من قبضة جماعة الشباب.. قصص الناجيات من نساء الصومال
في يوم المرأة العالمي تعاني النساء في مناطق الحروب المننتشرة بالعالم أشد معاناة، وأكثرهم نصيبا من تلك المعاناة هن النساء اللائي أوقعهن حظهن العثر في قبضة الجماعات الإرهابية، وعلى رأسهم جماعة الشباب في الصومال وكينيا، وبينما تسير الحرب ضد جماعة الشباب في الصومال على قدم وساق حيث تعلن أجهزة الدولة الصومالية فتح جبهة جديدة لقتال الجماعة الإرهابية على مسافة زمنية متقاربة خاصة في أقاليم وسط البلاد التي تسيطر جماعة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة على مساحات كبيرة من الأراضي بها، تنجح بعض النساء في مواجهة هذا التنظيم الدموي أو الفرار من براثنه والانقلاب عليه.
من رحم المعاناة يولد الأمل، تلك هي المقولة التي تقتحم عقلك لحظة الاستماع إلى قصص الناجيات من قبضة مقاتلي جماعة الشباب في المناطق التي يسيطرون عليها بالصومال، فها هي سيدة تتخذ من جبهة القتال ضد الشباب مقرا لها، وتلك فتاة في مقتبل العمر قررت حمل السلاح ومواجهة أشباح الجماعة دفاعا عن أبويها، ولكن ماذا عن الضحايا اللائي عشن في مناطق تحكم جماعة الشباب قبضتها على رقاب أهلها؟ نناقش في ذلك الوثائقي “نساء في قبضة الجماعة” الذي جمعنا قصصه أثناء رحلتنا لتغطية الحرب في الصومال بمجموعة من اللقاءات الصحافية لرصد جرائم جماعة الشباب ضد النساء في الصومال.
استغلال القاصرات باسم خدمةالمقاتلين ثم اغتصابهن وتهديديهن
في المناطق الريفية في وسط الصومال يدخل مقاتلو جماعة الشباب منازل الفلاحين ويختارون من تقع عليهم أعينهم من الفتيات ويطلبون من ابويها أن تحضر غلى مقر أحد المقاتلين كي تقوم بأعمال التنظيف، وغسيل ملابس، وإعداد طعام، وقد كان كل ذلك كان أمرًا واجبًا على كل فتاة في القرية تجاه مقاتلي جماعة الشباب، لكن ذلك لم يكن كافيا للمقاتلين فدهسوا بأقدامهم الغليظة شرف القاصرات .
حمدي، فتاة صومالية قاصر عمرها الآن 17 عاما وأصبحت أمًأ لطفلة بعد أن اغتصبها مقاتل من جماعة الشباب الصومالية وهي بعمر 15 عاما، تقول حمدي في بداية روايتها لقصتها”أنا عندي 17 سنة، وأنا الآن أكشف سري الدفين لأنني أحتاج للمساعدة لو أفشيت سري ولم أجد مساعدة فهذه هي المشكلة فأنا أفشي سري ربما يدعمني الناس”
إلتقينا بحمدي في أحد مخيمات النازحين في مقديشو، حيث قررت أن تتجاوز مخاوفها وتحكي ما حدث لها رغم تهديدات جماعة الشباب المستمرة لها وبحثهم المستميت عنها بعد هروبها من قبضتهم “بالطبع أثارت هذه الكلمات فضولنا لمعرفة قصة تلك الفتاة التي خبأت وجهها خوفا من مقاتلي الشباب، فما هو هذا السر؟
تقول حمدي عن ذلك “كان مقاتلو الشباب يعيشون معنا في القرية وكانوا يدعوننا طوال الوقت لكي نغسل ملابسهم ونقوم بالأعمال المنزلية لأجلهم، غسلت لهم الملابس مرات عديدة وفي إحدى المرات اعتدى علي أحدهم”
لم يكن تجاوز هذه النقطة ممكنا قبل أن نتعرف منها على ملابسات ما حدث معها وكم عدد المقاتلين الذين اعتدوا عليها؟ وما حدث معها بعد ذلك؟
وعن تلك التفاصيل تقول حمدي “الشخص الذي اغتصبني هو الشخص الوحيد الذي كنت أغسل ملابسه كل مرة، وكان يعيش معنا في القرية، وبعد أن تحدثت للأمير عما حدث معي طردني”
نعم طردها الأمير ورفض التحقيق مع المقاتل واتهمها بـ “الافتراء على المجاهدين” ومنعها من مغادرة القرية حتى إنه رفض توسل أهلها البسطاء الفقراء أن يضغط على المقاتل ليتزوج الفتاة الصغيرة التي أصبح عليها أن تكون أمًا لطفلة بلا أب وهي في تلك العمر ولكنه رفض تزويجها من الشخص الذي اعتدى عليها بدون أن يحاول التأكد من حقيقة ما جرى وهو أمر يكشف أن الاعتداءات الجنسية على الفتيات منتشر بكثرة في مناطق سيطرة الشباب ولهذا يحاولون دائما التستر على المتورطين بتهديد كل فتاة تحاول التحدث عما تعرضت له، كما أخبرتنا حمدي.
وعن ذلك تقول حمدي “لقد رفضوني، رفضوا جميعا الاستماع لي، قالوا لي لا يمكنك أن تتحدثي عما وقع لك وإن تحدثت سوف تندمين وأيضا لا يمكنك أن ترحلي من هذه القرية”.
سودا.. فتاة صومالية قررت حمل السلاح ضد جماعة الشباب لتدافع عن أبويها
وفي بلدة أخرى من بلدات الصومال سمعت فتاة صومالية في بداية العشرينات من عمرها عما يحدث في المناطق التي يسيطر عليها الشباب من اغتصاب وقهر للفتيات فقررت أن تواجههم حاملة سلاحها على جبهة القتال في بلدتها “بحدو” بوسط الصومال قبل أن يصلوا إليها، إنها سودا تهليل حسن، تقول سودا “أنا اسمي سودا تهليل حسن، من مدينة بحدو ولدت وترعرعت هنا، عمري الآن 22 سنة، دفعني للحرب أولئك الخوارج الذين هاجمونا ونحن ندافع عن ديننا ووطننا، لقد كنت شاهدة على حربين وقعتا في بلدة بحدو، في كل مرة كانوا هم من يهاجموننا وليس نحن”
ليست سودا الفتاة الصومالية الوحيدة التي قررت اتباع هذا المسلك لحماية نفسها من خطر الشباب إذ سبقتها مئات الفتيات الأخريات ممن قررن محاربة مقاتلي الشباب لحماية أنفسهن وعائلاتهم، ولهذا سألناها عن السبب لذلك فأجابت سودا “ما دفعني إلى حمل السلاح هو أن أبي وأمي كبيران في السن ويتواجدان في هذه المدينة، اخترت أن أحمل البندقية حتى لا يعيش أبي وأمي تحت الخوف، لقد حملنا السلاح رجالا ونساء وسنظل نحمله”
جماعة الشباب أحرقت قرية حليمة السعدية فخرجت لجبهة القتال
وعلى جبهة ويسيل بوسط الصومال قابلنا حليمة السعدية وهي سيدة صومالية قام الشباب باحراق قريتها بالكامل، ولكنها لم تحمل السلاح لمحاربة عناصر جماعة الشباب، بل بدلا من ذلك قررت أن تحاربهم بطريقة تناسبها لكنها لا تقل أهمية عن محاربتهم مباشرة، فسألناها عن تلك الطريقة؟
تقول حليمة التي تطوعت مع مجموعة من سيدات القبائل لخدمة المقاتلين على الجبهة بعد أن أحرقوا ديارها وقريتها “نحن هنا نعمل ونجاهد لقتال الأعداء من جماعة الشباب، فنحن نقف بجوار رجالنا، سواء كان ذلك بالعمل أو الدعاء، أو بالتبرع بذهبنا نحن هنا مع أولادنا وأزواجنا ندعو لهم ونعطيهم المال، لدينا سيوفنا ونريد أن نقضي على جماعة الشباب”
حبيبة بطلة صومالية من نوع خاص، اجتازت بأطفالها الطرق الوعرة في الصحراء ليلا على ظهر عربة يجرها حمار، لتهرب من قبضة جماعة الشباب التي قتلت زوجها وسرقة قوت أطفالها من محصول أرضها ولحم غنائمها فاختارت الهروب إلى الحرية حتى وإن كانت في مخيم للاجئين في العاصمة مقديثو، تقول حبيبة وهي تحكي قصتها مع الشباب “تزوجت مرتين، والزوج الثاني قتله مقاتلو جماعة الشباب، ومن يومها صرت أما ليتامى من الزوجين، كان زوجي الثاني مجندا مع الجيش الصومالي في مجموعة تحارب ضد الشباب”
حبيبة..قتل الشباب زوجها ثم سرقوا طعام أطفالها فهربت ليلا
لم يكن موت زوجها المصيبة الوحيدة التي حلت عليها وعلى أولادها، فالشباب قرروا أن يسلبوها ما لديها من محصول ومواشي بحجة جمع إتاوات الشباب والتي يطلقون عليها الزكوات رغم أن حبيبة وأبنائها يعانون من الفقر والعوز، وتصف حبيبة ذلك فتقول”الفقير فينا لو عنده جملين، يأخذ الشباب منه واحد لو حصدت من مزرعتك 3 أجولة من الذرة أخذوا اثنين إنهم لا يريدونك أن تعيش، حتى الماء يحرمونك منه”
لكن جماعة الشباب ما كانت لتنجح في جمع الأموال والمحاصيل من السكان المحليين بدون وجود غطاء شرعي، تروج له وتغطي به على عمليات السلب و الإتاوات التي تفرضها عليهم، فما كان تبريرهم لجمع تلك الأموال؟
تقول حبيبة عن ذلك المبرر “كانوا يقولون هذا لأجل الله، والمجاهدين الذين يحاربون في سبيل الله ويقولون نحن ندافع عن الدين والوطن لكنهم هم الذين يقضون على الوطن”
لقد كلت كواهل الفقراء بتلك الإتاوات ولم يعد بمقدورهم الاستجابة لطلبات الجماعة الشهرة التي لا تقف عن الاستيلاء على الممتلكات بحجة جمع الزكوات، ولكن الجماعة كانت تعاقب من يرفض الدفه، وتقول حبيبة عن ذلك العقاب ” من يرفض يأخذونه ويحكامونه بمحكمتهم الخاصة،يغرمونه ثمن بندقية أو يحكمون عليه بالحبس ويقوم أقرباؤه بجمع فدية لو لو يقدرون ولو لم يستطيعوا جمع فديته يقتلونه أحيانا دون علم أحد”
ولأنها عاشت تحت حكم الشباب لنحو 8 أعوام، فقد كانت شاهدة على العديد من التجارب والأحداث التي استغلوا فيها الدين لخدمة مصالحهم وتتحدث حبيبة عن تلك الأعوام تحت قبضتهم”الزكاة لو نظرنا لها من الدين
لا تؤخذ إلا ممن وصل نصاب الزكاة أما هم فكانوا يأخذون ما يعجبهم ولو أخبرتهم أني دفعت الزكاة لفقير أو يتيم يقولون لا يخصنا ويأخذون ما يريدون أما الفتيات الصغيرات كانوا يعلمون فقط أنهم يريدوهن
ليغسلن الملابس للمجاهدين فعليك أن تستجيب لا أحد يستطيع أن يرفض لأنهم يستخدمون القوة وبعد أن تبدأ الفتيات بغسل الملابس تجدهن بعد ذلك حوامل ولا يستطيعن أن يتحدثن عن ذلك”
فاطمة.. جاسوسة الشباب التي تسببت بمقتل أقرب الناس لها
لم تقتصر معاناة السيدات الصوماليات على يد جماعة الشباب الإرهابية على خصوم الجماعة فقط بل طالت أيضا النساء اللواتي انضممن للجماعة، من بينهن السيدة فاطمة عبدالله التي عملت كجاسوسة للتنظيم، وروت لنا ما حدث معها، بعد أن خيرها زوجها عضو الجماعة بين العمل معهم أو الطلاق وتشريد أبنائها الستة، وعن تجربتها تقول فاطمة “انضممت إلى جماعة الشباب قبل 5 سنوات وكان عندي مطعم، أنا والشباب كنا نتعامل حيث كانوا يأتون ليأكلوا عندي، وزوجي كان عضوًا فيهم وقال لي يوما أريدك أن تنضمي للجماعة ولو لم تنفذي ذلك فأنت مجرمة ولست منا”
وتكمل فاطمة رواية قصتها فتقول “عندما قال لي هذا، أنا رفضت في البداية وبعد بضعة أشهر أصبحت حاملا وولدت، وبعد ذلك قال لي انضمي إلى هذه الجماعة وإلا سأطلقك وأنا عندي أبناء كثيرين منه ولذا فعندما هددني بالطلاق وافقت على الانضمام من أجل أطفالي”
ولكنها لم تكن مجرد عضوة عادية في الجماعة بل جاسوسة بحكم إدارتها لمطعم في المنطقة يتردد عليه الجميع فكان مطلوبا منها العمل كجاسوسة ترفع تقاريرها في الجميع إلى أمير الجماعة، وعن ذلك الدور تقول فاطمة “كنت أكتب التقارير في الناس من حولي، كنت أسمع الأخبار وأنقلها لهم، وأكتب التقارير عن الوافدين للقرية وعن الموظفين في الحكومة، وأرفع التقارير للأمير”
لكن على الرغم من كل هذه الخدمات الجليلة التي كانت تقدمها لهم إلا أن حياتها لم تكن أفضل حالا من الباقين، إن لم يكن عكس ذلك هو الصحيح، وتشرح فاطمة كيف كان ذلك فتقول “كنت أعيش حياة ضيقة، أنا لم أكن حرة، فالشخص الحر يفعل ما يريد، لكنني كنت مسلوبة الإرادة، وفي ضيق من أمري، وكنت أتعذب في هذه المرحلة”.
كذلك كانت فاطمة شاهدة على ما تتعرض له السيدات تحت حكم الشباب، وعن ذلك تقول “الناس هناك شبه مساجين وأسرى ليس لديهم حرية فهم مجبرون ويعانون ولا يمكنهم الحديث عنها وإذا تحدثوا عنها تعرضوا للأذى مرة واحدة حاولت امرأة أن تحكي لا يمكنكم تخيل نهايتها”
تركنا فاطمة وهي تتارجح بين السعادة والندم، فهي تشعر بسعادة بعد أن استعادت حريتها وأطفالها بعد أن نجحت في الهرب من الشباب برفقة أبنائها ووصلت مقديشو وبين الندم على من قتلوا بسبب وشاياتها بهم وأولهم ابن خالها الذي كان مجندا في الجيش الصومالي وذهب إلى منزل فاطمة ليزور والدتها في مرضها سرا فأخبرت الأمير عنه فقتله.
تركناها وفي خاطرنا تساؤلات أخرى كثيرة عن مصير نساء وفتيات أخريات لا يعرف مصيرهن ويعيشون إلى يومنا هذا تحت رحمة جماعة الشباب الإرهابية، تركناها ونحن نسأل،
هل يأتي يوم تعيش فيه نساء الصومال في سلام وبلا خوف وقلق، يوم يأتي صباحه دون جماعة الشباب وجرائمها؟