تُنهي الحرب الروسية على أوكرانيا سنتها الأولى في الأيّام القليلة المقبلة، على وقع اشتداد المعارك على أكثر من جبهة ودخول الحرب في دائرة التدويل وسط بروز معسكرين، واحد يتكتل خلف أوكرانيا ويمدّها بالسلاح، والآخر يدعم روسيا ويمدّها بالدعم الذي تريد.
نداء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لدعم عسكري أوسع إلى أوكراني، والذي أطلقه مطلع العام 2023، ما لَبِثَ أن كثّف التقديمات الغربية وشَغَّل محركات الدول الداعمة لأوكرانيا لتزويدها بأحدث الآليات العسكرية سريعاً، لاسيما الأنظمة الدفاعية المتقدمة التي تطلبها كييف، تحت قاعدة مفادها أنَّ هجمة روسية خطيرة ستحصل عشية الذكرى الأولى لانطلاق الحرب، ومن وجوب الحلفاء دعم أوكرانيا كي تصمد في وجه تلك الحملة المرتقبة.
تلك القاعدة، عبَّر عنها أمين عام حلف شمال الأطلسي “الناتو” ينس ستولتنبرغ (Jens Stoltenberg) يوم الأربعاء، داعيا إلى إرسال دبابات إلى أوكرانيا. أتى ذلك قبل ساعات قليلة من إعلان ألمانيا رسمياً إعطاء الضوء الأخضر لبولندا كي تصدّر دبابات ليوبارد (Leopard 2) الألمانية الصنع إلى كييف.
فبعد تململ داخلي ألماني لأشهر عديدة، وأخذ وردّ بين بولندا وألمانيا في الأسابيع القليلة الماضية، أعلن المستشار الألماني أولاف شولز (Olaf Scholz)، تسليم ألمانيا لكييف ومن مخزونها الخاص 14 دبابة من طراز ليو بارد 2 المتقدّمة والثقيلة، لتصبح ألمانيا الدولة الأولى حتى الساعة التي تُزوّد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة من الباب البولندي الذي سعى جاهداً في الأسبوع المنصرم لتعبيد الطريق أمام كييف لأخذ مجموعة من دبابات ليو بارد 2 المتقدّمة.
لماذا تُصر بولندا على تزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد الألمانية؟
في ذلك السياق، أجرت “أخبار الآن” لقاء خاصاً مع نائب وزير الخارجية البولندي بافيل جابلونسكي (Paweł Jabłoński)، للوقوف عند الدور البولندي في تأمين دبابات ليو بارد 2 لكييف وأهمية تلك الدبابات. وأوضح أنّ أوكرانيا تستطيع استخدامها بشكل فعّال انطلاقاً ممّا أظهرته إلى اليوم، إذ “نجحت كييف في استخدام أكثر من 300 دبابة وآلية ومركبة مدرعة بولندية أعطيت لها بين مايو 2022 ويناير 2023، وبعضها دبابات سوفيتية قديمة كانت موجودة لدى القوّات البولندية، والتي استُخدمت من قبل القوات الأوكرانية لاستعادة أراض محتلة بالقرب من خاركيف وخيرسون”.
بعد التردد لأشهر #أوكرانيا ستحصل على دبابات ليوبارد 2 فكيف سيُغيّر ذلك السلاح قواعد اللعبة؟ نائب وزير خارجية #بولندا @paweljabIonski يُوضح لـ #أخبار_الآن أهمية تلك الدبابات بالنسبة لأوكرانيا وتأثيرها على مسار الحرب. #روسيا_تغزو_أوكرانيا pic.twitter.com/KJtxYBWhh8
— Akhbar Al Aan أخبار الآن (@akhbar) January 25, 2023
وشرح جابلونسكي أهمية دبابات ليو بارد مشيراً إلى أنّ “روسيا حشدت مئات آلاف الأشخاص في الجيش مجدّداً، وأرسلت العديد من دباباتها إلى الجبهتين الشرقية والجنوبية بشكل خاص، تحضيراً لهجوم جديد شرس، لذلك من الواجب تزويد كييف بأحدث الدبابات الموجودة في حوزتنا، وأفضلها الدبابات الألمانية المعروفة بليو بارد، والموجودة في بولندا والعديد من الدول الأوروبية”.
متى تدخل دبابات ليوبارد حيّز الاستخدام؟
وعن الفترة الزمنية التي ستستغرقها تلك الدبابات للوصول إلى أوكرانيا، أكّد نائب وزير الخارجية البولندية بافيل جابلونسكي لـ”أخبار الآن“، أنَّ عمية وضع الدبابات الألمانية على أرض المعركة معقّدة لوجستياً وتحتاج إلى بعض الوقت. لكنّه أوضح أنّ التدريبات جارية تحضيراً لاستخدامها، مع إشارته إلى أنّ “العملية تحتاج لبضعة أسابيع حتى تكتمل، ونحن على تواصل دائم ويومي مع شركائنا في أوروبا، خصوصاً مع شركائنا في ألمانيا، أصحاب الدور المهم جداً”. وأضاف: “إذا قامت كلّ دولة بتقديم 20 أو 30 دبابة، فذلك سيُحدث فرقاً كبيراً، وإذا تمكّنا من إنشاء لواء دبابات فذلك سيُغيرّ وجه العدوان”.
لماذا تأخرت ألمانيا بالموافقة على تقديم دبابات ليوبارد؟
وشرح نائب وزير الخارجية البولندي الأسباب الكامنة خلف تأخّر ألمانيا في تزويد أوكرانيا بالدبابات، فتطرق إلى الحضور الروسي البارز في بعض الصروح السياسية والأكاديمية والصحافية في ألمانيا، مستذكراً المستار الألماني السابق جيرارد شرودر (Gerhard Schroder) الذي حصل على مراكز مهمّة في شركات روسية، وكانوا يكافَؤونه على سياسته المؤيّدة لروسيا، بحسب جابلونسكي.
وتابع: “في ألمانيا مازال يوجد الكثير من الناس المؤيدين لروسيا، صحيح أنَّهم لا يجاهرون كثيراً بذلك تلك الأيام لكنَّهم يؤثّرون على السياسة، ولذلك مازال هناك الكثير من التردّد في دعم أوكرانيا، ومن المهم جداً تغيير تلك الأفكار، ونحن نعمل باستمرار على المستوى الديبلوماسي لتحقيق ذلك، وإذا لم تتغيّر فسيكون تأثير ذلك سيء جدّاً على أوروبا وعلى ألمانيا أيضاً، لأنَّ ذلك سيُدمر سمعتها وقيادتها ومصداقيتها، من المهم جدّاً مواصلة العمل الديبلوماسي ونحن نقوم بذلك مع شركائنا الآخرين”.
وتحدث جابلونسكي عن إمكانية إنشاء ائتلاف مُصغَّر من الدول الداعمة لأوكرانيا عسكرياً أو الراغبة بذلك على الأقل، مشيراً إلى أهمية الدور الألماني، وقال: “هناك نيَّة في تقديم دبابات متقدّمة من قبل عدد من الدول الأوروبية، ومن المعروف من يملك دبابات ليوبارد في أوروبا مثل فنلندا وإسبانيا واليونان وغيرها من الدول”. وأشار إلى أنَّ بولندا تتابع العمل مع تلك الدول وعلى ثقة من انضمام العديد من الدول الأوروبية إليها.
هل تخشى بولندا من احتمال فقدانها القدرة الدفاعية؟
وعن احتمال مواجهة بولندا خطر نقص السلاح في ظلّ تقديم الدعم العسكري الكبير لأوكرانيا، أكّد جابلونسكي لـ “أخبار الآن“، أنَّه “في الوقت الذي تقف فيه بولندا إلى جانب أوكرانيا وتزوّدها بالدبابات والصواريخ المتقدّمة، تُعيد إمداد جيشها بالدعم المالي المطلوب للتقدّم. وقال: “رفعنا الميزانية الدفاعية للسنة المقبلة، ستكون أعلى ميزانية دفاعية في تاريخ بولندا، هناك روايات تزعم أنّنا سنبقى من دون أسلحة ووسائل دفاعية للحفاظ على أمننا، لكن أيضاً تلك المعلومات تقوم بنشرها المصادر الموالية لروسيا، لكن في الواقع إذا أعطينا تلك الأسلحة والمعدات لأوكرانيا لدحر العدوان الروسي، فتلك أفضل طريقة لزيادة أمننا، وإذا استُعملت تلك الدبابات لذلك الهدف، فهي لن تقلل من أمن بولندا بل على العكس ستعزّزه”.
بولندا في مواجهة حرب المعلومات الروسية
وتحدَّث نائب وزير الخارجية البولندي بافيل جابلونسكي لـ”أخبار الآن” عن التلاعب الروسي في المعلومات ونشر وقائع مغلوطة، معتبراً أنَّ ذلك موجود حول العالم خصوصاً في العالم العربي والدول الأفريقية وأوروبا. وقال: “يجب أن نبقى يقظين وأن نتذكّر الحقائق دائماً، كما يجب أن نكون حاضرين بشكل دائم ومنفتحين ومستعدّين للإجابة عن الأسئلة الصعبة. ذلك هو نهجنا وسنستمر به، كما أنّنا سنبقى على تواصل مع شركائنا لتوضيح الحقائق وإيجاد سبل للوصول إليها، هكذا سندير نهجنا وسياستنا”.
وأشار جابلونسكي إلى النشاط الروسي اللافت لتوظيف شخصيات أوروبية مقابل المال للترويج لصالح روسيا وتبيض صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد تحدَّث عن وجوب وضع حدّ لذلك ومنعه عبر التحدث علانية ضدّ كلّ من يتقاضى المال من الكرملين لقاء مواقف مؤيدة لبوتين.
وتابع: “إذا كان شخص ما يقدّم رواية مؤيّدة لروسيا، خصوصاً إذا كان يأخذ المال مقابل ذلك، فيجب الكشف عنه ومساءلته أمام الرأي العام، لأنّ إذا كان هناك مَنْ يقوم بذلك، فمن حقّ الرأي العام أن يطّلع على الحقائق، ومن حقّه أن يعرف مَنْ يُمول تلك الجهود التي تُبذل لتحوير الحقائق، نحن في بولندا نقوم بذلك ونتصدى لتلك المعلومات، وفي أغلب الأحيان يصل بنا الأمر إلى نقاش سياسي ساخن، لكن تلك طبيعة التعددية والديمقراطية”.
وفي السياق، شدد على أنَّه من الضروري التواصل مع المواطنين الأوروبيين بشكل مباشر لمنع روسيا من تضليل الحقائق. وأضاف: “نتبادل المعلومات التي نملكها مع شركائنا لتحديد الأنماط والمصادر، ولمعرفة التكتيكات التي تستخدمها روسيا لترويج المعلومات المضللة، ونقوم بتدريب مسؤولينا وأعضاء الدوائر الإعلامية المختلفة والصحافيين، على كيفية ضمان عدم انخداعهم بالدعاية الروسية”.
وتابع: “نحن نقوم بذلك منذ أشهر عديدة، حتى قبل بدء العدوان الروسي، وذلك إجراء فعّال جدّاً، وأعتقد أنّه في بولندا وفي دول أوروبا الوسطى، من الصعب جدّاً العثور على أيّ مصدر إعلامي موالٍ لروسيا لا تتعارض معلوماته مع الحقائق على الفور”.
بولندا: روسيا تجيّش الناس ضد أوروبا
على خط الدعاية الروسية وحرب المعلومات التي تنتهجها موسكو، تحدَّث نائب وزير خارجية بولندا عن حادثة إحراق القرآن الكريم في السويد، تلك الحادثة التي اتضح أنَّ مَنْ يقف خلفها هو صحافي موالٍ لروسيا يعمل مع أجهزتها ويدعى شانغ فريك (Chang Frick). وقال جابلونسكي: “يجب أن يُؤخذ في الحسبان أنّ روسيا كانت تتبع مخططاً لتسويق أفكارها، ونحن شهدنا أمراً مماثلاً في بولندا، فهم ينظمون مجموعات تزعم أنّها وطنية وتدعم بولندا، لكنّها في الواقع قد زُرعت في بلادنا للتسويق لأفكار روسيا ومن أجل خلق الاضطرابات وتجييش الناس ضدّ أوكرانيا، ونحن قد رأينا أمثلة كثيرة على ذلك، وأنا واثق أنّ روسيا تفعل ذلك بعدّة بلدان بما فيها السويد”.
روسيا تنبش الماضي لتقليب البولنديين على أوكرانيا
وشرح جابلونسكي لـ”أخبار الآن” المخطط الروسي داخل بولندا لجعل المواطنين معارضين للسياسة الحكومية الداعمة لأوكرانيا، وذلك عبر جانبين، الأول يتمثل بتسويق مشاعر عامة مناهضة للغرب والاتحاد الأوروبي، فيما الجانب الثاني يتمثّل بنبش الماضي الأليم القائم على القتال بين الشعبين الأوكراني والبولندي خلال الحرب العالية الثانية، أي قبل 80 عاماً.
وقال: “تسثمر روسيا في الخلافات التاريخية بين بولندا وأوكرانيا، حيث كانت هناك خلافات عديدة عبر التاريخ، فنحن جيران ومن الطبيعي أن يحصل ذلك بين الجيران، في الماضي خصوصاً خلال الحرب العالمية الثانية، أيضاً نفذ الأوكرانيون عدداً من الجرائم بحقّ البولنديين ونحن مازلنا نتذكر ذلك ولم تتم المصالحة بعد، لكنّنا نريد الوقوف إلى جانب أوكرانيا في وجه العدوان الروسي”.
بولندا: يجب هزيمة نهج الامبريالية الروسية
وأكّد جابلونسكي أهمية محاربة النهج الإمبريالي الروسي الذي يتمّ توظيفه حالياً لإعادة الهيمنة السوفيتية القديمة على أوروبا، قائلاً: “ذلك ما يفعلونه الروس، فهم يريدون إعادة إحياء الإتحاد السوفيتي والإمبراطورية السوفيتية… ذلك النهج الذي يجب أن نهزمه وإلّا لن تنعم أوروبا بالأمان، وستستمر روسيا في شنّ الهجمات وغزو البلدان، ذلك هو الشرط المسبق لأيّ استقرار في أوروبا لأنّنا ببساطة لن نشعر بالأمان إذا ما استمر وضع روسيا على ما هو عليه، وإذا ما تغيّر شكل الحكومة أو تغيرت من الاتحادية إلى الكونفدرالية أو إلى دولة اتحادية، فذلك الأمر يجب أن يقرّره الشعب الروسي”.
وختم: “الشعب الروسي الآن غير قادر على اتخاذ قرار بنفسه لأنّه تحت سيطرة نظام بوتين، ومن الواضح أيضاً أنّ هناك عدداً كبيراً من الروس يدعمه، مُضيفاً: “من المهم أن تُهزم روسيا وأن تخرج من أوكرانيا التي غزتها، وتُجبر على وقف أعمالها العدوانية تجاه أي بلد”.