رأس هيئة العلماء في الصومال في مواجهة مستمرة مع جماعة الشباب الإرهابية… الشيخ بشير أحمد صلاد (Bashir Ahmad Salad) الذي أسّس الهيئة مازال في عين الخطر فيما تنتظر الجماعة الفرصة لاستهدافه فيما كانت ردّت على جهود العلماء لكشف زيفها، بقتل إثنين من رفيقه… فماذا يقول الشيخ صلاد عن مسار الهيئة وجهودها المتواصلة في مواجهة جماعة الشباب التي تواصل السعي للنيل من بنية المجتمع الصومالي؟
نبذه تاريخية سريعة
الجماعة التي تأسست العام 2006 بادعاءات كاذبة تهدف لإقامة خلافة في البلاد، ولطالما قوبلت برفض كبير من قبل المجتمع الصومالي، إلا أنَّها نجحت في بسط سيطرتها على البلاد مستفيدةً من ضعف الحكم بسبب الحرب الأهلية التي كانت قد اندلعت في البلاد العام 1991، بين زعماء القبائل الصومالية البارزة والتي استمرت حتى مطلع الألفية الثالثة.
بين العامين 2009 و2011 سيطرت جماعة الشباب على معظم الأقاليم والمدن الصومالية، ضمنها العاصمة مقديشو التي احتلت فيها الجماعة 10 ضواح من أصل 16. وقتذاك، كانت الجماعة تحقق أعلى المداخيل لها بسبب الاستحواذ على أكثر الأراضي خصوبةً في الصومال.
حكمت الجماعة وقتها بالسيف، معتمدة سياسة القتل والاضطهاد وتصفية كل من يعارضها. ومع ذلك، كان هناك مَن وقف في وجهها خصوصاً من صفوف علماء الدين، وأبرز هؤلاء الشيخ بشير أحمد صلاد، عالم الدين الذي تخرَّج من أكبر المؤسسات الدينية الاسلامية في باكستان وعاد إلى الصومال ليلعب منذ العام 2009 دوراً محورياً في الحرب على جماعة الشباب.
العام 2009، أسَّس الشيخ صلاد إلى جانب كل من الشيخ الدكتور حاجي عبد الرحمن والشيخ عبد القادر نور فارح هيئة علماء الصومال لكي تكون التجمع الديني الأبرز في البلاد، الذي يعمل على توعية رجال الدين حول مخاطر تصديق أكاذيب جماعة الشباب والاستسلام لها.
أخبار الآن التقت صلاد في فندق الجزيرة بالعاصمة مقديشو، حيث الاجراءات الأمنية مشددة بشكل دائم، وقد تحدَّث الشيخ صلاد عن تفاصيل مهمة حول حربه ودوره في مواجهة جماعة الشباب.
الشباب يقتلون اثنين من مؤسسي هيئة العلماء ويحاولون النيل من رئيسها
في البداية، تحدّث صلاد عن الهدف وراء تشكيله إلى جانب الشيخين عبد الرحمن ونور فارح هيئة علماء الصومال المعروفة أيضاً بمجلس علماء الصومال، وذلك في العام 2009 عندما استفحلت الجماعة ببطشها وتحريفاتها. وكشف أبرز الأسباب التي دفعته منذ ذلك الوقت، ليكون رأس الحربة بوجه الجماعة، وأوّلها نهج قتل العلماء الذي اتبعته الجماعة ردّا على كل من يعتلي المنابر لتكذيب ادعاءاتها، لاسيما إن كانوا هؤلاء من رجال الدين.
الجماعة قتلت الشيخين عبد الرحمن ونور فارح اللذين ساهما في تأسيس هيئة العلماء إلى جانب صلاد. مسرح الجريمة في الحالتين يرتبط بالمسجد. وهنا روى صلاد لـ”أخبار الآن“: “من أوائل شهداء جماعة الشباب في صفوف العلماء هما الدكتور حاجي عبد الرحمن الذي قتلته الجماعة نهاية العام 2011، بعد أن تتبعته أثناء خروجه من المسجد في بلدته ومن ثم طعنته”. وتابع: “جريمة قتل عبد القادر نور فارح كانت أفظع إذ قتلوه يوم الجمعة في صلاة العصر داخل مسجد في مدينة غارو بعدما رفع من الركوع، فجاؤوا من ورائه ودخلوا عليه ليطلقوا عليه الرصاص من الخلف”.
واستذكر صلاد محاولة اغتياله التي أتت بعد اغتيال كلّ من عبد الرحمن ونور فارح بأشهر قليلة، تحديداً في 9 أبريل 2009. يومها وبعد أن فشلت جماعة الشباب في وقف نشاطات صلاد التوعوية ومؤتمراته في ذلك السياق، وكذلك حركته المستمرة بين مختلف الأقاليم الصومالية، قرّرت القضاء عليه عبر عبوة ناسفة زرعتها داخل سيارته لتنفجر بعدما استقلها بوقت قليل، وذلك في حي هودن الواقع جنوب العاصمة مقديشو.
وأكَّد صلاد أنَّ جماعة الشباب هي التي كانت خلف محاولة اغتياله، معتبراً أنَّ ذلك ليس باتهام بل هو ما أظهرته التحقيقات التي أجرتها السلطات الرسمية في الصومال. ويقول: “ذنبنا الوحيد أننا تكلمنا بكلمة الحق وقلنا لهم اتركوا تكفير الناس واستهداف المسلمين وقتلهم وسرقة أموالهم”.
علماء الصومال يعتبرون القضاء على الشباب واجباً دينياً
لقاء “أخبار الآن” مع الشيخ بشير أحمد صلاد والشيخ سلطان عبدالغني القُرَني تناول الأسباب التي جعلت من هيئة علماء الصومال الأكثر كرهاً من قبل جماعة الشباب. وقال صلاد إنَّ “جماعة الشباب مستعدة لمصالحة كل رجال الدين إلّا أنا، فهي ترسل لي تهديدات مستمرة عبر أشخاص أعرفهم، إلّا أنّني وأعضاء الهيئة لن نتراجع عن معركتنا بوجهها لأنّهم يقتلون باسم الدين ويشوهون صورة الاسلام الحقيقية.
وأردف صلاد: “لما رأينا أنَّ تلك الفرقة أو الطائفة تستهدف الإسلام وتشوه سمعته وجماله وتسدّ الناس عن سبيل الله سبحانه وتعالى وتستبيح دماء المسلمين، قمنا بواجبنا في تبيان حقيقتهم وكشف ما هم فيه من انحراف وتطرّف، فكان لا بدّ من أن نخوض تلك المعركة لأنّها معركة دينية وواجب ديني ومن ثم واجب وطني لن نحيد عنه”.
تنظر جماعة الشباب إلى هيئة علماء الصومال من جانب الحقد، كما وصفها لنا أحد منشقي الجماعة. وحقدها ذلك على هيئة تضمّ أكثر من 300 شخصية تثور ضدَّها، يزداد يوما بعد آخر خصوصاً مع تبدّل الموقف السياسي في البلاد، من متغاض عن المناطق القابعة تحت سلطة جماعة الشباب كما كانت سياسة الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو (Mohamed Abdullahi Farmaajo)، إلى سياسة قوامها تحرير كلّ تلك المناطق، كما هو الحال اليوم مع الرئيس حسن شيخ محمود (Hassan Sheikh Mohamud).
واقع دفع عناصر الجماعة في بعض المناطق للاختباء في حفر وكهوف كما أظهرت صور حصرية لأخبار الآن التقتها المصور الحربي عبد القادر عيسى في عدد من القرى التي دخلتها القوات الرسمية مؤخرا في إقليم شبيلي (Shabeelah) تجدونها في الأسفل.
الشيخ سلطان عبد الغني قرني شرح لـ “أخبار الآن” تبدل موقف علماء الدين تجاه جماعة الشباب الارهابية، معتبراً أنَّ المواجهة بينهم وبين رجال الدين مرَّت بـ3 محطات رئيسية توثّق تبدّل خطاب رجال الدين تجاه جماة الشباب.
المحطة الأولى كانت في العام 2013 حينما أعلنت الهيئة أنّ جماعة الشباب قريبة إلى فكر وعادات الخوارج. من ثمّ، في العام 2019 حيث عقد اجتماع آخر للعلماء صدر عنه فتوى أعلنت إدراج جماعة الشباب ضمن الخوارج ودعت الناس للانشقاق الفوري، وفي مطلع العام 2023 عقدت الهيئة اجتماعاً ثالثاً كبيراً حضره مئات العلماء من المقيمين وغير المقيمين ورئيس البلاد وصدر عنه سحب كل أنواع الشرعية لعناصر الجماعة ورفع الغطاء عن كل من ينتمي إليها أو حتى يتعاطف معها وتم وصف الحرب ضدَّها بالجهاد وهكذا أصبحت نظرة علماء الصومال لهم الذين باتوا يعتبرونها أسوأ من الخوارج.
هيئة علماء الصومال وعلى رأسها الشيخ صلاد ترى أنَّ الجماعة غير صومالية ولا تمت للصومال بصلة رغم كون أبرز قياداتها وعناصرها صوماليين. إلا أنَّ تفريغ الهيئة للجماعة من هويتها الصومالية يأتي استنادا لعدم ايمان الجماعة بالصومال كوطن وعدم اكتراثها بالصومال وسيادته وضرورة وجود دولة مستقلة فيه
تواصل سرّي مع القاطنين تحت سيطرة الشباب
تتواصل هيئة علماء الصومال مع القاطنين ضمن المناطق التي مازالت تحت سيطرة جماعة الشباب، إنما يكون ذلك سرياً. وقد شرح عضو الهيئة الشيخ القرني في حديثه عن واقع القاطنين ضمن مناطق سيطرة الشباب. فالأعداد التي تريد الانشقاق هائلة ولكن القبضة الحديدة التي تتحكم بهؤلاء تشتدّ كل يوم لاسيَّما مع تقدم القوّات الرسمية المدعومة من القوات الأفريقية.
كذلك، يؤكّد الشيخ صلاد لـ”أخبار الآن” الذي لم يتوقف تواصله مع العديد من الصوماليين الموجودين في مناطق سيطرة جماعة الشباب، أنَّ أحداً اليوم ليس مقتنعاً بالجماعة أو فكرها أو رؤيتها للأمور. ويؤكد أنّ سياسة القتل وحدها التي تجعل مَنْ بقي في مناطق الشباب ساكتًا دون المغادرة.
ويقول صلاد: “هناك من يعيش معهم مجبراً أو مكرهاً ولا يستطيع الذهاب إلى مكان آخر، لكن ليس هناك من يقتنع بأفكارهم. هم يعتمدون على التجنيد الإجباري ويزجون الناس في المعارك غصباً عنهم ويأخذون أموالهم غصباً عنهم ويعيشون حياة كلَّها إكراه وجبروت وطاغوتية”.
وشرح لنا صلاد كيف أنَّ الناس الذين مازالون تحت رحمة الشباب اكشتفوا أنَّ أفراد الجماعة لا يصلّون ولا يتقيّدون بأصول الدين ولا يمارسون شيئاً، بل كل ما يريدونه هو السلطة على مبدأ قانون الغاب. وفي السياق سأل صلاد: “هل ثمَّة اليوم وفي العام 2023 من لا يؤمن بالدولة ويريد الفوضى؟
“اقضوا على الإرهاب”
في ختام حديثه لـ “أخبار الآن“، وفي ظل تغلغل الجماعة سرّاً في مدينة مقديشو وتعمّدها قتل المناهضين لها بعمليات خاطفة، يؤّكد الشيخ صلاد مواصلة عمله وجهوده في سبيل مكافحة جماعة الشباب في إطار المساهمة في القضاء عليها، وقد يرى صلاد نفسه مسؤولاً عن التوعية في الصومال وخارجه. ويعتبر أنّ عليه تنبيه كل المسلمين من خطورة تصديق التطرف على اختلاف جماعاته وفروعه واجب