدم بارد فتقول “حين فتحوا النيران علينا، تعطلت السيارة، كانت خلفنا سيارة بها معارفنا، خرجنا جميعنا من السيارات و لذنا بالفرار إلى الغابة على جانب الطريق، احترقت سيارة الجيران و اختبأنا قليلا بالغابة، ومن ثم ذهبنا إلى المستشفى.”
غالينا توفكاتش: في الغابة كنا خائفين بعد مقتل زوجي لذا اختبأنا جيدا تحت الأشجار
وعن لحظات اختبائها مع والدة زوجها العجوز تحت غصون الشجر في الغابة فتقول غالينا “كنت مختبئة في الغابة مع حماتي وقد اعتقدت أن ألكسندر جارنا قد مات مع أسرته، لان سيارته احترقت بعد إطلاق النار عليهم، عندما فتحوا علينا النيران، كان جاري ألكسندر في المقدمة واحترقت سيارتهم فظننت أنهم جميعا قد قتلوا ولم أرى أحدا يخرج من السيارة، ولكن فيما بعد علمت أنه زحف ولكني لم أره، اختبأت في الغابة حوالي ساعة ونصف أو ساعتين بعد ذلك ذهبنا إلى المستشفى لبرودة الجو و النزيف جراء الإصابات في الغابة كنا خائفين أنا وحماتي بعد مقتل زوجي لذا اختبأنا جيدا تحت الأشجار، كنت أفكر كيف لنا أن ننجو و ماذا سنفعل بعد ذلك، كان هناك تخوف من أن نخرج إلى العراء ولكن كان لابد من الخروج لأن الجرح ينزف فقد تلقيت رصاصة بالكتف ولم تستقر.”
ثم تختم غالينا حديثها قائلة “جميعنا يعلم من هو المعتدي وما هو وضعنا لكنني أود أن أقول أن كل روسي مذنب في هذا الأمر وليعلم الروس أنهم كلهم ضالعين في هذه الحرب بطريقة أو بأخرى ويوما ما سيدفعون الثمن.”
“تعقب الفارين” من نيران الروس.. جريمة جديدة تضاف لملف جرائم الحرب الروسية
جرائم حرب عدة ارتكبها الروس في أوكرانيا، مابين اغتصاب وقتل للمدنيين و تعذيب أسرى ولكن ما هو جديد كان تعقب المذعورين الذين فروا من وجه جرائمهم داخل المدن الأوكرانية، حتى حقهم في الهروب منعهم عنه الروس ، جريمة غير مبررة كباقي الرجائم ولكنها جديدة، أن يفر خائف من وجه المعتدي فيلحق به فقط لقتله، ليصبح القتل هو الغاية وليس احتلال الأرض فقط، فقد أثبت الروس أنيهم يريدون أرض أوكرانيا خالية من أهلها.