أخبار الآن تنفرد بالتواجد على جبهة القتال المشتعلة ضد الشباب في الصومال
بعد أن قضينا 6 أيام في العاصمة الصومالية مقديشو تحاورنا فيها مع وزراء في الحكومة الصومالية ومسؤولين سابقين في المخابرات الصومالية متخصصون في ملف جماعة الشباب الإرهابية، وتنقلنا بين مخيمات النزوح التي تأوي ضحايا الجماعة من المستضعفين من النساء والأطفال وأيضا مسؤولين سابقين في الجماعة بعد استتابتهم وعودتهم إلى صفوف الشعب الصومالي.
كان علينا التوجه إلى جبهة القتال المشتعلة بوسط الصومال، حيث إقليم غلمدغ Galmudug المطل على البحر الأحمر ومركز تمويل جماعة الشباب الأكثر شراسة وتطرفا في أفريقيا، فهنا يستقبلون السلاح الإيراني القادم إليهم من تنظيم القاعدة باليمن عبر البحر المتوسط وهنا تتمدد الجماعة وتنتشر وتغتال وتهدد من يقف في طريقها من شيوخ القبائل.
وبم أن الإرهاب عادة ما يستهدف قلب الأمم، وفي قلب الصومال وفي وسطه تمامًا، يقع إقليم غلمدغ، الذي ضربته النزاعات القبلية، وحاول “الشباب” عبر فتنهم تمزيقه، واستطاع فريق عمل أخبار الآن وحده بالتواجد فيها، في منطقة ندر زيارة الصحفيين إليها لخطورتها الكبيرة، إذ يقود الرئيس الصومالي بنفسه الحرب عليها، فالغرض الرئيسي من قطع دابر الشباب فيه هو قطع طريق الإمدادات التي تصلهم من اليمن والتي تضمن الأسلحة الإيرانية عن طريق ساحل محافظة جالجدود Galguduud المطلة على البحر الأحمر والتابعة لولاية غلمدغ.
معركة غلمدغ.. كيف يستأصل الصومال جماعة الشباب الإرهابية من جذور القبائل
وعلى جبهة القتال في مدينة ويسيل التابعة لإقليم غلمدغ حاورنا قائد القوات الصومالية المقاتلة في وسط الصومال الجنرال عبدالله آدم إرو، والذي تحدث عن الكثير من الجهود لدحر الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة، وعن خفايا الجماعة الأكثر تطرفا في أفريقيا.
وفي حواره معنا يقول الجنرال إرو “إن هدف الشباب ألا يظل شخص صومالي حي وألا يجد شخصين متفقين في الرأي كما أنهم يفتنون بين القبائل جماعات وفرادى ويسطون على أموال الناس لذلك نحن كحكومة نعمل على المصالحة ونضع قوات كتائب الجيش بين القبائل المتحاربة كما أنهم يصنعون المتفجرات ويزرعون الألغام في كل الأرض دون مبالاة ونحن نعمل على قدر استطاعتنا على التحذير والتوعية بها كما نعمل على منع زراعتها.. في المجمل المعاناة التي يتسبب بها الشباب للشعب الصومالي لا يمكن تقدير حجمها لكن نرجو في المستقبل القريب أن تقل هذه المعاناة”
تحدث الرجل بثقة تعكس خطة محكمة للقضاء على حركة الشباب، خطة تستند على عنصر غاية في الأهمية استطاع قلب موازين هذه الحرب وتشكيل ملامح نصر يلوح في الأفق للصومال، فما هو؟
قطع طريق الإمدادات الإيرانية بين قاعدة اليمن وشباب الصومال يبدأ من غلمدغ
اعتمدت الحكومة الصومالية عنصرا جديدا في حربها على إرهاب جماعة الشباب قادرا على ترجيح كفة نصرها بعد أعوام من القتال، ألا وهو القبائل.
القبائل.. عنصر جديد إذن دخل على المعادلة ويصنع حامية مجتمعية تحارب الإرهاب حتى ولو كان أصحابه من نفس هذه القبائل، وهي خطوة قد تساعد في تغيير مفهوم القبلية الذي لطالما مثل ازمة في حروب الصومال التي لم تهدأ لعقود.
توجهنا لمقابلة قائد قوات القبائل السيد عبدالمنان محمد عثمان لنحاول التعرف على طبيعة الحرب في منطقة ويسيل ومتى بدأت؟ولماذا انضمت القبائل إلى تلك الحرب؟
يقول الشيخ عبد المنان عن السبب الذي جعلهم ينضمون إلى صفوف القتال ضد الشباب “قررنا قبل عامين بعدما هاجم الشباب هذه المدينة مدينة ويسيل، وبعدما كانوا يحاربون مناطق مجاورة لنا، ويحاربون إخوان لنا من قبائل أخرى، في ذلك الوقت قررنا أن نواجههم.”
نساء القبائل على جبهة القتال ضد جماعة الشباب إنتقاما من إجرام الشباب ضدهن
لكن ما الذي دفع القبائل والمدنيين لحمل السلاح ضد الشباب؟ ببساطة.. إنه الثأر
حليمة السعدية سيدة صومالية ضمن مجموعة سيدات على جبهة القتال يقمن بمساعدة المقاتلين من قوات القبائل ضد الشباب، تقول حليمة عن سبب وجودها على الجبهة “السبب هم أولئك الشباب، لقد آذوا أهلنا، ودمروا منازلنا، ونزحنا هربا منهم، نحن الآن موجودون هنا بعدما أحرقوا هذه المدينة بمتفجرات، وما زالت منازلنا مدمرة يمكنكم رؤيتها، لذلك لدينا عداء شديد معهم”
هذا ليس موقف حليمة وحدها بل إنه موقف موحد لفتيات وسيدات البلدة حتى العجائز منهن من لم تستطع خدمة المقاتلين تذهب للدعاء لهم وشحذ هممهم.
وتضيف حليمة السعدية “كل ما نعرفه عن الشباب أنهم أناس لا يرحمون، ويختبئون خلف ستار الدين، لكن لا يمكن ان نطلق عليهم اسم مسلمين، ولا يمتون للإسلام بصلة، إنهم يقتلون الأبرياء، ويحرقون الناس، وينهبون الأموال، إنهم أعداء وعلينا التخلص منهم”
بسيطة هي حليمة وفقيرة كمعظم سيدات بلدتها ولكنها حملت بين جوانحها حكمة المعلم وصلابة المقاتل، لقد صنعت جرائم الشباب وفظائعهم في المجتمع الصومالي من نسائه بطلات مفوهات.
يشرح الشيخ عبد المنان محمد عثمان سر ذلك الوعي القبلي فيقول”بعدما رأينا أنهم يحرفون الدين، ويقتلون الناس وينهبون أموالهم، ويدمرون الآبار ويهدمون المنازل، ويفجرون البشر وأصبحوا يحاربون الحكومة، أدركنا أن جبهة حكومتنا ليست قوية، لذلك قررنا أن ننضم إليها في الحرب”
ويضيف الشيخ عبد المنان”إن عدد المقاتلين من هذه الولاية فقط، يصل لأكثر من ١٠ آلاف من أبناء القبائل، جاهزون جميعا لمواجهة جماعة الشباب في الولايات الوسطي”
لم تسلم القبائل ولا زعماؤها من تهديدات الشباب بعد إعلان الحرب على الحركة الإرهابية، ورغم ذلك تم تجاهل هذه التهديداتواختاروا الطريق الأصعب، المواجهة ، ولقد كان الشيخ عبد المنان أحد هؤلاء الزعماء المهددين من جماعة الشباب وعن ذلك يوضح عبدالمنان “تهديدات جماعة الشباب لنا كانت موجودة من قبل أن نعلن الحرب ضدهم، قتلوا بعض شيوخ القبائل، وقتلوا التجار والمسؤولين، وهددوا البعض الآخر، حتى أنا شخصيا كانوا يهددوني، ويتصلون بي حينما بدأنا الإعداد للانضمام”
قائد قوات القبائل: سنحارب الشباب حتى لو كانوا أبناء عمومتنا
لم يأت عناصر جماعة الشباب في الأصل من الخارج بل معظمهم اتى من قلب تلك القبائل وهو ما مثل عقبة رئيسية ومعضلة كبيرة تواجه قوات القبائل في حربها على الشباب، فكيف يتم التعامل مع أبناء القبائل في صفوف الشباب؟
يشرح الشيخ عبد المنان قائد قوات القبائل بإقليم غلمدغ ذلك قائلا “هؤلاء الرجال الخوارج الذين يحاربوننا هم في الأصل صوماليون، ولمواطني القبائل أقارب في صفوف الشباب، لكن اليوم أصبحنا إخوة متحدين ضدهم، ومن نحاربهم من مقاتلي الشباب، لو كان أحدهم ابن عمنا أو ذو عرقية صومالية، فهو اليوم رغم ذلك بات عدوا، لم يعد منا ولا ينتمي لنا”
ليس فقط شيوخ القبائل وحدهم من يقاتلون ضد جماعة الشباب، بل نساءها أيضا واللائي لم يدخرن جهدا للحرب ضد الإرهاب، الذي ذقن منه الأمرين.
حيث تقول حليمة السعدية من على جبهة ويسيل للقتال وهي رافعة سيف تذبح به الأغنام لطعام المقاتلين “نحن هنا نعمل ونجاهد لقتال الأعداء من جماعة الشباب، نحن نقف بجوار رجالنا، سواء كان ذلك بالعمل والدعاء، أو بالتبرع بذهبنا، فنحن نجاهد ضدهم سواء كان بالكلمة أو بالفعل، نحن هنا مع أولادنا وأزواجنا، ندعو لهم ونعطيهم المال، نشجعهم ونقف في ظهورهم، لدينا أيضا سيوفنا ونريد أن نقضي على جماعة الشباب”
مساعدات القبائل وسيداتهم، لا ينفك يتوقف أحد من المقاتلين التوقف عن الحديث عنها، وهو ما ظهر خلال لقائنا مع أحد المقاتلين هناك
وعن ذلك يحدثنا الملازم شاكر أحمد حسن، مساعد قائد كتيبة ٢٧٣ والموجود أيضا على جبهة ويسيل وهو المسؤول عن تأمين حماية السيدات والعجائز على الجبهة فيقول “إنهن متطوعات أن يقفن إلى جانب الجيش، من ناحية إعداد طعام المقاتلين، شربهم، غسل ملابسهم، وتوفير أي مساعدة ممكنة، لدرجة أن بعض الأمهات تبرعن بذهبهن، وهن ماشاء الله واقفات بجوارنا، إذا لم يكن ماديا، فهن يقفن معنا معنويا”
الجنرال عبدالله إرو: لولا الدفاع الشعبي ماكان لنا أن نحقق نصرا على الشباب
عن ذلك الدفاع الشعبي يقول الجنرال عبدالله آدم إرو “رجال القبائل هم الدفاع الشعبي، الذي ما كان لنا أن نحصل على النصر لولاه، فهم يحاربون إلى جانب الجيش الوطني الصومال، وهم يتعاونون بمعرفتهم بالأرض، ويعاونون من الناحية الاستخباراتية، ويتعاونون بالتمويل، وهم مع الجيش بالنفس والمال، لذلك الهزائم التي ألحقناها بالشباب لم تكن لولا الدفاع الشعبي من القبائل ونحن سعيدون ومقتنعون بهم، ونشكرهم ونرجوا أن يكملوا ما تبقى”
يدرك مسؤولو الدول، لا سيما التي تعاني من الإرهاب، أن الحرب الرئيسية ضد الحركات الإرهابية لا تكمن فقط في الحرب العسكرية، وإنما هنالك حرب أخرى لا تقل أهمية ولا تقل ضراوة عنها تكمن في الحرب الفكرية.
وعن دور القبائل التي تمثل الحاضنة المجتمعية في تلك الحرب الفكرية يقول الشيخ عبد المنان “نحن نعمل على توعية الناس ألا يخافوا من الشباب، وأن يتحدوا ضدهم، ونركز على الفتية في مقتبل العمر، ندعوهم أن ينشقوا عنهم، و يتخلوا عن هذا الفكر المنحرف عبر وسائل الإعلام، بعض العائدين من صفوف الشباب تواصلنا معهم، والبعض الآخر تواصلوا هما معنا، ورحبنا بعودتهم، ففي هذه الولاية عاد نائب أمير الشباب من صفوف الجماعة، وأتى إلينا ثم سلمناه للحكومة، ناقشناه وأقنعناه أنه كان يتبنى فكرا خاطئا”
إن ما يحدث في الصومال اليوم يمثل ملحمة شعبية قبائلية حكومية متكاملة في الصومال، من أجل التخلص من آثار حروب طويلة على مدار عقود لم تستطع بسببها الصومال أن تتنفس أو تستغل مواردها، مازال هناك طريق طويل أوله القضاء على الإرهاب، ذلك الطريق إلى تنمية وازدهار هذا البلد الإفريقي الذي يتمتع بموقع جغرافي هام وفريد، لكن تبقى الخطوة الأخيرة في طريق تحقيق هذا الهدف، ألا وهو.. قطع رأس الإرهاب واجتثاثه من جذوره، فهل يفعلها الصومال؟