وفق ما تمّ الترويج له، فهو مشروع قدمته بعض الجهات على أنّه هدية تقريباً للشعب العراقي، لكنّ المشروع الصيني لبناء مئات المدارس في كلّ أنحاء البلاد، تحوّل بسرعة إلى فضيحة دولية ذات أبعاد تاريخية. ويعتبر منتقدوا تلك الصفقة أنّ المشروع “أسلوب شرير” لإرسال النفط العراقي إلى الصين بأسعار تقل عن أسعار السوق.
سقوط سقف إحدى المدارس يفاقم قلق العراقيين
وفي حادثة تثير الكثير من الريبة والتساؤلات حول تفاصيل ذلك المشروع وجودة العمل فيه، فقد أدّى انتشار الفساد على نطاق واسع بالفعل إلى انهيار البناء الرديء على رؤوس العمال، الأمر الذي فاقم أكثر قلق الآباء العراقيين بشأن إرسال أطفالهم إلى تلك المدارس الصينية غير الآمنة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ أحدث صرخات المساعدة جاءت من المقاولين المحليين أنفسهم: الشركات الصينية التي أخذت المشروع تأخذ نصيبها، لكنّها لا تقدم شيئاً للمقاولين العراقيين الذين يقومون بالعمل الفعلي، وفقاً للاتهامات والشبهات التي تثار حول ذلك المشروع.
لمحة سريعة
في حزيران العام 2022، وضعت الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي آنذاك، حجر الأساس لمشروع بناء 1000 مدرسة من أصل 8000 آلاف، وذلك ضمن العقد الذي وقعته حكومته مع شركتي “باور تشاينا” و”سينوتيك” الصينيتين، ضمن اتفاقية إطار التعاون بين الحكومتين العراقية والصينية المعروفة بـ “النفط مقابل الأعمار”.
ماذا عن معايير السلامة؟
بدأ العمل في القليل من المدارس التي، وفق خبراء البناء والمقاولين، تفتقد إلى معايير السلامة بالنظر إلى عوامل عديدة، أبرزها نوعية المواد التي تضمن المتانة بالدرجة الأولى، وكان الدليل واضحاً جداً عندما انهار هيكل سقف إحدى المدارس قيد الإنشاء – كما يظهر في الصورة أعلاه- في محافظة السماوة جنوب العراق. (سنكشف لاحقاً بالتفصيل عن أسباب ذلك الحادث والعوامل التي أدّت إلى الإنهيار، والمخاطر المحدقة بأطفال العراق).
شبهات حول مشروع المدارس الصينية
بمعزل عن كلّ ما يحوم حول تلك الصفقة من شبهات، والتي سنكشف الكثير منها في تحقيقنا المفصّل الذي سينشر لاحقاً، لابدّ من الإشارة إلى أنّ تلك الشركات الصينية أوكلت العمل مباشرة بعد توقيع العقد إلى مقاولين ثانويين محليين، مقابل نصف المبالغ المالية التي تقاضتها شركات الصين، ما أثار ريبة المراقبين والخبراء الذين أكدّوا تداخل الفساد مع سرقة المال ونفط العراق مقابل لا شيء، واعتبروا أنّه كان حريّ بالحكومة أن توكل العمل إلى مقاوليين عراقيين منذ البداية وتجنّب تلك الإلتفافة. وفق العقد الذي أبرم بين الحكومة العراقية والشركات الصينية، فإنّ تكلفة المدرسة الواحدة تراوحت ما بين مليارين إلى 3 مليارات، وهي تكلفة يرى مقاولون أنّها مبالغ بها.
المقاولون المحليون: نريد مستحقاتنا المتأخرة
اليوم تعلو صرخة هؤلاء المقاولين العراقيين، فإذا كان ثمّة من لا يتقاضى كامل المبالغ النالية، إلا أن آخرين قالوا إنهم حتى اليوم لم تدفع لهم الصين مستحقاتهم المتأخرة.
“أخبار الآن“ تواصلت مع أحد المقاولين يعمل كمزوّد للمواد الأولية المستخدمة في بناء المدارس، وقد طلب عدم كشف عن هويته حفاظاً على سلامته. عبّر المقاول عن تذمّره واستيائه من عدم استلامه مستحقاته منذ 6 أشهر، مبيّناً أنّ الشركة الصينية تتذرع في كلّ مرّة بحجة مختلفة، آخرها عدم قدرتها على صرف المستحقات مباشرة.
كما أشار المقاول إلى أنّه وعند مراجعته في مقرّ الشركة الصينية للمطالبة بالمستحقات المالية، كان يجد العديد من المقاولين الآخرين الذين يشكون من الأمر نفسه، ويتجمهرون عند مقر الشركة للمطالبة بمستحقاتهم.
“أخبار الآن” تنشر قريباً تحقيقاً موسّعاً عن مشروع المدارس الصينية، لتكشف خبايا تلك الصفقة التي تعود بالكارثة على أطفال العراق وسلامتهم، نتيجة نوعية المواد المستخدمة في البناء، لبناء مدارس غير ملائمة بالدرجة الأولى صحياً لنشأة أجيال العراق.