أواخر شهر فبراير المقبل تُنهي حرب روسيا على أوكرانيا عامها الأول، وسط أسئلة جمّة عن مستقبل تلك المعركة الدائرة. فأيّ مسار تتخذ حربُ بوتين على الأوكرانيين، الذين استقبل الكثير منهم عامهم الجديد في الملاجىء على وقع القصف الروسي المكثف… ولم تنتظر أوكرانيا كثيراً حتّى ردّت بضربة على مدينة ماكيفكا التي تسيطر عليها القوّات الروسية شرق أوكرانيا، أسفرت عن مقتل نحو 100 من عناصر الجيش الروسي، فيما قالت السلطات الأوكرانية إنّ عدد القتلى يفوق ذلك.
“أخبار الآن” أجرت حواراً خاصاً مع رأس الديبلوماسية الأوكرانية، وزير الخارجية ديمترو كولبا (Dmytro Kuleba)، وهو أوّل لقاء له على قناة عربية، إذ تناول الحديث مستقبل تلك الحرب ومساراتها، البنى التحيتة وما تفعله أوكرانيا لجعلها تصمد أكثر في وجه آلة الحرب الروسية، إمكانية محاكمة روسيا على جرائم الحرب في أوكرانيا ومتى يمكن أن يحصل ذلك، مسار الإنضمام الى الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إيران ودورها في ترويع الأوكرانيين ومستويات التعاون بين طهران وموسكو بعد المسيّرات، الأمن الغذائي وأسعار الغذاء وما إذا كان العالم مقبلٌ على مجاعة، تتار القرم في شبه الجزيرة وإخوانِهم في روسيا والتناقض ما بينهما… إضافة إلى مواضيع أخرى في إطار جوجلة عامة لمسار الحرب وتداعياتها.
الإعلام الروسي يحتفل بوجع الأوكرانيين!
ليلة رأس السنة الجديدة، بثّ التلفزيون الروسي برامج ترفيهية كانت تحتفل صراحةً بوجع الأوكرانيين والأضرار التي لحقت بهم، وذلك في مشهد مستفز للمجتمع الأوكراني الذي يعاني جراء تلك الحرب التي يشنّها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (Vladimir Putin) على بلادهم. وفي السياق، قال كولبا إنّ “الروس يستمتعون بنشر الحقائق المزوّرة، لأنّه من ناحية الجيش الروسي يقتل الأوكرانيين ويدمّر مدننا واقتصادنا، ومن ناحية أخرى لديهم تلك البرامج التلفزيونية التي تُوظف للسخرية من أوجاع الأوكرانيين”، مشيراً إلى أنّه “في الوقت نفسه الذي كانت فيه موسكو تبث ذلك البرنامج، كانت المسيّرات الروسية تقصف المدن الأوكرانية الآمنة وضمنها كييف، وحوالي منتصف الليل في ليلة رأس السنة دوّت صافرات الإنذار التي تنذر بحصول غارة جوية في كييف، لذلك أنا أقول إنّ روسيا تحوّر الواقع”.
احتفلت برأس السنة في الملجأ مع ابنتي!
ولدى سؤالنا عن كيفية استقبال الأطفال والأمهات وكبار السن والأشخاص الأكثر ضعفاً في أوكرانيا، عامهم الجديد في أوكرانيا، لناحية الأمن واحتياجاتهم الإنسانية الأساسية، شارك الوزير الأوكراني معنا تجربة شخصية قائلاً: “يمكنني أن أخبرك تجربتي الخاصة، كنت أحتفل بحلول العام الجديد مع إبنتي، وعند منتصف الليل توجهنا إلى الملجأ بسبب صافرات الإنذار وبقينا هناك لساعات، إنّه مكان مشترك، وأنا وإنْ كنت وزير خارجية، إلّا أنّني أعيش نفس الحياة التي يعيشها الأوكرانيون. طبعاً حلول عام جديد هو رمز للأمل والسلام الذي يمكن أن يحصل في العام 2023، لكن روسيا أرسلت رسالة واضحة لنا جميعاً، وهي أنّها ستستمر في العمل لتحقيق أهدافها، وستستمر في ترويع الأوكرانيين، لكن ما لم يأخذه في الحسبان المسؤولون الروس، هو أنّهم لن يتمكنوا من كسرنا مهما فعلوا”.
وعن الحلول التي تحاول أوكرانيا إيجادها مع شركائها الدوليين من أجل إعادة بناء البنية التحتية للطاقة والمياه في أوكرانيا، وجعلها تصمد أكثر إبّان الهجمات الروسية، أوضح كولبا أنّ “الدول تساعد أوكرانيا عبر إرسال محوّلات ومولّدات وقطع غيار لشبكة الكهرباء، وذلك يساعدنا لإعادة إعمار ما دمّرته روسيا”، مضيفاً أنّ “عمال الطاقة يصنعون المعجزات من خلال الحفاظ على تشغيل الشبكة، وقد زاد الوضع سوءاً مؤخراً بعدما بدأت روسيا منذ منتصف أوكتوبر بشنّ هجمات مكثّفة على البنى التحتية المدنية. نحن بحاجة إلى بناء نظام يكون مرناً وقادراً على العمل تحت أيّ ظرف من الظروف، نحن بالفعل نبني خططاً حول كيفية إعادة هيكلة أنظمة الطاقة لدينا حتى نتمكّن من مواجهة ذلك النوع من الهجمات”.
“مهما فعلوا فنحن مستعدون للمواجهة”
وعن حجم القلق لديه من هجوم كبير جديد من جانب روسيا ربّما يستهدف العاصمة كييف بشكل مباشر، قال: “منذ 21 فبراير تاريخ بدء غزو روسيا لأوكرانيا، ومنذ 10 أوكتوبر عندما شنت روسيا هجماتها الصاروخية القاتلة، نحن حرفياً ولا أبالغ، نحن حرفياً مستعدون لأيّ شيء، نحن كأمّة نعلم أنّ وجودنا كدولة وبقاء شعبنا على المحك، نعم نحن نعلم أن روسيا قد تعيد هجومها الواسع والعنيف، لكن مهما فعلوا فنحن مستعدون للمواجهة”.
وعمّا إذا كان يرى أنّ ثمّة احتمالاً لتورط أو دخول دول أخرى في الحرب بشكل مباشر إذا ما انقلب المشهد الميداني لصالح روسيا، شدّد بالقول: “نحن واثقون بأنفسنا ومن قدرتنا على الدفاع عن بلدنا، ولن نطلب ذلك أبداً، وحتّى في أحلك الظروف لم نطلب مساعدة أيّ من الجيوش الأجنبية ولم نطلب من أيّ بلد إرسال قوّات عسكرية إلى أوكرانيا”. وتابع: “نحن نعلم أنّ هذا بلدنا ونحن مَنْ سيدافع عنه، لكن نعم نحن طلبنا من الدول إرسال أسلحة لتساعدنا في إلحاق الهزيمة بجيش يفوق جيشنا من حيث العدد والأسلحة، وقد نجحنا حتى الآن وقمنا بعمل جيّد”. بالطبع من المؤلم رؤية ذلك الكم من الخسائر والعذاب والتدمير الذي حصل للبلد، لكنّنا لم نختر تلك الحرب بل هي فُرضت علينا، ونحن نرد الهجوم ونمارس حقنا في الدفاع عن أنفسنا، ذلك الحق المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة”.
ماذا يفعل بوتين في أروقة المحكمة الجنائية الدولية؟
وفي سياق الحديث عن إمكانية محاسبة روسيا على جرائم الحرب التي ترتكبها في أوكرانيا، وما مدى واقعية محاكمة قوة عظمى مثل روسيا وقيادتها ذات يوم، ردّ كولبا بالقول، إنّ “أوكرانيا تعمل بشكل كبير وجدي من إجل جعل تلك المحاكمة تحصل ونحن نؤمن بأن ذلك سيحصل”.
ودائماً ما يحاول بوتين الدخول إلى أروقة المحكمة الجنائية الدولية نظراً لما تكتنزنه تلك المحكمة من أدّلة على جرائم حرب تصل إلى بوتين شخصياً، وفق ما قال لـ”أخبار الآن” المدير العام التنفيذي السابق لهيومن رايتس واتش كينيث روث (Kenneth Roth) في وقت سابق. وهنا نستحضر محاولة المدعو “فيكتور مولر فيريرا” الدخول إلى المحكمة في يونيو 2022، إذ قال جهاز الأمن الهولندي إنّ الرجل تظاهر بأنّه برازيلي الجنسية لكنه مُنع من الدخول لدى وصوله لبدء العمل في هولندا، حيث أعلن الأمن الهولندي أنّ جاسوساً روسياً متخفياً حاول اختراق المحكمة الجنائية الدولية، وأنّ اسمه الحقيقي هو سيرغي فلاديميروفيتش تشيركاسوف، وقد صفه الأمن الهولندي بأنّه جاسوس للمخابرات العسكرية الروسية.
“أخبار الآن” سألت وزير الخارجية الأوكراني عن تلك المحاولات الروسية لاختراق المحكمة الجنائية الدولية، في ضوء الاتهامات بجرائم الحرب التي تواجهها روسيا في الوقت الراهن بسبب إدارتها للحرب على أوكرانيا، وما الذي كانت تهدف المخابرات الروسية إلى فعله في أروقة المحكمة، فقال إنّ “روسيا تريد الوصول إلى الملفات، وتلك المحاولة ليست حالة فردية بل أنّ المخابرات الروسية تحاول اختراق مؤسسات مختلفة، وتحاول توظيف خبراء ومستشارين من دول عديدة حول العالم. إذاً الأمر ليس محصوراً بالمؤسسات الدولية والدول الغربية. إنّ روسيا تقوم بذلك لتحويل الرأي العام لصالحها في ذلك الصراع لكنّها تفشل”.
وأضاف: “في ما يخصّ محكمة العدل الدولية تحديداً، فإنّ روسيا تريد تحقيق هدفين، الأوّل هو إمكانية الوصول إلى معلومات وملفات لتعرف ما هي المعلومات التي تملكها محكمة العدل الدولية لترى كيف يمكن التعامل معها، والهدف الثاني، وهي المهمّة الأكثر طموحاً، التأثير على رأي محكمة العدل الدولية من الداخل، لكن مجدّداً أودّ أن أشدّد على أنّ تلك ليست حالة فردية بل ذلك يحصل في العديد من الدول والعديد من المؤسسات الدولية”.
نحضّر لمحاكمة قانونية وموثقة لمجرمي الحرب الروس
وعن عملية جمع الأدلّة على جرائم الحرب التي ترتكب في أوكرانيا، لفت كولبا إلى أنّ “كلّ الوثائق والأدلّة المتعلقة بتلك الأعمال الوحشية التي ارتكبها الجيش الروسي في أوكرانيا، لا يتطلب الكثير من الجهد لأنّ عدد الجرائم كبير جدّاً، وفي معظم الحالات لم يكلّف عناصر الجيش الروسي أنفسهم بإخفاء الأدلّة أو مسح الآثار. إنّه من المؤلم تخيّل ما الذي شعر به الرجال والنساء والأطفال عندما كانوا يتعرّضون للتعذيب أو القتل أو الإغتصاب على يد الجيش الروسي في أوكرانيا”. وتابع أنّ “كلّ محاكمة لجرائم الحرب يجب أن تكون ذات مصداقية عالية بنسبة مئة في المئة وقانونية، ونحن نتمسك بأعلى معايير الإجراءات الجنائية، ونتعاون علانية مع المحكمة الجنائية الدولية، وقد دعونا الخبراء الدوليين والمحققين لمعاينة كلّ شيء، نحن نحضر لمحاكمة قانونية وموثقة لمجرمي الحرب الروس”.
“لا فرق بين فرق الجيش الروسي والفاغنر.. كلّهم مجرمون”
وحول جرائم المرتزقة الروسية، شدّد على أن “الفاغنر لا يشكلون مشكلة لأوكرانيا وحدها، بل أنّ هناك دولاً في أفريقيا تعرّضت للعنف والوحشية على يد تلك المرتزقة. السبب الرئيسي الذي دفع الجيش الروسي للتفوق على الجيش النظامي وجعل الفاغنر يرتكبون الجرائم، هو قيام الإعلام الروسي الرسمي في الليلة التي حصل فيها الهجوم بتحقير الأوكرانيين وقاموا بكلّ ما في وسعهم لجعل الجنود الروس يعتقدون أنّه من المنطقي قتل وتعذيب واغتصاب الأوكرانيين… أنا لا أرى فرقاً كبيراً بين الفروع المختلفة للجيش الروسي عندما يتعلق الأمر بارتكاب جرائم حرب”.
“أي سلام يجب أن يبدأ بانسحاب الجيش الروسي”
على صعيد المفاوضات، كان ذكر ديمترو كولبا مؤخراً أنّ كييف تريد أن تبدأ المفاوضات بوساطة من الأمم المتحدة بحلول شهر فبراير، لكن فقط بعد أن تواجه روسيا محكمة جرائم حرب. وفي إطار الإستفسار عن الفترة الزمنية التي قد تتم خلالها الملاحقة الجنائية الدولية للمسؤولين عن جرائم الحرب، أوضح أنّ “أوكرانيا لا تضع الإدعاء في المقام الأوّل، ما نتحدث عنه هو صيغة السلام الشامل التي اقترحها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (Volodymyr Zelenskyi) أثناء مخاطبته قمّة العشرين في بالي، وتحقيق العدالة هو أحد عناصر تلك الصيغة، لكنّنا لا نشترط تقديم مجرمي الحرب الروس إلى المحاكمة أوّلاً للبحث في عملية السلام. نحن نريد أوّلاً رؤية الجيش الروسي ينسحب من الأراضي الأوكرانية، تلك هي أهم نقطة، يمكن تنفيذ كلّ العناصر الأخرى لعملية السلام تلك، وإذا ما اعترفت روسيا بجرائمها، وإذا ما حاولت روسيا إقناع العالم أنّ ما حصل لم يكن مجازر منظّمة بل مجرّد حوادث فردية، عندها يجب أن تتعاون مع التحقيق، الأمر بتلك البساطة”.
وفيما يقول البعض إنّ مواقف كلّ من أوكرانيا وروسيا متصلّبة وبالتالي على الطرفين تقديم تنازلات، ردّ بالقول: “روسيا دخلت أرضنا، إذا دخل أحد ما إلى شقتك وقال لك الآن سأعيش هنا، ستقول له لا عليك أن ترحل، هذا بيتي إنّه ملكي وملك أجدادي أنا ورثته منهم، ذلك ليس موقفاً متطرفاً بل موقف عادل وقانوني، لذا على روسيا أن لا تلعب تلك اللعبة وتقول إنّه على أوكرانيا أن تكون أكثر إيجابية، وأن تُقدم تنازلات لسبب بسيط للغاية، وهو أنّه لسنا نحن من دخل بيتهم بل هم اقتحموا منزلنا، لا يمكن أن يكون هناك أيّ تنازل في مسألة وحدة أراضي أوكرانيا، من الممكن أن نتفاوض حول مواضيع أخرى، لكن ذلك يجب أن لا يُعتبر موقفاً متطرفاً بل إنّه موقف قانوني ويحميه القانون الدولي”.
“روسيا غير مستعدّة للتفاوض من أجل استعادة السلام”
يبدو أنّ روسيا تميل إلى اعتماد أساليب التأخير والمماطلة ربّما لمداواة جراحها والتحضير من أجل شنّ هجوم جديد، لكن ما لو حان موعد السلام، ما هي بعض المؤشرات التي توحي بأنّ روسيا صادقة بشكل نهائي في إنهاء الحرب؟ هنا أجاب وزير الخارجية الأوكراني مشيراً إلى أنّ “كل يوم تتعرض كييف وكل أوكرانيا لهجوم من المسيرات والصواريخ، كلّ يوم ينفذ الجيش الروسي هجوماً على مواقعنا في جنوب وشرق أوكرانيا”، قائلاً: “عندما أستيقظ في الصباح وأقرأ آخر المستجدات، أرى أن لا شيء يوحي بأنّ روسيا مستعدّة للتفاوض من أجل استعادة السلام، عندما تريد حقاً السلام وتعمل بصدق لتحقيق ذلك، لا تتصرف على ذلك النحو، لا تقصف المدن الآمنة بالصواريخ، لا تحاول حرمان المدنيين الأبرياء من إمدادات الكهرباء والمياه والتدفئة في منتصف الشتاء، لا تتصرف بتلك الطريقة إذا كنت تريد السلام. عندما أدقق بالحقائق كلّ صباح، أتوصل إلى استنتاج أنّ روسيا تسعى إلى الحرب وليس السلام”.
وعن صيغة انتهاء تلك الحرب من حيث الحدود والسلام والتعويضات، أكّد أنّه “لن يكون هناك أيّ تسويات في ما يتعلق بالحدود، ستنتهي تلك الحرب باستعادة كاملة لوحدة أراضي أوكرانيا، ما عدا ذلك كلّ شيء قابل للنقاش”.
متى تنضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي والناتو؟
وفي ما يخصّ مسار انضمام أوكرانيا إلى الناتو والاتحاد الاوروبي، وعمّا إذا كان يرى أنّ عضوية أوكرانيا في الاتحاد والناتو مواضيع مترابطة أم منفصلة، قال: “ليس لهم علاقة ببداية تلك الحرب بالرغم من ادعاءات بوتين والإعلام الروسي. يقول بوتين إنّه كان يجب أن يهاجم أوكرانيا لأنّها كانت تتقرب أكثر وأكثر من الناتو، لكنّني أودّ أن أُشير إلى أنّه في العام 2014 عندما بدأ ذلك الإعتداء كانت أوكرانيا رسمياً بموجب القانون دولة غير حصرية ولا تحاول الانضمام إلى الناتو، وبالرغم من ذلك قام بوتين بانتزاع شبه جزيرة القرم منّا وبدأ هجوماً على دونباس. إذاً عندما تقول روسيا إنّها هجمت على أوكرانيا بسبب مسألة الناتو، يجب أن نتذكر ما حصل في العام 2014… لذا مسألة الإنضمام إلى الناتو ليس لها أيّ علاقة بذلك الهجوم الروسي، هدف روسيا من ذلك الهجوم على أوكرانيا هو تدمير الدولة الأوكرانية وجعل الشعب الأوكراني يخضع للحكم الروسي مجدّداً، كلّ شيء آخر هو مجرّد ستار يخفي وراءه أهداف روسيا العسكرية والسياسية الحقيقية”.
وعن توقيت انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي والناتو، قال: “أعتقد أنّ الدخول في تقديرات وتواريخ ليس مهمّاً، ففي الأشهر العشرة الأخيرة حققنا تقدماً أكبر من السنوات الماضية على مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن التنبؤ بتاريخ محدّد الآن ليس منطقياً، لكنّني واثق من أنّ أوكرانيا ستصبح عضواً في الإتحاد الأوروبي والناتو، لأنّه الخيار السياسي والاستراتيجي الطبيعي للإتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي أن تصبح أوكرانيا عضواً فيهما، ذلك الأمر سيحدث ولا يهمّني كثيراً التوقيت حالياً لأنّني أعلم أنّ ذلك سيحدث”.
“لا لمثل ذلك التنازل”
وحول ما إذا كان يرى أنّ ثمّة إمكانية لصيغة لا تصبح فيها أوكرانيا الناتو لكن تدخل في علاقة عسكرية متينة مع الحلف، أوضح: “لا أعلم لماذا يجب على أوكرانيا أن تقدّم ذلك التنازل، سننشق بالفعل عن حلفائنا في الناتو الذين يساعدوننا في خوض تلك الحرب. العام 2014 لم نكن نسعى حينها للانضمام إلى الناتو، وذلك لم يمنع بوتين من انتزاع شبه جزيرة القرم بطريقة غير شرعية وبالهجوم على دونباس، لذلك فإنّ كلّ سياسة أو كلّ اعتبار قائم على فكرة أنّه إذا قدمت أوكرانيا حلّاً وسطياً مع الاتحاد الأوروبي أو الناتو، فإنّ بوتين سيتصرف بشكل لا يتوافق مع الحقائق الواقعية، لأنّها غير مبنية على وقائع، بل على تحليلات متعاطفة مع الموقف الروسي”.
بعد المسيّرات.. ما مستوى التعاون بين طهران وموسكو؟
بالحديث عن دور إيران في تلك الحرب، وبعد إرسال المسيّرات التي تستخدمها روسيا لنشر الرعب بين المدنيين الأوكرانيين، ما هي المجالات الأخرى التي تغذي فيها طهران حرب روسيا على أوكرانيا؟ في السياق، قال كولبا إنّ “إيران تمدّ روسيا بالمسيّرات، وهي تستعملها لمهاجمة مدننا والبنية التحتية الحيوية للطاقة، وقد سمعنا أيضاً أنّ روسيا وإيران ربّما تتفاوضان على توقيع عقد ينصّ على إرسال إيران صواريخ معينة إلى روسيا، ونحن نراقب تلك العملية عن كثب وبجدية كبيرة، وذلك سيكون الخط الأحمر الذي من الأفضل أن لا تتخطاه إيران، لأنّه حينها سنضغط بكلّ الوسائل لمنع إيران من القيام بذلك”.
وعن الخطوات الإضافية التي يتوجب على المجتمع الدولي فعلها من أجل تعطيل تصنيع إيران للمسيرات ومدّ روسيا بها، أجاب: “أعتقد أنّ الرسالة التي نوجهها لإيران بسيطة جدّاً، مهما كانت الفوائد التي ستجنيها إيران من التعاون مع روسيا من خلال توريد تلك الأسلحة، فإنّ العواقب السلبية لتلك العملية ستكون أعلى وأقوى بكثير من الفوائد التي ستحصل عليها إيران. يجب على طهران التعامل مع ذلك الأمر من منظور عملي، وإذا ما فعلت ذلك عندها ستتوقف تلك الإمدادات. وأخيراً أودّ أن أقول إنّ استعمال الأسلحة لاستهداف المدنيين يخالف تعاليم الله، ولذلك الهدف تحديداً تُستعمل المسيّرات الإيرانية، هي لا تُستخدم للهجوم على مواقع جيشنا، المسيّرات الإيرانية تقتل المدنيين، المسيّرات الإيرانية تدمّر البنى التحتية للطاقة التي يحتاجها المواطنون في فصل الشتاء”.
وأضاف: “نحن ليس لدينا لا كهرباء ولا ماء ولا تدفئة في منازلنا، والناس يعانون بسبب ذلك النقص وبعضهم يموتون بسبب ذلك، حتّى لو كانت إيران ترغب في المشاركة بالحملة العسكرية إلى جانب روسيا، فهي ترغب في الواقع في المشاركة في حملة الترهيب التي تستهدف المدنيين في بلد لطالما كان ودوداً مع الشعب الإيراني، ذلك تصرّف جائر، في حال كانت تلك الكلمات تعني شيئاً للمسؤولين الإيرانيين”.
كيف نجحت أوكرانيا في كسب قلوب مسلمي التتار؟
في ما يخصّ تتار القرم، رصدت “أخبار الآن” ميدانياً مدى حماسة التتار الذين يخدمون في القوّات الخاصة الأوكرانية، فيما من المعلوم كيف اضطهدت روسيا مسلمي التتار على مرّ التاريخ، وفي المقابل تمكّنت أوكرانيا من كسب محبّة التتار، فما هو السر وراء ذلك؟ يقول ديمترو كولبا: “لا يوجد سر معين، الأوكرانيون هم من الأرثوذكس، وتتار القرم مسلمون، نحن عشنا مع بعضنا البعض على مدى قرون، والمشكلة الوحيدة التي ظهرت في حياتنا هي روسيا التي غزت شبه جزيرة القرم وطردت تتار القرم من أرضهم، واستقلال أوكرانيا هو الذي ساعد تتار القرم على التحضير للعودة إلى أرضهم في شبه جزيرة القرم، ثمّ عادت روسيا واحتلت شبه جزيرة القرم في العام 2014. ربّما نحن الأوكرانيين وتتار القرم ننتمي إلى ديانات مختلفة، لكن كلانا يعبد الإله نفسه الذي يقف إلى جانبنا لأنّنا نحمي أرضنا وهويتنا وأمتنا، ونحن ندعم بعضنا البعض، ونعرف أنّ روسيا هي عدونا المشترك وندرك أنّ وجود أوكرانيا حرّة ومزدهرة هو ضمانة لمستقبلنا، ذلك كلّ ما في الأمر، ذلك هو السر”.
وعمّا إذا كان المسلمون في روسيا على علم بمحنة تتار القرم تحت الحكم الروسي، أسف وزير الخارجية الأوكراني “لوقوف المسلمين في روسيا إلى جانب بوتين لا إلى جانب إخوانهم من تتار القرم العام 2014 عندما احتُلت شبه جزيرة القرم”. وتابع: “للأسف الآن أيضاً يقاتل المسلمون الروس إلى جانب الجيش الروسي ضدّ أوكرانيا في تلك الحرب غير المبررة… الإسلام يقول إنّه من المسموح المشاركة في القتال إذا ما كانت الحرب من أجل هدف محق، لكن تلك حرب جائرة، إنّه اعتداء من بلد على بلد آخر، لذا من المؤسف رؤية المسلمين يؤيدون روسيا في السياسة عوضاً عن إتباع تعاليم الله”.
وأضاف: “عندما قام جوزيف ستالين بطرد تتار القرم من شبه جزيرة القرم في العام 1944، تمّ إرسالهم إلى جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز، قصة تلك المأساة معروفة جدّاً، لكن ما يجب أن يعرفه كلّ مسلم هو أنّ الدولة الروسية تقوم على الأسس المسيحية الأرثوذكسية المحافظة، والكنيسة على صلة وثيقة بالحكومة وبالرئيس الروسي، إذاً ذلك يضع المسلمين وغيرهم من ممثلي الطوائف الأخرى في موقف ضعيف، لأنّه في أيّ لحظة يمكن لذلك التضافر بين العقيدة الروسية والسياسة الرسمية الروسية أن ينقلب ضدّهم، يجب أن يقفوا إلى جانب مَنْ يقاتل ضدّ ذلك التضافر الخطر بين الدين والسياسة”.
الأمن الغذائي.. هل يجوع العالم؟
وحول موضوع الأمن الغذائي وتأثر أسعار الغذاء بفعل انقطاع إمدادات الحبوب والأسمدة، قال كولبا لـ”أخبار الآن“: “يمكنني أن أخبرك أنّه لو لم يتم وضع مبادرة الحبوب في منتصف الحرب، كانت الحبوب الأوكرانية ستُفسد في صوامعنا ومستودعاتنا، بينما ملايين الناس حول العالم كانوا سيجوعون ويعانون من نقص حاد في الغذاء وسنواجه أزمة غذائية كبيرة، ومَنْ يقف خلف تلك الأزمة هي روسيا التي أغلقت موانئنا والبحر الأسود، ليس هناك أيّ سبب آخر لتلك الأزمة التي كان يمكن أن تحدث، نجحنا في فك الحصار عن موانئنا وبتصدير حبوبنا، ثمّ أطلق رئيسنا مبادرة الحبوب من أوكرانيا، وملأنا السفن التي كانت قد وصلت إلى الساحل الأفريقي بالحبوب الأوكرانية لتأمين الغذاء للناس، نجحنا في ذلك لكن لم يكن يجب أن تسير الأمور على ذلك النحو. قبل الإعتداء الروسي لم يواجه أحد أيّ مشكلة في استيراد الحبوب الأوكرانية لأنّ الأمور كانت تسير بشكل جيد وبسلاسة، والسبب الوحيد خلف حدوث مشاكل في النظام التجاري وأخذه كرهينة هو الإعتداء الروسي، يجب وضع حدّ لذلك من أجل ضمان الأمن الغذائي”.
وعن نوع التغيير الذي يتوقعه العام الجاري لكل من صادرات الحبوب والأسمدة، ختم بالقول: “نحن نأمل حدوث تقدم، فنحن نفعل ما بوسعنا لضمان التصدير المستدام للحبوب الأوكرانية، وإذا ما التزمت روسيا بالشروط ولم تحاول التعرّض لمبادرة الحبوب التي قمنا بها، عندها ستستمر عملية التصدير، لكن هناك مخاطر أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار وهي أوّلاً أنّ روسيا مازالت تحتل جزءاً من الأراضي الزراعية الأوكرانية حيث نزرع في العادة الحبوب وغيرها من المحاصيل، وثانياً تلك الأراضي التي حررناها مليئة بالألغام، لذا سيكون من الخطير جدّاً على المزارعين أن يزرعوا بذوراً جديدة وحصد محصول جديد. تلك هي التحديات التي نواجهها الآن، لكن في السنوات الماضية في الأعوام 1932 و1933 تمّ قتل الشعب الأوكراني على يد الشيوعيين الذين افتعلوا مجاعة أُطلق عليها اسم هولودومور وباء الجوع، راح ضحيتها ملايين المواطنين الذين ماتوا من الجوع، لذا نحن كأمّة نعرف ما معنى أن تموت بسبب فقدان الغذاء والخبز، وأؤكد لكم أنّه بغض النظر عن مدى صعوبة واقعنا، سنفعل ما بوسعنا لإنقاذ سكان العالم من المجاعة لأنّنا نعلم مدى قساوتها وصعوبتها، حتّى في أحلك اللحظات سنبذل قصارى جهدنا لإرسال السفن المحمّلة بالحبوب لإنقاذ الأطفال في أفريقيا، ولإنقاذ النساء في آسيا وغيرها من بقاع الأرض التي تحتاج إلى الحبوب الأوكرانية”.