الحرب على الإرهاب في الصومال ليست وليدة اللحظة، ولا هي من الأمور المستجدة، بل بدأت منذ سنوات. لكن ما الذي يجعلها هذه المرة مختلفة وأفضل عمّا كانت في السابق؟ ما هو دور فئة الشباب وكذلك دور الدولة في تعزيز مكانتهم؟ ولماذا؟ وبالتالي كيف يمكن للدولة أن تحمي هؤلاء من التطرف؟
وماذا عن الخلاف على المال والسلطة بين قيادات التنظيم، وبالتالي كيف يمكن أن يؤثّر على مساره؟ بالتوازي مع المسار الأمني، ثمّة مسار استخباراتي وهو توعوي، فكيف يؤثر ذلك أيضاً على حركة الجماعة الإرهابية وعلى الانشقاقات داخلها؟
ما هي عوامل فعالية الحرب على جماعة الشباب؟
في لقاء خاص مع “أخبار الآن“، قال وزير الأمن الداخلي في جمهورية الصومال الفيدرالية محمد أحمد شيخ علي – دوديشي (Mohammad Ahmad Sheikh Ali) ، إنّ “هناك عدة عوامل ساهمت وساعدت في إنجاح العمل العسكري في مواجهة الخوارج:
-أوّلها هو انتهاء صلاحية المشروع الإرهابي في الصومال، إذا أنّ كل التبريرات التي كانت موجودة في السابق انتفت ولم تعد تجدي، وباتت الجماعة الإرهابية خارج اهتمام الأوساط الشعبية.
-ثانياً: الأمر الثاني هو أنّ وصول الإرهابيين في البلد وتأسيس مشروعهم، كان في غفلة من أهل الصومال، لكن الآن وبعد أكثر من 15 عاماً، تنبّه الصوماليون إلى المخاطر والتأثيرات السلبية لذلك المشروع الإرهابي على الوطن ككيان سياسي والمجتمع والاقتصاد وكذلك علاقة الصومال في محيطه الإقليمي والدولي.
ثالثاً: مجيء الرئيس حسن شيخ محمود (Hassan Sheikh Mohamud) إلى السلطة، إذ تمكّن في دورته السابقة (2012 – 2017) من تحرير الكثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة جماعة الشباب. وعندما انتخب ثانية كان مصمّماً على تطهير البلاد من آثار الإرهابيين في في البلد. والأولوية الأولى والثانية والثالثة للحكومة التي يرأسها رئيس الوزراء حمزة عبد البري هي القضاء على الإرهابيين والخوارج. كما أنّ هناك عاملاً مهمّاً آخر وهو الهبّة الشعبية والاستعداد النفسي لدى الناس وجرأتهم ونفاذ صبرهم، ورفضهم أن يبقوا تحت هيمنة تلك الجماعة المارقة…. فكل تلك العوامل اجتمعت وفتحت الطريق إلى تحقيق إنجازات باهرة ضدّ الخوارج”.
فئة شباب صاعدة إلى النور.. وجماعة شباب إرهابية هابطة إلى الظلام
مؤخراً تمّ تنظيم مؤتمر لفئة الشباب في الصومال، وكان مؤتمراً مهمّأً وكبيراً، وقد دعا الوزير الصومالي دوديشي شخصياً في ذلك المؤتمر إلى ضرورة إشراك فئة الشباب في العملية السياسية. فلماذا يعتبر ذلك ضرورياً ومهمّاً؟ وما الذي يجب القيام به لتحقيق ذلك الهدف؟
في ذلك السياق، قال دوديشي إنّ “غالبية المجتمع الصومالي هي من فئة الشباب، أكثر من 70 % من المجتمع الصومالي ينتمون إلى شريحة الشباب، وذلك عملياً وليس قولاً، فحضور الشباب لافت في الحكومة، إذ أنّ هناك نحو 30 % من الوزراء من الشباب، إضافةً إلى وجودهم في مراكز القيادة في الجيش والشرطة والتعليم والمجلس الوطني للإقتصاد – وهو عبارة عن مجلس يتألف من خبراء يقدمون استشارات للدولة من أجل إنهاض الاقتصاد الصومالي وتفعيله – وهم من حملة الشهادات العليا وأصحاب خبرات كبيرة، وحصّتهم من تلك المناصب تزداد وذلك حق من حقوقهم فيما الدولة تشجعهم وتتيح الفرصة لهم”.
وتوازياً مع المؤتمر الذي نُظّم لفئة الشباب في البلاد، أقام التنظيم الإرهابي اجتماعاً جمع فيه كبار مسؤوليه، فكان هناك مشهدان مختلفان كلّ بإيديولوجية مختلفة. الوزير الصومالي علّق على الاختلاف في الرؤيتين، فرد بالقول: “تلك المرحلة مرحلة فئة الشباب في الصومال. لقد عانى الصومال حروباً أهلية وتدخلات خارجية، وهو في السنوات الأخيرة يتعافى من آثار الحرب – عدا عن بعض الجيوب التي كانت تحت سيطرة الفئة المارقة – فالشباب الصومالي صاعد وناهض ويشعر أنّه يمتلك تلك المرحلة”.
وتابع: “إنّ فئة الشباب في الصومال تنظر إلى المستقبل، وترى أنّ الدولة الصومالية إنْ كان في الإقليم أو في العالم، يزداد حضورها يوماً بعد آخر وسيتعزز في المحافل الدولية والإقليمية، وبالتالي فالشباب الصومالي يراقب تلك التطورات وهو يستبشر خيراً في المستقبل، ويريد أن يساهم في بناء بلده ودولته، ويعمل من أجل توطيد وتوسيع علاقات الصومال الإقليمية والدولية”.
أمّا عن جماعة الشباب الإرهابية، والتي يصفها بالفئة المارقة، فقال إنّهم “يتجهون إلى أسفل وهم يرون أنّ مستقبلهم سينتهي قريباً، فيما نقاشهم يدور في اجتماعهم حول كيفية الخلاص. بالتالي فإذا ما قارنت بين مؤتمر فئة الشباب واجتماع التنظيم الإرهابي، تجد أنّهما على طرفي نقيض: الشباب الصومالي صاعد وناهض والمستقبل مشرق أمامهم، أمّا جماعة الشباب الإرهابية هم إلى الحضيض ومستقبلهم مظلم”.
جزء كبير من إنجازات الحرب على الإرهاب يرتكز على المنشقين
نجاح الحكومة له تأثير كبير اليوم على التنظيم الإرهابي أي جماعة الشباب، وبالتالي يؤدّي بالأعضاء إلى الانشقاق، فما هي أسباب الإنشقاقات، وكم عدد المنشقين الذين تركوا التنظيم، وماذا عن نوعية المنشقين لناحية أهمية المعلومات التي بحوزتهم؟
أوضح محمد أحمد شيخ علي لـ”أخبار الآن“، أنّ “الانشقاقات داخل الفئة المارقة لا تُعدّ ولا تحصى، لأنّه لم يعد لديها مشروع وطني، بل إنّ مشروعها مميت وقاتل ويهدف إلى إبادة المجتمع الصومالي… وبالتالي تختلف الأسباب لتلك الانشقاقات، من المنهجية التي يستخدمونها في القضاء على كيان الدولة والمجتمع، إلى التفسيرات الخاطئة التي يروّجون لها في سياق تسويق مشروعهم. وإلى جانب ذلك، فثمّة خلافات داخل التنظيم مناطقية وعشائرية وحول النفوذ والمال… وبالتالي فالإنشقاقات ستتوالى ولن تتوقف حتى يختفي ذلك التنظيم من الوجود”.
وعن أهمّ المعلومات التي تمّ الحصول عليها من المنشقين، وكيفية استخدامها من قبل الحكومة والدولة في إطار محاربة الإرهاب، أشارإلى أنّ “تلك المعلومات مهمّة للغاية ولا يمكن التصريح عنها في العلن، لكن دائماً ما تكون هناك معلومات مفيدة وتستخدم بشكل جيّد لتحقيق إنجازات في الحرب على الإرهاب، وما حققته الحكومة من إنجازات جزء كبير منه يرتكز على ما أدلى به المنشقون”. وأضاف: “مع وجود وعي مجتمعي وكذلك وعي لدى القائمين على الحكم في البلاد، تمكّنت الحكومة من أن تبين للناس زيف نهج تلك الفئة المارقة على ثلاثة مستويات:
-المستوى الأوّل هو المجال العسكري، إذ تستمر تلك الحرب ميدانياً وتسعى الدولة لتحرير المزيد من الأراضي الواقعة تحت سيطرة التنظيم الإرهابي.
-المستوى الثاني هو المجال الإيديولوجي، وقد أفسحت الدولة المجال أمام العلماء والمفكرين والأساتذة في الجامعات المتخصصين في الشريعة الإسلامية والفلسفة وعلم النفس والمجتمع، لدراسة تلك الظاهرة، وتبيان أنّ كل ما تستخدمه الفئة المارقة لا علاقة بالإسلام.
-المستوى الثالث هو تجفيف مصادر تمويل تلك الفئة.
ما طبيبعة العداوة بين مهاد كاراتي وأحمد ديري؟
أمّا عن الطبيعة الحقيقية للعداوة بين أحمد ديري ومهاد كاراتي راهناً، فقال إنّ “الحديث عن الخلافات بين شخصين داخل الجماعة قد لا يكون له ذلك المعنى الكبير، لأنّ الجماعة بمجملها آيلة للسقوط ولا مستقبل لها في الصومال، لكن إذا ما أردنا أن نقارن بين مهاد وديري، فإنّ الأوّل يعتبر من المؤسّسين وقد عايش الفكر المنحرف منذ صغره. كما أن المراقبين كانوا يتوقعون أنّ السلطة في التنظيم الإرهابي ستؤول إليه بعد رحيل رئيسهم السابق أحمد عبدي غودان (Ahmed Abdi Godane)، لكن فجأة ظهر شخص آخر كان المراقبون يعتبرونه نكرة إذ لم يكن يعرفه أحد، وبالتالي فإنّ وجوده وضع في إطار مواجهة مجموعة لها مصالح، فيما وجد مهاد كاراتي نفسه وكأن أبعد عن المكان الذي كان يسعى للوصل إليه. وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون هناك غيرة وصراع حول السلطة، إذ أنّ لكل منهما نفوذه وسلطته”. وتابع: “تلك الخلافات والتجاذبات بين الرجلين قد لا تفيد أيّاً منهما، بل ستساهم في المعركة التي تخوضها الدولة الصومالية في القضاء على تلك الجماعة”.
وشدّد الوزير الصومالي في حديثه لـ”أخبار الآن“، على أنّ “ما يجب أن تفعله الفئة المارقة هو إمّا البحث عن سبل لإلقاء السلاح وطلب العفو من الشعب الصومالي والدولة جراء الجرائم التي تمّ ارتكابها، وإمّا أن تستمر في مواجهة الدولة حتى تنقرض. وبالتالي فوجود ديري أو عدمه لا يؤثّر في سير عملية القضاء على الجماعة، فإذا اختاروا طريق إلقاء السلاح وطلبوا العفو ثمة مسار آخر، وفي حال استمروا في طريق المواجهة فستكون لذلك نتائج أخرى كذلك”.
ما هي احتياجات المناطق المحررة من التنظيم؟
في مجال آخر، فإنّ المناطق المحرّرة من التنظيم الإرهابي اليوم تحتاج للكثير من الأمور الحياتية، خصوصاً أنّهم كانوا يعيشون في مناطق تسيطر عليها جماعة الشباب. فما هي أكثر الاحتياجات الملحذة؟
أجاب دوديشي أنّ “تلك المناطق تحتاج إلى الأمن والإستقرار والوئام، وأن تكون لها إدارات محلية، وتأمين الخدمات الاجتماعية مثل المدارس والمستشفيات وتوفير المياه الصالحة للشرب والكهرباء والاتصالات”. وأعلن أنّ” لدى الحكومة مشاريع عديدة لإحياء تلك المناطق، إذ أنّ هناك نحو 190 مشروعاً ما بين تعليمي وسياحي وأمني وتنموي، وعمليات المصالحة والتنمية من كهرباء واتصالات جارية في تلك المناطق المحررة”.
ما دور ميليشيا معاويسلي في المستقبل؟
في سياق الحرب على الإرهاب والتطرف، تتعاون الدولة الصومالية مع مجموعة معاويسلي، وهنا يبرز السؤال حول مستقبل تلك المجموعة التي تُصنف على أنّها ميليشا، فأي دور ستلعب بعد انتهاء الحرب على جماعة الشباب؟
أوضح الوزير الصومالي لـ”أخبار الآن” أنّ “معاويسلي هم عبارة عن هبّة شعبية، واضطروا إلى حمل السلاح وقد عاشوا تحت سيطرة الفئة المارقة في الماضي، فعانوا من نقص في التنمية والاستقرار والأمن والخدمات الاجتماعية، وكانت تفرض عليهم الخوات، ويتمّ أخذ أولادهم إلى جبهات القتال وتنفيذ عمليات إنتحارية، فهبّوا في وجه كل ذلك”.
وختم: “وبالتالي عندما يتمّ القضاء على الفئة المارقة أو تجاوز هذه المرحلة، فهؤلاء الذين حملوا السلاح دفاعاً عن أنفسهم، سيعودون إلى وظائفهم وأعمالهم السابقة، كلّ في مجاله، وكثيرون سينضمون إلى وحدات الجيش أو الشرطة ومؤسسات الدولة”.