لماذا يقاتل المسلمين في صفوف أوكرانيا؟
عندما نتحدث عن الاضطهاد الذي تعرض له المسلمون في شبه جزيرة القرم والشيشان، فإن الروايات والتقارير تشير إلى تجاوزات خطيرة قامت بها روسيا ضد هذه الأقليات الدينية. قد تكون هذه التجاوزات قد تضمنت انتهاكات جلية لكل مواثيق حقوق الإنسان بل والأكثر من ذلك أن تلك الانتهاكات وصلت إلى حد الاضطهاد العرقي والديني والثقافي.
ففي شبه جزيرة القرم، تعرض المسلمين لأعمال الاضطهاد منذ أن ضمت روسيا شبة جزيرة القرم في عام 2014.
خريطة توضيحية لـ”شبة جزيرة القرم”
ومن أجدر من سعيد إسماعيلوف مفتي أوكرانيا السابق ذو الأصول التي تتبع إلى تتار القرم، والمتطوع في صفوف الجيش الأوكراني.
وُلد سعيد إسماعيلوف في العام 1978 في مدينة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم، التي كانت جزءًا من أوكرانيا حتى ضمتها روسيا في عام 2014. والتي يتمتع تتار القرم بتاريخ طويل من العيش في تلك المنطقة التي تمتلك هويتهم الخاصة وثقافتهم الفريدة.
في عام 2014، حدثت تغيرات سياسية هامة في شبه جزيرة القرم، حيث تم استفتاء تقرير المصير الذي أدى إلى انضمام القرم إلى الاتحاد الروسي. كان هذا التحول سببًا لتوترات كبيرة وتدهور العلاقات بين أوكرانيا وروسيا، واندلعت نزاعات عسكرية في شرق أوكرانيا.
على الرغم من أن تتار القرم هم أقلية في شبه جزيرة القرم، إلا أن الكثير منهم اختار البقاء مع أوكرانيا والاحتفاظ بالانتماء الأوكراني. واجهت هذه الأقلية تهديدات وقمعًا من قبل السلطات الروسية الجديدة في القرم.
سعيد إسماعيلوف كان أحد الأشخاص الذين قرروا مواجهة القمع والتصدي للاحتلال الروسي. قام بالانضمام إلى الجيش الأوكراني كمتطوع، حيث عمل في وحدة حماية الحدود الأوكرانية. كانت هذه الوحدة تلعب دورًا مهمًا في حماية الحدود الشرقية لأوكرانيا ومنع تسلل المقاتلين والمعدات العسكرية من روسيا.
انضمام سعيد إسماعيلوف وغيره من التتار القرم إلى الجيش الأوكراني لم يقف عند هذا الحد، بل ومع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا أصر كثيرون من التتار على الدفاع عن هويتهم وحقوقهم وأرضهم ضد الاحتلال الروسي. فهم يعتبرون انضمامهم إلى الجيش واجب وطني كونهم يدافعون عن أرضهم من المحتل.
“أخبار الآن” ذهبت إلى جبهات القتال والتقت بمفتي أوكرانيا الأسبق وأحد المتطوعين في الجيش الأوكراني حاليًا “سعيد إسماعيلوف” لتنقل لكم الحقيقة كاملة من أصحابها ومن جبهات القتال.
بدأ إسماعيلوف حديثه قائلًا: “ليس الله هو من يبدأ الحروب بل الإنسان هو من يبدأها، فالإنسان يستغل الإرادة الحرة وحرية الخيار اللتان وهبهما له الله لعمل الشرور فيوقع الشر بالبشر ويكاد يفتك بهم”.
وأتبع: “ولكن هذه هي سنة الحياة وهذا اختبار كبير لكل إنسان وللطريقة التي يريد أن يعيش حياته بها”.
وبسؤاله عن لماذا قرر الذهاب والتطوع في صفوف الجيش؟
قال إسماعيلوف: “المرء لا يجلس في مسجد فارغ ليصلّي فيه فقط. هذا الموقف ليس من شيم الإنسان الصالح فالنبي محمد، رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبس لباس المحارب وخرج للقتال والدفاع عن أهله عندما أتى الغزاة. وأنا على غراره قررت أن أقتفي أثره وأفعل مثله”.
وعن دوره حين تقدم للتطوع في صفوف الجيش الأوكراني، قال إسماعيلوف: “لم أكن أعرف أين يمكنني أن أكون مفيدًا، كوني لست رجلًا عسكريًا”.
وأكمل: “انضممت إلى الفريق الطبي العسكري، في الأيام الأولى كنا ننقل الجرحى والمدنيين العاجزين عن المشي”.
وأتبع: “ومع ازدياد وطأة الحرب، بدأنا في إجلاء المتضررين جراء القصف الروسي من المدنيين بالإضافة إلى كلابهم وقططهم إلى العاصمة كييف”.
واستطرد قائلا: “على الرغم من أن أصوات المدفعية دائمًا ما تكون على مقربة من أماكن تواجدنا، لكن لا يمكننا أن نشعر بالهلع أو القلق، نظرًا لأن مهمتنا تقتضي منا أن نخلي الجرحى وننقذ حياتهم ونقدم لهم المساعدة اللازمة وفي أسرع وقت”.
واختتم إسماعيلوف حديثه قائلًا: “بمرور الوقت اعتادنا على سماع صوت الانفجارات، ولربما تشعر بانزعاج أكبر عندما لا تسمعها”.
الشيشانيين الموالين لروسيا أرادوا أن يكونوا روساً أكثر من الروس
ليس الأوكرانيين المسلمين هم الوحيدون الذين يحاربون روسيا، فالشيشانيون كذلك أتوا إلى أوكرانيا من أجل القتال. هناك شيشانيون يقاتلون مع كلا الطرفين. فالشيشانيون الموالون لروسيا بقيادة رمضان قديروف يحاربون ضد أوكرانيا، في وقت يملك فيه الجيش الأوكراني فرقتين شيشانيتين تحاربان ضد الروس. إحدى هاتين الفرقتين تسمى فرقة “دوداييف” وقد وافقت على مقابلتنا في موقع سري في أوكرانيا.
وبسؤال نائب قائد مجموعة “أدام” للقتال التابعة لفرقة “دجوخر دوداييف” عن طبيعة مهام مجموعته في جبهات القتال.
أجاب قائلًا: “نحن نعمل كفرقة تجسس بواسطة المسيرات، نجري عمليات الاستطلاع وننقل المعلومات لفرق المدفعية، كما نقوم أحيانًا بأعمالٍ هجومية، فيقتصر عملنا على تنفيذ عمليات الإنزال بواسطة المسيرات”.
وحين تم سؤاله عن وضع الشيشانيين من جبهات القتال وخاصة أن هناك انقسام فما بين الموالين لبوتين كجماعة رمضان قديروف وأتباعه والمطوعين الشيشان في الجيش الأوكراني، أكد نائب قائد مجموعة “أدام” أن هذا لا يعقل، لأن هناك جنود يرتدون اللباس العسكري الخاص بقامعي أبناء وطنهم وهم جنود قتلوا أبناء شعبهم وأصبحوا جنوداً تابعين لـ(روسيا) الإمبريالية.
وأتبع: “هؤلاء أشخاص من الشيشان ومن عائلات شيشانية عانت الأمرّين من الروس ومن قذائفهم ومن مدفعيتهم ومن رصاصهم. لكنهم استيقظوا في هذه الأيام وارتدوا اللباس العسكري الروسي وذهبوا للقتال في بلد آخر كي يسيطروا عليه، كما تمت السيطرة على بلدهم لأنهم أرادوا أن يكونوا روساً أكثر من الروس”.
تتار القرم المهجرون من أرضهم عازمون على العودة من جديد
التتار هم مسلمون أوكرانيون من شبه جزيرة القرم التي اجتاحتها روسيا في العام 2014. وقد أضحوا مندمجين بالكامل اليوم في الجيش الأوكراني.
التقت “أخبار الآن” بـ”عيسى أكاييف” قائد كتيبة تتار القرم، والتي تخدم ضمن القوات المسلحة الأوكرانية، وبسؤاله عن، لماذا يقاتل تتار القرم مع أوكرانيا ضد روسيا؟
قال أكاييف: “أصبحت الأرض التي يسكنها أبناء وطني جزءاً من أوكرانيا، لذلك لقد أصبحنا من الشعب الأوكراني، نعم نحن مختلفون تماماً دينياً، ولكننا نملك أرضاً مشتركة ولدينا هدف مشترك. وهذا هو ما يوحّدنا”.
وأكمل أكاييف معلقًا عن وحدة الأرض الأوكرانية بالرغم من اختلاف الأديان: “تلك النقطة لا تفرق بيننا، فعلى العكس هي توحدنا وتكمل بيننا. فنحن ندافع عن أرضنا إلى جانب المسيحيين والأوكرانيين هم أشقائنا التوأم”.
وشدد على أنهم سيحرزون النصر. فعلى الرغم من الحالة النفسية السيئة التي يمرون بها لقضاء الشتاء كاملًآ في باخموت، وبسبب صعوبة الشتاء هناك إلا أنه أكد أنهم عازمون على النصر.
وأختتم أكاييف حديثه قائلًا: “أتمنى حقاً أن نصل إلى حدود شبه جزيرة القرم الإدارية”.
في الختام، ينبغي علينا أن نشير إلى أن هذه الأحداث التي تتداولها الصحف ووسائل الإعلام الروسية مؤخرًا، عما يكنه بوتين من تقدير واحترام للإسلام، ما هي إلا أكاذيب وتدليس للحقائق، فلو كان مثلما تروج له آلته الإعلامية، فما كان هناك أناس مسلمون قرروا التطوع بمحض إرادتهم في صفوف الجيش الأوكراني والتضحية بأنفسهم على جبهات القتال المشتعلة، فقط لصد هذا الغزو الروسي والرد على كل الانتهاكات التي تعرضوا لها سواء مسلمو الشيشان أو القرم أو أوكرانيا، فذاق جميعهم ويلات الاضطهاد الديني على يد بوتين وبيادقته.