تفاصيل حصرية للغارة الجوية التي استهدفت قيادات “الشباب”
شهد مساء الأول من أبريل/نيسان الجاري غارة جوية بطائرة مسيرة استهدفت منزلًا اجتمع فيه قادة جماعة الشباب برئاسة الأمير أحمد ديري الشهير بـ “أبو عبيدة”. وذلك بالقرب من مدينة سبلالى (Sablaale)، حاضرة المقاطعة التي تحمل الاسم نفسه، وتتبع محافظة شبيلى السفلى (Lower Shabelle)، في ولاية جنوب الغرب.
وفي تصريحات حصرية لـ”أخبار الآن”، قال محمد إبراهيم بري، محافظ شبيلى السفلى، إنّ “الغارة وقعت مساء يوم الإثنين الماضي، وأسفرت عن سقوط العديد من قادة جماعة الشباب بين قتيل وجريح”.
وقال ضابط في قوات الشرطة العسكرية في المحافظة لـ”أخبار الآن”، أنّ أحمد ديري (Ahmad Diriye) غادر المنزل قبل دقائق من الغارة الجوية.
وذكر موقع “غروي أونلاين” استناداً إلى مصادر محلية، أنّ حصيلة الضحايا هي مقتل نحو 20 من الجماعة، من بينهم 6 من القادة، وإصابة عدد أكبر.
ولم يتضح بعد إن كانت نجاة ديري محض صدفة أم أنّ هناك أسباب أخرى، حيث طالما تبادلت قيادات داخل الجماعة الاتهامات بالتعاون مع القوات الدولية في الصومال، والتورط في تسهيل استهداف وتصفية الخصوم داخل الجماعة.
غموض وتكهنات
ومن بين المصابين النائب الأقدم لأمير الجماعة ديري، وهو أبو عبد الرحمن مهاد ورسمي (Abdirahman Mahad Warsame) الشهير بـ”مهاد كاراتي” الذي يشغل منصب نائب أمير الجماعة منذ العام 2011، وعينه الأمير السابق أحمد عبدي غوداني (Ahmed Abdi Godane) الشهير بـ”مختار الزبير” والذي قُتل في غارة جوية لقوات دولية حليفة للصومال في العام 2014.
من جانبها، لم تُعلن الحكومة الصومالية حتى تاريخ السادس من الشهر الجاري عن تلك الغارة، رغم تأكيد محافظ شبيلى السفلى، حيث وقعت الغارة لـ”أخبار الآن” على حدوثها، ما يثير العديد من الأسئلة حول سبب تأخر الحكومة في الحديث عن تلك الغارة.
الأمر الآخر الذي يزيد من الغموض أنّ الجهة التي نفذت الغارة وأخرى قريب من نفس المكان استهدفت مستودعًا للأسلحة بطائرات مسيرة، ليست القيادة الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم” التي طالما نفذت غارات مشابهة لاستهداف الإرهاب بالتعاون مع الحكومة الصومالية، وفق تصريحات ضابط الشرطة العسكرية لـ”أخبار الآن”.
يفتح ما سبق الباب حول العديد من التكهنات حول الغاية من هذا الاجتماع، الذي رجحت مصادرنا أنّه بحث التصدي لخطط الحكومة الفيدرالية لاطلاق المرحلة الثانية من العمليات العسكرية ضد جماعة الشباب في ولاية غلمدغ.
مهاد كاراتي.. مسيرة من الغموض والشكوك
من بين ذلك الغموض الذي يكتنف جماعة الشباب حول علاقات قيادات داخلها بالحكومة الفيدرالية أو جهات دولية تعاون الحكومة، ما يُثار حول الرجل الثاني في جماعة الشباب الصومالية المصنفة إرهابيًا محليًا ودوليًا، الشهير بـ”مهاد كاراتي“، والمُتهم بالتعاون مع أجهزة استخبارات دولية حليفة ومحلية ناشطة في الصومال.
خلال هذا التقرير الذي ينشر في جزئين تعقبت شبكة “أخبار الآن” حياة كاراتي (Mahad Karate) منذ التحاقه بالجماعات الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة في تسعينيات القرن الماضي، حتى اليوم الذي يشغل فيه منصبي نائب أمير جماعة الشباب، ورئيس جهاز استخبارات الجماعة “أمنيات”.
حصلت “أخبار الآن” على معلومات حصرية من مصادر في أجهزة أمنية محلية، وتحدثت إلى أعضاء سابقين في جماعة الشباب، وقادة سابقين في جماعة “الاتحاد الإسلامي” التي اُعتبرت الأب الروحي لجماعات العنف في البلاد فيما سبق، وباحث وناشط التقى بمهاد كاراتي من قبل، وغيرهم.
فضلاً عن شهادة القيادي السابق في الجماعة إبراهيم نظارة التي زعم فيها لـ”أخبار الآن” إنّ “كاراتي مُتهم في داخل الجماعة. وكثيرٌ من الضباط، وكثيرٌ من أتباع الجماعة يتهمونه بالعمالة، لأنه عندما كان ذو سلطة ونفوذ عالٍ، كان يقوم بتصفية الرموز داخل الجماعة، وكانت تحركاته كلها مشبوهة، حتى أنه تم اتهامه بقتل رئيس الجماعة أحمد غوداني”.
خلال هذا التقرير تحقق “أخبار الآن” في حقيقة الشبهات المُثارة حول الرجل الثاني في جماعة الشباب، مستعينة بعددٍ كبير من المصادر والكتب التي تحدثت عن كاراتي.
مقاتل في الاتحاد الإسلامي
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة، تبنت واشنطن مقاربة شاملة لمكافحة التنظيمات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة في العالم، ومنها التنظيمات الموجودة في شرق القارة الأفريقية.
وقررت واشنطن العودة ثانيةً إلى الصومال، بعد تدخلها الأول بين عامي (1992-1995)، ضمن عملية “إعادة الأمل” التي أطلقتها الأمم المتحدة لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية بعد سقوط الحكومة المركزية عام 1991، وسيطرة المتمردين الذين تحولوا إلى أمراء حرب على البلاد.
واتخذت عناصر تتبع تنظيم القاعدة وكان لها دور في استهداف المصالح الأمريكية من الصومال ملاذًا. كما نشطت جماعات سلفية جهادية في البلاد، وحظت بنفوذ كبير من خلال انضوائها تحت لواء نظام “المحاكم الإسلامية” الذي سيطر على العاصمة، مقديشو، عام 2006.
بدأت وكالة المخابرات الأمريكية من كينيا برنامجها في الصومال، عام 2002، بالتعاون مع أمراء الحرب للقبض على المنتسبين لتنظيم القاعدة، وعلى رأسهم الثلاثي المُتهم بالتخطيط والإشراف على تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في 7 أغسطس 1998. وهم؛ الكيني-الصومالي صالح نبهان (Saleh Ali Saleh Nabhan)، وأبو طلحة السوداني (Abu Talha Al-Sudani)، ومحمد فزول (Fazul Abdullah Mohammed) “فاضل عبد الله محمد” من جزر القمر، بجانب شخصيات عربية وشرق أفريقية وصومالية، وفق كتاب الباحثين هارون معروف ودان جوزيف “داخل جماعة الشباب-التاريخ السري لأقوى حليف للقاعدة”.
لكن تلك الخطة لم تؤت ثمارها لأسباب عديدة، أهمها أنّ عهد أمراء الحرب كان إلى زوال، كما اكتشفت الجماعات الإسلامية المخطط، وقامت باستهداف أمراء الحرب المتعاونين مع الولايات المتحدة. بالتوازي مع ذلك سيطرت المحاكم الإسلامية (ICU) التي اخترقتها الجماعات الجهادية على العاصمة، وقضت على نفوذ أمراء الحرب. وانتهى البرنامج الأمريكي في 2006 وهو العام الذي شهد تأسيس جماعة الشباب.
أما ما يتعلق بمهاد كاراتي، فقد كان أحد القيادات في جماعة الاتحاد الإسلامي (AIAI) التي تأسست عام 1984، ونشطت بشكل كبير بعد سقوط الدولة المركزية، وقامت بإنشاء إمارة إسلامية في إقليم جدو (Gedo) القريب من الحدود الصومالية الإثيوبية والكينية عام 1996، وانهارت بعد أنّ استهدفتها القوات الإثيوبية بحملات عسكرية.
وعن مصير كاراتي بعد هزيمة قوات الاتحاد الإسلامي، فيقول محمد عبد الله عمر، القيادي السابق في الاتحاد الإسلامي، والذي قاد قوات الاتحاد في معركة “سليد” التي شارك فيها كاراتي، إنّ “كاراتي كان شخصًا غريب الأطوار، ولم يكن مغرمًا بعشيرته، ولم يعش وسط قبيلته أكثر بقدر احتكاكه مع القبائل الأخرى أثناء وجوده في شرق الصومال وبين معارك الاتحاد الإسلامي”. وذكر لـ”أخبار الآن”، أنّ كاراتي انتقل إلى كينيا بعد هزيمة قوات الاتحاد.
العمل مع تنظيم القاعدة في كينيا
وُلد أبو عبد الرحمن مهاد ورسمي الملقب بـ”مهاد كاراتي” في مدينة حرر طيري (Xarardheere) في محافظة مدغ في ولاية جلمدغ في وسط الصومال، بين الأعوام (1957-1962)، وعمل في المخابرات التابعة للحكومة الثورية (لم تصمد لأشهر) التي تشكلت بعد سقوط نظام سياد بري Mohamed Siad Barre عام 1991.
انضم كاراتي إلى جماعة الاتحاد الإسلامية التي تعتبر نقطة الانطلاق للتطرف السلفي المسلح في الصومال، وهو واحد من القيادات التي انضمت لجماعة الشباب في وقت مبكر، ويتحدث اللغات الصومالية والعربية والسواحيلية، ومن المرجح أنّه حصل على لقب “كاراتي” لما عُرف عنه من ممارسة الرياضة، فأخذ لقب مرتبط بذلك، جريًا على العادة الصومالية.
بدوره يقول دبلوماسي صومالي، طلب حجب اسمه، “كان كاراتي من أوائل الشباب الذين انضموا إلى جماعة الاتحاد الإسلامي بعد انهيار الحكومة المركزية، وقاتل في صفوف المقاتلين في المناطق الشرقية (بونتلاند) في الحرب الذي المعروفة باسم “سليد” عام 1993″.
وأضاف لـ”أخبار الآن”، أنّه عندما حُلّت قوات الاتحاد الإسلامي عقب قتال بونتلاند، عاد مهاد كاراتي إلى مدينة مقديشو، ثم سافر إلى العاصمة الكينية، نيروبي، وعمل موظفًا في شركة “أمل” للصرافة.
وتابع أنّ كاراتي حاول الهجرة إلى الولايات المتحدة أثناء إقامته في معسكر داداب (Dadaab) للاجئين الصوماليين في مقاطعة غاريسا في كينيا، من خلال برنامج (Sponsor) ولم يُقبل، كونه زيف أوراق ليلتحق بمهاجرين صوماليين، كأحد أفراد العائلة.
بعد ذلك نشط كاراتي في الحراك الجهادي داخل منظومة الاتحاد المتمركزة في نيروبي، وبعد هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، أُلقي القبض عليه في نيروبي، ونُقل إلى قاعدة لقوات دولية في جيبوتي، وكاد أنّ يفقد بصره تأثرًا بمضاعفات السجن.
أما القيادي السابق في الاتحاد الإسلامي، محمد عبد الله عمر، الذي جمعته صداقة مع مهاد كاراتي قبل انضمام الأخير إلى جماعة الشباب، فيقول إنّ كاراتي “كانت له صلات وثيقة مع قائد جبهة تحرير أوغادين (الإقليم الصومالي الغربي وهو جزء من دولة إثيوبيا الفيدرالية) وتولي مهمة إرسال التبرعات من خلال شركة “أمل” للصرافة”.
وأضاف أنّ كاراتي كوّن علاقات قوية بالمجموعات النشطة المناصرة لفكرة دعوة الجهاد العالمية بقيادة أسامة بن لادن، وكان على اتصال دائم بشخص صومالي يحمل الجنسية البريطانية يدعي “أبو حنظلة”، قُتل بعد سنوات في أفغانستان.
يقول عمر “عُرف كاراتي بالنشاط في الحراك الديني بين الجالية الصومالية في نيروبي، وكان شخصا رائعًا في بداية وجوده في شرق الصومال، أما الآن فقد دخل حفرة من الصعب أن يخرج منها فضل وأضل الناس”.
والمرجح أنّ مهاد كاراتي قضى أكثر من عشرة أعوام (1994-2005) في كينيا، بعد خروجه من الصومال على إثر هزيمة قوات الاتحاد الإسلامي. وفي مدينة نيروبي التي تعيش فيها جالية صومالية كبيرة استأنف علاقاته بأفراد الاتحاد وشخصيات على صلة بتنظيم القاعدة، بينما اختلفت المصادر حول ذهابه إلى أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي.
ذكر ضابط في وكالة الاستخبارات الصومالية لـ”أخبار الآن” أنّ كاراتي ترك الصومال عقب الصدام الإثيوبي مع جماعة الاتحاد الإسلامية (AIAI) في التسعينيات في إقليم جدو، وتوجه إلى باكستان وأفغانستان عام 1998 مع مجموعة من الصوماليين للتدريب مع تنظيم القاعدة، ثم عاد إلى الصومال بعد عامين. وعقب ذلك سافر إلى كينيا، واستقر في حي “إسلي” في العاصمة نيروبي، الذي يعتبر مركز ثقل للمكون الصومالي”. ولم يتسن لـ”أخبار الآن” التأكد من سفر كاراتي إلى أفغانستان من مصادر محايدة.
وقال الضابط الذي طلب حجب اسمه، إنّ “المجموعة التي عادت من أفغانستان حملت مهمة تأسيس جماعة موالية لتنظيم القاعدة في الصومال، وتم تقسيم العمل على أنّ يتولى آدم حاشي عيرو (Aden Hashi Farah Ayro) الذي قُتل في غارة أمريكية عام 2008، مهمة تأسيس معسكرات التدريب والتجنيد، بينما تولى كاراتي حلقة الوصل المالية مع تنظيم القاعدة من خلال إقامته في كينيا”.
هل جُند كاراتي في السجن؟
عمل كاراتي في شركة “أمل” للصرافة في حي أسلي (Eastleigh) في نيروبي، وساهم في إدارة تمويلات جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة، وجماعات صُنفت إرهابيةً ونشطت في إقليم أوغادين في إثيوبيا.
قال قائد ميداني سابق في حركة الاتحاد الإسلامي، وناشط في العمل الإسلامي، إنّه “بين عامي 2004-2005 أُلقي القبض على مهاد كاراتي من السلطات الكينية وقوة دولية لمكافحة الإرهاب، ونُقل إلى جيبوتي ثم هرجيسا، وخرج من السجن وعاد إلى مقديشو ولحقت به زوجته التي كانت في نيروبي”.
وذكر القائد السابق الذي طلب حجب اسمه، أنّ ضابط في مكافحة الإرهاب في هرجيسا Hargeisa عاصمة إقليم صوماليلاند، ساعد كاراتي على العودة إلى مقديشو، لافتًا أنّ هرجيسا رفضت تسليمه إلى السلطات الأمنية في ولاية بونتلاند. وأضاف لـ”أخبار الآن” بأنّ “هناك من يعتقد أنّ الإفراج عنه كان مقابل العمل مع مخابرات دولية، ولكني استبعد ذلك”.
عاد كاراتي إلى مقديشو إبان عهد المحاكم الإسلامية عام 2006، وانضم إلى الجناح العسكري، وقاد معارك هامة ضد أمراء الحرب، وبعد تدخل القوات الإثيوبية في الصومال انضم إلى جماعة الشباب عام 2007، وعُرف داخلها كقائد ميداني.
وزعم الضابط في وكالة الاستخبارات الصومالية، أنّ “المخابرات الدولية والإقليمية كانتا على علم بنشاط كاراتي وعلاقته بالمجموعة التي عادت إلى الصومال بعد تلقيها التدريب في أفغانستان، ولهذا قامت بتجنيده خلال وجوده في السجن، وسهلت دخوله إلى مقديشو عبر إثيوبيا”.
وجاءت عودة كاراتي في ذروة نشاط السلفية الجهادية في العاصمة “مقديشو”، في ظل تراجع نفوذ أمراء الحرب. وانخرط بين الجماعات المرتبطة بالقاعدة والتي شكلت فيما بعد جماعة الشباب عام 2006، من اندماج أربع جماعات سلفية جهادية، وفق ضابط الاستخبارات الذي تحدث لـ”أخبار الآن”.
يذكر الباحثان هارون معروف ودان جوزيف، أنّ جماعة الشباب تكونت من اندماج (مجموعة معسكر صلاح الدين في مقديشو بقيادة أحمد غوداني، والذي سيصبح الأمير الثاني للجماعة، ومجموعة رأس كامبوني (Ras Kamboni) بزعامة حسن التركي (Hassan Abdullah Hirsii al-Turki) وأحمد مدوبي (Axmed Maxamed Islaam Madoobe)، ومجموعتين أصوليتين من المحاكم الإسلامية، واحدة من مقديشو والأخرى من جلجود في ولاية جلمدغ).
ووفق حديث ضابط الاستخبارات الصومالي، بدأ نائب الأمير ورئيس جهاز استخبارات الجماعة “أمنيات”، مهاد كاراتي، العمل مع مخابرات دولية حليفة للصومال قبل أنّ يكون له تعاون مع المخابرات الوطنية لعدّة أعوام، لأنّها لم تكن تأسست في ذاك الوقت، ثم ظلت لأعوام بعد التأسيس غير فعالة.
لهذا لم تكن الحكومة الفيدرالية على علم بعلاقة كاراتي مع حلفائها الدوليين في الحرب على الإرهاب. يعلل ضابط المخابرات الصومالي ذلك، قائلاُ “يعود عدم مشاطرة المعلومات بين أجهزة المخابرات الدولية والمحلية إلى أنّ الأخيرة كانت مخترقة منذ التأسيس من جماعة الشباب، وهو الأمر الذي تواجهه تلك الأجهزة بجدية منذ اطلاق الحرب الحاسمة ضد الجماعة في أغسطس 2022”.
وزعم الضابط، إنّ “كاراتي بعد انتقاله إلى الصومال، ساعد حلفاء الصومال الدوليين في تنفيذ اغتيالات بالطيران المسير لعدد من قادة جماعة الشباب، من بينهم “آدان حاشي عيرو” الذي قُتل في غارة جوية في مدينة دوسمريب Dhuusamareeb عام 2008″.
انحدر عيرو من عشيرة “هوية” مثل كاراتي، وكان مقربًا من القيادات العليا لجماعة الشباب ويسبق كاراتي في المكانة. ويرى الضابط الصومالي، أنّه لهذا تواطؤ كاراتي في اغتياله ثم حلّ محله، واستفاد من غياب منافس قوي على الدعم القبلي والمراكز المتقدمة في جماعة الشباب، وفق قوله.
وأضاف أنّه “داخل الجماعة يتم إلقاء اللوم على كاراتي في مقتل عدد من الأعضاء، وتسهيل قتل آخرين تمّ استهدافهم من قبل طائرات الحلفاء الدوليين”.
بشكل عام استفاد كاراتي من مقتل “عيرو”، سواء أكان له دور في ذلك أم لا، حيث تصدر القادة المنحدرين من قبيلة “هوية” الكبيرة، التي تنشط جماعة الشباب في أراضيها في وسط البلاد، وهو ما منحه أهمية أكبر داخل الجماعة التي تهتم بتصعيد قيادات من القبائل الكبيرة.
أما عن تعاون كاراتي مع المخابرات الوطنية فهي قصة أخرى بحسب المصدر، فقد بدأ الطرفان تعاونهما عبر الروابط القبلية، حيث تعاون الأول مع رموز سياسية شغلت مناصب في البرلمان الفيدرالي قبل تنصيب الرئيس الحالي في مايو 2022، ثم حين تولى أولئك الساسة من عشيرته الكبيرة مناصب هامة بعد 2022، ومنها الأجهزة الأمنية، تواصل التعاون بين الطرفين بشكل مختلف.
كاراتي داخل الشباب
كتب الباحثان هارون معروف ودان جوزيف، أنّه “في إصدار فيديو لجماعة الشباب في 2017، تحدث كاراتي عن علاقة الشباب بالقاعدة في البدايات، وعن توفير القاعدة تدريبات عسكرية للمقاتلين الإسلاميين في الصومال منذ عام 1990 في مناطق جبلية في إقليم جدو في ولاية جوبالاند، وفي بيوت خاصة في مقديشو”. وبحسب عدّة مصادر، كان كاراتي على علاقة بتنظيم القاعدة العالمي منذ تسعينيات القرن الماضي.
واعتمادًا على الكتاب السابق، أمكن رصد عدّة محطات هامة في تاريخ جماعة الشباب كان كاراتي حاضرًا فيها.
إقليم جدو الذي شهد تأسيس أول إمارة إسلامية على يد جماعة الاتحاد الإسلامي التي انحدر منها كاراتي ويتشارك الحدود مع إثيوبيا وكينيا.
في عام 2009 حضر كاراتي بصحبة أمير جماعة الشباب الراحل أحمد غوداني المعروف بـ”مختار أبو الزبير”، اجتماعًا ضمّ جماعة “حزب الإسلام” حليفة الشباب، ومجلس علماء الصومال. كان الأخير يقوم بوساطة لإقناع الجماعة والحزب بوقف القتال ضد الحكومة الفيدرالية.
حضر الاجتماع أشهر رموز السلفية الجهادية في الصومال، إبراهيم الأفغاني (Ibrahim Al Afghani)، وكان موقف الأفغاني وكاراتي وغوداني ضدّ وقف الحرب، واستمرت الحرب حتى اضطرار الشباب للانسحاب من العاصمة بعد تلقيها هزائم كبيرة.
وحين اشتدت الأزمة داخل جماعة الشباب بين الأمير السابق أحمد غوداني (Ahmed Abdi Godane) من جانب، ونائبيه القيادي السابق مختار روبو – وزير الأوقاف الحالي – وإبراهيم الأفغاني، ومعهم عمر حمامي المعروف بأبو منصور الأمريكي (Omar Hammami) ومعلم برهان (Moallin Burhan) وآخرين من جانب آخر، في عام 2011، انحاز كاراتي إلى صف غوداني.
حضر كاراتي اجتماع هيئتي التنفيذ والشورى (أعلى هيئتين قياديتين في الجماعة) بصفته رئيس جهاز استخبارات الجماعة “أمنيات”. وخُصص الاجتماع لبحث الخلافات الداخلية، وخلص إلى عدّة قرارات لم يلتزم بها غوداني. ومع تطور الصراع الداخلي، قام غوداني بطرد نائبيه روبو والأفغاني، وتعيين مهاد كاراتي نائبًا وحيدًا له.
قدم كاراتي الدعم المطلق لغوداني في صراعه مع القيادات المعارضة له، وتولى جهاز أمنيات في عام 2013 بقيادة عبد الشكور تهليل الذي تلقى أوامره من كاراتي مهمة تصفية القيادات المعارضة لغوداني.
وبعد عام حين قُتل غوداني في 2014، أصبحت تلك المرحلة عقبة في طريق صعود كاراتي إلى سدة إمارة الجماعة؛ بسبب الدور الذي لعبه في تصفية المناوئين لغوداني. ويمكن القول إنّ كاراتي استغل فترة الصراعات الداخلية في تصفية القيادات الأقدم وذات المكانة الأكبر منه داخل جماعة الشباب، بأوامر من الأمير الراحل.
الصراع على خلافة الجماعة
وحين لقي “غوداني” مصرعه بعد استهدافه في غارة جوية من الحلفاء الدوليين في 2014، توقع “كاراتي” أنّ يُبايع كأمير للجماعة، فهو النائب الوحيد لغوداني لمدة ثلاث سنوات.
لكن تنصيب أمير للجماعة يتطلب موافقة هيئتي “التنفيذ والشورى”. وطُرحت عدّة أسماء في اجتماع الهيئتين كمرشحين، وكان منهم القيادي السابق مختار روبو ورئيس الإدارة المالية حسن أفغوي (Hassan Afgooye) ومهاد كاراتي وأحمد ديري (Ahmad Umar Abu Ubaidah) الذي كان مستشارًا لغوداني، واستقرت اللجنة على اسمين هما؛ ديري وكاراتي.
بحسب هارون ودان “كان كاراتي المرشح الأوفر حظًا لخبراته العديدة؛ حيث شغل مناصب هامة منها، رئاسة أمنيات ورئاسة إدارة الدفاع، ومنصبه كنائب وحيد لغوداني لمدة ثلاثة أعوام.
فضلًا عن تاريخه مع الاتحاد الإسلامي في التسعينيات”. ينقل المؤلفان عن مختار روبو “ذهب كاراتي إلى الاجتماع متوقعًا أنّ يُتوج أميرًا”.
لم يحصل كاراتي على المنصب، لأنّ علاقاته مع أعضاء هيئتي التنفيذ والشورى كانت ضعيفة، فضلًا عن رفض العديد من القيادات له لدوره في الخلافات الدموية في عهد غوداني. سبب ثالث لتفضيل ديري، أنّ الأمير الراحل رشحه لخلافته، لأنّ كلاهما من قبيلة درّ، من إقليم صوماليلاند الذي أعلن انفصاله من طرف واحد عام 1991.
يُعرف الإقليم بأنّه “شمال الصومال”، وتُعرف الولايات الخمس التي تشكل المناطق الخاضعة لحكومة الصومال الفيدرالية بـ”جنوب الصومال”، وهي قسمة هامة في التوازنات العشائرية التي تؤثر في جماعة الشباب، رغم ما تدعيه من أيديولوجيا دينية، ورفض للروابط الاجتماعية التقليدية.
لم يحصل كاراتي على منصب “الإمارة” الذي طالما سعى إليه، واحتفظ بمنصبه كنائب لأمير الجماعة أحمد ديري المعروف بـ”أبو عبيدة”، لكنه “ظل لشهور عابسًا”، بحسب مصادر كانت قريبة من الأحداث، تحدثت إلى الباحثين معروف وجوزيف.
يقول القيادي السابق في قوات الاتحاد الإسلامي، الذي طلب حجب اسمه، إنّ “ديري تفوق على كاراتي لأسباب منها، أنه اختار منصب والي الولايات الذي يمنحه قوة ونفوذ على الجماعة، بينما لم يحقق كاراتي في منصب نائب الأمير مثل ذلك، كما أنّ ديري في اجتماع تنصيب أمير الجماعة أخرج ورقة فيها ترشيحه للخلافة من غوداني، وكان واضحًا أنّ ديري هو الخليفة المقبل لما له من شخصية وتأثير كبير”.
وبحسبه فمهاد كاراتي هو “مجرد آلة تنفيذية لأحمد ديري، وليس شخصًا يتخذ القرارات المصيرية”.
لكن كاراتي لم يستسلم للقرار، وبدأ في العمل على إضعاف نفوذ “ديري” لتمهيد الطريق إلى منصب الإمارة في الوقت المناسب. ومن المهم التطرق إلى شخصية كاراتي، لفهم خطواته اللاحقة. كتب معروف وجوزيف عنه “لديه سمعة جيدة في التنظيم والإدارة لكنه يتجنب الخطوط الأمامية”، ووصفا طريقة عمله بأنّها “الصبر لتحقيق النصر، والكمون ثم توسيع القوة”.
بهذه الخصال من المرجح أنّ كاراتي لن يلفت انتباه خصمه أمير الجماعة أحمد ديري، لتفضيله الكتمان والسرية في تحقيق أهدافه.
وبعد أربعة أعوام من تولي ديري إمارة جماعة الشباب جاءت الفرصة أمام كاراتي للانتقام، وذلك حين اشتد المرض على الأول، وأثر على قدرته في إدارة الجماعة، فبدأ كاراتي في تعزيز نفوذه على حسابه، وفق حديث الضابط الصومالي.
وذكر في حديثه لـ”أخبار الآن” أنّ ديري يعاني من “مشاكل مزمنة في الكلى، وحين اشتدت حالته ركن إلى العلاج حتى لا يصاب بفشل كلوي”. كما أشارت المصادر إلى وجود احتمال كبير بأنّ اختطاف الطبيبين من الجنسية الكوبية في عام 2019 في منطقة مانديرا في كينيا، كان على يد جماعة الشباب بهدف علاج ديري.
في الأعوام التالية، برز اسم نائب أمير جماعة الشباب، مهاد كاراتي مع اشتداد المرض على الأمير أحمد ديري، وهو ما أمكن رصده من تتبع وتحليل الإصدارات المرئية عن الجماعة. بدأ الأول في نسج علاقات مع ساسة من عشيرته “هوية”، تحولت لاحقًا إلى تعاون حين أصبح هؤلاء الساسة أعضاء بارزين في الحكومات التي خلفت الرئيس السابق فرماجو.
ولئن كانت المصادر لم تُجمع على تعاون كاراتي مع مخابرات دولية، فإنّ هناك اجماع على تعاونه مع الحكومة الفيدرالية، بهدف تحقيق مصالح متبادلة، وهو شيء غير مستغرب في علاقة الطرفين، خصوصاً أنّ جماعة الشباب تمارس سيادة ونفوذ ولديها مؤسسات شبيه بالدولة الفيدرالية.
وفي الجزء الثاني من هذا التقرير تنشر “أخبار الآن” معلومات حصرية من مصادر في وكالة الاستخبارات والأمن الوطني الصومالية (NISA)، وقوات دنب الخاصة (Danab Brigade) وقوات ولاية جوبالاند، علمًا أنّ الولاية تمثّل أقوى معاقل الجماعة، حول تعاون كاراتي مع الحكومة الفيدرالية. وقال مصدر أمني لـ”أخبار الآن” إنّ هناك صفقة بين الحكومة وكاراتي تتضمن العفو عنه، مقابل التعاون ضد جماعة الشباب، وذلك هو موضوع الجزء الثاني الذي سيُنشر تباعًا.