هددها زوجها لتعمل مع جماعة الشباب ثم خرج مع الأمير ولم يعد
اليوم الرابع عشر من أكتوبر هو ذكرى التفجيرات الكبرى في الصومال، إنه هجوم عام 2017 الإرهابي الذي نفذته جماعة الشباب في الصومال، حين تم تفجير شاحنة كبيرة في العاصمة مقديشو، راح ضحيته 512 شخصا على أقل تقدير وجرح 400 آخرين.
تلك الجماعة التي تعمل على السيطرة على أكبر مساحة من الأرض في الصومال حتى وصلت اليوم إلى تواجدها في 70% من مساحته، وكان العامل الأساسي في انتشارهم وتمهيد الطريق لهم في كل بقعة نزلوا بها بالصومال هم الجواسيس.. جيش من الجواسيس تجنده جماعة الشباب، حتى أنهم يجعلون الشخص يشي بأقرب الناس إليه.
فكيف تقوم الجماعة بتجنيد جواسيسها وماذا يطلبون عليهم وكيف يسيطرون عليهم ؟
هذا ما ترويه إحدى جواسيس الجماعة لـ “أخبار الآن” من الصومال في قصتنا التالية:
فاطمة، عائشة، أو منى جميعها أسماء اقترحتها بطلة قصتنا اليوم كي نختار منها إسما غير اسمها الذي عاشت به طوال 35 عاما، فاطمة هو اسمها المستعار الذي أطلقناه عليها، فهي هاربة من جماعة الشباب بعد أن كانت تعمل معهم كجاسوسة مجبرة، فإما العمل معهم أو الطلاق وتشريدها وابنائها السبع، فاطمة أرشدت عن ابن خالها الذي ذهب الي منزلهم ليزور والدتها المريضة متخفيا في منطقتها التي يسيطر عليها “الشباب” فكان مصيره القتل، فكيف كانت البداية؟ وما آلت إليه الآن أحوال فاطمة؟ وغيرها من النساء الفارات من قبضة وحش العنف والتطرف، هذا ما رصدناه لكم في حكايتنا الجديدة من الصومال، حيث الجنة المفقودة والأرض المشتعلة تحت أقدام جماعة الشباب الإرهابية، التي تتوحد ضدها اليوم الدولة الصومالية بقياداتها السياسية والعسكرية، بل والقبلية أيضا فقد باتت الحرب الدائرة في الصومال اليوم هي المحددة لملامح مستقبل هذا البلد الممنوع من استغلال موارده بسبب وجود هذه الجماعة المتطرفة على أرضه.
أتت إلينا فاطمة من مكان مجهول وكان اللقاء في مكان آخر مجهول أيضا، تم توجيهنا إليه في الطريق، وكانت بصحبتها سيدة أخرى تقوم بحراستها تم تعيينها من قبل سلطات مقديشو نظرا لأن فاطمة مستهدفة من قبل جماعة الشباب، مطلوبة حياتها لأنها رفضت الحياة في ظل هذا الخوف وذلك القهر، تبدأ فاطمة رواية قصتها لـ”أخبار الآن” فوق سطح إحدى بيانات مقديشو فتقول”أنا سيدة صومالية عمري ٣٥ عاما، انضممت االي جماعة الشباب قبل ٥ سنوات وتركتهم منذ عامين وأعيش حاليا في مقديشو، كنت في قرية اسمها ورمحن (وهي قرية في محافظة شبيلي السفلى” ، و كنت أمتلك مطعم أديره بها ،أنا وجماعة الشباب كنا نتعامل معا حيث كانوا يأتون ليأكلوا عندي وزوجي كان عضوا فيهم وقال لي يوما: أريدك أن تنضمي للحركة ولو لم تنفذي ذلك فأنت مجرمة ولست منا”
فاطمة..انقطاع أخبار زوجها شجعها على التفكير في الهروب
تسترجع فاطمة تلك الذكريات وكيف ظلت ترفض في البداية ثم تماطل مع زوجها في إخباره بقرارها النهائي الانضمام للجماعة والعمل معهم فتقول”عندما طلب مني ذلك، أنا رفضت في البداية ولكنني بعد بضعة أشهر أصبحت حاملا وولدت وبعد ذلك قال لي إنضمي إلي هذه الجماعة وإلا سأطلقك.”
تستطرد فاطمة”أنا لدي الكثير من أبناء منه ولذا فعندما هددني بالطلاق وافقت على الانضمام من أجل أطفالي ، وبدأت العمل معهم فتحولت لجاسوسة تنقل الأخبار وتكتب التقارير في الناس من حولها، كنت أسمع لهم الأخبار وأكتب التقارير عن الوافدين للقرية وعن الموظفين في الحكومة وارفع التقارير للأمير،وكان للأمير حرية اختيار كيفية التعامل مع هؤلاء الذين أخبر عنهم ولم يكن لدي أدنى فكرة عن حكمه عليهم، فقد كنت مجرد جاسوسة، بعد ذلك فقدت زوجي ولم أعرف إن كان حيا أو ميتا ، قال لي إنه سيذهب إلى كيسمايو وهي مدينة ساحلية وبعدها لم أعثر عليه حيًا أو ميتًا ولم يصلني خبر منه.”
كان اختفاء زوجها حافزا جديدا لفاطمة لتفكر في الرحيل عن تلك القرية لتفر بأطفالها محاولة إنقاذهم من الحياة تحت حكم جماعة الشباب، لتكمل فاطمة قصتها ” ومنذ ذلك لم يعد هذا المكان يناسبني مع الأطفال الكثيرين فرحلنا إلى هريري جوبادلي، ثم استقرينا في كاران وهي ضاحية من ضواحي مقديشو، أصبحت الآن أذهب إلى سوق كاران في الصباح أبيع بعض الأشياء البسيطة في مساحة صغير بالسوق ثم أعود إلى المنزل، منذ عامين لا أجد زوجي وليس عندي أي خبر عنه،هذا هو حالي الآن باختصار.”
فاطمة: بعيدا عن الشباب.. أنا الآن حرة بعد حياة ضيقة معهم
تقارن فاطمة بين حياتها في كنف جماعة الشباب وبين حياتها الحالية رغم الخوف من تتبعهم لها ولأبنائها، فتقول”كنت أعيش حياة ضيقة ، لأنني لم أكن إنسانة حرة ، فالشخص الحر يفعل ما يريد ولكني كنت مسلوبة الإرادة، في ضيق من أمري وكنت أتعذب أثناء هذه المرحلة حيث كنت عندما استقبل ضيفا، لابد لي أن أحصل منه على خبر يصلح لكتابة التقرير المفصل، كنت في محنة ولم أكن مرتاحة فلم أكن أحيا حياة جيدة بل كنت أواجه العديد من الصعوبات في ذلك المكان، والحمد لله أنا تعافيت من هذه المشكلة وتجاوزتها لكن المشكلة التي تؤرقني أنني ليس لدي خبر حتى الآن من زوجي.”
وعن اختفاء زوجها تقول فاطمة “لم أجده هو ولا الأمير، لقد ذهب زوجي والأمير إلى كيسمايو معا ولم يعودا ولما سألت الأمير الجديد قال: ليس لدي خبر عنهمال وإذا حصلت علي معلومة عنهما سوف أخبرك وعليكِ ألا تفشي أسرارنا ولو فعلت ذلك سيكون عقابك أكبر مما نعاقب به الناس”
تحكي فاطمة عن حياتها وأبنائها وحياة المساكين من أهل قريتها تحت حكم جماعة الشباب فتقول”أولادي ٧ أطفال منهم ٣ أبناء صبية و٤ فتيات، لم يكونوا يدرسون شيئا سوى المدارس الدينية التابعة للشباب والآن يدرسون في المدرسة القرآنية (الكتاب) فليس عندي مقدرة لدفع مصاريف المدارس التعليمية العادية، أما عن حياتنا في ظل حكم الجماعة، فإذا لم يكن الإنسان حرا فلا يمكن أن يتحدث أو يفعل أشياء كثيرة، هؤلاء الناس هناك شبه مساجين وأسري وليس لديهم حرية فهم مجبرون، ويعانون،هم في محنة ولا يمكنهم الحديث عنها وإذا تحدثوا عنها تعرضوا للأذى، مرة واحدة حاولت امرأة ان تحكي ولا يمكنكم تخيل نهايتها لذلك ليس لديهم اي فرحة فالاشخاص متواجدون معهم تحت ستار الخوف.”
الهروب من وجه الجماعة
وعن كيفية هروبها بأطفالها ىمن قبضة جماعة الشباب تروي فاطمة “عندما قررت الرحيل كنت حامل في طفلي الأصغر وكنت بحاجة لرعاية طبية فقلت لهم أنني سأذهب الى المدينة وقالي لي الأمير أنه لا يمكن أن تتحدثي بأسرارنا، فأجبته أنني ليس لدي مقدرة لأنني مريضة ولا يمكن أن أدخل هذه الشؤون في سفرتي سوف أضع مولودي في تلك المدينة وأعود.”
في نفس التوقيت كان اثنبين من أطفال فاطمة قد كسرت أقدامهم أثناء اللعب، وهو ما لا نعرف إن كان حادثا قدريا خدمهم جميعا، أم دبرته الأم لتستطيع حمل أطفالها معها حيث تقول فاطمة “في نفس الوقت اثنين من أبنائي قاما بكسر قدميهما اثناء جريهما ولعبهما ، فقمت بعد ذلك بإحضار آبنائي إثنين بعد إثني، ثم أمي بعدهم، التي أصبحت مريضة بالسكري في هذه القرية لذلك خدمتها معنا الظروف التي لولاها لما استطاعت الخروج والهروب من قبضتهم، وهكذا ولدت ابني هنا بعملية قيصرية.”
وفي ظل انتشار جواسيس جماعة الشباب في أماكن عديدة بالصومال، كيف استطاعت فاطمة أن تكسب ثقة الحكومة الصومالية لتستقبلها هي ومجموعة كبيرة من العائدين من صفوف الجماعة، هذا ما تشرحه لنا فاطمة فتقول” أما عن الحكومة الصومالية، ففي البداية أنا كنت أم صومالية مجبرة على ذلك ولم أكن راضية عنه لأنني أم ل ٧ أطفال ليس لديها الجرأة أن تمارس ذلك العمل مع الشباب بإرادتها ولكنني كنت مجبرة وهذا ما أثبته للحكومة الصومالية مع مراعاتهم لظروف هروبي وأنا حامل، وبعد تحقيقات تأكدوا أنني كنت مجبرة وأنني بريئة من العمل مع هؤلاء، لذلك استقبلوني وأعطوني مكانا للأطفال وطعاما ودفعوا لي تكاليف العملية القيصرية، الحكومة الصومالية متفهمة جدا.”
فاطمة: روحي ملك لخالقي ولم أعد أخاف الجماعة أو غيرهم
وهل استطاعت فاطمة حقا الفرار من الجماعة التي لا تتسامح مع من يتركها ويهرب؟، وبل يتعامل قيادتها معهم على انهم خونة ويصدرون عليهم أحكاما بالإعدام، فأما الحياة في كنف الجماعة أو الموت قتيلا على يديها.
تضيف فاطمة”أولا الجماعة متواجدة في مقديشو، ظلوا فترة من الزمن يهددونني ولكنني قمت بتغيير شريحة الموبايل التي كان لديهم رقمها، وهم لا يمكن لهم أن يفرقوا بين امرأة وأخرى طالما ترتدي النقاب لكن لو في بعض المرات خلعت النقاب يمكن أن يعرفوني ولكن الحمد لله أنا الآن أتمتع بحرية تامة، لم أعد تلك السيدة التي كانت تعيش تحت الضغوطات والمعاناة أنا حاليا شخصية يمكنها أن تعبر عن نفسها وتربي أبناءها كما أنني تجاوزت كل الضغوطات والمعاناة والحمد لله ليس لدي أي مشكلة حاليا، وروحي ملك لله وحده ولا أخاف بشرا سواء كانوا حركة الشباب أو غيرهم.”
نعم أنا سعيدة جدا حاليا ولا أخاف غير الله ولا يهمني من يريد أن يفعل بي شيئا أو يتركني وشأني ليس لدي أدنى خوف حاليا، أنا الآن لا أخاف إلا الله ولا أخشى أي إنسان، لدي حريتي و أبنائي يدرسون في الكتاتيب وأنا أجري على قوت يومهم وأطبخ ما أجلبه لهم بحرية والحمد لله تجاوزنا المعاناة.”
فاطمة: وشيت بابن خالي عندما زار أمي فقتلوه
أما عن أغرب وأكثر ما تتذكره فاطمة بشاعة أثناء عملها كجاسوسة عند جماعة الشباب فهو ما تسببت بفعله في ابن خالها ، المجند في الجيش الصومالي عندما أتى لزيارة عمته”امها” المريضة متسللا إلى قريتهم، فخافت أن يعلموا من غيرها فأوشت هي بوجوده عند أمها، فأتوا وأخذوه ثم قتلوه، وعن هذا الموقف المؤلم تقول فاطمة” الغريب أنني عندما أتى ابن خالي الجندي لزيارة أمي المريضة متخفيا في منطقتنا وأنا لا يمكن أن أخفيه عنهم فأرشدت عنه الجماعة وقبضوا عليه، الله يرحمه قتلوه وكنت أنا السبب .”
تتذكر فاطمة بشاعة فعلتها تجاه ابن خالها فتبكي بحرقة وتطلب العفو من الله وتكمل ” بيدي سلمته لهم لأنني كنت خائفة علي نفسي وعلي أطفالي لذلك سلمته، هذا أكثر موقف محزن مر بي.”
أما عن عدد النساء والقتيات اللائي استطعن الهروب من جماعة الشباب في منطقتها فتقول فاطمة”ماشاء الله تبارك عدد من استطعن الفرار منهم أكثر من ١٠٠٠ لنقل آلاف أنا وحدي أعرف ٥٠٠ منهم.”
وتحكي فاطمة كيف تغسل الجماعة أدمغة الشباب الصغير فتقول”أولا دعيني أقول لك إن الأولاد الذين ينضمون هم شباب غسلوا لهم مخهم لا يوجد مقاتل معهم يتقاضى مرتبات عالية، فمثلا الرجل الذي يقولون له خذ هذه المتفجرات وفجر نفسك وسنعطيك مالا كثيرا، فهل يمكن أن تعود الحياة لمن فجر نفسه؟ لذلك معهم الرجال الذين غسلوا مخهم وغيروا أفكارهم ليس من بينهم من يأخذ المال، فقط يأخذون قوت يومهم من الغنائم التي يكتسبونها ولو لم يجدوه حتى عادي، ليس لديهم شخصا يأخذ مالا.”
إذن فهي حرب أفكار، إنهم يغسلون أدمغة الشباب بالأفكار الهدامة التي يزرعوونها داخلهم باسم الدين، لذا فإن حرب الحوكمة الصومالية ليست فقط على الجبهة بل هي حرب أفكار أيضا والنظام الحالي في مقديشو يدرك ذلك ويعملون على محاورة العائدين وتنبيه شباب القبائل لخطر التطرف والاستقطاب من قبل جماعة الشباب.