جماعة الشباب بالصومال.. ذراع إيران لنشر جهاد طروادة في شرق أفريقيا
أعلنت وكالة الأنباء الصومالية الأحد الماضي عن مقتل 130 من أفراد جماعة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة خلال عمليات عسكرية للجيش الصومالي في مناطق متفرقة من البلاد.
ونقلت الوكالة عن بيان لوزارة الدفاع أن العمليات العسكرية التي نفذها الجيش كانت بولايات غلمدغ وهيرشبيلي وجوبالاند.
وذكر البيان أن قوات الجيش الوطني بالتعاون مع السكان المحليين والشركاء الدوليين تمكنت من مصادرة أسلحة ومعدات عسكرية وكذلك تدمير مواقع لجماعة الشباب، نقلا عن وكالة أنباء “العالم العربي”.
وجاء هذا البيان عقب أيام قليلة من إعلان الجيش الصومالي عن مقتل معلم أيمن، مؤسس وقائد جيش “أيمن” المسؤول عن تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في الصومال وكينيا.
حصلت “أخبار الآن” على معلومات حصرية عن التخطيط للغارة الجوية، ودور نائب أمير جماعة الشباب وقائد جهاز استخبارات الحركة “أمنيات” مهاد كاراتي في اغتيال معلم أيمن، في إطار الصراع بين أمير الحركة وكاراتي على النفوذ والمال.
فمن يقود تلك الجماعة التي تعصف بها الخلافات والتنازع على إمارتها اليوم، ومن يقف خلف كل تلك النزاعات والصراعات التي يدفع ثمنها الشعب الصومالي الذي أنهكته الحروب على مدار عقود، وفي مصلحة من أن يظل هذا البلد العربي في حالة اللا استقرار تلك؟
تكمن الإجابة عن كل هذه الأسئلة في عبارة واحدة، “جهاد طروادة” فماهو وماذا يعني؟
جهاد طروادة تعبير جديد على الأذن العربية، يعبر عن السياسة التي يتبعها النظام الإيراني في دعم بعض الجماعات السنية المتطرفة لنشر الفوضى في عواصم عربية مهمة يمثل تدميرها خدمة للمصالح الإيرانية، فما هي هذه الدول وما هي أحصنة طروادة المستخدمة في تلك الخطة.
العديد من المدن العربية والأفريقية باتت ترتبط بطهران بشكل ما، وعلى رأسها بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء، ومقديشو، ونيروبي وغيرها في العالم العربي أو في شرق أفريقيا، فما هو هذا الرابط الذي يصل بين تلك العواصم المختلفة والتي تقع في قارات مختلفة بل ويسودها مذاهب دينية مختلفة، ما الذي جمع بين كل هذه المدن؟ وما الذي ربطها بالعاصمة الإيرانية طهران؟
الإجابة أن جميعها عصف بها الإرهاب، ولكن أي نوع من الإرهاب فللإرهاب أنواع أيضا ومن يقف خلف الإرهاب في هذ الدول تحديدا، علينا أن نعيد قراءة التاريخ أولا كي نستطيع الربط بين الماضي والحاضر فإن النتائج عادة لا تنفصل عن المقدمات.
لا طالما عُرف الفرس ببراعتهم في مد الجسور لربط ربوع المناطق الذين يبسطون سيطرتهم عليها، لكن بلاد فارس الأمس ليست كإيران اليوم، رُغم أنها تبرع في تنفيذ المهمة نفسها، ولكنها هذه المرة ليست جسورا عادية، بل إنها جسور إرهاب تضمن لهم ربط بؤرهم الإرهابية بعضها ببعض لبسط سيطرتهم ونفوذها على البلدان تعيسة الحظ، المتواجدة بها تلك البؤر الإرهابية.
وتولي إيران للصومال أهمية كبرى بسبب موقعه الجغرافي الفريد وما يحويه باطن الأرض فيه من كنوز وخيرات طبيعية من شتى المعادن المختلفة، فالصومال قلب القرن الإفريقي النابض يمتلك موقعا جغرافيا يغبط عليه، إذا يتحكم بشكل كامل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب والذي يؤدي إلي أهم الممرات الملاحية في العالم “قناة السويس” والتي يمر منها وحدها أكثر من ١٣٪ من الملاحة العالمية.
وتجعل السيطرة عليه من إيران المتحكم الأول في هذه الممرات الاستراتيجية، وحيث أن إيران تقع مباشرة على مضيق هرمز فهذا يجعلها بشكل مباشر تغذي أوهامها التوسعية بمحاصرة شبه الجزيرة العربية بالكامل.
لماذا تدعم إيران جماعات الإرهاب السني رغم اختلاف المذاهب؟
لكن السؤال هنا، ما الذي جمع إيران الشيعية بحركة إرهابية سنية مثل جماعة الشباب الصومالية؟
السر ببساطة يكمن في كيان من كلمتين “تنظيم القاعدة”، والذي تدين له حركة الشباب بالولاء، ويمثل ذراعها الأقوى في أفريقيا وربما في العالم الآن، ويقبع زعيمه الجديد سيف العدل في العاصمة الإيرانية طهران.
وهو ما كشفه وزير الإعلام الصومالي “داوود أويس جامع” في تصريحات خاصة لـ “أخبار الآن” حيث يقول” مبدئيا نحن متفقون على أن جماعة الشباب مرتبطة بالقاعدة، ونعتبرها جزءًا من الإرهاب الدولي الذي يسبب الفوضى في بلدنا، ومنذ أن أصبح هناك قائد جديد للقاعدة، بالتأكيد سيظلون على تواصل معه، لأنه إذا قُتل القائد السابق، فمن المؤكد أن القائد الجديد سيتواصل مع الجماعات التابعة له في جميع أنحاء العالم، لذلك نفترض بشدة أنه لا تزال هناك علاقة قائمة بينهما.”
ذات الكلام أكد عليه عبدالسلام غوليد نائب رئيس جهاز المخابرات الصومالي السابق حيث قال في تصريحاته الخاصة الآخبار الآن”جماعة الشباب هي فرع لتنظيم القاعدة، في الصومال نسميهم “الشباب”، لكنهم جزء من الشبكة العالمية لتنظيم القاعدة، ربما إنهم صوماليون، لكن العقل والأسلوب والوسائل التي يستخدمونها ليست صومالية، بل هي من تنظيم القاعدة، وهي وسائل لإرهاب دولي وعالمي”.
من الصومال إلى كينيا..أحصنة طروادة تعبر حدود شرق أفريقيا
كينيا هي إحدى البلدان التي اكتوت بنيران إرهاب جماعة الشباب ومن على شاكلتهم،فتأثير الشباب ومن ورائهم إيران لن يقتصر فقط على العبث بأمن واستقرار الصومال بل امتد ليضرب جيرانها وعلى رأسهم كينيا.
فكان من الضروري أن نستمع لكيف تنظر نيروبي لهذه الجماعات الإرهابية.
في تصريحاته لـ “أخبار الآن” من العاصمة الكينية نيروبي يقول حسن خنانجي مدير مركز “هورن” للدراسات الاستراتيجية والأمنية في نيروبي”لقد تم استخدام جماعة الشباب كبيادق من قبل بلدان مختلفة سواء في المنطقة أو في الخارج كما تعلمون المنطقة بشكل أساسي بسبب المنافسات المستمرة داخل المنطقة، كانت بعض الدول تنشرها لتعزيز المصالح المحلية والإقليمية وبالتالي الادعاء بأن هذه الجماعة دينية ستكون في الواقع تسمية خاطئة سيكون من الخطأ، لأنها لا تفعل ذلك بينما هي على سبيل المثال في الغالب جماعة سنية كانت دائما على استعداد لقبول المساعدة سواء كانت من الشيعة أو من مجموعات أخرى”
ولكن دعونا نتساءل كيف يبدأ التسلسل وخارطة الطريق من طهران حتى مقديشو؟
في الحقيقة أن من يتابع السياسة الإيرانية يدرك بما لا يدع مجالا للشك أنها لا تقفز لخطوة بقدم وتبقي قدمها الأخر معلقة في خطوة سابقة، وإنما تتبع أسلوب التسلسل في كل شيء، فلكي تضع طهران إحدى قدميها على الضفة الغربية من مضيق باب المندب، كان لزاما عليها تثبيت قدمها الأولى على الضفة الشرقية.ولا تجد إيران في هذه اللعبة سوى أسلوبها المفضل لتخطيها، ألا وهو بناء “جسور الإرهاب”.
فجسر حوثيي اليمن يصل بطهران إلى جسر الشباب في الصومال، ومن ثم تبدأ في بناء جسور أخرى للتوغل بها في إفريقيا.
كيف صنعت إيران من اليمن والصومال جسرين لجهاد طرروادة عبر البحر الأحمر
وهو ما ذكره السيد غوليد على لسان أحد قيادي الشباب في الصومال، فعن هذين الجسرين من جهاد طروادة يؤكد عبدالسلام جوليد على أهمية البلدين لدى تنظيم القاعدة فيقول” أتذكر القصص التي كانوا يروونها لي حين قالوا: نحن المجاهدون، لدينا هدفين في هذا الجزء من العالم، الصومال واليمن سيكونا لتنظيم القاعدة، لأنه لا يوجد بحر بين اليمن على طول الطريق، يمكنك قيادة السيارة من اليمن إلى الطرف الآخر من الجزيرة العربية إلى إيران، إلى تركيا وحتى روسيا، ومن ثم الصومال يمكنك السفر من الصومال إلى نيجيريا ومنها إلى وسط وغرب أفريقيا دون بحر أيضا، فهذا مكان استراتيجي مهم للغاية والصومال ستكون قاعدتنا”.
وبغية تحقيق هذا الهدف لجأت إيران إلى تأسيس علاقات سرية مع حركة “الشباب” متخذة من القاعدة وسيطا بين الطرفين، حيث حاولت من خلال اعتمادها على منظماتها الخيرية في نشر التشيع والتجسس، التمهيد للتعاون مع حركة “الشباب”، كما فتحت أبوابها أمام البعثات الدراسية القادمة من أفريقيا، وخاصة إقليم شرق أفريقيا، للدراسة في الحوزات الدينية.
واعتمدت العلاقة بين إيران وحركة “الشباب” على مبدأ تحقيق المصالح المتبادلة للطرفين، ففي عام 2018 كشف تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة، عن ضلوع إيران في تمويل وتسليح حركة “الشباب”، عبر جماعة الحوثيين في اليمن والتي شكلت جسر الإرهاب الرئيس بين آسيا وأفريقيا.
السلاح الإيراني يصل لجماعة الشباب عن طريق جسر الحوثي في اليمن بوساطة من تنظيم القاعدة
وفي هذا الشأن يقول عبد السلام غوليد”هناك علاقة بين تنظيم القاعدة الدولي والفرع الصومالي، الذي هو حركة الشباب، وهذا صحيح من اليمن إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي، نعلم أن تنظيم القاعدة يرسل ممثلين على مستوى عالٍ إلى تنظيم الشباب سنويا أو كل ستة أشهر، يأتون بتدريبات، ويحضرون معدات، وينقلون رسائل، ويأخذون شيئًا معهم لتقديمه إلى تنظيم القاعدة”
ويضيف جوليد”إنهم يعملون معًا، الأسلحة التي استخدمها تنظيم الشباب تأتي من اليمن، وبكل وضوح فإن تنظيم القاعدة في اليمن وتنظيم القاعدة في الصومال هم جزء من شبكة واحدة”
في مقابل هذه الأسلحة وذلك التمويل، تحصل طهران على نفوذ للتحكم في الممرات البحرية الهامة في المنطقة، كما تحصل علي الفحم الذي تحتاجه بشدة بل وتصدره بعد ذلك، فضلا عن العامل الأهم وهو حصولها على اليورانيوم الذي تحتاجه لإكمال حلمها النووي.
الفوضى وأحصنة طروادة
كما يقف الاستقرار والتنمية في علاقة عكسية مع الإرهاب والدمار فإنهما أيضا يقفان أمام إيران ومشروعها التوسعي في ذات العلاقة العكسية.. فالسبيل الوحيد لتحقيق أطماع إيران في أي دولة أو إقليم هو ضرب استقرارها وأمنها وتمكين الإرهاب منها ومن مفاصلها، ومن ثم يمكن سيطرة طهران عليها من على بعد عبر وكلاءها الذين يمثلون “إرهاب أحصنة طروادة”.
وعن ذلك النهج لإيران وتنظيم القاعدة يقول جوليد “تنظيم القاعدة والعناصر الإرهابية والمنظمات الإجرامية يمكن أن يعيشوا دائمًا في البيئات التي لا تتوفر فيها حكومات فعّالة أو مؤسسات قوية، اليمن مثلا هو بلد متمزق، والصومال أيضًا بلد متمزق، وهما يمكن أن يكونا مكانًا مثاليًا لازدهار تنظيم القاعدة، وهذا هو السبب في رؤية تنظيم القاعدة بهذه القوة.”
لكن يبقى التساؤل الأبرز كيف لعاصمة المذهب الشيعي في العالم أن تجند جماعات إرهابية سنية لتحقيق مآلاتها وأهدافها التوسعية؟ وكيف تقبل تلك الجماعات الإرهابية السنية أن تلعب دور دُمى أحصنة طروادة في يد نظام الملالي الذي يكن الكراهية للشعوب الإسلامية السنية؟
سؤال لن تجيب عليه سوى النظرية السياسية الشهيرة “لا ثوابت في السياسة”، وأن عدو الأمس قد يصير صديق اليوم، وأن أكبر المبادئ قد تنهار عندما تتلاقى المصالح السياسية.
لكن الإجابة الأكثر وضوحا قد تكون: أنه لا مبادئ للطرفين من الأساس، لهذا كان من السهل جدا اتفاقهما على الهدف نفسه، هدف الجماعات الإرهابية ضرب الاستقرار في المنطقة وهدف طهران السيطرة على المنطقة بعدما يضربها الإرهاب.
معركة يفوز فيها الإرهاب والتطرف_ سنيا كان أم شيعيا_فمثلما كان أول الجسر شيعيا في اليمن وأخره سنيا في مقديشو، وقبله في دمشق وبيروت وبغداد والقائمة تطول.
فإيران تتعامل مع كل تلك العواصم كمفاصل تربط كل منها جنزير دبابتها وتحكمه في طريقها نحو ضرب المنطقة، ضمن خطتها الكبرى.. جهاد طروادة.