سعيد الجمل.. أخطبوط إيران يمني الجنسية
خلال الأشهر الماضية خرجت تسريبات داخل جماعة الحوثي في صنعاء، حول خلاف بين النظام الإيراني وسعيد الجمل – أحد رجال الأعمال اليمنيين المكلف من الحرس الثوري الإيراني، والذي عمل لعقود على دعم وتمويل الحوثيين من خلال تهريب الأموال إليهم من إيران، عبر شبكات معقدة وعابرة للحدود يُديرها الجمل، حيث توقف تدفق المساعدات المالية القادم للحوثيين من إيران، ما فتح مجالات للتساؤل، أين ذهبت تلك الأموال؟ ولماذا يُعتبر الجمل مهمًا بالنسبة للحرس الثوري الإيراني؟ ولماذا لا يزال الإيرانيين يتعاملون معه؟
كان الجمل غير مذكور في الساحة خلال الفترة الأولى لنشأة جماعة الحوثي خلال ٢٠٠٠ – ٢٠٠١، فيما كان يُسمي حينها بتنظيم الشباب، والذي أسسه بدر الدين الحوثي، وكانت من أبرز قياداته محمد بدر الدين الحوثي وعبد الله الرزامي ويحيى الحوثي، قبل أن يتم حله من قبل زعيم الجماعة حسين الحوثي فيما بعد، ليتم تشكل هيكلتهم من جديد على عقيدة أيديولوجية متطرفة.
في 10 من أيلول/ سبتمبر 2004 قُتل زعيم جماعة الحوثي ومؤسسها حسين الحوثي، على يد الجيش اليمني في إحدى كهوف مديرية مران بمحافظة صعدة شمال اليمن، لتنهار المليشيا التي كان قد شكلها أبان عودته من طهران، ما جعلها تتوقف لأشهر وتختفي من الواجهة، إلا أنها عادت من جديد بعد أن تسلم القيادة الأخ الأصغر (عبدالملك الحوثي) ولكن هذه العودة لم تكن بالهينة، فقد أعطى توقف الحملة العسكرية للجيش في صعدة قبلة الحياة لمليشيا كانت على شفا حفرة من الهلاك.
في العام ذاته الذي قُتل فيه حسين الحوثي، كان هناك شخص مبعوث منه (سعيد الجمل)، والذي ذهب ليكون مندوبًا وسفيرًا للجماعة في طهران، إلا أن إعلان النظام السياسي السابق في اليمن بأن الحركة متمردة على الدولة، جعل من إيران تنفي صلتها بالحوثيين ليظل الجمل رجل الظل الذي من خلاله تتدفق المساعدات المالية والعسكرية للحوثيين، بينما صرح الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح حينها في مقابلة له بأن “إيران لا تدعم الحوثيين، مشيرًا بأن الدعم الواصل من إيران للحوثيين يأتي من جماعات لها ايدلوجية دينية داخل إيران ليس لها صلة بالنظام الإيراني، وهذه الجماعات لديها حسابات تريد تصفيتها مع السعودية” بحد قوله.
(سعيد الجمل) والذي صُنف ضمن قوائم الإرهاب لوزارة الخزانة الأمريكية عام 2021، كونه القناة المالية التي من خلاله تمول إيران ميليشياتها في المنطقة، حيث يقوم بتهريب النفط الإيراني وبيعه في الأسواق العالمية، وإرسال الأموال التي يتلقاها إلى جماعة الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان، بالإضافة إلى حركة حماس في فلسطين وجماعة الشباب في الصومال عبر شبكات وطرق معقدة للتحايل على المراقبة والتتبع.
في الوقت الذي صنفت فيه الولايات المتحدة سعيد الجمل ضمن قوائم الإرهاب، تسربت صورًا كثيرة نشرتها وسائل الإعلام المحلية والإقليمية إنها للجمل، ولكنها كانت حملة ممنهجة من قبل إيران للتضليل على الإعلام، حيث أن الصور التي نُشرت لم تكن له، حيث حصلت “أخبار الآن” على الصورة الحقيقية بشكل حصري والتي تُنشر لأول مرة لسعيد أحمد محمل الجمل، والبيانات الخاصة به.
بحسب مصادر خاصة في المخابرات الحكومية في عدن لـ أخبار الآن، ففي مايو/ آيار 2013 قام سعيد الجمل بشراء عقارات في اليونان بمبالغ كبيرة، حيث بدأت علاقاته بالتوسع داخل الإتحاد الأوروبي وتركيا، فقد عقد عدد من الصفقات التجارية مع رجال الأعمال في اليونان وقبرص، من ضمنهم (كونستانتينوس ستافريديس) الذي شملته العقوبات الأمريكية لتعاونه مع الجمل في تهريب النفط الإيراني من خلال الشركة المملوكة له والتي تحمل أسم Fani Oil في اليونان.
وتكشف وثيقة من مكتب الإنتربول الدولي الاسم المزيف الذي استخدمه سعيد الجمل في التنقل خارج إيران، وذلك من خلال جواز سفر إيراني يحمل أسم “رامي أبو أحمد” وبحسب الإنتربول فأن الجمل تنقل بالعديد من جوازات السفر الصادرة بأسماء مختلفة من عدة بلدان، وهو ما يصعب عملية رصد مكانه الدقيق والقبض عليه، حيث يُعتبر مطلوبًا للعدالة بحسب قوائم الداعمين للإرهاب الصادرة عن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي.
انتهج الجمل عمل الظل في تهريب النفط الإيراني وتمرير الأموال الخاصة بها إلى المليشيات على مدى سنوات، عن طريق عدد من الطرق من أبرزها نقل النفط من الموانئ الإيرانية على مراحل متعددة، ونقل النفط من سفينة إلى أخرى في وسط المحيط، بعيدًا عن سلطات الموانئ والمراقبة، وإدخال مواد كيميائية أو علامات يمكن أن تغير البصمة الجيوكيميائية للنفط الإيراني والتي بدورها تجعل التعرف عليه أكثر صعوبة من قبل المراقبين الدوليين، بعد ذلك يتم البيع لشركات أوروبية صغيرة.
مصدر مقرب من جماعة الحوثي في صنعاء (طلب عدم ذكر أسمه) يقول لـ “أخبار الآن” بأن الجمل نشأت بينه وبين النظام الإيراني عدد من الخلافات، “حصلت خلافات حول نسبة حصته من عملية التحويل للحوثيين، وكذلك بعض الأمور السياسية، خصوصًا بعد أن قامت إيران بتهريب أحد أعضاء الحرس الثوري الإيراني إلى اليمن (حسين ايرلو)، وإعلانه سفيرًا لها في صنعاء” حيث حصل تغييرات داخل تكوين هيكل الجماعة، يأتي ذلك بعد أن تسرب للإعلام تورط شبكة (سويد للصرافة) و(شركة الحظاء) في تبييض الأموال وتهريبها للحوثيين من إيران، والتي تعتبر أحد أذرع الجمل في اليمن، حيث صنفتها فيما بعد الولايات المتحدة ضمن قائمة الإرهاب في القائمة ذاتها التي ذُكر فيها الجمل.
ما جعل المساعدات التي كانت ترسلها إيران للجماعة تتوقف، تحديد في أول 2021 عندما خسر الحوثيون رهان إيران وحزب الله في إسقاط مأرب، ووفاة السفير الإيراني لدى جماعة الحوثي في ظروف غامضة، لحقها تصنيف الجمل ومجموعة كبيرة من الشبكة التابعة له ضمن قوائم الإرهاب، “ومنذ ذلك الحين اختفى سعيد الجمل في ظروف غامضة” يُضيف المصدر لـ أخبار الآن.
الجدير بالذكر أن الجمل خلال فترة بقائه في إيران وتنقله بين تركيا واليونان وقبرص، أنشأ شبكة كبيرة لغسيل الأموال واستثمارها في هذه الدول من جنسيات متعددة، فبحسب وزارة الخزانة الأمريكية، فأن هناك أكثر من 20 كيان تم إثبات تورطهم بتهريب الأموال التابعة للجمل، من ضمنها شركات صرافة وتحويلات مثل شركة (Garanti Ihracat) التركية وكذلك شركات أخرى تختص بالإستيراد ونقل وشحن بحري، بالإضافة إلى شخصيات تعمل في مجال تهريب البشر إلى أوروبا عبر تركيا وقبرص، من بينهم عبد الجليل ملاح – السوري الجنسية المُقيم في اليونان، والذي يمتلك شركة Abamco Enterprises INC التي تعمل على غسيل الأموال النفطية لصالح الجمل، وأموال المخدرات والكبتاجون لصالح حزب الله والنظام السوري.
بحسب يوانيس مايكليتوس – الخبير الأمني المقيم في أثينا لـ أخبار الآن فإن “هناك شبكات كبيرة لتهريب وغسيل الأموال التي ترتبط بالنظام في إيران وأيضًا تنظيم داعش، وتتواجد في اليونان وتركيا، لأنها البوابة الأولى بإتجاه أوروبا” وهو ما يفسر ذهاب الجمل إلى اليونان بين الفترة والأخرى وحصوله على جواز السفر اليوناني عن طريق الاستثمار، وكذلك علاقته بالتجار ورجال الأعمال اليونانيين، بالإضافة إلى المهربين السوريين هناك.
توم كيتننغ – خبير القانون الدولي ومدير مركز الجرائم المالية والدراسات الأمنية، يقول “تنشط عمليات غسيل الأموال لصالح وروسيا وإيران والجماعات المسلحة التابعة لها وكذلك تنظيم داعش، في كلٍ من تركيا وقبرص واليونان وكذلك بنما والتي تعتبر نفق للتهرب الضريبي وغسيل الأموال”.
من خلال تتبع “أخبار الآن” لعلاقات الجمل الخارجية، فقد قادتنا الخيوط إلى شركة في بريطانيا مُسجلة تحت أسم “ALWAYS SMOOTH LTD”، وهي إحدى الشركات التي تقوم بعمل غسيل للأموال لصالح إيران وكوريا الشمالية، بحسب المخابرات البريطانية، والتي أدرجت فيما بعد بقوائم الإرهاب في المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي.
تورط الجمل وإيران في دعم مليشيات الحوثي وغيرها من المليشيات في المنطقة قد أثر بشكل كبير في تفاقم الصراع وزعزعة أمن واستقرار اليمن والمنطقة بأسرها، بينما لا يزال الجمل يسامر في الاستفادة من شبكات غسيل الأموال المعقدة للتهرب من المراقبة، حيث التي تم إدراجها ضمن قوائم الإرهاب هي بعض من الشبك الكبيرة والتي أصبحت روسيا تعتمد عليها في الوقت الحالي بسبب العقوبات الامريكية والاوروبية، ما يعني مزيد من تطوير شبكات التهريب والتهرب من العقوبات.
ليس من المفاجئ أن تستخدم إيران طرق ملتوية، وتُجند محتالين وإرهابيين، للقيام بعملها بزعزعة أمن المنطق، وإحياء الصراعات الإقليمية، لخدمة مشروع توسعها إقليمياً وعالمياً. ولا تشك مصادر يمنية في أن سعيد الجمل اختلس كمية ضخمة من الأموال الإيرانية المرسلة للحوثيين. لكن الجمل لم يستخدم الأموال الإيرانية فقط للاستمتاع بأسلوب حياة فائق الثراء مع عائلته وأصدقائه: لقد وضع أيضًا مبلغًا كبيرًا من الأموال والأصول في عدة بلدان ، وهو أكثر من كافٍ لاستمرار عائلته لأجيال. إيران تعرف ذلك وكذلك الحوثيون، الأمر الذي يفتح المجال أمام اسئلةٍ عدة، لماذا لم يتمكنوا من عزله بل استمروا في إشراكه بينما يخسرون الأموال والوقت؟
تسببت أفعال سعيد الجمل في تدمير العديد من مكاتب الصرافة الأخرى في اليمن بسبب ارتباطه بها. لقد رحل، لكن تم تدمير الذين تركهم وراءه.