بعد تصاعد التوترات بين باكستان وإيران الأسبوع الماضي، أعلنت كلّ من طهران وإسلام آباد الاتفاق على خفض التصعيد وأصدرت وزارتا الخارجية بياناً مشتركاً أكّدتا فيه على عودة سفيري البلدين إلى عملهما في 26 من الشهر الجاري. ورغم أنّ العلاقات بين البلدين شابها بعض التوتر في الماضي، فإنّ تلك الضربات غير مسبوقة بين الجارتين. وذلك ما أثار قلق المجتمع الدولي وتساؤلات بشأن مستقبل الوضع الأمني في منطقة تعاني أصلاَ من هشاشة الأوضاع منذ سنين.
فلماذا قرّرت باكستان تهدئة التوترات بعد الهجمات الحدودية مع إيران؟ في ذلك السياق، أوضح وزير الإعلام الباكستاني في ولاية بلوشستان جان أشاكزاي (Jan Achakzai) لـ”أخبار الآن” في لقاء خاص، أنّ “البلدين اتفقا على تقريب المسافة بينهما، خصوصاً حول العلاقات الثنائية. وبما أنّ البلدين يعتبران أنّ الارهاب خطر مشترك، وأنّ الإرهابيين عدو مشترك، سنواصل العمل بتناسق وتعاون للقضاء على الإرهاب في تلك المنطقة. وباكستان تعتبر فعلاً أنّ الإرهاب في تلك المنطقة تحدٍ مشتركاً، لذلك توصّل البلدان إلى ذلك الإجماع الآن”.
حصيلة المراجعة الأمنية في ما يتعلق بالمواجهة مع إيران المجاورة
وعن حصيلة مراجعة كبار القادة المدنيين والعسكريين في باكستان الأمنية في ما يتعلق بالمواجهة مع إيران المجاورة، قال: “تعتقد باكستان حقاً أنّ إيران بلد صديق، كما أنّنا نتشارك حدوداً طويلة بيننا تمتد على 900 كيلومتر. لذلك كلّ ما يصيب المنطقة الحدودية، يؤثّر على كلا البلدين على مستوى العلاقات التجارية والتواصل بين أبناء البلدين والعلاقات الثقافية والديبلوماسية، ولكن تقريب وجهات النظر الذي حصل إثر الأحداث الأخيرة، أدّى إلى تعزيز المسار بيننا، وبتنا نعتقد أنّنا نسير قدماً، وبالتالي نعتقد أنّه ستكون بين البلدين علاقة أكثر إيجاباً وإزدهاراً”.
وعن عودة سفيري البلدين إلى كلّ من طهران وإسلام آباد، أشار وزير الإعلام الباكستاني في بلوشستان إلى أنّ “وزارة الخارجية الباكستانية قرّرت إرسال سفيرها والعكس بالعكس، فقد فعلت الحكومة الإيرانية المثل، وبالتالي بات البلدان يرتبطان الآن بعلاقات ديبلوماسية عادية، وسيتسلّم كلّ سفير مهامه في العاصمة المنوطة به”.
ولدى سؤاله عن أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي تنتهك فيها إيران سيادة باكستان، أجاب: “تملك باكستان حدوداً بطول 900 كيلومتر، وهناك تحديات مرتبطة بتنظيم الحدود وإدارتها، مثل الإرهاب الذي يعود ليضرب من جديد. لكن البلدين مصمّمان اليوم على معالجة تلك المشكلة والمضي قدماً. كما آمل أن يكون التباعد الذي حصل قد حُلّ وعولج على نحو فعّال”.
هل سترد باكستان مجدّداً في حال كرّرت إيران قصفها؟
وعمّا إذا كان الجيش الباكستاني مازال في حالة تأهّب تحسباً لحالات الطوارئ في المستقبل، وما إذا كانت باكستان سترد عسكرياً مجدّداً، قال أشاكزاي لـ”أخبار الآن“: “لا أريد التطرّق إلى أيّ تحرك تكتيكي، لكنّنا تأهبنا ديبلوماسياً وسياسياً لترميم علاقاتنا العادية التي شكّلت صلة الوصل بيننا على مرّ سنوات، بما أنّ باكستان لطالما وقفت إلى جانب إيران، ونحن نحاول أن يستمر ذلك الموقف في المستقبل القريب”.
وكانت وزارة الخارجية الباكستانية ذكرت أنّ الضربات الباكستانية على مدينة سارافان الإيرانية جاءت بناءً على معلومات استخباراتية موثوقة عن أنشطة إرهابية وشيكة واسعة النطاق، فماذا يعني ذلك وما هي الأنشطة التي كان يجري الإعداد لها؟ في ذلك الصدد قال الوزير الباكستاني: “أعتقد أنّنا نعرف أنّه بسبب وجود 900 كيلومتر من الحدود بيننا، يجد إلارهابيون ثغرات ويحاولون استغلالها حيث لا تملك الحكومة وجوداً أمنياً معزّزاً، فهم يقتنصون أيّ فرصة يجدونها ليتسلّلوا عبرها، لكن من المهم جدّاً أنّ البلدين على أعلى المستويات خصوصاً على المستوى الحكومي ومستوى القيادة العسكرية، يتفقان أوّلاً على أنّ الارهاب خطر مشترك يتهدد المنطقة، وثانياً على أنّه لا بدّ من بذل جهود مشتركة للقضاء عليه. هذه هي الروحية التي شهدناها على أعلى المستويات ليس فقط في إسلام أباد بل في طهران أيضاً”.
كيف علّق على معلومات تتحدث عن تجنيد إيران لشبان باكستانيين وأفغان؟
في مجال آخر، ثمّة معلومات تشير إلى أنّ إيران تقوم بتجنيد العديد من الشباب الباكستاني والأفغاني للمشاركة في معاركها نيابةً عنها. وفي معرض تعليقه على ذلك، ردّ بالقول: “لا أملك أيّ معلومات محدّدة، لكن في حال برز أيّ توتر، لدينا آلية متينة من قنوات التواصل بين البلدين على كلّ المستويات والمنتديات من دون استثناء. وإنْ برز أيّ تباعد، ستتمّ معالجته عبر طرق التواصل تلك، وأنا واثق أنّ كلا البلدين يحاولان التوصل إلى أفضل العلاقات في معالجة كل تلك الآليات ومعالجة نقاط التوتّر عبر استعمالها”.
منذ عقود طويلة، قالت إيران إنّها تريد محاربة إسرائيل، ولكن تحارب في كل مكان إلّا إسرائيل، حتّى أنها لا ترد على استهداف العديد من القادة الإيرانيين. هنا أجاب الوزير الباكستاني بالقول إنّه “لست بموقع للتعليق على السياسية الخارجية الإيرانية وموقفها الإستراتيجي وكيفية تعاملها مع مسائل تهمّها، لكن في ما يتعلق بباكستان، أشدّد على أنّنا من المؤمنين بسياسية عدم التدخل والداعمين لها، فباكستان لن تشكل يوماً خطراً على أيّ بلد مجاور لها، وذلك هو مبدأ أساسي في سياستنا الخارجية وموقفنا الإستراتيجي”.
وختم وزير الإعلام الباكستاني في بلوشستان حديثه لـ “أخبار الآن” بالقول: “الأحداث المؤسفة التي حصلت باتت وراءنا، وها نحن اليوم نحاول تحسين علاقاتنا الثنائية التي تسير على طريق إيجابي. فقد وصلت طائرة إلى لاهور حيث كان ينتظرها ركاب باكستانيون وإيرانيون، وبالتالي لقد عاد مباشرةً التواصل بين أبناء البلدين. كما أنّ الروابط التجارية سارية على ما يرام والحمدالله بتنا نسير على طريق إيجابي على مستوى العلاقات الثنائية”.
وكانت تصاعدت حدّة التوتر بين إيران وباكستان عقب توجيه باكستان ضربات استهدفت إقليم سيستان وبلوشستان الإيراني، وذلك ردّاً على هجوم صاروخي، شنّته طهران عليها. وقد أدّى الهجومان إلى مقتل 11 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب سلطات البلدين. وعلى أثر تلك الأحدث، استدعت إسلام آباد سفيرها من طهران، في حين يتبادل البلدان الاتهامات مراراً بالسماح لعناصر مسلحة تنشط من أراضي كلّ منهما بإطلاق هجمات، لكن نادراً ما تتدخل القوات الحكومية من الجانبين، حيث شكلت الضربات الجديدة أكبر عملية توغل عبر الحدود خلال السنوات القليلة الماضية. ورغم أنّ العلاقات بين البلدين شابها بعض التوتر في الماضي، فإنّ تلك الضربات كانت غير مسبوقة، ووفق بعض المراقبين، فكانت من المحتمل أن تؤدّي إلى اندلاع حرب إقليمية جديدة، بينما قلّل آخرون من هذا الاحتمال.
تجدر الإشارة إلى أنّ وزارتي الخارجية الإيرانية والباكستانية اصدرتا بياناً مشتركاً أكّدتا فيه على عودة سفيري البلدين لعملهما في 26 من الشهر الجاري. وجاء في البيان أنّ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان سيزور إسلام آباد بدعوة رسمية من نظيره الباكستاني جليل عباس جيلاني في 29 من يناير/كانون الثاني. كما ذكر البيان أنّ تلك التفاهمات تمّت بعد المحادثات الهاتفية بين وزيري خارجية البلدين خلال الأيّام الماضية.