إثر اغتيال والده أحمد شاه مسعود قبل يومين فقط، من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر العام 2001، تسلّم الجبهةَ المعارِضة لطالبان، واستمر في نضاله رغم حجم الخطر الكبير الذي يُحْدِق به.
رفض الاستسلام في استكمال لمسيرة والده وتاريخه النضالي، معتبراً أنَّ ما تأتي به طالبان باطل، ولا يشبه الإسلام بشيء ولا الشعب الأفغاني كذلك. إنّه الزعيم الشاب لجبهة المقاومة الوطنية الأفغانية أحمد مسعود (Ahmad Massoud)، الذي خصّ “أخبار الآن” في لقاء خاص وحصري، رغمّ أنّه مقلّ في إطلالاته التلفزيونية، وقد تناولنا معه جملة من الملفات ذات الصلة ببلده ومسار المقاومة، كواليس المعركة مع طالبان، علاقة الأخيرة بالتنظيمات الإرهابية لا سيما تنظيم القاعدة واحتمال السلام وأهم بنوده.
بداية اللقاء كانت بالسؤال عن والده أحمد شاه مسعود الذي لقب بأسد بانجشير، وهو الذي قاد قوات التحالف الشمالي ضد الغزو السوفيتي… الأشخاص الذين اغتالوا والده أطلقوا على الفور حملة إرهاب عالمية أيضاً، ويبدو أن والده كان يَسدُّ طريقهم إلى الإرهاب العالمي.
سألنا مسعود عن تفكير والده حول الأشخاص الذين كانوا يستعدون لتلك الموجة من الإرهابِ العالمي والخطر الذي يمثلونه على العالم، فقال إنّ “أحمد شاه مسعود كان مسلماً معتدلاً، أحب دينه وشعبه وبلده، وقد وقف في وجه الغزو السوفيتي للدفاع عن شعبه وبلده”.
وتابع: “لقد وضعوا خطة عالمية، وكان أوّل بند فيها اغتيال أحمد شاه مسعود، وقد اغتالوا والدي في أوّل عملية إنتحارية في تاريخ أفغانستان ليحرموا الشعب الأفغاني منه. للأسف عندما كان حيّاً لم يفهم العالم خصوصاً المجتمع الإسلامي، أيّ مسلم كان والرسالة التي كان يحملها، لكن أدركوا لاحقاً أنّه كان مسلماً حقيقياً ورجلاً وطنياً، وربّما الرجل الوحيد الذي تمكّن من الوقوف في وجه الإرهاب العالمي”.
لماذا يصعب على طالبان فك الارتباط مع القاعدة؟
مع اغتيال والده رأى العالم كلّه ما حدث بعد ذلك، إذ أطلق تنظيما القاعدة وداعش في وقت لاحق موجة من الإرهاب في العالم. وحتى بعدّ مقتل زعيمهم في كابول أيمن الظواهري، فمن الواضح أنّ القاعدة تختبئ على مرأى من الجميع في أفغانستان تحت حماية شبكة حقاني.
في ذلك السياق، وبعد الاستيلاء على السلطة في أفغانستان، تجد طالبان صعوبة في إنهاء تلك العلاقة، أو بمعنى آخر الطلاق من القاعدة. هنا قال مسعود لـ”أخبار الآن“، إنّ “المجتمع الإسلامي لطالما نجح في الالتقاء معاً ضدّ تلك العقلية المتطرفة، إلّا أنّه ثمّة لعبة جيوسياسية عالمية، خصوصاً الصراع بين الشرق والغرب والحرب الباردة، كان الهدف إدخال تلك العقليات وتلك المجموعات إلى لعبة السياسة والقوّة، وقد استُعملوا كأدوات أو كسكاكين ضدّ العالم”.
وأضاف: “ذلك هو السبب الرئيسي لظهورهم… للأسف بعد وقوع الحرب الباردة، كان من الصعب تجنّب حدوث ذلك، وقد زادت قوتهم وأصبحت لديهم علاقات مع مجموعات أخرى. إذاً طالبان والقاعدة وداعش وجماعة الشباب وغيرها من المجموعات الإرهابية التي نراها، هم نتيجة اللعبة الجيوسياسية، وحتّى يومنا هذا بعض القوى تستعملهم كأدوات في لعبتهم الاستراتيجية والجيوسياسية، ونتيجة لذلك فإنّ الدول الإسلامية تعاني من تلك الظواهر السيئة، ولابدّ من الإشارة إلى أنّ تلك المجموعات كانت موجودة في السابق، لكنّنا كنّا ننجح في القضاء عليها”.
هل طالبان عن عاجزة عن وقف تقويض لأمن أفغانستان؟
لا بد أنّ هناك بعض الفصائل وكبار القادة داخل طالبان يعارضون استمرار الزواج من تنظيم القاعدة. وهنا يطرح السؤال نفسه عمّا إذا كانوا عاجزين عن وقف تقويض شبكة حقاني المستمر لأمن أفغانستان من خلال مساعدة وتحريض الإرهابيين.
في ذلك الصدد قال زعيم المقاومة الوطنية الأفغانية إنّه من “الواضح أنّ طالبان ومنذ اليوم الأول كانت تربطها علاقة وثيقة جدّاً مع القاعدة في بلدان أخرى، وتلك العلاقة كانت شبيهة بعلاقة الاستاذ مع تلميذه. القاعدة لعبت دور المرشد ومسؤول التدريب والمشرف، والعلاقة استمرت على ذلك النحو لأكثر من 26 عاماً، لذلك من الصعب جدّاً الاعتقاد أنّ بعض التغييرات الحالية التي حصلت، من الممكن أن تلغي أكثر من 25 عاماً أو الأعوام الـ 26 الماضية من الترابط بينهم”.
وأضاف: “أنا أعتقد أنّ بعض الجماعات قد يكون لديها رأي مختلف في ما يتعلق بالقاعدة أو التنظيمات الأخرى، لكن التوجّه الحالي هو المحافظة على ذلك الترابط مع القاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية”.
ما مدى إيفاء طالبان بوعدها؟
ولدى سؤاله عن مدى إيفاء طالبان بوعدها الذي قطعته، والقاضي بعدم السماح باستخدام أراضي أفغانستان لتنفيذ أيِ نشاط إرهابي، ردّ بالقول: صفر، لدينا أدلّة أنّ هناك أكثر من 21 مجموعة إرهابية ناشطة الآن في أفغانستان، تنظيم الدولة الإسلامية، القاعدة، الدولة الإسلامية ولاية خراسان، حركة طالبان باكستان، جيش العدل، جماعة نصرة الإسلام و المسلمين، أنصار الله… واللائحة تطول. كلّهم يعملون بحرية داخل حدود باكستان، يتجولون بحرية، يجندون، كما لديهم معسكرات تدريب وبيوت ضيافة. للأسف ذلك الزواج السيء أعمق بكثير وأكثر تعقيداً بكثير من مجرّد التفكير أنّهم يتعايشون معاً فقط، بل هناك تعاون كبير بينهم”.
تطورات مثيرة للاهتمام تحصل اليوم في إيران بعد مقتل أيمن الظواهري، فسيف العدل المتواجد في طهران يحاول السيطرة على القاعدة بتوجيه ودعم من الحرس الثوري. فبعد سنوات، يسعى سيف ووالد زوجته مصطفى حامد الآن علانية إلى جعل القاعدة خاضعة للأجندة الإيرانية، وفي غضون ذلك، ينشر حامد دعاية إيرانية عبر مجلة الصمود الإسلامية التابعة لطالبان. فلماذا لا توقف طالبان ذلك التسلل الأيديولوجي لوسائل إعلامها؟
أجاب مسعود هنا بالقول: “أنا واثق أنّ هناك أفراداً أو مجموعات في طالبان غير راضين عمّا يجري، ويجب أن يعترضوا لكنّني واثق من أنّهم خائفون جدّاً، عندما تبيّن أن الظواهري موجود في كابول، قال بعض عناصر طالبان إنّهم سيقتلون كل مَنْ أعطى عنوانه أو شارك في نقل معلومات إلى الأميركيين أو غيرهم، أدّت إلى مقتل الظواهري. ذلك يُظهر أنّ هناك تعاطفاً كبيراً معه، لأنّهم قالوا في العلن إنّ أيمن الظواهري شهيد الإسلام وسيف الإسلام وما إلى هنالك من ألقاب… لكل تلك الأسباب لا يمكننا تبسيط العلاقة بين بعضهم البعض”.
بالاضافة إلى ذلك، يدفع مصطفى حامد يدفع علانية أفغانستان للدخول في دائرة إيران وروسيا والصين، وبالتالي إذا تمكّن سيف العدل من الاستيلاء على قيادة القاعدة، فيمكنهم استخدام القاعدة لوضعِ تلك الأفكار موضع التنفيذ في أفغانستان، وذلك لا يمكن أن يكون جيداً لقيادة طالبان. وعن سبب عدم قيامهم بشيء حيال ذلك، قال: “أعتقد أنّ حال طالبان الآن ليس كما كان في التسعينات، لقد تعلموا من التسعينات وأصبحوا أكثر ذكاءً، هم لا يريدون اتخاذ أيّ قرار متسرّع وإثارة الذعر في العالم، بل يرغبون بالتصرف بصمت، هم تعلّموا من الهجوم الذي تعرّض له أيمن الظواهري، لذا هم لا يريدون التصرّف بطريقة من الممكن أن تجعل العالم في حالة استنفار، وبالتالي تؤدّي إلى اتحاد العالم ضدّهم، لأنهم يعلمون أنّ وضعهم هش جداً، ويدركون أنّ شعب أفغانستان لا يريدهم، وأن الشعب الأفغاني الآن لا حول ولا قوة لهم بسبب خيانة العالم لهم، فهم تُركوا وحيدين، وهم يعلمون مدى ضعفهم، لذا أنا أعتقد أنهم حالياً يتصرفون بذكاء، ويقومون بأعمالهم تحت الطاولة وفي الخفاء”.
إذا كنت في السلطة في كابول اليوم، ماذا كنت لتفعل حيال بقايا القاعدة بما في ذلك المقاتلون العرب الذين لديهم زوجات وأطفال أفغان؟
في ردّه على ذلك السؤال، قال مسعود: “لو كنت متواجداً في كابول فإنّ أول ما سأقوم به هو تغيير كل شيء، بدءاً من طريقة الحكم وتطبيق رسالة الإسلام الحقيقية، وهي السلام والازدهار والتوافق مع الجميع، والنقطة الثانية هي أنّ الإسلام أتى إلى الناس وهو من أجل الناس، وليس ديناً للنخبة لكي تحكم هي الناس، لا إنّه دين الناس، يجب أن يقرر الناس مستقبلهم، أمّا بالنسبة للجيوش الاجنبية التي تتقاتل على الاراضي الأفغانية، فيجب عليها أن توقف كلّ أنشطتها والعودة إلى أوطانها فوراً، لأن هكذا تحركات لن يُسمح بها ضمن أفغانستان، وكمواطن أفغاني أقول إنّه من غير المسموح لأي بلد حتى لباكستان أن تشعر أنها مهددة من قبل أفغانستان”.
ما وضع المقاومة الأفغانية اليوم؟
ومع الذكرى السنوية الثانية لاستيلاء طالبان على السلطة، تحدّث زعيم المقاومة الوطنية الأفغانية عن وضع المقاومة فقال إنّ “المقاومة لا تملك شيئاً سوى دعم الله والناس، ونحن لا نتلقى مساعدة من أي بلد في العالم، فهم لا يرون المقاومة على أنّها آداة يمكن أن تخدم لعبتهم الجيوسياسية، بل يعتبرونها قوة يمكنها أن تحرر أفغانستان فقط، بما أنه يوجد مقاتلون لأجل حرية وتحرير الشعب الأفغاني فقط، فذلك يعني أنّهم يعتبرون أن لا فائدة منها لا على الصعيد الإقليمي ولا الدولي، لأنّنا لا نخدم الهدف الجيوسياسي لأيّ بلد. لذلك السبب نحن عاجزون ولا أحد يقدّم لنا الدعم أو المساعدة سوى الله والشعب الافغاني. عندما يكون الوضع على ذلك النحو، فإنّ التقدم يكون بطيئاً جدّاً لكنّه تأسيسي”.
وتابع: “مقاومتنا تتوسع لأن ظلم طالبان يتوسع، اليوم المسؤول في طالبان والحاكم قال للناس إذا قام الرجال بتفتيشكم فاسمحوا لهم واعتبروهم أبناءكم، إنّهم يغيرون قوانين الإسلام من أجل أهدافهم الخاصة. لكن من ناحية أخرى هم لا يسمحون للبنات بارتياد المدارس، إنّهم منافقون ولا يمثلون ديننا، هم سيشوهون صورة الإسلام، وسيقضون على أمننا، خصوصاً مع الرؤية الجديدة في الخليج، هم سيشوهون تلك الصورة التي تحاول تقديم صورة مختلفة تماماً عن الإسلام والدول الإسلامية”.
وفي الحديث عن شكل تلك المقاومة وقواتها العسكرية والاجتماعية في بانجشير وأماكن أخرى، أجاب: “المقاومة لم تحتل أي مقاطعة حالياً لأنّ ذلك ليس من ضمن خطتنا، وكما حدث أيّام الإتحاد السوفيتي، فإن طالبان تحصل على الكثير من المساعدات من الأميركيين، لذلك وضعنا هو الأضعف حالياً خصوصاً أن اتكالنا فقط هو على الله وعلى الشعب الأفغاني، ونحن لا نتلقى أي مساعدة أو دعم من الخارج، ذلك ما يُبطىء تقدمنا العسكري بينما ظلم طالبان يزداد، نحن نسيطر على الجبال والمرتفعات في مختلف أنحاء أفغانستان، في الشمال والشرق وحتى في الغرب والجنوب”.
وأردف قائلاً: “على الصعيد السياسي المقاومة حققت نجاحاً في السنتين الماضيتين، والسبب يعود إلى الظلم الذي تمارسه طالبان وعلاقتها مع الغرب والأمم المتحدة وغير ذلك، تلك التصرفات منعتها من تحقيق أي نوع من الشرعية أو أي مصالحة مع الجاليات الأفغانية، لم يتمكن أي قائد أفغاني حتى السيد أشرف غاني المقيم حالياً في الإمارات المتحدة والسيد كرازاي عبد الله، وغيرهم من القادة التقليديين، وصولاً إلى التحركات النسائية وإلى الجيل الجديد، طالبان لم ينجحوا في إقناع أحد بالتوافق معهم وقبولهم، وذلك أظهر أن الشعب الأفغاني لا يتقبلهم خصوصاً بعد أن رأى وجههم الحقيقي، ورغم ذلك أنشأوا لجنة لنشر الدعوة لكن لم يصدقهم أحد لأنّنا نعلم أنهم كاذبون ومخادعون، لكن في المقلب الآخر تمكّنت المقاومة من توحيد الناس، وجمع الناس من مختلف الاتجاهات، ومع مرور الأيّام، رأينا المؤتمر الأخير في فيينا والأحداث في أنقرة وتركيا، والتحركات النسائية، المعارضة التي تقف في وجه طالبان ترص صفوفها بسرعة كبيرة”.
يبدو أنّ الانقسام بين كابول وقندهار واضح تماماً. فما هي الفصائلِ الرئيسية لحركة طالبان، وماذا عن حجم سلطة كل منها في البلاد مَنْ هم وكيف يختلفون؟
في سياق ردّه على ذلك السؤال، أوضح مسعود لـ “أخبار الآن” أنّ “حركة طالبان مؤلّفة من عدّة عناصر، ربّما أقوى عنصر هو المكوّن القندهاري، لكن بالرغم من أنّه في قندهار إلّا أن مَنْ يسيطر عليه قسم النوروز في قندهار وهيبة الله هم من ذلك القسم، وهم مَنْ يمسك بالسلطة، والمكوّن الآخر هم الحقّاني، وما فاجأنا هو أن الحقّاني هو النسخة المعتدلة لطالبان وحتى الآن ورسائلهم لا بأس بها، بالرغم من أنّهم نفذوا العديد من الأعمال الوحشية والهجمات الانتحارية وعمليات القتل، وكانوا عنصر الإرهاب في طالبان في السنوات العشرين الماضية، إلّا أنّهم منذ 15 أغسطس حاولوا إيصال رسالة مختلفة. والمكون الآخر هو ذلك الذي لا يعتمد على قاعدة شعبية وهو متأثر بالمُلا يعقوب وغيره، وهناك مكون آخر خارج السلطة تماماً كفسيح الدين وقاري صلاح الدين والحنفي وغيره”.
أين شخصيات طالبان في الدوحة؟
في الفترة الماضية، لم نعد نسمع عن شخصيات من طالبان متواجدة في العاصمة القطرية الدوحة، فيما كانوا يظهرون دائماً خصوصاً قبيل عودة طالبان إلى السلطة، فماذا حدث لهم هل تمّ إسكاتهم؟
قال مسعود إنّ “هؤلاء موجودون لكنهم يعلمون جيداً أنّه لا يمكنهم الإيفاء بالوعود التي يقطعونها، كانوا يعلمون جيداً ما الذي يفعلونه، هم في أفغانستان، لكن ما هو مؤكّد أنّ عائلاتهم مازالت في الدوحة أولادهم يدرسون ويذهبون إلى المدارس وإلى النوادي الرياضية، كما أنّهم يأكلون طعاماً صحياً، ويشربون عصائر عضوية، هم كذلك يذهبون إلى صالات السينما ويشاهدون أفلام باتمان وسوبرمان، ويلعبون بدمى الباربي، عائلاتهم تعيش حياة هانئة في الدوحة ومدخولهم جيد، لكن هم ليسوا مع عائلاتهم”.
أي فرص أمام المعارضة في حال انشقت طالبان؟
يبدو أن الصراع الداخلي لطالبان هو أعمق بكثير مما يظهر. مراقبون كثيرون يناقشون سيناريوهات مختلفة محتملة تتراوحْ بين الإطاحةْ بزعيم طالبان، إلى تفتيت طالبان وتقسيم البلد على أسس فئوية. إذا ما انشقت طالبان، فما هو نوعُ الفرص التي يمكن أن تُتاح للمعارضة المسلحة الوطنية؟
قال مسعود: “إذا حصل أيّ انشقاق في طالبان، وأنا أشك في إمكانية حصول ذلك لأنّه غير واقعي، إذا حصل أي نوع من الإنشقاق أو التفكك داخل طالبان، أنا آمل وذلك مجرّد تمنّي، آمل أن يحدث مع عناصر طالبان الذين تعلموا حقاً من الماضي”. في السنوات الـ26 الماضية، إذا عادوا إلى الله وأدركوا أنّ تلك الأعمال المتطرفة لا تمتّ للإسلام بصلة، وأنّ الشعب الأفغاني لا يستحق تلك المعاملة، أنا أتمنّى أن يكون الانشقاق مبنياً على تلك الأسس، أن يُراجعوا أنفسهم ويقولوا إن ذلك يكفي، الشعب الأفغاني يجب أن يلتقط أنفاسه، فهم بشر ومن حقّهم أن يعيشوا حياتهم كبشر. أنا أتمنّى حصول ذلك، لكن هناك أمر مؤكّد، التاريخ أظهر لنا وللعالم أجمع أنك عندما تركز قوّة كتلك، وعندما يتواجد ذلك النوع من التطرف، لا يمكنك الاستمرار لوقت طويل، الانشقاق سيحصل، رأينا ذلك يحصل مع المجاهدين ومع النظام الشيوعي في أفغانستان، ومع الحكومة خلال العشرين سنة الماضية، احتمال حصول الانشقاق والتفكك والخلافات كبير جدّاً”.
مسعود: محاربة طالبان واجب ديني
وعمّا إذا كان هناك تواصل مع طالبان، قال مسعود إنّ “الحوار دائماً أولويتنا… فتلك حرب طالبان، هم مَنْ يرتكبون المجازر ويظلمون الناس، ومحاربتهم هو واجب ديني، لذا أبوابنا مفتوحة دائماً للحوار والنقاش، ونحن دائماً مستعدون للتواصل، لكن حتّى اللحظة طالبان لم تبدِ أيّ اهتمام بالحوار، وعندما كانت تسنح الفرصة لنا للتحاور، كانت رسالتهم دائماً البيعة أي الاستسلام، ذلك مطلبهم فقط، وذلك لن يحدث إلّا إذا توقف الظلم بكلّ أشكاله وعندما يؤمنون فعلاً بالحوار، لكن أبوابي وأبوابنا مفتوحة دائماً للحوار والنقاش والسلام”.
في ظل أي ظروف يمكن أن يعود إلى أفغانستان؟
ربما العديد من المسؤولين الأفغان السابقين اختاروا البقاء في كابول بعد سيطرة طالبان. سألنا زعيم المقاومة الأفغانية عن الظروف التي قد يفكر في ظلِها أن تعود إلى البلاد، وتمارس فيها نشاطاته بشكل علني، فرد بالقول: “من الشخصيات البارزة التي بقيت في أفغانستان، السيد كرازاي والدكتور عبد الله عبد الله، وذلك بسبب الوعود الأميركية، فأميركا وعدت هذين الرجلين بحمايتهما، وهي لم توعد أيّ شخص آخر بالحماية، ولذلك هم لم يغادروا، وهذه كانت خطوة جريئة منهما لكن الأغلبية غادرت، العودة إلى أفغانستان هي ما يحلم به الجميع، لكن نحن نحلم بالعودة إلى أفغانستان وليس بالعودة إلى الجحيم. الآن أفغانستان هي سجن كبير في الجحيم، في جهنم، بالنسبة للسكان وللمواطنين، لكنها الجنة بالنسبة للجماعات الإرهابية”.
وعمّا كانت لدى طالبان قوة عسكرية ونيّة سياسية لإنهاء أيّ مقاومة مسلحة لحكمها، قال: “تُرك لحركة طالبان معدات بملايين الدولارات، لكن طالبان هي خير مثال على أنّه ليس من المهم عدد الدول التي تساعدك ولا ملايين الدولارات التي تصلك، إذا كانت هناك رغبة في الاستمرار بالحرب فأنت ستقع في مشكلة، وحركة طالبان هي أكبر دليل على ذلك، الناتو كان في أفغانستان، وجمهورية أفغانستان كانت تملك ملايين الدولارات، وآلاف القوى، لكن طالبان كانت تريد أن تستمر في القتال، لذلك لا يهم مقدار القوّة والدعم الذي تتمتع به طالبان طالما أنّ شعب أفغانستان ليس معها، وطالما هناك رغبة في الإستمرار في القتال، ذلك لن يؤدي إلى انتصارها”.