في اقتحام غويران ٢٠٢١.. مراسلات داعش توثق التحضيرات وأسباب فشل خطة إعادة إحياء التنظيم
- ولاية الشام كانت المرجع والمركز في المخاطبات فكان لها الثقل على حساب ولاية العراق التي لم تقدم أي شيئ يُذكر.
- الخطة بدأها بضعة سجناء كانوا على اتصال مباشر مع المركز في ولاية الشام.
- ولاية الشام لم تكن لديهم خطة لتأمين السجناء حال فرارهم.
- كان ثمة توتر وعدم ثقة بين المركز والمتنفذين في السجن.
- الاعتراف بفقر ولايتي الشام والعراق يثير سؤالاً حول الملايين التي سرقها التنظيم من الرقة والموصل.
في صباح الخميس ٢٠ يناير ٢٠٢٢، بدأ مقاتلو داعش هجوماً واسعاً على سجن الصناعة شمال سوريا، السجن الواقع في غويران جنوب الحسكة يخضع لإدارة قوات سوريا الديمقراطية ”قسد“ ويُعد أكبر منشأة يُعتقل فيها أخطر عناصر داعش. الهجوم كان منسقاً من خارج السجن وداخله.
بحسب بيان نشرته القيادة العامة لقسد في ٢٣ يناير ٢٠٢١، قام انتحاريان على الأقل بتفجير نفسيهما مستهدفين بوابات السجن، فيما توزع انغماسيون على أربعة محاور أشغلت القوات الأمنية في المنطقة.
أما في الداخل فقد هاجم السجناء الطواقم المدنية والحراسات وسيطروا على مخازن السلاح. في النهاية، تمكن عدد غير محدد من الفرار والاستحكام في أحياء البلدة ما أدى إلى نزوح الأهالي.
من استفاد من غويران؟
كل شيئ كان يسير في مصلحة داعش؛ حتى إن أنصار التنظيم اعتبروا الحدث مفصلاً في تاريخهم سيعيد لهم مجدهم الغابر.
لكن مساء الأربعاء ٢٦ يناير، أنهت قوات سوريا الديمقراطية التمرد مدعومة بطيران التحالف وأعلنت السيطرة على السجن. فيما قال التحالف إنه سيفتح تحقيقاً في الإخفاق الأمني الذي أدى إلى هذا الاختراق.
أما داعش، فقد تحول خطابهم من تضخيم ألانا إلى التسطيح. الإعلام الرسمي، في العدد ٣٢٣ من صحيفة التنظيم الأسبوعية النبأ – التي تأخر صدورها على غير العادة إلى فجر الجمعة ٢٨ يناير ٢٠٢٢، حاول التخفيف من وطأة الحدث وقال إن الهدف كان اقتحام السجن من دون ”فتح جبهات قتال ضد (الأكراد) في المنطقة ولكن بعد الانهيار السريع لدفاعات(هم) والسيطرة على مخازن السلاح، قرروا (داعش) توسيع رقعة الاشتباكات للاستنزاف وتشتيت العدو عن عمليات إخلاء المحررين.“
لم يتضح عدد الفارين أو هوياتهم. لكن الطريقة التي انتهى بها هجوم الصناعة، وما تواتر من أنباء عن فارين في المنطقة يشي بأن المستفيد كان ثلة من المتنفذين تآمروا مع قيادة التنظيم المركزية واتخذوا من مئات السجناء الآخرين ثمناً لحريتهم.
يعزز هذا وثائق حصلنا عليها توثق مراسلات بين قيادة داعش في الشام وسجناء سجن غويران.
من هذه الوثائق يتضح أن ولاية الشام كانت المرجع والمركز في المخاطبات فكان لها الثقل على حساب ولاية العراق التي لم تقدم أي شيئ يُذكر.
كما نعرف أن الخطة بدأها بضعة سجناء كانوا على اتصال مباشر مع المركز في ولاية الشام. لكن اللافت هو أن ولاية الشام لم تكن لديهم خطة لتأمين السجناء حال فرارهم ولهذا إسقاطات على مفهوم ”هدم الأسوار“ الذي يغرقون به إعلامهم.
كما نعرف من هذه الوثائق أنه كان ثمة توتر وعدم ثقة بين المركز والمتنفذين في السجن. الأهم ربما في هذه المراسلات هو الاعتراف بفقر ولايتي الشام والعراق بما يثير سؤالاً حول الملايين التي سرقها التنظيم من الرقة والموصل.
المراسلات
حصلنا على ١٣ مراسلة من مصدر قريب من سجناء داعش. لا نستطيع أن نذكر أكثر من هذا بناء على طلب المصدر.
عرضنا المراسلات على ثلاثة خبراء: خبيرين عربيين قريبين من مجتمع الجهاديين في العراق وسوريا؛ وخبير أجنبي مطلع على نماذج سابقة من مراسلات داعش أكدوا لنا صدقية المراسلات من حيث أن الشكل والمحتوى لا يتيحان مجالاً للشك أنها من عند داعش.
الوجهة غويران
في تاريخ ٢٥ مارس ٢٠٢١، كتب أمني ولاية الشام عبدالله الجهني إلى الزبير الشامي نائب والي الشام، يوجز فيها رأياً بخصوص ما يبدو أنه اقتراح ورد من سجن غويران.
هذا يعني أن من بدأ الفكرة والخطة هم السجناء وليسوا قيادة التنظيم المركزية أو المحلية.
الأمني يوصي ب ”العمل على نشر بلبلة وفوضى عارمة في كل المناطق إن أمكن، في ظل معرفة الوجهة وتأمين التواصل وعدته اللازمة والكافية باعتبار الخبرة متوافرة لدى الإخوة … وتوفير الخرائط والأجهزة الكافية والمتطلبات الأخرى.“
طموح أم انتحار؟!
بعد يومين وفي تاريخ ٢٧ مارس ٢٠٢١، يرفع نائب الوالي إلى الوالي تصوراً لتنفيذ اقتحام غويران وذلك بعد التشاور مع ”معنيين.“
التصور طموح ويكاد يكون مثالي. وهذا مهم بالنظر إلى أمرين. أولاً، في الخطاب اعتراف مبكر بعدم توفر العناصر البشرية اللازمة لبدء الهجوم مثل الانتحاريين والانغماسيين.
وهذا يناقض الصورة التي يظهرها التنظيم في إعلامه وإعلام أنصاره أنه مستعد لفداء الأرواح من أجل ”هدم الأسوار.“
وثانياً، ثمة اعتراف بعدم وجود خطة لسحب الفارين إلى مكان آمن. ومرة أخرى، إن لم يكن الهدف تأمين السجناء، فكيف يكون إذاً مشروع ”هدم الأسوار“ ناجعاً؟
يقول الكاتب: ”واقعنا وإمكانياتنا لا تستطيع نقل الأخوة لأي مكان وبهذه الأعداد.“ وهنا يقترح أن يُترك الأمر للفارين ”بحيث … يستطيعون التنقل من غير حاجتنا لنقلهم وترتيب أمورهم بأنفسهم“ بأن يعملوا على ” حفر ودفن براميل بلاستيكية وقريبة من موقع العمل ويوضع في كل برميل سلاح وذخائر تتضمن بيكي سي رشاش وقاذفة أربي جيه وسبعة بواريد وجوال أو جوالين فيه خطوط تواصل وفيه مواقع تواجد الحواجز والمواقع العسكرية … (للأكراد) وفيها رسم الطرق الموجودة … ويكون في البرميل نفسه مبلغ من المال أيضاً لترتيب أمورهم ويكون أيضاً موجود بدلات عسكرية نفس التي يرتدونها … (الأكراد) في المناطق القريبة ويتم إخبار الأخوة والاتفاق على كلمة سر بينهم من أجل عدم وقوع خطأ بين الأخوة ويظن بعضهم أن البعض الأخر عدو بمجرد ارتدائهم الملابس العسكرية … ويتم دفن الكثير من البراميل في المنطقة وأخذ احداثياتها وبعد تجهيز هذا الأمر يتم التواصل مع الداخل ويتم ترتيبهم على شكل مجاميع تتكون من سبعة أشخاص وتعطى كل مجموعة إحداثية برميل من المدفون.“
ولا ينتهي هذا التصور هنا، بل يقترح أن يسيطر الفارون على مدينة ما يستحكمون بها! مرة أخرى، بالنظر إلى ما قاله إعلام داعش في النبأ أعلاه، الخطة المثالية كانت حتماً تتطلب فتح جبهات مع الأكراد.
خلافات
لكن في ١ أبريل ٢٠٢١، وردت رسالة تشي بوجود خلافات بين السجناء حول قيادة هذا المشروع وهو ما سيتطور إلى خلاف على حيثيات المشروع.
أمني ولاية الشام عبدالله الجهني ينقل رسالة من ”أمير سجن غويران“ إلى الشيخ الزبير الشامي نائب والي الشام يسأل فيها عن عزله وتسمية شخص يُدعى ”صفوك“ أميراً.
نعلم لاحقاً أن صفوك هذا اسمه أبو علي الأنصاري. يقول هذا الأمير المعزول: ”بالكاد جمعنا الكلمة … فإن كان هذا الأمر من قبلكم تقبلون فيه النقاش وسنبين لكم ما نخشاه وإن كان الأمر من قبلكم على وجه الإلزام فعلينا بالسمع والطاعة.“
في نفس اليوم، رفع نائب والي الشام الشيخ الزبير الشامي كتاباً إلى والي الشام نفسه، الشيخ المعتضد بالله، بشرح فيه حيثيات تكليف صفوك. وهذا متوقع.
فتعيين الأمير أمر يُفترض أن لا استهانة فيه. لكن ما ظهر لاحقاً يظهر تخبطاً وعدم ثقة تُذكر بما يحدث فيه قمة هرم التنظيم من خلال إعلان أسماء مجهولة ”خلفاء“ على ثلة من أنصار التنظيم.
يقول الكاتب إن تعيين صفوك جاء بناء على تزكية من ”مشايخ“ معتبرين لدى المعنيين في ولاية الشام وأن تغيير الأمير جاء لاعتبار ”الحكمة والعقلانية“ اللتين يبدو أن صفوك يتمتع بهما، خلافاً للأمير الحالي وأتباعه ”المندفعين كثيراً.“
لكن في نفس الوقت، يعترف نائب والي الشام بأن رجلاً في السجن يُقال له أبو رحمة لم يسمح لهم بأن يتحدثوا مع صفوك حتى يتبينوا موقفه!
وهكذا، وبحسب الرسالة، تم تعيين مجلس شورى السجن ليضمّ صفوك أميراً وآخرين من بينهم المدعو أبو رحمة.
هذا الخطاب يتضمن تفصيلاً آخر مهماً يتعلق بإجماع السجناء على ”كلمة واحدة.“
يقترح أصحاب خطة الاقتحام أن يضرب السجناء عن الطعام مقدمة للاضطرابات. فينقسم السجناء إلى قسمين. قسم وافق على الإضراب وآخر أخذ ”الرخصة“ إما لكبر سن أو مرض أو إصابة.
المشكلة بحسب الرسالة هو أن الذين أضربوا ”أصبحوا ينظرون إلى الذين أخذوا بالرخصة أنهم خذلوهم … وأرى بأن الذين أخذوا بالعزيمة في هذا الموضع قد أخطأوا لأن العقوبة كانت جماعية.“
في اليوم التالي، يرد نائب والي الشام الشيخ الزبير الشامي على رسالة أمير غويران مثبتاً صفوك وطالباً ”السمع والطاعة“ فيما يتعلق بما ينقله شخص معني بالتواصل بين الطرفين: السجن ومركز ولاية الشام.
لكن بعد أسبوعين وتحديداً في ١٧ أبريل ٢٠٢١، كتب نائب والي الشام الشيخ الزبير إلى أمير سجن غويران بتقسيم إداري جديد بحيث يكون الأمير هو المدعو أبو رحمة العراقي، فيما يُنقل صفوك الأنصاري إلى مركز النائب الأول.
تفصيل مهم في هذه الرسالة هو أن نائب الوالي يستغرب من أمر ورد إليه في وقت سابق وهو أن أربعة أشخاص فقط يعلمون بمشروع اقتحام السجن. يسأل كيف إذاً تم تقسيم مئات السجناء إلى مهاجع؟
في الرسالة تحذير أيضاً من استخدام الهواتف المحمولة خشية التسريب والوشاية إذ يشكو الكاتب من استهداف مشايخ وعناصر التنظيم خاصة ممن على علاقة بالسجن.
ولنتذكر أنه بعد إخماد تمرد غويران بأسبوع تقريباً، تمكن التحالف من قتل ”خليفة“ داعش أبي إبراهيم الهاشمي القرشي في أطمة شمال سوريا.
وعندما نعى التنظيم أبا إبراهيم، أشار إلى أنه كان يتابع اقتحام غويران شخصياً.
كما أن حساب قناة فضح عباد البغدادي والهاشمي التي على الأرجح تضم منشقين عن التنظيم، قالوا في وقت لاحق إن تعقب أبا إبراهيم كان ممكناً لاختراق هاتفه الذي كان يتواصل به مع من في السجن.
خلل أمني
في اليوم التالي، يسأل نائب والي الشام جماعة السجن عن ”دكتور“ معني بإيصال ”أغراض“ إلى السجن.
يسأل الزبير: ”لا ندري إن كان خواناً ويلعب على الحبلين.“ فهل هذا ”الدكتور“ عنصر من طاقم الحراسة الكردي؟ ليس مستغرباً الاقتحام ما كان لولا خلل أمني جسيم من جانب قسد.
ضعف الحال وقلة الحيلة
في تاريخ ١٩ مايو ٢٠٢١ يرسل نائب والي الشام الزبير الشامي رسالة إلى أمير سجن غويران فيها أن المركز عدل عن خطة تتعلق على ما يبدو بطلب السجناء تأمين عائلاتهم بمعاشات.
يبرر المركز القرار بالخشية من تسريب معلومات عن سجن غويران. وهذا تفصيل مهم يدل على إهمال التنظيم لعائلات ”الأسرى والشهداء“ بعكس ما يروج له إعلامهم.
تفصيل آخر مهم – يتكرر في هذه الرسائل- وهو أن يطلب المركز من السجناء تجهيز ”انغماسيين واستشهاديين.“
فالمركز غير قادر على تأمين هؤلاء. وكما ذكرنا سابقاً، هذا يناقض الصورة التي يظهر فيها التنظيم في إعلامه محاطاً بأنصار يبذلون له الغالي والنفيس.
ومن قبيل هذا أن يذكر نائب والي الشام اسم رجل يدعي ”الشمري“ زكاه السجناء وثبته المركز للعمل في ”المشروع.“
لكن في الرسالة التالية بعد ثلاثة أسابيع تقريباً، يعاود نائب الوالي الزبير الشامي الكتابة إلى أمير السجن مشككاً في الشمري هذا. يقول: ”فحقيقة قام بتزكية أخ انغماسي وقلبنا لم يطمئن له كثيراً، حيث قال إنه لن يدخل عمل لا يعرف تفاصيله.“
التفصيل الأهم هو أن ولاية الشام طلبت من ولاية العراق المساعدة في تأمين انغماسيين ومادة TNT.
سيتضح لاحقاً أن ولاية العراق لم تؤمن أياً من هذا.
وعليه، وبعد أن رصدت ولاية الشام مبلغ ١٠ آلاف دولار لمشروع غويران وبعد أن أرسل السجناء مقاطع فيديو توثق تحضيراتهم، وردت رسالة بتاريخ ٨ سبتمبر ٢٠٢١ من نائب والي الشام باسم حذيفة الشامي إلى أمير غويران رداً على تململ من جانب السجناء. يحاول نائب الوالي تبرير التباطؤ.
في الرسالة، يشكو حذيفة من استنزاف عناصر وقيادات التنظيم ما تسبب في تأخير الخطة. يقول إن والي الشام المعتضد بالله قُتل؛ وإن نائبه الأول أُسر.
وفي الرسالة يكرر المركز عدم وجود خطة لتأمين الفارين. ويقترح كما في رسالة سابقة ”التترس بالنصارى“ أي اتخاذهم رهائن في ”حاراتهم ومكان تواجهم ثم بعدها إما يتم مفاوضات أو يجعل الله أمراً لا نعلمه إذ لا بد من العمل على رهائن.“
أمر مهم آخر في هذه الرسالة هو الاعتراف ب ”ضعفنا وقلة حيلتنا.“ يقول نائب الوالي: ”ولقد طرقنا عدة أبواب وما تركنا باباً … تكلمنا مع إخواننا في العراق والشام ولم نجد شيئ.“ وفي موضع آخر يقول: ”المال ليس كما تظنون.“ فأين إذاً الملايين التي أخذتها قيادة التنظيم من الرقة والموصل؟
كولين كلارك، مدير البحث في مجموعة صوفان، وفي كتابه ”بعد الخلافة“، ينقل أن داعش في ٢٠١٥ كان يتحكم بستة مليارات دولار أمريكي، وأن قادة التنظيم أثناء معركة الباغوز القاضية هرّبوا ما يقارب ٤٠٠ مليون دولار للاستثمار في التجارة والعقار خاصة في تركيا.
يكرر نائب الوالي عدم قدرة المركز على تأمين انغماسيين.
وفي تفصيل يثير السخرية، يقول النائب إنه تواصل مع شخص زكاه السجناء قالوا إن عنده إنغماسيون، فإذا بهم ”بين تارك ومطرود من جندية (داعش).“