الضحية: ذهبت لأمير جماعة الشباب لأشتكي إليه فهددني
مزدحمةٌ هي المدن، وتتوه فيها الوجوه وتدفن فيها الأسرار، هكذا فكر آباء الفتيات المغتصبات من قبل مقاتلي جماعة الشباب في قرى وأقاليم الصومال، حيث يذهب من يطلقون على أنفسهم اسم مجاهدين إلى بيوت الفلاحين والفقراء في المناطق التي يسيطرون عليها ويختارون من يريدون من الفتيات ويطلبون أن تحضر الفتاة إلى مقر المقاتلين لكي تغسل لهم الملابس وتعد لهم الطعام، “حمدي” هي إحدى أولئك الفتيات، قررت أن تجازف بحياتها وتحكي قصتها الممنوعة، لعلها تجد من يساعدها وطفلتها الرضيعة، فهي لا تعلم كيف تعيش، ولا ما الذي ستفعله، وتريد فقط أن يدلها أحدهم على طريق النجاة.
التقت “أخبار الآن” بحمدي في أحد مخيمات النازحين بالعاصمة الصومالية مقديشو، وهو مخيم واجد الذي يأوي النازحين من مدينة واجد التي تسيطر عليها وتحكمها جماعة الشباب، تبدأ حمدي في رواية قصتها الممنوعة لنا فتقول “اسمي حمدي إسحاق، عندي ١٧ سنة، أولا دعوني أقول لكم أن كل شخص لديه سره وحياته الخاصة، وأنا الآن أكشف سري الدفين لكم لأنني أحتاج للمساعدة، فلو أفشيت سري ولم أجد مساعدة فسوف تكون هذه مشكلة كبيرة بالنسبة لي فأنا أفشي سري لربما يدعمني الناس حين يسمعونني”.
حمدي: الشباب كانوا يعيشون معنا بالقرية ويطلبون منا خدمتهم بالقوة
تبدأ حمدي في سرد تفاصيل قصتها المؤلمة قائلة “لقد جئت من قرية اسمها جودو في واجد، كان هؤلاء الشباب يعيشون معنا في القرية وكنا نتعامل معهم ونعرف بعضنا البعض وكانوا يدعوننا طوال الوقت لكي نغسل ملابسهم ونقوم بالأعمال المنزلية لأجلهم، غسلت لهم الملابس مرات عديدة وفي إحدى المرات بعد أن انتهيت من غسل الملابس و نظفت نفسي وقررت أن أرحل، حدثت معي المشكلة الكبيرة واعتدى على أحدهم، بعد حدوث الاعتداء علي عانيت كثيرا واكتشفت أني حامل ثم ذهبت وأخبرت المعتدي أنني حامل وأريد المساعدة فرفض وطردني.”
حمدي وغيرها من الفتيات ما هن إلا قاصرات تتراوح أعمارهن بين الـ15 والـ18، وفجأة يجدن أنفسهن أمهات بلا أزواج، ثم تأتى أوامر الأمير بالتزام الصمت أو الإعدام بتهمة الافتراء على المجاهدين، فيضطر آباؤهن إلى تهريبهن إلى العاصمة مقديشو بعيدا عن أعين الجماعة أملا في أن يبدأن حياة جديدة.
تكمل حمدي قصتها فتقول “شاء الله أن ألد من هذا الحمل طفلة وابنتي موجودة معي وعندها عام ونصف قالوا لي لو رحلتي عن هذه القرية فإن لكِ عقاب وخيم جراء الخروج من القرية وبعد ذلك مكثت في القرية لفترة من الزمن، وعندما ضاقت بي الحياة هناك بعد فترة حاولت أن أرحل عن القرية، أنا رحلت من قريتي علي عربة كارو “يجرها حمار” إلي واجد ومن واجد إلي بايدوا ومن بايدوا دخلت مقديشو بهذه الطريقة، جئت لمنزل أقربائي في مدينة قريبة من مقديشو وبعد ذلك علمت جماعة الشباب بمكاني هناك ففرت، جئت إلى مقديشو.”
حمدي: بعد اغتصابي هددوني بالتزام الصمت أو اتهامي بالافتراء على المجاهدين
صامتة تحت سيف الخوف، هكذا وصفت لنا الفتاة ذات ال17 ربيعا ما تتعرض له من قهر من جماعة الشباب الإرهابية التي لم تكتف باغتصاب الطفلة وتشريدها ولكنهم يقومون بتهديدها طوال الوقت فلا تستطيع أن تخبر أحدًا بما حدث معها ولا تستطيع أن تخرج للشارع كاشفة وجهها ربما يراها جاسوس من جواسيس الجماعة في شوارع مقديشو ويبلغ عنها.
وعن تفاصيل حياتها الجديدة بعد أن صارت الطفلة أما هاربة ومختبئة، ذائبة مع ملح الأرض الذي أتى من مناطق سيطرة الجماعة الأكثر تطرفا في أفريقيا إلى العاصمة مقديشو، تقول حمدي” أنا هنا أعيش وأسكن مع خالتي، وحتى لو حاولت أن أذهب إلى المدينة لا يمكن أن أخرج لا يمكن أن أمشي في المدينة، أنا إنسانة أعيش في ضيق شديد فمن غير المسموح لي بالخروج فأنا لا أبرح المنزل، أنا شخصية ممنوع عليها فعل أي شيء ولا تستطيع رؤية الشارع أنا أعيش مع هذه المأساة، ولو تحدثت عن هذا الموضوع يمكن أن أفقد حياتي وأنا صامتة تحت سيف الخوف”يا إخواني أنا أعيش مع هذه المشكلة التي وقعت لي ولو خلعت النقاب عن وجهي سأكون مرعوبة، رغم أنني أعلم أن من يموت سيموت بقدر الله ولكنني أخشى أن يروني جماعة الشباب لذا فإنني استخدم النقاب لأخفي وجهي”
حبيبة: لا أحد يستطيع رفض خدمة الشباب
حبيبة هي إحدى السيدات النازحات من مدينة واجد وهي أيضا إحدى قريبات حمدي والتي ترعاها في العاصمة بعد أن نزحت حبيبة إلى مقديشو ثم لحقتها حمدي، تقول حبيبة عن اغتصاب مقاتلي الشباب للفتيات في منطقتها “الفتيات الصغيرات كن يعلمن فقط أن “الشباب” يريدونهن ليغسلن الملابس للمجاهدين ويساعدنهم، وعليهن الاستجابة فلا يستطيع أحد أن يرفض، لأنهم يستخدمون القوة وبعد أن تبدأ الفتيات بغسيل الملابس تجدهن بعد ذلك حوامل ولا يستطعن التحدث عن ذلك، فلو تحدثت يقولون أنهن افترتن على المجاهدين ويقتلونها، وفي القرى عندما يعلمون بالأمر، يرسل الآباء والأمهات الفتيات إلى المدينة ليلدن هناك، ويدفنون السر في المدينة. وهنا لا يستطيعون الحديث عن ذلك ولو فعلوا سيقتلونهن أو يقتلون آباءهن، لذا فإذا شعروا أن الفتاة حامل يرسلونها إلى المدينة ويقولون أنها كانت متزوجة وتطلقت”.
حمدي: من اغتصبني كان الوحيد الذي أذهب لخدمته ورغم ذلك طردني حين أخبرته بحملي
ثم تستكمل حمدي سرد قصتها فتقول “رغم أن كلهم يضرون الناس ويقولون اغسلوا لنا الملابس، وقوموا بالأعمال المنزلية تحت الضغط والخوف لكن الشخص الذي اغتصبني هو الشخص الوحيد الذي كنت أغسل ملابسه كل مرة وكان يعيش معنا في القرية وبعد أن تحدثت للأمير عما حدث معي طردني، لقد رفضوني، رفضوا جميعا الاستماع لي، وقالوا لي لا يمكنك أن تتحدثي عما وقع لك وإن تحدثتي سوف تندمين ولا يمكن أن ترحلي من هذه القرية.”
ورغم صغر سنها تتحدث حمدي بكلمات مؤثرة وبمنطق عميق عن رغبتها في الحياة مع طفلتها، فلا تزال تطمح في حياة كريمة بعيدا عن خطر جماعة الشباب، ولا تزال تحلم بالأمان وبمستقبل أفضل لها ولطفلتها، لكنها لا تعلم أين السبيل لذلك في ظل وجود جماعة إرهابية جاثمة على صدور الضعفاء في الصومال.
وعن مصير طفلتها الصغيرة التي ولدت بلا أب يعترف بها تقول حمدي “لقد تركت طفلتي لأمي وقالت أمي أنا سأربيها لأنك تحت ضغط وظروف صعبة ارحلي واخرجي للمدينة، وحاليا ليس لدي القدرة على عمل شئ ولكن أرجو من إخواني أن يساعدوني حتى لو وفروا لي مكانًا أكون فيه آمنة فأنا مستعدة للانتقال إليه، لأجد طريقة كي أربي وأعول ابنتي حيث تعيش ابنتي مع أمي حاليا”
وتعيش حمدي الآن على أمل أن تجد لابنتها مستقبلا أفضل من الواقع الذي عاشته هي فتقول”أرجو أن أجد لابنتي حياة أفضل لأن الإنسان عندما يجد حياة طيبة يمكن أن يصبح لديه مستقبل جيدا، لكن إذا لم يمتلك الشخص من الأساس حياة كريمة فلن يكون له مستقبل، وعليه أرجو من الله أن أجد حياة طيبة لكي أفكر بعد ذلك إن شاء الله.”
وهكذا استباح أعضاء جماعة الشباب أعراض الفقراء تحت مسمى خدمة المجاهدين كما سبق واستباحوا أموالهم وأقوات أطفالهم تحت بند إتاوات أطلقوا عليها اسم الزكوات، حيث لا ترى حمدي وغيرها من ضحايا الشباب مستقبلا لهن في وطنهم مع وجود هؤلاء المقاتلين وعنفهم وإرهابهم، ويحلمون بذلك اليوم الذي ينتهي فيه هذا الكابوس الذي يضج مضاجع الصوماليين.
ضحية جماعة الشباب: قتلوا زوجي وسرقوا طعام أطفالي بجمع الإتاوات