جماعة الشباب تستغلّ النساء وتهرب تاركةً الأطفال بمفردهم عند دخول القوات الحكومية
هي واحدة من أكثر النساء تاثيراً في المجتمع الصومالي، وتعتبر من أبرز الوجوه النسائية على الساحتين السياسية والأمنية، التي تعمل على محاربةً الفكر المتطرّف المتمثل في الصومال بجماعة الشباب، سعياً إلى تدمير نهجها الذي يزجّ المجتمع في التهلكة.
إنّها الجنرال زكية حسين (Zakia Hussen)، نائب مفوض الشرطة الصومالية، التي فرضت نفسها في قلب المعادلة الوطنية في مواجهة جماعة الشباب الإرهابية، وقد نجحت في تبوء منصبها الحالي الذي يجعل منها أوّل إمرأة مسلمة وعربية تتولى ذلك المنصب رفيع المستوى.
أخبار الآن أجرت لقاءً خاصاً مع حسين، تمّت خلاله مناقشة حرب الحكومة الصومالية الشرسة على جماعة الشباب، التي تسببت بقتل آلاف الأبرياء في عدد من بلدان القرن الأفريقي. وهي اليوم تعتبر الأكثر تمويلاً بين الجماعات الارهابية.
الشعب هو من يقود الحرب الدامية لانهاء جماعة الشباب
شرحت حسين لـ أخبار الآن حيثيات الحرب التي تخوضها الصومال اليوم على جماعة الشباب، مؤكّدة أنَّ المواطنين يقودون تلك الحرب لا القوات العسكرية أو الشرطة الصومالية المدعومة من القوات الأفريقية وغيرها من البلدان، التي تشارك الصومال حربها على الجماعة.
وقالت: “لا يجدي نفعاً إشراك القوات العسكرية في قتال عناصر جماعة الشباب إنْ لم يرغب المجتمع نفسه بالقضاء على تلك الجماعة، التي أنهكت الناس وقتلتهم وأعدمتهم ونفذت عمليات إجرامية كثيرة بحقّهم”.
وأوضحت حسين أنَّ الحكومة استغلّت انتفاضة الشعب على الجماعة التي باتت مُلقبة بـ”الخوارج”، إذ أنَّ الدولة الصومالية بأجهزتها الرسمية تلقَّفت انتفاضة الشعب الصومالي بوجه سلطة جماعة الشباب التي تسيطر على بعض المناطق منذ العام 2007، لتتدخل في تلك المناطق عبر التعاون مع المواطنين لتحرير الأقاليم القابعة تحت سيطرتها وضمّها إلى الدولة.
هل ثمة ما يضمن عدم تسلل جماعة الشباب مجددا إلى المناطق المحررة؟
في غضون أشهر قليلة، استطاع الصومال أن يُحقق تقدما بارزا في حربه على جماعة الشباب وذلك عبر تحرير أقاليم مهمة من قبضة الجماعة التكفيرية المنحرفة، كما يحلو للصوماليين تسميتها.
بين تلك المناطق والأقاليم تأتي مدينة هرارديري (Haradhere) التي كانت خاضعة لسلطة الجماعة لسنوات طويلة ووفرت لها موارد مالية كبيرة.
عن تلك المدينة وغيرها من المناطق والأقاليم المُحررة، أكَّدت حسين أنَّ الدولة لا تترك تلك املناطق بعد التحرير ولا تتقاعص لجهة واجبها في تأمين مطالب أهل تلك المناطق التي كانت محرومة لسنوات من أبسط الحقوق والخدمات الرئيسية بسبب جشع جماعة الشباب وارهابها.
وقالت حسين في السياق: “أتت الحكومة إلى تلك المناطق ببرنامج استقرار واضح وواسع النطاق، حيث يتم توفير التعلّم في المناطق المحررة وتأمين ضرورات الحياة من مياه وصرف صحي وكل الأساسيات”.
وأضافت: “الجيش يُحرّر، والشرطة تمسك بزمام الأمور، ثمّ يأتي دور الوزارات، فتقدّم وزارة الصحة المستشفيات والمساعدات الطبية للأهل، والمساعدات الطارئة، فيما تقوم وزارة التربية ببناء المدارس وأماكن التعلم بالتعاون مع الشركاء الدوليين”.
التعامل مع سكَّان المناطق المحرّرة أمر صعب
لم تخفِ الجنرال حسين في حديثها مع أخبار الآن صعوبة اقناع سكان المناطق التي قبعت لأكثر من 15 عاما تحت سلطة جماعة الشباب، بمنطق الدولة وصوابية التخلي عن الفكر المتطرف الذي قتل الآلاف في الصومال وبلدان القرن الأفريقي. وقالت في السياق، إنَّ الجهات الرسمية تتعامل بدقة وحذر مع سكان هرارديري وآدن يبال (Adan Yabal) على وجه الخصوص، حيث يوجد جيل كامل لا يعرف إلا أيديولوجيا الخوارج وحياتهم، فلم يكن هناك لا تعليم ولا مدارس ولا مساجد لهم ولا شبكة للانترنت بالتالي كانوا على انقطاع تام مع العالم، ومع مناطق أخرى في البلاد.
وأشارت حسين إلى أنَّ كبار الضباط يقومون بالتحدث مع المواطنين ويتفاعلون معهم بشتى الطرق لكي يقولون لهم إنَّهم ليسوا كفارا كما كانت تصف جماعة الشباب كل مَن لا يمتثل لأوامرها ويتبعها.
وقالت: “مقاتلو جماعة الشباب يهربون عند وصول الجيش الصومالي لعدم قدرتهم على الدخول في معركة بوجه القوات الصومالية، ويتركون أولادهم وزوجاتهم الذين يخافون منَّا لأنهم لا يعرفون عنَّا إلا ما قاله عنا الخوارج، إلا أنّنا نبقى ونتفاعل معهم ولا نرحل من المنطقة”.
مَن يمول جماعة الشباب؟
في سياق متصل سألت أخبار الآن الجنرال زكية حسين عن مصادر تمويل جماعة الشباب، ليتضح لنا أنَّها لا تتجار بالدين فحسب، بل هي أيضا تتاجر بالممنوعات. وتقول حسين في الاطار: “جماعة الشباب ليست مجموعة ارهابية فحسب، بل هي مافيا منظمة متورطة بتجارة المخدرات والاتجار بالبشر وغيرها من الأنشطة الاجرامية الموجودة في العالم”.
وأكَّدت في حديثها على أنَّ جماعة الشباب هي الجهة الأبرز لجهة الاستفادة من اقتصاد الحرب الاهلية التي اندلعت في الصومال العام 1991. فقد بسطت الشباب سيطرتها آنذاك على المناطق الأكثر خصوبة في البلاد، ألا وهي آدن يبال وهرارديري، وأسفل شبيليه (Lower Shabelle)، في خضّم الاقتتال القبلي الذي استمر لعقود، وقد أجبروا المزارعين في تلك المناطق على زراعة الماريجوانا بدلا من السكر وغيره من المزروعات التي كانت رائجة في القطاع الزراعي.
اليوم، تنجح القوات الصومالية المدعومة من التحالف الأفريقي والقوات الأمريكية وغيرها على استعادة عددا واسعا من تلك الأراضي عبر طرد عناصر الشباب منها. ولكن، توضح جنرال حسين لأخبار الآن أنَّ الشباب تستمر في تفجيراتها المتفرّقة في العاصمة خصوصا، بسبب اتباعها استراتيجية جديدة قوامها استغلال المرأة.
كيف تستغل الشباب حرمة المرأة المسلمة؟
في الاطار، شرحت زكية حسين الخطة التي تتبعها جماعة الشباب الارهابية للتحايل على لاجراءات الحكومية المتخذة لتجفيف منابع المال. وقد قالت: “في البدء صورت حركة الشباب نفسها على أنها مجتمع ذكوري، وقالوا أن على النساء البقاء في المنازل وأن يكونوا كالبدو ويلدوا (المجاهدين)، وكان ذلك دور النساء بالنسبة لهم، أما اليوم يستغلون النساء لتأمين المداخيل المالية لأننا في مجتمعنا لا نستهدف النساء، لأنَّهن من المحرمين، أي لديهم مكانة خاصة، وهن محرمات، لذلك تقوم جماعة الشباب باستخدام النساء للترويج وبيع بضائع الجماعة وموادها داخل المناطق الحكومية على اعتبار أنَّ أحد لن يسأل المرأة عن مصادر تلك السلع أو المواد التي تعرضها للبيع.
حسين، أكَّدت أن الحكومة تحركت فور اكتشافها ذلك لأمر، وقالت: “بدأنا نستهدف تلك النساء عبر النساء الموجودات في القوات الشرطية والأمنية وعبر مدنيات تحت قاعدة المرأة بالمرأة وأبلغنا نساء جماعة الشباب أنَّنا لن نميز تعاملنا معكم عن تعاملنا مع عناصر جماعة الشباب إلا إذا أنتنَّ قررتن ترك الجماعة”. وتُضيف متوجهة إلى جماعة الشباب: “إذا لجأتم إلى النساء فالنساء ستتدخل وإذا لجأتم إلى الرجال فالرجال ستتدخل، وإذا لجأتم الى الشباب فالشباب سيتدخلون”.
إلى جانب ذلك، أطلقت الحكومة الصومالية حملة واسعة لتعليق الحسابات المالية لعناصر الجماعة وقد أعلن وزير المالية خلال تواجد أخبار الآن في مقديشو، عن تجميد مئات الحسابات المصرفية التي كانت تزوّد الشباب بالمال. والحكومة اليوم تتعاون مع التجار الصوماليين بدقة وعن كثب لاقناعهم بعدم الخوف من الجماعة والرضوخ أمام تهديداتهم بتفجير متاجرهم إذا لم يعطوا أموالهم للجماعة. وبحسب معنيين في ذلك الشأن، زاد تمويل الجماعة بعد تفجير تقاطع زوبي الشهير العام 2017 في 14 أكتوبر، لأنَّ ذلك التفجير أخاف تجار العاصمة كثيراً لأنَّه ضرب عصب البلاد وقتها.
أخبار الآن زارت تقاطع زوبي خلال تواجدها في مقديشو. وهنا المزيد عنه وعن حيثيته.
بالحديث عن استغلال جماعة الشباب الارهابية لحرمة المرأة بهدف تأمين مداخيل للعمليات الارهابية، تناولت الجنرال زكيَّة في حديثها مع أخبار الآن الانشقاقات الهائلة التي تشهدها الجماعة في صفوف النساء اللواتي يقارنَّ بين المعاملة السيئة التي يلقونها من عناصر الجماعة مقابل الدور الذي تلعبه المرأة في الدولة الصومالية.
وتقول في السياق: “لم يعد بوسع الجماعة السيطرة على نسائها، لأن النساء يقولون لهم بما أن نساء “الدولة” أصبحن مأمورات وجنرالات ووزراء فلماذا نحن نُعامل بهذه الطريقة السيئة؟، لذلك أتت إلينا العديد من النساء، والآن لجأت إلينا أعداد كبيرة من المنشقات اللواتي سَئمنَ من الجماعة”. وأضافت، “نحن نقوم بتوعية نساء الجماعة ونقول لهنَّ أن رجال جماعة الشباب لا يكترثون لأمركم وكل ما يريدونه هو الموت لكي يحصلون على حور العين في الجنة”.
أخبار الآن سألت زكية حسين، التي اشتهرت في السنوات الأخيرة لكونها المرأة الأكثر تحديا ومواجهة لجماعة الشباب، عن الرسالة التي توجهها الدولة الصومالية للشباب عبر اسناد المنصب الشرطي الذي تتولاه زكيَّة إلى امرأة. وقد قالت في السياق: “منصبي وعملي يتعارضان مع كل ما تؤمن به جماعة الشباب، واستفزهم لأنني مرأة مسلمة ومحافظة ترتدي الحجاب وتعمل في الشأن الأمني والسياسي، ولكن تلك هي رسالة الاسلام للمرأة عكس ما تروج له جماعة الشباب الكاذبة”.