الحرب الروسية تلقي بظلالها على الأمن الغذائي العالمي
- بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022
مع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا عامه الثاني، لا يزال العالم متأثرا بهذه الحرب التي تسببت في أزمة عالمية في الأمن الغذائي.
وقالت الخبيرة الاقتصادية بهيئة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة مونيكا توثوفا، إن عامي 2020 و 2021 تأثرا بشدة بـ COVID-19 من خلال القيود المفروضة على الحركات، فكانت فرص كسب العيش محدودة، واستخدمت الدول والحكومات الكثير من الموارد لمساعدة الناس على التغلب على الجائحة في العديد من البلدان.
وأضافت في حوارها مع “أخبار الآن”، أن صدمة الحرب جاءت في فبراير، والتي هددت بإخراج الصادرات من أوكرانيا وروسيا إلى السوق العالمية.
وأضافت توثوفا أنه لا يوجد أرقام محددة للمتضررين غذائيا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، لأن هناك الكثير من العوامل التي تؤثر على انعدام الأمن الغذائي مثل ارتفاع أسعار السلع، وانخفاض القوة الشرائية للسكان. ولكن في الوقت نفسه، هناك مشاكل في الأحداث المناخية، مثل الجفاف في القرن الأفريقي، والذي دخل الآن الموسم الخامس، ويؤثر على الأمن الغذائي على المستوى المحلي أكثر من النزاعات في جميع أنحاء العالم.
وأوضحت الخبيرة الأممية: “لذلك من الصعب للغاية تحديد الحصة التي كانت تُعزى إلى الزيادة في الوضع في أوكرانيا”.
وأكدت الخبيرة الاقتصادية أنه قبل الغزو الروسي كان هناك نحو 828 مليون شخص في العالم يعانون من المجاعة. مشيرة إلى احتمالية زيادة هذا الرقم.
انخفاض الأسعار
وقالت مونيكا توثوفا إن انخفاض أسعار بعض السلع لا يعني بالضرورة انتهاء الأزمة، كما رأينا في عام 2022 ، فقد شهدنا زيادات وانخفاضات.
وأضافت: “على سبيل المثال لو كنت تشتري القمح فقط، فهناك تكلفة نقل، ثم تكلفة العمالة، ثم تكلفة الطاقة التي استخدمت في طحن الحبوب وتحويلها إلى قمح. لذلك كل هذه التغييرات لها تأثير على السعر الذي يدفعه المستهلكون، مقابل دقيق القمح، ولكن بالنسبة للمنتجات الأخرى، فإن حصة السلعة الفعلية في المنتج النهائي تكون أقل. لذلك يكون لديك كل هذه التكاليف الأخرى التي تغيرت في عام 2022 بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والتي لها تأثير على الأسعار التي يدفعها المستهلكون وعلى التضخم”.
انهيار الاقتصادات
وقالت مونيكا توثوفا إنه في عام 2022 المشكلة الكبرى لم تكن في إذا كانت المواد الغذائية متوفرة أم لا؟ بل كانت المشكلة في الدول التي تعاني من مشاكل في ميزان المدفوعات، ورأينا كيف ارتفع الدولار الأمريكي إلى أعلى مستورياته بينما انخفضت عملات دول أخرى وانهارت وهذا أثر على قدرة هذه الدول في الشراء ودفع ثمن البضائع”.
تحذيرات ومخاطر
حذّر سفين توري هولسيثير، رئيس شركة يارا – إحدى أكبر شركات الأسمدة في العالم – من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “يستخدم الغذاء كسلاح“، مشيراً إلى أن تأثير ذلك أصبح ملموسًا في جميع الدول، خاصة وأن 50% من أسمدة العالم – وفقًا لخبراء – تأتي من روسيا.
وبسبب الغزو الروسي، بلغت أسعار الأسمدة العالمية مستويات قياسية، فيما أجبّرت المزارعين على رفعِ أسعار المواد الغذائية، الأمر الذي يضغط بشكل كبير على المستهلكين ويغرقهم في أزماتٍ اقتصادية كُبرى.
تحذير رئيس شركة يارا، جاء في أعقاب قلق صندوق النقدِ الدولي، إذ حثّت مديرة الصندوق بوقتٍ سابق، العالم على توجيه جهوده وانتباهه إلى الأسمدة، كونها المجال المعرض لتهديداتٍ خطيرة، تخص إنتاج الغذاء.
وأضافت: “لا تزال أسعار الأسمدة مرتفعة للغاية، فعلى سبيل المثال تقلص إنتاج الأمونيا التي تستخدم في صناعة الأسمدة في الاتحاد الأوروبي بشكل كبير.. كل هذا مرتبط بالطبع بتأثير الحرب الروسية على أسعار الغاز، وتوافر الغاز”.
لماذا تأثّر العالم بالحرب الروسية؟
وشكّلت روسيا وأوكرانيا 10% و3% من إنتاج القمح العالمي في المتوسط خلال السنوات الخمس الماضية على التوالي بحسبِ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (oecd).
وتعد روسيا وأوكرانيا أول وخامس أكبر مصدرين للقمح، حيث تمثلان 20% و 10% من الصادرات العالمية، على التوالي.
وبحسب خبراء الاقتصاد، فإن الزيادات الحادة في كُلفة إنتاج الأسمدة، يُمكن أن يؤدي إلى انخفاض إنتاج الغذاء.
وبحلول نهاية العقد الحالي، وإذا استمرت الحرب على هذا النحو، فسوف تكون هناك حاجة ملحة إلى زيادة مساحة الأراضي الزراعية، بما يعادل مساحة جزء كبير من أوروبا الغربية لتلبية الطلب العالمي.
من روسيا وأوكرانيا للعالم
أوكرانيا هي إلى حد بعيد أكبر ضحية اقتصادية لـ”الغزو الروسي”، وربما يكون ما يصل إلى ثلث سكانها قد نزحوا في نفس الوقت الذي انخفض فيه الناتج الاقتصادي بنسبة مذهلة بلغت 35٪، وفقًا للتقديرات الأخيرة.
عانت البنية التحتية للبلاد من أضرار واسعة النطاق وطويلة الأمد، وتضرر ما يصل إلى 40% من قدرة توليد الكهرباء في أوكرانيا بشكل خطير، حتى مع وجود مساعدات اقتصادية دولية هائلة بعد الحرب، سوف تستغرق أوكرانيا عقودًا لاستعادة مستوى إنتاجها قبل الحرب.
كما تشير التقديرات إلى تقلص الاقتصاد الروسي بنحو 3% في عام 2022، بسبب تضرر موارده المالية العامة بشدة بسبب التكلفة الباهظة للحرب، مما دفع هذا العديد من المحللين إلى القول بأن روسيا قد تكون على أعتاب عقد اقتصادي ضائع.
على الرغم من أن روسيا وأوكرانيا يشكلان جزءًا صغيرًا من الاقتصاد العالمي، إلا أنهما لهما تأثير كبير على الاقتصاد العالمي من خلال تشكيل جزء كبير من إمدادات الطاقة والغذاء والأسمدة في العالم. في عام 2019، بلغت حصة روسيا من واردات الغاز والنفط والفحم الأوروبية 40% و 25% و 45% على التوالي، وفي الوقت نفسه، استحوذت روسيا وأوكرانيا على 25% من واردات القمح في العالم.
كان الارتفاع المفاجئ في أسعار الطاقة والغذاء الدولية هو آخر شيء يحتاجه الاقتصاد العالمي في وقت كان فيه التضخم يرتفع بسرعة بالفعل نتيجة لاضطرابات سلسلة التوريد والاستجابة المفرطة للسياسة النقدية والميزانية للركود الناجم عن فيروس كوفيد.
ساهمت هذه الارتفاعات في أسعار الطاقة والغذاء في ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ عدة عقود بنسبة 9% في الولايات المتحدة وأكثر من 10% في أوروبا.
مع قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي الآن بالضغط بشدة على السياسة النقدية لاستعادة السيطرة على التضخم، هناك خطر حقيقي يتمثل في أن كلا من الولايات المتحدة وأوروبا قد تشهد ركودًا حقيقيًا في وقت لاحق من هذا العام.