داعش في غيبوبة.. سقوط قيادي جديد في سوريا
يكاد لا يُعرف أي شيء حتى الآن عن ”زعيم داعش أسامة المهاجر“ الذي قُتل في 7 يوليو في ضربة لطائرة أمريكية بدون طيار في منطقة بزاعة شمال غرب سوريا.
الرجل الذي عرّفه الأمريكيون بأنه زعيم داعش أسامة المهاجر أطلق على نفسه اسم همام الخضر بن ياسر. هو من مواليد القلمون عام 1993، وكان يبلغ من العمر 30 عامًا عندما قُتل في ضربة الطائرة بدون طيار.
بعد تحقيق مكثف، حصلت ”أخبار الآن“ على صورة لثلاثة أشخاص – اثنان يمكن التعرف عليهما وواحد غير معروف. وأكدت أربعة مصادر مستقلة لـ ”أخبار الآن“ أن همام الخضر هو الشخص الذي يظهر في الوسط، والمصادر الأربعة هي زوجة الخضر، أحد الجيران، زميل في العمل، وموظف في أحد مكاتب الإنترنت التي كان الخضر يتعامل معها.
كما حصلت أخبار الآن على عقد إيجار الشقة التي كان يعيش فيها همام الخضر وزوجته منذ مارس من العام الجاري. وقاما بدفع 50 دولارًا شهريًا لشقة من ثلاث غرف نوم في بزاعة، بالقرب من منطقة الباب، في الجزء الخاضع للسيطرة التركية من سوريا.
عقد الإيجار مثير للاهتمام، لأنه يوضح تفاصيل كثيرة حول هوية همام الخضر. وبحسب العقد، ولد همام في 15 مارس من عام 1993 في القلمون قرب دمشق. اسم والده ياسر، واسم والدته زهية. كما يُظهر عقد الإيجار رقم بطاقة الهوية السورية للخضر ورقم هاتفه المحمول. ولكن لأسباب تتعلق بالخصوصية، قمنا بحجبها.
تقع الشقة في الحي الخامس في بزاعة في شارع عثمان بن عفان. وكان همام الخضر يقيم في المبنى رقم 7، وتقع الشقة في الطابق الثاني.
ودفع الخضر وزوجته، ولم يكن لديهما أطفال، 50 دولارًا كإيجار شهري. وبدأ العقد في 16 مارس 2023 وكان ساري المفعول لمدة ستة أشهر. وعلى الرغم من أن الشقة تحتوي على ثلاث غرف نوم، إلا أنها كانت متواضعة. ووفقًا للعقد، فالشقة بها مياه وكهرباء.
وقدّم الخضر نفسه في بزاعة على أنه رجل عادي يعيش حياة هادئة.
وفي 20 أبريل 2023، وجد وظيفة في محل لبيع المنظفات في بزاعة. وفي هذه الأثناء، كانت زوجته تعمل كمساعدة ممرضة في مستشفى الفارابي في مدينة الباب المجاورة.
وفي كل يوم عمل، بين الساعة 15:30 و16:00، كان الخضر يقود دراجته النارية لمسافة أربعة كيلومترات إلى مدينة الباب ليعود بزوجته من المستشفى الى المنزل.
وقالت مصادر متعددة، من الذين كانوا يعرفون الخضر منذ فترة وجوده في بزاعة، لأخبار الآن، إنه كان رجلاً هادئًا لا يتكلم إلا قليلاً، وأنه لم يتحدث عن السياسة ونادرًا ما يتحدث عن أشياء تخص ماضيه.
يقول زميله السابق في محل المنظفات: ”لقد عمل معنا في المحل وكان رجلًا هادئًا، لم يكن يبدو مثيرًا للمشاكل، كان فقط يقوم بعمله مع الزبائن ويشرح لهم أنواع المنظفات الموجودة هنا، العمل بسيط للغاية“.
هل اشتبه زميله السابق في انتمائه لداعش؟ يجيب: ”لا أعرف إذا كان همام مع داعش أم لا. رأيت أنه كان رجلاً هادئًا جدًا، لكنه كان يتمتع بأعصاب من حديد، في بعض الأحيان حين يبدأ القصف في المنطقة المحيطة بنا نكون جميعًا خائفين، لكنه لا يخاف أبدًا“.
أحد الجيران أكد أن الخضر رجل هادئ. ويقول الجار الذي فضل عدم الكشف عن هويته: ”إذا لم تجد همام في العمل، فستجده في المنزل، كان هادئ جدًا، هذا ما رأيته“.
لكن كونه رجلًا هادئًا لم يكن كافيًا للحفاظ على حياة هادئة في مجتمع بزاعة الذي يعرف الجميع فيه بعضهم البعض، وخصوصا في حال كنت شخصا غريبا عن المنطقة مثل همام الخضر.
وبحسب مصادر موثوقة، فإن ”فرقة الحمزة“ في مدينة الباب، وهي جماعة معارضة سورية موالية لتركيا، نظرت إلى الخضر بشك وحيرة عندما انتقل إلى الشقة في بزاعة، وتساءلوا عن هوية هذا الرجل.
في 18 مارس 2023، بعد يومين فقط من توقيع الخضر وزوجته عقد الإيجار، داهم أفراد من ”فرقة الحمزة“ شقتهم واعتقلوا الخضر. وبحسب المصادر، فقد صادر عناصر من ”فرقة الحمزة“ جهازي كمبيوتر محمول وأجهزة اتصال وكيس من الأموال، وتم استجواب الخضر.
أدى اعتقاله والعثور على أجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة الاتصال إلى إثارة تكهنات بشأنه. واكتشفت ”فرقة الحمزة“ خلال تحقيقها أن هذا الرجل الهادئ هو من منطقة القلمون قرب دمشق، وأنه قاتل هناك في صفوف المعارضة ثم انتقل إلى الحسكة شمال شرقي سوريا، ثم ذهب إلى إدلب، وفي النهاية استقر في بزاعة.
بالنسبة للعين المتمرسة، يشبه ملف الخضر الشخصي إلى حد كبير ملفات أعضاء داعش فهو الذين ينتقل من مكان إلى مكان للهروب من اعداء التنظيم، وفي النهاية يحاول الاختباء في بزاعة.
وقال مصدر مطلع على التحقيق مع الخضر أثناء وجوده في السجن: ”يشتبه في أنه كان خبير اتصالات داخل داعش“.
ومع سجن الخضر، قررت ”فرقة الحمزة“ القيام بأمرين:
أولاً، بعد عشرين يومًا في السجن، أطلقوا سراح الخضر دون أي تهمة بعد دفعه غرامة. وعاد الخضر سعيدًا ومرتاحًا مباشرة إلى الشقة في بزاعة حيث كانت زوجته لا تزال تنتظره بصبر.
ثانيًا، شاركت ”فرقة الحمزة“ محتوى أجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة الاتصال مع المخابرات التركية.
بالطبع، همام الخضر لم يكن على علم بالنقطة الثانية. ربما كان يعتقد أن إطلاق سراحه يعني أنه أصبح رجلاً حراً ولم يعد موضع شك.
وعلى الرغم من التزامه الصمت وتجنب أي مشكلة، وتمكنه من العثور على وظيفة بسيطة في متجر المنظفات وقضاء معظم وقته في المنزل، ارتكب همام الخضر خطأين تسببا في النهاية بمقتله في غارة الطائرة بدون طيار.
فقد استقبل همام الخضر مرة واحدة على الأقل ”أجانب“ في شقته في بزاعة. ولاحظ أحد الجيران في القرية كيف زار ” أشخاص غرباء“ شقة الخضر. ويقول الجار الذي طلب عدم الكشف عن هويته: ”لا أعرف من كان هؤلاء الزوار، لكنهم بالتأكيد ليسوا سوريين“.
ويقول زميله السابق في العمل أن همام الخضر استقبل ذات مرة زائرًا غريبا في محل المنظفات، ويضيف: ”سألته: من هذا الرجل الذي يزورك؟، فرد قائلا: هذا أحد أفراد عائلة زوجتي“.
هناك أيضا شيئا غريبا يتعلق بتغيب همام الخضر عن عمله. فخلال عمله في محل المنظفات، كان همام الخضر يتغيب عن الدوام كل يوم ثلاثاء دون إبداء أسباب. ويتابع زميله: ”نعمل هنا ستة أيام في الأسبوع ونغلق يوم الجمعة، لكنه كان يأخذ إجازة كل يوم ثلاثاء. لا أعرف لماذا فعل ذلك“.
في 7 يوليو من العام الجاري، دقت ساعة الصفر بالنسبة لهمام الخضر.
ووفقًا للقيادة العسكرية الأمريكية “سينتكوم”، نجت الطائرة الأمريكية بدون طيار MQ-9s التي كانت تطارده لمدة ساعتين تقريبًا من مضايقات الطائرات الروسية في وقت سابق من ذلك اليوم، ثم تمكنت بعد ذلك من توجيه ضربة محكمة قتلت الخضر.
وأطلقت الطائرة الأمريكية بدون طيار حوالي خمسة صواريخ على الخضر بينما كان يقود دراجته النارية من بزاعة إلى منطقة الباب لاصطحاب زوجته من المستشفى. أحد الصواريخ لم ينفجر، والباقي انفجر.
قُتل همام الخضر على الفور، وباستثناء رأسه، لم يبق منه شيء تقريبًا.
كما تم تدمير دراجته النارية بالكامل، هذا ما تبقى منها بعد الضربة.
أخبار الآن سألت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) عما إذا كان بإمكانها تحديد موقع الضربة رسميًا. “لن نعلق على الموقع الدقيق للضربة لأسباب أمنية”، جاء الرد من “سينتكوم” في بيان مكتوب، لكن” أسامة المهاجر، قيادي في تنظيم الدولة الإسلامية في شرق سوريا، قُتل في محافظة حلب (غرب) سوريا في 7 تموز / يوليو”.
تقع كل من بزاعة والباب في محافظة حلب.
وبعد مقتل الخضر بوقت قصير، تحدثت أخبار الآن إلى أرملته، سناء علي الحسين، وهي امرأة سورية تبلغ من العمر 24 عامًا أصلها من مضايا بالقرب من دمشق.
قالت أرملة الخضر: ”منذ زمن بعيد، كان زوجي مع التنظيم، لكنه لم يعد يتواصل معهم“.
وتعترف سناء الحسين بأنها عندما كانت تعيش في إدلب رفقة زوجها، قام بزيارتهما بعض قادة داعش، مضيفة أنها لا تعرف جنسياتهم، ولكن كان من بينهم أجانب.
وعلى حد قولها، فقد ترك الخضر داعش، وتضيف: ”زوجي ترك داعش بالفعل. عندما بدأت هيئة تحرير الشام بملاحقة قادة داعش في إدلب، انتقلنا إلى بزاعة بحثا عن الإستقرار، لم أكن موافقة على انضمامه لداعش، ولم أكن أعرف حقًا ما الذي يفعله مع التنظيم. أردت فقط أن أعيش في هدوء. كنا نفكر في إنجاب طفل“.
عندما حاولت أخبار الآن التواصل مع سناء الحسين للمرة الثانية، كانت الشقة في بزاعة فارغة والباب مغلق. وبحسب مصدرنا في المنطقة، فقد تم اعتقال زوجة همام الخضر من قبل الفصائل المسيطرة على المنطقة.