أخبار الآن تخترق جدار الصمت وتفضح ممارسات إيران بحق الأطفال في دير الزور
في تمام الساعة العاشرة صباحاً من أحد أيام الثلاثاء من شهر تشرين الأول من العام الفائت 2023، خرج الطفل أحمد البالغ من العمر 12 عاماً من حي الجورة في دير الزور كعادته لشراء الخضار لوالدته الأرملة الأم لثلاثة أطفال لكنه لم يعد إلى المنزل.
تقول والدة “أحمد” التي تمكنت أخبار الآن التواصل معها عبر معارفها والتي رفضت الكشف عن اسمها وهويتها لضرورات أمنية: “إن الأهالي عثروا على جثة ابنها بعد مرور أسابيع من اختفائه على أطراف المدينة وعليه كدمات التعذيب ومسلوب الأعضاء”.
وأضافت: “التحقيقات أكدت أن “أحمد” توفي بعقاقير مخدرة وهو كعشرات الأطفال ممن يختفون في ظروف غامضة فيتبين لاحقاً للأهالي أن أبناءهم ضحية لتجارب عقاقير مخدرة أجراها عليهم مسلحون تابعون للحرس الثوري الإيراني وكذلك لقمة سائغة لتجار الأعضاء”.
لم يكن “أحمد” الحالة الوحيدة التي كشفتها أخبار الآن فقد تحدث نشطاء وصحفيون مطلعون على خبايا وخفايا ظاهرة اختفاء الأطفال ونهايتهم القاسية عن قصص مروعة ومأساوية كما طالبوا عبر أخبار الآن بدق ناقوس الخطر واستدعاء تدخل دولي لوقف ما يحدث في تلك المنطقة من حوادث مروعة ضحيتها الشبه يومية عشرات الأطفال.
قصص مروعة
يروي الصحفي “عمر الخطاب” المنحدر من مدينة دير الزور والمتخصص في شؤون الجماعات الجهادية لأخبار الآن حوادث عديدة عن هؤلاء اليافعين الصغار وكيف تستغل شبكات مافيات المخدرات الأطفال كأدوات في تجارة الموت مستغلين سهولة حركتهم وصغر سنهم والذي يبقيهم بعيدين عن الشبهة والشكوك، ومن يدير تلك الشبكات.
يقول الخطاب: “في حي “الطب” بدير الزور، يدير شخص يُعرف باسم “شهاب” شبكة لخطف الأطفال واستغلالهم في تجارب عقاقير مخدرة، يُغرّر “شهاب” الأطفال وعائلاتهم عبر تقديم المال مقابل العمل لديه، ليُختطفوا لاحقاً وتُجرّب عليهم عقاقير قاتلة”.
يرى “الخطاب” أن هذه الشبكات تنتقي الأطفال ممن يعيشون ظروف قاهرة خاصة اليتامى مستغلين أوضاعهم المادية والعائلية: “ومنهم يافع آخر اسمه “أحمد” يبلغ من العمر 14 عاماً كان قد فقد والده خلال حصار دير الزور من قبل تنظيم داعش وكان حينها صغيراً جداً ووضع عائلته المادي مزري”.
يضيف: “بعد احتلال المدينة من قبل الفصائل الإيرانية اضطر “أحمد” على العمل مع تاجر خردة يكنى بـ “أبي خالد” يعمل مع أكثر من عشرين طفلاً آخرين في جمع الخردة في مدينة دير الزور, وبحسب ما قالته لي عائلة “أحمد” آنذاك فإن رب العمل استغل ذكاء وأمانة “أحمد” وحاجة الأسرة للمزيد من الأموال فطلب إيصال حقيبة إلى حي القصور وتسليمها إلى شخص يقف في زاوية محددة من الحي ويقول له: هذه أمانة من “أبي خالد” ليعطيه الرجل كيساً دون أن يعلم “أحمد” محتواه ليسلمه “لأبي خالد” بعد أن منحه الرجل الغريب مبلغ 50 ألف ليرة سورية مكافأة له”.
بدأت رحلة “أحمد” بنقل الحقائب والأكياس بين حارات دير الزور ونقلها إلى نفس الشخص لكن في أماكن متفرقة داخل المدينة وقبض النقود التي لفتت كثرتها انتباه والدته التي لاحظت تغيرات على طفلها كفقدانه الشهية والنحول وتناول السجائر ومعاناته الشديدة من ألم الرأس الذي كان يتخلص منه بحسب روايته لوالدته بعد تناوله حبة صغيرة من معلمه “أبي خالد” على أساس أنها حبة مسكنة للآلام.
ويشير الخطاب في حديثه إلى أن والدة الطفل “أحمد” نقلت هواجس خوفها إلى شقيقها وأطلعته عن إدمان ابنها للحشيش والحبوب المخدرة الذي راقب بدوره ابن شقيقته فتوضح له تورط “أحمد” بالعمل مع شبكة ترويج المخدرات.
وأضاف عمر الخطاب: “حاولت العائلة الفرار من المدينة إلا أن “أحمد” رفض المغادرة ورفض ترك عمله لدى “أبي خالد” و تلاه اختفاء “أحمد” منذ 2021 وإلى اليوم لازال مصيره مجهولاً”.
شبكات خطف محلية
تكررت خلال العامين 2023-2024 ظاهرة اختفاء الأطفال دون 18 عاماً في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام والفصائل الإيرانية من ريف دير الزور الشرقي والجنوبي في الضفة اليمنى من نهر الفرات الشامية.
ووثق نشطاء ظاهرة اختفاء الأطفال ليس فقط بين من يجمعون الخبز اليابس أو الذين يمتهنون مهنة جمع الخردوات والبلاستيك لكنهم كشفوا استفحال الظاهرة بين المتسولين.
يقول الناشط الإنساني “خلف” الذي فضل عدم الكشف عن اسمه الثاني لأسباب أمنية لأخبار الآن والمنحدر من مدينة دير الزور: “أعداد الأطفال المتسولين في أحياء المدينة بدأت تتضاءل تدريجياً وهو ما دفعني للبحث عن أسبابها، فتبين لي أن عدداً منهم عثر الأهالي على جثثهم خاصة في مكبات النفايات ومنهم ثلاث حالات على الأقل منذ أقل من ستة أشهر، وعشرون طفلاً آخرين كانوا يترددون على المركز الثقافي الإيراني العام الماضي لكن نفتقر للأرقام الحقيقية لهؤلاء الضحايا ونعتقد أن أعدادهم بالعشرات”.
وحول تجربة المواد المخدرة على الأطفال وسلب أعضائهم أوضح “ليث السعدي” وهو اسم مستعار لناشط إعلامي من دير الزور لأخبار الآن أن هؤلاء الأطفال يُستخدمون في عمليات الترويج للمخدرات وغالباً ما يستخدم بعضهم في تجربة تلك المواد لأنهم أطفال لا يدركون مدى خطورة ذلك عليهم ولا تتحمل أجسادهم الجرعات الكبيرة التي يتناولونها بعد إغرائهم بمنحهم بعض الأموال فتنتهي التجربة بمأساة كبيرة وهي موت الصغار وغالبية الجثث تكون مسلوبة الاعضاء”.
تجارة الأعضاء
وعن الواقع المزري والمرعب الذي يعيشه الأطفال وتنامي الحالة أكد الباحث المتخصص في الشأن الإيراني “إسلام المنسي” لأخبار الآن أن إيران من أكثر الدول التي تشتهر بتجارة الأعضاء في العالم وبشكل رسمي ومعلن ومقنن.
وقال: “للأسف تجارة الأعضاء هي تجارة إيرانية بامتياز وحتى خلال فترة ظهور داعش في سوريا وصعوده منذ عام 2014 شهدت هذه التجارة رواجاً كبيراً والمعلوم أن التخادم بين داعش وإيران في سوريا والعراق هو واضح فبالتأكيد لا يمكن عزل هذه السياقات عن بعضها”.
وحول غياب إحصائية دقيقة بعدد الأطفال المختفين أرجع “ليث السعدي” وهو اسم مستعار لناشط إعلامي من دير الزور السبب إلى خوف المنظمات المعنية بشؤون الطفل توثيق الحالات ومنع المشافي في دير الزور التي تسيطر عليها إيران توثيق الحالات في سجلاتها ناهيك عن أن الضحايا الصغار غالبيتهم أيتام فقدوا ذويهم وهم أبناء لعوائل تخلت عن أطفالها بسبب الفقر وقد لا يسأل عنهم أحد بعد فقدانهم.
وأضاف: “هذه الظاهرة باتت مصدر قلق الأهالي لاسيما مع العثور الشبه أسبوعي وأحياناً اليومي على جثث الأطفال والأطباء يتخوفون أحياناً من التأكيد أن حالات الوفاة تأتي بسبب تناول جرعات كبيرة من المخدرات واستخدام أجساد هؤلاء الصغار كحقل تجارب من قبل شبكات المخدرات المحلية التابعة للميليشيات الإيرانية لتجربة أنواع جديدة من جرعات الموت وهو ما يدفع السكان إلى مغامرة الهروب من تلك المناطق خوفاً على أطفالهم واللجوء إلى مناطق “قسد” التي لم تسلم هي أيضاً من شحنات المخدرات التي تحاول اختراق مناطقهم”.
وبتاريخ 19 آذار الماضي تمكنت قوات مكافحة المخدرات التابعة للأمن الداخلي المنضوية تحت مظلة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا المعروفة باسم “الأسايش” من ضبط شحنة من المواد المخدرة كانت قادمة من مناطق سيطرة الحكومة السورية من ريف مدينة ديرالزور.
وقالت الأسايش في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني تابعته أخبار الآن أنه بتاريخ 14 آذار عثرت بعد كمين محكم على شحنة مخدرات داخل براد مخصص لنقل الخضار في مدينة دير الزور، وأكد البيان أن الشحنة احتوت على 79010 حبة كبتاغون كانت قادمة من مناطق الحكومة السورية.
وبالعودة للصحفي “عمر الخطاب” حول ظاهرة اختطاف الأطفال نوه إلى أن الحرس الثوري الإيراني يستخدم عصابات محلية لتنفيذ عمليات خطف الأطفال وبالتالي إجراء تجارب العقاقير المخدرة عليهم وإخفاء جرائمهم بالتهديد والوعيد لذوي الضحايا.
وأضاف: “دير الزور هي تحت حكم الميليشيات الإيرانية وهم المتحكمون بمفاصل المحافظة لذا يمنع إجراء أي تحقيق جاد حول جرائم اختفاء الأطفال وتجارب العقاقير عليهم”.
إلى ذلك كشفت تقارير صحفية عن حوالي 70 طفلاً كانوا يعملون لدى أحدِ تجّارِ المخدّراتِ يغطي نشاطه تحت صفةِ تاجرِ خردواتٍ يُدعى “شهاب العلي”، قبل فقدانِ عددٍ منهم عقبَ دخولهم مشفى السلوم بدير الزور والذي استولت عليه إيرانُ في عام 2021.
التكفير السياسي
استخدام الأطفال السوريين كفئران تجارب لمملكة الكبتاجون التي تديرها إيران أو الزج بهم في ساحات القتال تأتي في إطار سياقين مهمين يوضحهما “إسلام المنسي” الخبير في الشؤون الإيرانية لأخبار الآن بأنهما: “التكفير السياسي والاستحلال بمعنى أن كل هذه الدماء التي تراق الغير فارسية والغير شيعية والغير مؤمنة بولاية الفقيه يجدر بها أن تكون وقوداً للمشروع الإيراني في المنطقة بحسب ما تراه إيران وتستغل هذه الدماء بغض النظر إذا كان هؤلاء الأطفال أو ذويهم موالين لولاية الفقيه أو معارضين لها المهم أن هناك ضحايا ليسوا من الفرس وتضحيات تقدم من أشخاص آخرين غير إيرانيين لضمان استمرارية المشروع وغالبية هؤلاء يكونون من قوميات ومذاهب أخرى غير فارسية وغير شيعية وهو ما يعكس النظرة الإيرانية العنصرية تجاه الشعوب الغير فارسية وتجاه المذاهب الدينية الأخرى في المنطقة”.
وأشار الخبير المصري إلى تنصل إيران من مسؤولياتها تجاه الممارسات والانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات التي تتبعها في سوريا واليمن فالحوثيين أيضاً يستخدمون الأطفال اليمنيين كدروع بشرية.
اتساع دائرة استغلال الأطفال من قبل طهران
من جانبه يرى “طارق جاسم” الناطق الرسمي لجبهة الأحواز الديمقراطية خلال حديثه الخاص لأخبار الآن اتساع دائرة استغلال الأطفال من قبل طهران وإساءة معاملتهم في بيع وشراء المخدرات والإتجار بهم بشكل متزايد، في إيران وحتى في دول الجوار التي لديها علاقات مع إيران خاصة سوريا وأصبح تشغيل الأطفال في الإتجار بالمخدرات أحد أشكال العمل كما حال المهن المنحرفة وغير القانونية.
وقال: “بسبب خفة حركتهم يتم تجنيد هؤلاء الأطفال تحت مسميات مثل (الطائرات) لتمرير الرسائل وحمل المواد مثل الكوكايين والحشيش، لذلك إيران تستغل أطفال تلك الدول بسهولة في ظل غياب رقابة دولية وتخلف وأمية و فقر مدقع لعوائل هؤلاء”.
ويشير المعارض الإيراني إلى استخدام حكومة بلاده الأطفال كوسيلة لتحقيق هدف أو نتيجة معينة، ويمكن أن يشمل ذلك استغلالهم كمصدر للعمالة أو لأغراض أخرى مثل التسول أو السرقة وهناك ملايين أطفال البؤس و اليتامى وأطفال الشوارع موجودون في إيران ويتم استغلالهم وغسل أدمغتهم فكرياً و تجهيزهم عقائدياً للمساعدة في تحقيق أهداف النظام، ولوح لحالات أخرى من حالات استغلال الصغار ومنها إرسالهم لأماكن ونقاط يصعب على الكبار الوصول إليها بسبب التفتيش أو أمور أخرى، و سبق واستخدمت إيران الأطفال عبر تجنيدهم في حربها ضد العراق في حرب الثماني سنوات، و في سوريا في الأعوام الأخيرة.
وتستخدم إيران إنتاج وتجارة المخدرات كأحد أهم دعامات اقتصادها هذه القضية التي تدر مليارات الدولارات على دكتاتورية طهران تكمن في أن مختلف الأجهزة العسكرية والاستخباراتية وحتى الدبلوماسية لنظام الملالي، وعلى رأسها الحرس الثوري وقوة القدس، عرفت بأنها شبكة دولية واسعة على المستوى العالمي حسبما أشار “طارق جاسم”، وباتت خطراً تهدد الدول العربية المجاورة خاصة الأردن ومصر ودول الخليج.
الدبلوماسية الخشنة
بدأ الحديث عن ملف تهريب المخدرات والاتجار بها من قبل إيران في المنطقة مبكراً أي قبل ضلوعها في تعقيدات الملف السوري.
ووفق رؤية العميد المتقاعد من المخابرات الأردنية ومدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب الدكتور “سعود الشرفات” أن اسم إيران أول ما برز كتاجر للمخدرات هو في لبنان والتعاون مع حزب الله اللبناني وهناك الكثير من التقارير الاستخبارية الإعلامية بهذا الشأن.
وأضاف: “لقد أصبح النظام الإيراني متمرساً بإدارة هذه التجارة وخطوط الإنتاج والتوزيع التي أصبحت تصل إلى أمريكا اللاتينية، ومن المؤكد أن إيران طورت استخدامات ملف المخدرات ليصبح أداة فيما أسمته “الدبلوماسية الخشنة” في إدارة علاقاتها الخارجية بالإضافة إلى كونها مصدر دخل للعملة التي تمول من خلالها عملياتها في الخارج كسوريا ولبنان والعراق ولعل أهم مثال على هذا الاستخدام المزدوج (الدبلوماسية /المالية) لتجارة المخدرات هو التهريب من الحدود السورية إلى الأردن حيث استمرت عمليات التهريب بشكلٍ متواتر وعنيف رغم كافة الاتصالات والمناشدات الأردنية للنظام الإيراني والسوري بوقف رعاية هذه العمليات”.
ونوه “شرفات” إلى وجود ترابط بين تجارة المخدرات، والجماعات الإرهابية وشبكات التجارة بالأسلحة، وشبكات تهريب البشر وكلهم يستخدمون الأطفال في أعمالهم المنافية للقانون، وهذه التجارة تدر مليارات الدولارات حسب إحصائيات الأمم المتحدة، ورغم كافة الجهود الدولية التي تبذلها الدول لوقف أو السيطرة على هذه التجارة وحماية الأطفال ضحايا المخدرات إلا أنها تفشل في الكثير من الأحيان خاصة إذا كانت تتمتع بدعم دولي كما هو المثال مع إيران وسوريا حالياً.