تنقلت “أخبار الآن” في لقائها هذا، من الحديث عن التتار المسلمين في ليتوانيا، وفشل روسيا في التعاملِ معهم في أوكرانيا كقيمة مضافة، إلى حسابات أوروبا الأمنية، وموقف ليتوانيا جارة بيلاروسيا التي يعتبرها بوتين مقاطعة روسية، وصولاً إلى الحديث عن مستقبل الحرب وآداء القادة الأوروبيين، وخطر انتشار الصراع خارج حدود أوكرانيا، إضافة إلى الخطوط العريضة لسلام دائم بين روسيا وأوكرانيا.
سيمونيته: روسيا أخطأت بالتعامل مع تتار أوكرانيا وحاولت محو هويتهم
تقول إنغريدا سيمونيته (Ingrida Šimonytė) إنّ “الدولة الليتوانية رحّبت بالتتار وغيرهم من الجنسيات المختلفة، عندما أتوا منذ عقود للعيش في ليتوانيا، حيث نرحب بأيّ شخص نواياه سليمة بغض النظر عن نشاطاته ومعتقداته وانتمائه، كما أنّ بوسع الجميع أن يصبح فرداً من المجتمع. لذلك نحن فخورون أنّ السكان من مختلف الجنسيات حاربوا من أجل بلدنا على مرّ العصور”.
وتابعت: “بالنسبة لروسيا الأمر مختلف، فمنذ أيّام موسكوفيا كان مفهوم الإمبراطورية هو الإندماج – الغزو والاندماج – وكلّنا يعلم ماذا حصل إبّان عهد ستالين عندما تمّ إرسال مَنْ ينتمون إلى جنسيات مختلفة إلى بلاد أخرى. وذلك حصل أيضاً من قبل أيّام الإمبراطورية، حيث تمّ إرسال الشعوب إلى سيبيريا أو إلى مناطق بعيدة أخرى، ذلك حصل مع الشيشانيين، مع الانغوش، مع التتار، مع القرميين، مع تتار القرم الذين لا يتعرضون لتلك المعاملة عبر التاريخ الحديث للمرة الأولى. وذلك حصل معنا أيضاً، كانت هناك محاولة لدمجنا وإخضاعنا للحضارة الروسية، وكان هناك حظر على اللغة الليتوانية والصحافة الليتوانية، وهناك عدّة أمثلة حصلت منذ نشوء الإمبراطورية الروسية، فذلك ليس بالأمر الجديد”.
نشر الأسلحة النووية والحسابات الأمنية لأوروبا؟
بالانتقال إلى موضوع الأسلحة النووية، كانت ليتوانيا دعت إلى فرض عقوبات جديدة على موسكو ردّاً على تهديدات روسيا بوضع أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا. وردّاً على حجم التهديد الحقيقي، قالت رئيسة وزراء ليتوانيا في حديثها لـ”أخبار الآن”: “نعلم أنّ هناك أسلحة نووية موجودة في أماكن يمكنها من الناحية التقنية الوصول إلى أهداف مختلفة في أوروبا، ليس فقط الموجودة في بيلاروسيا ولكن تلك المتواجدة في الأراضي الروسية، لكنني أعتقد أن الإشارة السياسية خطيرة للغاية، لأنّه منذ بضعة أيّام كان بوتين والرئيس الصيني تشي جينبينغ يتناقشان بذلك الأمر وقد أصدرا بياناً يقول إنّه يجب أن لا يقوم أحد بوضع أسلحة نووية خارج حدود بلده، لكن بعدها ببضعة أيّام أعلن بوتين أنّه سيضع تلك الأسلحة في بيلاروسيا، وهو بذلك اعتبر أن بيلاروسيا هي جزء من أرضه مع أن سيادة بيلاروسيا معترف بها، وهو يُسوق لفكرة اقتراب وجود تلك الأسلحة من حدود بلاد الناتو، وتلك هي الطريقة التي تتبعها روسيا عادة من أجل رفع منسوب التوتر، عندما لا يكون هناك المزيد من الحجج، يقوم شخص ما بإخراج السلاح النووي ووضعه على الطاولة، وذلك أمر متهوّر تماماً لكن لسوء الحظ هكذا تتصرف روسيا”.
سيمونيته: كل تصرّف غير مدروس من بيلاروسيا سيزيد الوضع سوءاً
وردّاً على سؤال حول كيف يمكن لنشر الأسلحة النووية التكتيكية الروسية في بيلاروسيا أن يغيّر الحسابات الأمنية لأوروبا، أوضحت أنّ “الوضع في أوكرانيا وحول أوكرانيا غيّر بالفعل الوضع الأمني للمنطقة، وللأسف ليس للأفضل لأن الأحداث التي شهدناها منذ نهاية العام 2021 ومنذ بداية ذلك الغزو في 24 فبراير، أظهرت أنّ بيلاروسيا أصبحت أرضاً عسكرية روسية، وليس لدى روسيا الكثير لتفعله لاستغلالها في مساعيها لأنّ غزو أوكرانيا بدأ من الأراضي البيلاروسية، على الرغم من أن القوات البيلاروسية لا تشارك في القتال، لكن بيلاروسيا تقدم الأرض والمباني والتدريبات للجنود الروس، كذلك تقدم الأسلحة للجيش الروسي، هم يشاركون في تلك الحرب ولذلك السبب تدهور الوضع بشكل كبير، وكل تصرف غير مدروس سيزيد الوضع سوءاً، وذلك لا يختلف كثيراً عمّا شهدناه منذ قرّر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أن يبقى في السلطة بالقوّة متحدياً إرادة الشعب، وهذا اقترب من أن يصبح دولة تابعة لروسيا”.
ويبدو واضحاً أنّ روسيا تتعامل مع بيلاروسيا ليس كحليف ذي سيادة، ولكن كدولة تابعة لا تتمتع باستقلالية حقيقية في اتخاذ القرار، وبالتالي يمكن القول إنّ موسكو تخاطر بتقويض “الدمية” الموالية لها، اي لوكاشينكو، من خلال إذلاله بمواصلة بأفعالها الأحادية”.
وفي السياق، أكّدت سيمونيته أنّه “من الصعب جداً فهم ما الذي يدور في عقل لوكاشينكو، فهو يقول أيّ شيء، لكن موقفه حيال الأسلحة النووية كان لافتاً، إذ أنّه لم يعلق أبداً على الأمر في الأيّام الماضية، وربّما ذلك يدل على أنّه تفاجأ بما أعلنته روسيا عن قوتها النووية وعن نشر أسلحتها النووية على أراضي بيلاروسيا. ويبدو أن الكرملين لا يهمّه أن ينسق أو يتفاوض أو يناقش الأمر، ما يُشكل تحدّياً كبيراً للمجتمع البيلاروسي لأن سيادة بلدهم تتضاءل شيئاً فشيئاً”.وتابعت: “أعتقد أن بلداناً كروسيا وبيلاروسيا تقوم بعمل تعتقد أنّه ذكي، من وجهة نظرها، فهاتان الدولتان تستثمران بكثافة في القوى التي تم إنشاؤها للحفاظ على السلطة، وهما لا يكترثان كثيراً لأمر الشعب ومعيشته والخدمات الطبية والتعليم والبنى التحتية وغير ذلك، لكنهما تستثمران بكثافة في الأمور التي تدعم موقعهما”.
سيمونيته: لوكاشينكو لا يملك أيّ شرعية
وتتصدر ليتوانيا الدعوات لتقديم دعم أقوى إلى أوكرانيا، وهنا أوضحت المسؤولة الليتوانية أنّ “موقف ليتوانيا هو نفسه على مرّ السنين”، قائلةً: “نحن نؤمن أن الشعب البيلاروسي هو مَنْ يقرر مستقبله، ونحن نعلم أنّه حصل تزوير في الإنتخابات الأخيرة، لوكاشينكو سرق الرئاسة وهو لا يملك أيّ شرعية، وروسيا هي من تبقيه في منصبه. أنا بالطبع أفضل أن يحصل تغيير ديمقراطي يشبه ما حصل في بلدنا بالرغم من أننا خسرنا الكثير من المواطنين الذين ماتوا دفاعاً عن استقلال البلاد في العام 1991، عندما أرسلت روسيا قواتها إلى فيلنيوس وقاموا بقتل السكان، لذلك من الأفضل حصول تغيير بطريقة ديمقراطية في بلد قريب منا، ولشعبه مكانة خاصة لدينا على مر العصور”.
سيمونيته تعدّد ما الذي يجب أن تقدمه أوروبا
وعن حجم الدعم الذي يقدّمه المجتمع الدولي لأوكرانيا، قالت سيمونيتا إنّ “الأمر ليس محصوراً فقط في أوروبا، فما تقوم به أوروبا هو أقل بكثير ممّا تقوم به الولايات المتحدة، والكلّ يتوقع من أوروبا أن تقوم بالمزيد، لكن برأيي ما يمكن أن تقدمه هو الأسلحة التي يحتاجها الجيش الأوكراني للتصدّي للمعتدين، وتطبيق العدالة عبر محاسبة المذنبين، ذلك هو الدعم التي تحتاجه أوكرانيا لتخطي تلك المرحلة الصعبة، ولإعادة بناء نفسها بعد إنتهاء الحرب”.
لكنّها أيضاً تشدّد على وجوب أن يحدّد كبار القادة الأوكرانيين أولوياتهم وما هي الأمور الأهم بالنسبة لهم. هم دائماً يطالبون بالآليات الثقيلة والأسلحة الثقيلة والمقاتلات الجوية. نحن كبلد لا يمكننا توفير الكثير ولكننا نشجع شركاءنا على تقديم المساعدة”.
سيمونيته: عدم تراجع العدو وفوز أوكرانيا يعني لا سلام في أوروبا
وعمّا إذا كان على الأوروبيين القلق بشأن إضعاف دفاعاتهم فيما يتوجب عليهم إرسال أسلحة ثقيلة وذخيرة إلى أوكرانيا، قالت: “نعم يجب أن يشعروا بالقلق، لكن السؤال هو ما هي الخطوة التالية لأنه يمكنك أن تشعر بالقلق لكن تقرر أن لا ترسل الأسلحة، أو يمكنك أن تشعر بالقلق لكن تقرر أنك يجب أن تُسرع نفقاتك وتوسع قدراتك العسكرية والصناعية لتجديد المخزون، وذلك هو الخيار الأفضل، وتلك هي الطريقة الفضلى”.
وتابعت: ذلك أمر قد تأخّر برأيي لسنوات في أوروبا لأنّ صناعة الأسلحة يمكنها أن تكون أكثر فعالية، لكن المشكلة هي أنّ الإشارات من الحكومة وصلت متأخّرة إلى قطاع صناعة الأسلحة، لذلك نرى أنّ العديد من البلاد تنتظر دورها في الشركات الأمريكية التي تصنع الأسلحة لتجديد مخزونها، مع أن بعض أنواع الأسلحة يمكن أن تُصنّع ويجب أن تُصنّع في أوروبا، لذلك يجب على أوروبا أن تقول إن التعهد بزيادة الإنفاق على الدفاع والأمن باق”.
وردّاً على سؤال حول خطر انتشار الصراع خارج حدود أوكرانيا، حاولت سيمونيتا أن تكون دقيقة للغاية في إجابتها، فقالت: “برأيي إذا لم تنتهِ الحرب بفوز أوكرانيا، وأعني إجبار العدو على التراجع، وجعل روسيا تعي أنه لا يمكنها بأي طريقة إعادة رسم حدود الدولة، عندها قد لا يؤدّي ذلك الأمر إلى توسّع الإشتباكات مباشرة إلى الدول المحيطة، لكن يعني أنه لن يكون هناك سلام في أوروبا لفترة طويلة”.
متى تنتهي الحرب الروسية على أوكرانيا؟
هنا قالت المسؤولة الليتوانية لـ “أخبار الآن”: “بوسعنا القول إن روسيا تكبدت خسائر كبيرة، وذلك أمر لا يمكن أن ننكره، وستنفذ ذخيرتها وستخسر عناصرها قريباً جدّاً، فهي تخسر أعداداً كبيرة من الناس والسلاح، لكن لا يبدو أن موقفها السياسي يتغيّر، لذلك أعتقد أن بوتين مستعد لدفع أي ثمن ليبرهن أنه على حق، ونحن نعرف أنه مخطىء على كافة الصعد، ولا أظن أنه يعيد حساباته كما تفعل معظم الدول، فهو لا يتساءل لماذا أخسر مئات العناصر ولماذا أخسر كل تلك المعدات العسكرية، لماذا أتكبد كل تلك الخسائر الكبيرة، ولا أحرز أي تقدم مهم على الخطوط الأمامية، لا أعتقد أن روسيا مستعدة للاعتراف بذلك، وستستمر في هجومها إذا لم يتم إجبارها على التراجع”.
وأضافت أنّ “تاريخ روسيا حافل للغاية، ففي العادة عندما كانت روسيا تخسر الحروب، كانت تحدث نتيجة ذلك اضطرابات داخلية، كما حدث خلال الثورة البولشيفية أو الإنقلاب، وما حدث هو إنقلاب أدى إلى حدوث مشاكل كثيرة، حدث ذلك بعد الحرب العالمية الأولى رغم أن روسيا لم تكن تخسر في تلك الحرب، لكن كانت هناك الحرب مع اليابان حيث كانت موسكو تخسر لأسباب كثيرة، ويبدو أنّ بعض المناطق قد تعيد النظر في كونها جزءاً من المجموعة الكبيرة، لكن الشعب الروسي هو مَنْ يقرر أي بلد يريد. أمّا عن إمكانية ظهور نظام جديد في روسيا، نظام ديمقراطي يضمن حصول إنتخابات حرة، وحرية التعبير، أقول إن الأمر معقد لأنه يبدو أن المجتمع مستعد لتقبل ما يقدمه له بوتين ومَنْ معه”.
سيمونيته تكشف لأخبار الآن عن تململ النخبة في روسيا جراء حرب بوتين
يبدو أنّ الحرب تدمّر روسيا، وهنا سألنا ما إذا كانت هناك قوى داخل النظام الروسي يمكنها تقييم الضرر، والعمل على وضع حدّ لمغامرة بوتين لإنقاذ روسيا، ردّت سيمونيته: “نسمع تسريبات من الأحاديث التي تدور في حلقات النخبة، يقولون فيها نحن نخسر تلك الحرب ولا نربح أي شيء، كما أننا نتعرض للعقوبات ونعاني من خسائر مادية كبيرة، ولا يمكننا السفر كما كنا نفعل من قبل، ذلك غباء، وأعتقد أن العديد من الدوائر الحاكمة في روسيا تعتبر أن ما يحصل جنوني ولا معنى له، خلال 22 أو 23 عاماً من توليه السلطة، وضع بوتين لنفسه صلاحيات مطلقة، لذا أنا أعتقد أنه لا يصغي إليهم، ولا أظن أن لديهم الصلاحية لمراجعته في أي قرار يتخذه، فهو يتخذ القرارات بمفرده أو مع الحلقة الضيقة المتواجدة معه”.
وتابعت: أنا واثقة من وجود عدد كبير من الأشخاص غير الراضين عمّا يحصل. من الممكن أن يكونوا امبرياليين، وأن يعتبروا أن تلك الحرب محقة، لكنهم في الوقت نفسه يرون الخسائر الفادحة التي يتكبدونها، والتغيير الكبير الذي حصل في نمط حياتهم منذ بدء ذلك الغزو نحو الأسوأ. إنّهم أذكياء بما يكفي ليروا أن المخاطرة لم تكن تستحق كل ذلك العناء، لكني لا أعتقد أن هذا رأي بوتين، ولذلك لا أرى أملاً في أن يتمكن أحد من إقناعه من أنه أخطأ، الطريقة الوحيدة التي ترغمه على التوقف برأيي هي استنفاذ كل قواه على كافة الصعد”.
وأكدّت أنّه “إذا لم تتلق روسيا درساً قاسياً أنه لا مجال لإعادة رسم حدود أوروبا في القرن الواحد والعشرين، عندها ستبقى احتمالات حصول توترات واضطرابات وتهديدات ومخططات للهجوم على ذلك البلد أو ذاك قائمة، لأن ذلك ما تفعله روسيا عادة، لذلك أعتقد أنه لا توجد غير تلك الطريقة لإنهاء تلك الحرب وهي فوز أوكرانيا، وبعدها سنعالج الوضع ما بعد الحرب، وسنناقش الوضع الأمني في أوروبا ما بعد الحرب، أعتقد أننا يجب أن نتخذ خطوات عديدة بذلك الخصوص، لكن أولاً وقبل كل شيء، يجب على الدول الأوروبية أن تكون جادة بشأن دفاعها وأمنها”.
سيمونيته: أمنيتي أن أرى بوتين في لاهاي
وختمت رئيسة وزراء ليتوانيا حديثها لـ”أخبار الآن” بالقول: “بما أنّنا نعيش بالقرب من روسيا، فقد كنّا أوّل من أشار إلى أنّ روسيا لا تتغير نحو الأفضل، بل على العكس تتغير نحو الأسوأ وتستعيد ماضيها التاريخي، ففي كلّ مرّة كان يفشل الحكام في توفير الرفاهية لشعبهم أو الازدهار أو تأمين مستويات معيشية عالية، كانوا يتجولون ويبحثون عن أراض جديدة يستولون عليها، وإجراء بعض التغييرات بدلاً من تقديم حلول حقيقية للناس”.
يجب أن نأخذ ذلك الأمر بعين الاعتبار لكن لا يجب أن نخاف، علينا أن نعرف كيف يفكرون ولذلك يجب أن نستثمر في أنظمتنا الدفاعية والأمنية، وذلك أمر نقوم به منذ سنوات، ولذلك يجب أن نكون جزءاً من تحالفات قوية مثل الناتو والإتحاد الأوروبي، كما يجب علينا أن نتحد في مواجهة أي عدوان لأنه إذا اختلفنا في الآراء قد يعتقد بوتين أن بوسعه أن يربح، ذلك الموقف الموحد عبر العالم، ومعرفة الجميع مَنْ هو المخطئ ومَنْ هو المحق أمر مهم جدّاً، والناس تعرف تماماً مَنْ هو المذنب، أنا أعتقد أنّه من المهم جدّاً أن نبقى متحدين في مواجهته”.