أبو غريب لكن في اليمن… مدينةٌ سكنية تحوّلت إلى سجن مظلم تتفنن فيه ميليشيا الحوثي بتعذيب المعتقلين وتخرجهم منه إمّا جثثاً أو مرضى. المئات وحتى الآلاف مرّوا من خلاله وقصصهم كانت دائماً مأساوية. إنّه سجنُ الصالحِ المظلم أو ما يسميه اليمنيون “أبو غريب” الحوثيين. تفاصيل مرعبة وقصص مأساوية، وتتبع القضية يكشف المزيد من الفظاعة. “أخبار الآن” تفتح ملف سجن الحوثيين للعالم لنروي لكم قِصةً من داخلِه خرجت بأعجوبة.
السجن المظلم
السجن المظلم، مدينة الصالح التي تقع في المدخل الشرقي لمحافظة تعز اليمنية. كان من المقرر أن تكون مسكناً للكثير من اليمنيين، فهي مدينة سكنية دشنت العام 2009 وضمّت 860 وحدةً سكنية موزّعة على 83 بناءً. تلك المدينة التي دشّنت في عهد علي عبدالله صالح وكان المخطط لها أن تضمّ عدداً كبيراً من ذوي الدخل المحدود، لم يكن ذلك مصيرها في النهاية، فقد سيطرت ميليشيا الحوثي على أجزاء من تعز وسريعاً اتجهت لتلك المدينة السكنية الجديدة وقرّرت أن تحوّلها من مكان آمن إلى جحيم.
الميليشيا اتخذت من 20 بناءً في المدينة كسجون لها وإدارات لتلك السجون، في حين سيطروا على بقية المباني وحوّلوها إلى مقرّات لهم، وحتى مساكن لبعض القيادات والمسلّحين التابعين لهم، فيما اتخذت مبانٍ أخرى كمخازن للأسلحة.
مدينة الصالح.. مدينة عسكرية تحت حكم ميليشيا الحوثي
تحوّلت المدينة إلى مدينة عسكرية تحت حكم ميليشيا الحوثي ومقر مركزي للميليشيا بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى، لكن ما يتمّ الحديث عنه أكثر كان السجن في تلك المدينة، والذي بات يسمّى بسجن الصالح. فعلى الرغم من وجود 29 سجناً للحوثي في تعز، إلّا أنّ سجن الصالح كان صاحب الصيت الأكثر رعباً بسبب التعذيب داخله وكثرة المغيَّبين فيه، بحسب المصادر اليمنية المطّلعة على تفاصيل المدينة والسجن فيها.
أقسام السجن الكثيرة
يضمّ سجن الصالح 5 أقسام رئيسية، وهي سجن العسكريين والأمن السياسي والأمن القومي والوقائي والأمنيين. وبحسب ما ذكر ناجون من السجن، فإنّ الميليشيا تتخذ مسمّيات مختلفة في الداخل وتقسم السجن إلى عدة أقسام هي:
- سجن الدواعش والذي يمثل سجن العسكريين سجن الاستقبال والذي يمثل سجن الأمن السياسي
- سجن المجاهدين وهو مخصص للمخالفين من الميلشيا
- سجن الجنائيات
- سجن المشايخ
- سجن أبو حرب
- سجن النساء
- سجن عدن المخصص لأبناء الجنوب
كما أنّ متوسط عدد السجناء فيه يفوق 4000 سجينٍ وسجينة، والمهم في كلّ تلك المعلومات أنَّ السجن لا يمثل معتقَلاً رسمياً بل هو أشبه بالسجن العقابي ضّد خصوم الميليشيا، حيث تتخذ منه مركزاً لاحتجاز عناصر بارزةٍ من خصومها، وأحياناً تضع فيه مدنيين لاستخدامهم كرهائن بغرض الابتزاز المالي أو بهدف مبادلتهم مع القوات الحكومية.
كما لا تعترف الميليشيا بفترة اعتقال محدّدة للسجناء، وفي الوقت ذاته لا تعرضهم على أيّ محاكم، وتبقى فترة الاعتقال بيد قادة الميليشيا، والتي تتراوح بين أشهر وتصل إلى سنوات.
مورست في السجن كلّ أشكال التعذيب ضّد السجناء، بالإضافة إلى اعتماد سياسة التجويع ضّدهم وعدم توفيرِ وسائل النظافة، والتي أدّت في كثيرٍ من الحالات إلى وفاة السجناء إمَّا بسبب المرض وإمّا بسبب الجوع أو التعذيب.
رغم كلّ المعلومات عن السجن، لكن دائماً ما يحاط ما يحدث داخله بالسرية، ولعلّ كلّ تلك المعلومات تصل عبر المحرَرين من السجن، إلّا أنّ تقارير حقوقية قالت العام 2022 إنّ 140 سجينة في سجن الصالح يتعرضن للاظطهاد ويمارس في حقّهنَّ شتى أنواع التعذيب من دون ملامح واضحة للإفراج عنهن في ظلّ تعنّت الميليشيا.
ناجٍ من سجن الصالح يكشف لأخبار الآن فضائع ميليشيا الحوثي
“أخبار الآن” تتبعت خيوط قضية سجن الصالح أكثر لتصل في النهاية إلى معتقل سابق في السجن. ياسر مكرد كان اختُطف في أكتوبر العام 2016، وتحديداً من منطقة الحوبان في محافظة تعز. بقي في سجن الصالح لـ 5 أعوام وقد أخفي فيه قسراً لمدّة تزيد عن العامين، في وقت كانت أسرته تعاني في الخارج في ظلّ وجود طفلين لديه مصابين بمرض التلاسيميا.
ياسر كالكثيرين أيضاً تعرّض لشتى أنواع التعذيب وسوء المعاملة وحُرم من المحاكمة العادلة رغم براءته، لكنّه كان شاهداً على الحدث الأكثر مأساوية من سوء معاملة وتعذيب للضحيتين توفيق اللحجي ومحمد سعيد الصلوي.
يؤكّد ياسر في شهادته أنّ الميليشا تعتمد سوء المعاملة بهدف قتل المعتقلين، وبينهم كان توفيق الذي أهلكه المرض في المعتقل. القصة بالنسبة لياسر لم تنتهِ عند مرض توفيق والمعاملة الطبّية السيئة، بل أكمل تحّدث عن الطريقة التي يتعامل بها السجَّانون معهم رغم وجود مريض بحالة طارئة. مع الإشارة إلى أن توفيق توفي لاحقاً. وفي ظلّ معاناة توفيق وقلق ياسر، جاءت صفقة التبادل وقد لاحقت ياسر معاناة أكبر عندما قابل عائلة توفيق في الخارج نتيجةً لمشاعر الحزن والتعب ممّا حدث له في المعتقل. فقال: “مات توفيق اليوم الثاني عندما غادر إلى صنعاء ولم يخبرنا أحد لكن وأثناء صفقه التبادل الأولى والتي خرج فيها صادق البتره وبعدها قالوا صفقتين تبادل بين الصفقتين أسبوع نحن كنا على أساس بالدفعه الثانية سمحوا لنا بالإتصال وتواصنا مع صادق البتره قال لنا عظم الله أجركم توفيق مات أول ماخرج من عندكم”.
وتابع: “كانوا الحوثيين كلما جاءت صفقه تبادل يلغوها أو يعطوهم شروط تعسفيه ويطالبو أشخاص غير موجودين وتفشل صفقه التبادل إلى أن خرجنا في إحدى الصفقات الناجحه، قابلت بعدها صادق البتره الله وتواصلت مع أسره توفيق وجاءت أم توفيق لزيارتي وقصت لي قصته وكيف سافرت الى صنعاء لإستلام جثة توفيق وكيف أبلغوها بموت توفيق، طبعاً كانت قصة مأساوية جداً”.
خرج ياسر في النهاية بصفقة تبادل تمّت بين الحكومة وميليشيا الحوثي العام 2021، ومع خروجه بدأت معاناة جديدة سببها الحوثي أيضاً، حيث اضطر للنزوح من بيته الذي يقع في مناطق سيطرة الحوثي، إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة، وذلك خوفاً من تعرّضه للاختطاف مرّة جديدة. وفي ظلّ غلاء المعيشة، اضطر في النهاية للسكن على خط تماس هرباً من ارتفاع الإيجارات وقلّة العمل.
ياسر واحد من الناجين الذين أخبروا العالم فظاعة جرائم الحوثي في سجن الصالحِ، والتي سيبقى يتذكرها للأبد، فيما يسجلها التاريخ في سجل الجرائم ضدّ الإنسانية، ليبقى هو وغيره ينتظرون تحقيق العدالة.
دور الجمعيات الحقوقية
تقوم بعض الجمعيات بعملها ولكن يصعب عليهم العمل بحرية. إحدى تلك الجمعيات، رابطة أمهات المختطفين منظمة يمنية حقوقية إنسانية تشكلت من أمهات وزوجات وذوي المختطفين والمخفيين قسراً وناشطات يعملن في مجال الحريات وحقوق الإنسان، تُعنى بقضايا المختطفات والمختطفين والمعتقلين تعسفاً والمخفيين قسراً مع مراعاة النوع الاجتماعي.
أخبار الآن التقت الناشطة الحقوقية اليمنية ورئيسة رابطة أمهات المختطفين، أمة السلام الحاج (salam alhajj) حيث روت إنتهاكات الحوثيين بحق المدنيين داخل السجون في اليمن وأبرز الحالات التي وثقتها الجمعية قائلةً: “عندما يبدأ الاختطاف لأي شخص يتم إخفائه قسرياً من قبل جماعة الحوثي حيث يتم إخفاء أهم أول 6 أشهر ولا يعلم عنهم أن بعضهم ستة وبعضهم سنة بعضهم إلى الأن مخفي قسراً. وأيضا الناس أصبحوا يخافوا أن يبلغوا عندنا وعند الجهات الأخرى لأنهم خائفين من الأمن لأنه سيظهر اسمه أنّه مخفي فيتم أيضاً انتهاك حقوق أسرته وأهله وأنّه يتم تهديدهم أنهم إذا بلغوا سيتم اعتقال البقية ويتم اعتقال الأب وتقصر كثير من الأسر فتضطر إلى النزوح إلى أماكن أخرى”.
وتابعت: “المعاناة الشديدة في هذا الانتهاك كثيرة، تخيلوا أنّ الأمهات عندما تذهب، إذا كانت مدة الزيارة مفتوحة، يتم إهانة الأمهات على أبواب السجون ويتم تفتيشها تفتيش ذاتي بشكل مهين جداً إلى جانب الكلمات السيئة، إلى جانب تفتيش الأكل الذي أحضرته معها بطريقة سيئة أيضاً ويتم امتهان كرامة هذه الأم أو الزوج أو البنت أو الأب، وفقدنا كثير من الأمهات والأباء على أبواب السجون عندما يذهب ليشاهد أبناءهم أو لزيارة أبنائهم عندما أحيانا يسمح لهم بزيارتهم يتم أن يخرجوا من هذا الزيارة وأحياناً يمنعوهم فيموت على أبواب السجون”.