كان رضي موسوي، القائد الكبير للحرس الثوري الإيراني الذي قُتل في تمام الساعة 16:20 بتوقيت طهران في منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة السورية دمشق، أحد أقدم وأهمّ قادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في المنطقة.
وقد قال السفير الإيراني لدى سوريا حسين أكبري، في تصريح لوكالة “مهر” يوم الاثنين، إنّ “موسوي كان في سفارة بلادنا عند الساعة 14:00 ظهر اليوم، وتواجد في مكان عمله، وبعد الظهر توجّه إلى مقرّ سكنه ومنزله في منطقة السيدة زينب”. وأكّد أنّ موسوي قتل بـ 3 صواريخ أطلقت على منزله. ووفقاً له، فإنّ شدّة الانفجار كانت كبيرة لدرجة أنّه تمّ إلقاء جثة رضي موسوي من الغرفة إلى الفناء، مع الإشارة إلى أنّ موسوي كان يعيش في دمشق قبل 30 عاماً، ولم تكن زوجته التي تعمل معلمة في المنزل عندما حصل الهجوم.
وفي السنوات الثلاثة الماضية، نفّذ الطيران الإسرائيلي عدّة هجمات ضدّ مواقع إيرانية في سوريا، ما أدّى إلى مقتل قادته وكبار ضباطه. وفي إحدى الهجمات الأخيرة، في 2 كانون الأول\ ديسمبر، قُتل سردار محمد عطائي شورجة وسردار بناه تقی زاده، وهما عضوان في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في هجوم إسرائيلي. لكن مقتل رضي موسوي كان مختلفاً بالنسبة للسلطات الإيرانية، وقد قال أحد قادة الحرس الثوري الإيراني إنّه لو لم يُقتل قاسم سليماني، لكان مقتل رضي موسوي بمثابة الضربة الأكثر أهمية التي توجهها إسرائيل إلى الحرس الثوري الإيراني، فمن كان هذا الرجل؟
أبو محمد الرجل خلف الستار
ولد رضي موسوي، الملقب بأبي محمد، في زنجان (Zanjan) العام 1962، وكان عضواً في جيش تلك المحافظة خلال الحرب العراقية – الإيرانية.
حتى صيف العام الماضي، عندما نشر تلفزيون إيران الدولي صورة رضي موسوي، لم يكن هناك فيلم أو صورة له، وحتّى في الفيلم الوثائقي الذي أنتجته الجمهورية الإسلامية عن قاسم سليماني، تمّ إغلاق إطار الكاميرا بحيث لا يمكن التعرّف على وجه رضي موسوي.
كان الرجل ينتقل ذهاباً وإيّاباً إلى سوريا حتّى العام 1987، ولكن منذ العام 1991، عاش هناك واستقرّ فيها كعضو في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وبعد فترة وجيزة، أصبح موسوي أحد القادة الرئيسيين للجمهورية الإسلامية في سوريا، حيث كان رئيساً لوحدة فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني 2250، وهي المسؤولة عن الخدمات اللوجستية والإغاثة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري في دول المنطقة. وتلك الوحدة هي مجموعة فرعية من الوحدة الأكبر 2000.
ومحمد جعفر قصير، الملقب بالشيخ فادي، هو رئيس الوحدة 108 في فيلق القدس وقائد الوحدة 4400 لحزب الله في لبنان، وكان مسؤولاً عن نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان بإشراف رضي موسوي، الذي كان يتلقى الأسلحة القادمة من إيران من بهنام شهرياري، رئيس الوحدة 190.
وأرسل موسوي بعضاً من تلك الأسلحة مباشرةً من طهران إلى لبنان عبر رضا صفي الدين، زوج زينب سليماني ابنة قاسم سليماني. والد رضا، هو هاشم صفي الدين، نائب حسن نصر الله ورئيس المجلس التنفيذي لحزب الله اللبناني.
رئيس مكتب الإغاثة التابع للحرس الثوري الإيراني، الهدف الإسرائيلي
في سبتمبر العام 2022، تمّ الكشف لأوّل مرّة عن هوية أعضاء مكتب إغاثة فيلق القدس في سوريا، أو الوحدة 2250، والتي بموجبها كان عبد الله عبادي هو وكيل نقل الأسلحة عبر رحلات الركاب من طهران إلى دمشق، وكذلك میثم کتبی بصفته وكيل النقل، وكانت عمليات النقل لدى رئيسهم رضي موسوي، رئيس مكتب المساعدات.
يقع المقرّ الرئيسي لذلك المكتب في دمشق، ولكن له أيضاً ممثلون في اللاذقية وحماه وحلب ودير الزور، وفي الفترة ذاتها، استهدفت إسرائيل المستودعات ومواقف السيارات وحتّى مقر قيادة مكتب الإغاثة بهجوم صاروخي، لكن حينها نجا رضي موسوي من ذلك الإستهداف، وهو يعتبر أحد القادة الـ 6 الرئيسيين لفيلق القدس التابع للحرس الثوري في مجال نقل الأسلحة في سوريا ولبنان، فيما الأعضاء الآخرون في تلك الشبكة هم:
- العميد فريدون محمدي سقايى، وهو المسؤول عن نقل ونشر أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة الإيرانية في سوريا ولبنان.
- محمد جواد جعفري. كان قائداً للقوات الإيرانية في سوريا، والآن هو قائد الوحدة 4000 (وحدة العمليات الخاصة) في فيلق القدس.
- حسن مهدوي، قائد القوات الإيرانية في لبنان، يتولى مسؤولية القوات الإيرانية في سوريا حاليا، لأنّها لم تجد بعد بديلاً مناسبا للجعفري.
- بهنام شهرياري، نائب قائد الوحدة 190 في الحرس الثوري الإيراني، وهو مسؤول عن نقل الأسلحة إلى سوريا ولبنان.
- أما الشخص السادس فهو علي أصغر نوروزي، رئيس الخدمات اللوجستية في الحرس الثوري الإيراني، والمسؤول عن مستودعات المعدات في إيران.
في أغسطس العام 2022، وصفت القناة الإسرائيلية 14، رضي موسوي بأنّه العقل المدبّر لتنظيم نقل الأسلحة التابع للحرس الثوري الإيراني في دول المنطقة.
وقال حسين بولارك، رئيس هيئة الإسناد في ما يسمى بـ “جبهة المقاومة”، إنّ إسرائيل حاولت اغتيال رضي موسوي مرّتين، لكنّه لم يذكر التوقيت، مع الإشارة إلى أنّ موسوي كان أصيب في الهجوم الإسرائيلي على دمشق العام 2018، ليبتعد عن الميدان لفترة.
وفي السابق، وتحديداً في 10 مايو العام 2016، كان رضي موسوي ومصطفى بدر الدين، أحد قادة الجناح العسكري لحزب الله وصهر عماد مغنية، هدفاً للاغتيال الإسرائيلي الذي حدث في مكتب رضي موسوي في دمشق. قُتل بدر الدين، لكن موسوي نجا هذه المرة أيضاً.
وفي 30 أبريل/نيسان والأول من مايو/أيار، هاجمت إسرائيل قافلة شاحنات تحمل أسلحة في منطقة شنشار، جنوب مدينة حمص. الأسلحة التي كانت تتحرك تحت إدارة رازي موسوي رئيس الوحدة 2250 في فيلق القدس والشيخ فادي قائد الوحدة 440 في حزب الله. الأسلحة التي جلبتها طائرات الشحن الروسية أنتونوف 74 التابعة لشركة ياس للطيران من إيران.
من أقرب القادة إلى قاسم سليماني
وبحسب وكالات الأنباء التابعة للحرس الثوري الإيراني، فقد شارك رضي موسوي في كلّ مراحل الحرب الأهلية السورية، وأهمّها حرب حلب، حيث قامت الميليشيات الشيعية المدعومة من طهران بذبح أهالي حلب بالتعاون مع جيش بشار الأسد. ويعتبر كبار قادة الحرس الثوري رضي موسوي أحد العوامل الرئيسية لبقاء بشار الأسد في سوريا واستقرار حزب الله في لبنان.
كما كان موسوي أقرب قائد لقاسم سليماني. وبحسب علي صالحي، أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، فإنّ رضي كان الوحيد الذي علم برحلة قاسم سليماني بين إيران والعراق وسوريا ولبنان، وبالتالي فالعلاقة كانت قوية جدّاً لدرجة أنّه في الفيلم الوثائقي الذي أنتجته إيران عن القائد السابق لفيلق القدس، تسميه ابنة سليماني بعمّها في روايتها.
الطريق إلى الموت.. من السفارة إلى المنزل
ويقول سفير الجمهورية الإسلامية في سوريا إنّ رضي موسوي كان دبلوماسياً والمستشار الثاني للسفارة وذهب إلى السفارة حتّى الساعة الثانية بعد ظهر يوم 25 كانون الأول/ديسمبر ثمّ عاد إلى منزله. ويبدو أنّ تلك الوظيفة كانت بمثابة تنظيم لتسهيل سفره إلى جهات الحكومة السورية.
وكشف جعفر أسدي، أحد القادة السابقين للحرس الثوري في سوريا، أنّ إسرائيل هاجمت الأسبوع الماضي المكان نفسه للقضاء على رضي موسوي. وقال إنّ إسرائيل تمكّنت من تحديد الموقع الدقيق لموسوي من خلال جواسيسها.
وفي السنوات الأخيرة، لم يستهدف الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي أجهزة المخابرات الإيرانية فحسب، بل تمّ نشر عدّة تقارير حول بيع معلومات إلى إسرائيل من قبل قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا. لقد حدث مقتل قاسم سليماني بمساعدة جواسيس جعلوا الجدار الأمني السميك حوله قابلاً للاختراق. واليوم وفي إحدى تلك التوغّلات، تمّ الكشف عن منزل رضي موسوي الذي قُتل بثلاثة صواريخ إسرائيلية أطلقت من شمال الجولان.