سنونوات إيران.. كتائب نسائية لصناعة الرعب المؤنث في سوريا
بعد اختفائها لأسابيع عديدة، لم تتخيل أم أسامة أن ابنتها “تغريد” قد انتسبت لأحد الكتائب العسكرية النسائية التي أطلقتها إيران في مدينة “الميادين” كغيرها من الفتيات السوريات اللواتي تغريهن المراكز الثقافية الإيرانية بالانضمام إليها.
أم أسامة، السيدة الخمسينية والأم لأربعة أولاد، كشفت لأخبار الآن أنها اعتقدت بداية أن ابنتها قد خطفت، لكنها علمت بالصدفة بعد خمسة أسابيع من غيابها من أحد صديقاتها أن “تغريد” تشيعت وباتت ضمن كتيبة “الزهراء ” التي توكل لها مهمة البحث عن المطلوبين وتنفيذ اقتحامات على منازلهم.
هاجس الخوف من تأثر أبنتها الصغرى بشقيقتها وأن تسلك طريقها هو ما جعل الأم الثكلى تصر على النجاة بأولادها والاحتماء بعمومتها في مدينة دمشق لإنقاذ من بقي من أسرتها بعد مقتل زوجها وابنها البكر أسامة على يد تنظيم داعش وخسارتها لابنتها الكبرى “تغريد “التي نجحت أدوات طهران في الإيقاع به.
الشابة العشرينية “بتول” كانت أكثر حظا ولم تفلح محاولات جرها إلى مستنقع التجنيد لصالح طهران، وذلك بعد انتسابها لدورة تعلم التمريض كان قد أطلقها المركز الثقافي الإيراني في مدينة “دير الزور“.
تحكي “بتول” لأخبار الآن أن نساء من المركز الثقافي بدأن يغرينها بالانضمام لهن مقابل مبلغ مادي يعادل الـ 200 دولار لقاء معلومات تفشيها عن تحركات جيرانها في الحارة التي تعيشها ومراقبة المشتبهين بهم من المعارضين للوجود الإيراني في دير الزور وإبلاغهن على الفور.
وتتابع “بتول” أن سيدة تدعى “عنود” كانت تشرف على عمليات تجنيد الفتيات ضمن كتائب نسائية لتؤدين فيما يعد مهمات عديدة منها استخباراتية وأخرى لنشر التشيع والترويج للدعاية الإيرانية، ونقلت لأخبار الآن قلقها من تجنيد السوريات كمجندات وعسكريات ضمن تلك الفصائل لاسيما بعد وصول كتائب نسائية من إيران تعمل على حماية مراقد دينية في دمشق ودير الزور والميادين وغيرها وتشرفن على تدريب السوريات.
فيما بدأت حكاية الطالبة الجامعية “رغد” ذات الـ ٢٣ عاماً والتي تدرس الحقوق في بداية العام الجاري حين التحقت بدورة تدريبية مجانية لتعلم الخياطة أطلقها المركز الثقافي الإيراني في دير الزور تقول “رغد” لأخبار الآن أنها أنهت مع عشر فتيات أخريات للدورة التعليمية والتي أغراها نيل الشهادة بعد انتهائها وإمكانية حصولها على وظيفة في ورش للخياطة في المدينة.
تقول “رغد” إنه وبعد انتهاء الدورة حدد القائمون في المركز يوم العاشر من شهر شباط موعداً لإقامة حفلة تخريج لهم في حديقة كراميش ومنحهم الشهادة وتضيف: “حين وصولنا لمسرح حديقة الكراميش فوجئنا بالزينة المعلقة وبرقم 45 مكتوبة بكل مكان في الحديقة فخيل لنا أن رقم 45 هو كناية عن عدد المتخرجات من الدورة لكن تبين لنا لاحقاً بعد أن بدأت الأغاني الفارسية تصدح في الحديقة أنها الذكرى السنوية الـ 45 للثورة الإسلامية الإيرانية وأنهم اشترطوا علينا الانضمام للحفل وإطلاق شعارات مؤيدة لطهران مقابل منحنا الشهادات”.
“رغد” عبّرت عن مخاوفها وقلقها من انجرارها للعمل مرغمة مع الكتائب النسائية لاسيما بعد أن سجلت حالات عديدة لفتيات أجبرن على العمل ضمن صفوف تلك الفصائل وهو ما دفعها إلى مغادرة مسقط رأسها باتجاه العاصمة دمشق مع عائلتها قبل حوالي الأسبوعين.
تقول “رغد” إن المراكز والمؤسسات الإيرانية المنتشرة في سوريا تستغل حاجة السكان الاقتصادية وتجند الأطفال والنساء والرجال إلا أن استقطاب النساء والأطفال من اولوياتهم”.
وهو ما أكده الصحفي “عمر الخطاب” المنحدر من مدينة دير الزور والمتخصص في شؤون الجماعات الجهادية لأخبار الآن ونوه إلى أنه وثق حالات عديدة لتجنيد النساء والأطفال من قبل الفصائل الإيرانية في وادي الفرات قائلاً: “التقيت بنازح يكنى “بأبو أحمد الوهيبي” من مدينة الميادين كان قد نزح إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية أثناء سيطرة داعش على الميادين عاد إلى منزله في الميادين في 2020 وفوجئ بشخص استولى على منزل جاره في شارع الصناعة بالمدينة يدعى “حج حسين” من الجنسية اللبنانية وبدأ يتقرب من أولاده اليافعين ويغريهم بالعمل مع المركز الثقافي الإيراني والنشاطات الثقافية التي يقدمها للأهالي بمقابل مادي كبير وبالفعل نجح في استمالتهم”.
وأشار “عمر” إلى قلق والدهم الذي رغب في معرفة الدروس التي يتلقونها أطفاله الثلاثة داخل المركز الثقافي لكنه كان يمنع من دخول المركز وعلم من أولاده أنهم يتلقون دروس عن المقاومة والانضمام إلى ما أسموه بأصدقاء الإيرانيين والقتال ضد تنظيم داعش وبالفعل انتسب أحد أولاده كمقاتل ضمن صفوف الفصائل الإيرانية وفشل الأب في إعادة ابنه 14 عاماً الذي اختفى ولم يتمكن من معرفة مصيره منذ سنتين الأمر الذي دفعه إلى الفرار ببقية أولاده خارج البلاد.
المراكز الثقافية الإيرانية لاستقطاب الأطفال والنساء
فالمراكز الثقافية الإيرانية المنتشرة في دير الزور والميادين والبوكمال وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها إيران تسعى لاستقطاب النساء السوريات وتجنيدهن على غرار الأطفال عبر إطلاق المراكز الثقافية الإيرانية دورات تعليمية كالخياطة والحلاقة والتمريض والمعلوماتية وغيرها وإغواء النساء بنيل مبالغ مادية وشهادة تمكنهن من الحصول على وظيفة ليجدن أنفسهن يجبرن على الترويج لإيران وللحرس الثوري الإيراني، إما بالترغيب أو الترهيب.
ويرغمن على الانضمام لكتائب نسائية تشكلها طهران بين الحين والآخر وتوكل بأداء مهمات عديدة أهمها استخباراتية وعسكرية في مسعى من الجانب الإيراني المضي قدماً في تشكيل المزيد من تلك الكتائب وزج السوريات في حربها لاستكمال تنفيذ مشروعها الاحتلالي “الهلال الشيعي الاستيطاني” الذي يربط طهران ببغداد فدمشق وبيروت وسط مخاوف من قبل الأهالي من تجنيد بناتهم عسكرياً لاسيما مع تصاعد النزيف الاقتصادي الذي تعانيه الأسر السورية والفقر المدقع الذي تستغله أدوات إيران في المنطقة لاستغلال السكان لاسيما الإناث اللواتي تشكلن جزءاً مهماً من استراتيجية طهران للسيطرة على سوريا.
كتائب نسائية عسكرية
بعد ثلاث سنوات من طرد الميليشيات الإيرانية لجهاديي تنظيم داعش من الميادين في 2017 انتشرت ظاهرة تجنيد النساء بداية في الميادين وتحديداً في 2020 وظهرت كتائب نسائية عديدة كما يقول الصحفي “خطاب” التي أحصاها ومهامها لأخبار الآن كالتالي: “هناك كتيبة الزهراء وخولة بنت الأزور وأم البنين وغيرها وأعداد المجندات بالعشرات وفي تزايد دائم شكلتها إيران لأهداف سياسية وعسكرية واجتماعية لترسخ نفوذها ووجودها في سوريا على نحو أكبر”
وأضاف خطاب: طهران تنشر عن طريق المجندات السوريات المذهب الشيعي بين النساء لاسيما في المناطق التي تفتقر لوجود ثقافي وتقمع عبر هؤلاء المقاتلات المعارضين للوجود الإيراني من أبناء دير الزور والميادين والبوكمال ومراقبة تحركاتهم وجمع المعلومات الاستخبارية عنهم إلى جانب المشاركة العسكرية لهذه النسوة خاصة عمليات الاقتحام والمداهمة ضد من ترى فيهم الميليشيات الإيرانية خطراً عليها إلى جانب حماية المواقع والمرافق الدينية الشيعية”.
وفي ذات السياق قال “منير أديب” الصحفي المتخصص في الجماعات الإرهابية لأخبار الآن إن كتيبة الزهراء شكلت منذ قرابة الأربع سنوات وشكلت بتنسيق ودعم وبرؤية وتصور ما يسمى بلواء أبو الفضل العباسي الذي تشكل بعد انطلاق الثورة السورية في 2011، وتأسيس الكتائب النسائية بحسب “منير” جاء بهدف تحقيق المشروع الإيراني القائم على فكرة احتلال المزيد من الأراضي العربية واحتلال العقل العربي واستخدام الإنسان العربي المتشيع ضمن هذه الكتائب لقضم المزيد من المناطق.
فيما يرى الصحفي “عمر الخطاب” أن طهران تسعى من خلال أدواتها النسائية تجنيد المزيد من النساء ضمن صفوفها من خلال إغرائهم بالمساعدات المالية والعينية ونشر الدعاية الإيرانية بين السوريات لاسيما خلال تنظيم الفعاليات والنشاطات الثقافية والندوات كما تعمل هذه الكتائب على استمالة الفتيات من خلال فعاليات تتعلق بالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية”.
إغواء الساسة
يعتقد “طارق جاسم” الناطق الرسمي لجبهة الأحواز الديمقراطية أن استخدام النساء المجندات هي أفضل أداة لإغواء السياسيين وتشويه سمعتهم، وفي بعض الأحيان لم يكن الهدف الشهرة، بل الحصول على معلومات ووثائق لا سبيل للوصول إليها إلا عن طريق الدخول إلى غرف النوم، مبيناً خلال حديثه الخاص لأخبار الآن أن ذلك يدخل في سياق جهود طهران لتثبيت نفوذها العسكري والاجتماعي في مدن دير الزور والميادين والبوكمال.
وقال جاسم :”عمدت الميليشيات الإيرانية مؤخراً بالتركيز على النساء لتحقيق مآربها، وذلك من خلال تشكيل كتائب نسائية، بغية تحقيق مآرب استخباراتية ومنذ ذلك الحين أنشأت مليشيات إيران عدداً من الحسينيات في دير الزور وحولت مساجداً لحسينيات دينية لتعليم المذهب الشيعي وتبديل سوريا إلى قاعدة أبدية متاخمة للعراق تابعة لها.
وأضاف جاسم: أن طهران تركز حالياً على إقامة المشاريع الخيرية لمساعدة الأهالي، وشكلت لجاناً إغاثية توزع مساعدات بشكل شبه منتظم عليهم، كما عمدت إلى تأهيل بعض الحدائق العامة و بناء مستوصفات مجانية لعلاج الحالات المرضية الخفيفة وتقديم بعض الأدوية كما قدمت للطلاب المنح الدراسية في جامعاتها، ذلك لكسب ود الأهالي الذين يعانون وضعا اقتصادياً كئيباً، جعل منهم يقعون في الفخ الإيراني بسهولة في ظل غياب أي مساعدة من النظام الذي تركهم عاجزين أمام المد الثقافي الشيعي”.
علاقات جنسية وابتزاز
تستخدم طهران تلك النساء وفق السياسي الإيراني “طارق حميدي” لعاملين، الأول لإرسالهن لقضايا ما تسمى بالكرامة، مهمتهن الوحيدة إقامة علاقات جنسية مع شخصيات اعتبارية وتوثيقها بحيث يكون الموضوع عرضة لاغتيال الكرامة، وفي العامل الثاني واجب المجندة هو تفريغ المعلومات بالوصول إلى معلوماته المخفية ومحادثاته ومنشوراته وهاتفه المحمول وجهاز الكمبيوتر، وفي هذا العامل، ليس الهدف اكتساب الهيبة، بل التجسس وتسريب المعلومات.
وحول بعض مهام تلك النسوة، أضاف “حميدي” أن المجندات يعملن على ملاحقة شبان المنطقة والإيقاع بهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وتوريطهم للانضمام للمسلحين الإيرانيين والموالين لهم، وتجنيد الأطفال، حيث أن النساء البارزات وظفن نساء أخريات من أجل استقطاب الأطفال للانضمام للمراكز التي تعطي دورات ثقافية وهي بمثابة دورات غسيل دماغ وتعليم المذهب الشيعي والأفكار الطائفية فضلاً عن مراكز تشييع أخرى في مناطق متفرقة وحتى في بعض المنازل”.
وفي ذات السياق يرى “محمد شعت” الباحث المختص في الشؤون الإيرانية أن العنصر النسائي له دور هام في عمليات الاستقطاب أو الاستدراج سواء في الداخل الإيراني أو ضمن المشروع العابر للحدود في بلدان أخرى لاسيما سوريا، وأوضح خلال حديثه لأخبار الآن: “عندما نتابع عمليات استدراج المعارضين الإيرانيين من الخارج نجد دور فاعل للعنصر النسائي أو ما يسمى بـ” السنونوات” اللاتي يتم توظيفهن من جانب أجهزة الاستخبارات الإيرانية للإيقاع بالمعارضين وهو ما حدث مع حبيب أسيود وروح الله زام على سبيل المثال”.
بالتالي فإن هذا الدور الذي يلعبه العنصر النسائي بحسب “شعت” سيكون حاضراً سواء بالنسبة لعمليات الاستقطاب أو عمليات نشر التشيع في المجتمع السوري، انعكاسات نشر التشيع ستكون حاضرة في المجتمع السوري، لأن اعتناق المذهب تتبعه ممارسة الشعائر والطقوس الخاصة بالعقيدة سواء الطقوس الدينية التي يتم ممارستها في الشوارع مثل التطبير وغيره أو زواج المتعة، وهو الأمر الذي يساهم في خلخلة النسيج الاجتماعي واللعب بعد ذلك على وتر الطائفية وتوظيفه لصالح القرار والأجندة الإيرانية وفق “شعت”.
وفي هذا الجانب يعتقد “منير أديب” أن إيران نجحت في غزو أكثر من دولة عربية من خلال عمليات التشيع الكبيرة والمختلفة استخدمت فيها النساء والأطفال والرجال لذا فالنساء لهن دور كبير في عمليات التشيع والتجنيد خاصة وأن دائرة علاقات المرأة تكون غير مرئية وغير محسوسة تخدم الرؤية الإيرانية، وفي إيران نفسها أثير جدل تجنيد النساء بشكل جدي بعد قضية مقتل زوجة “محمد علي نجفي” رئيس بلدية طهران السابق، الذي ادعى أن زوجته كانت على علاقة مع الأجهزة الأمنية، إلا أن وزارة الإعلام نفت هذا الأمر.
ودفعت هذه القضية بعض المسؤولين رفيعي المستوى في إيران إلى التعليق على هذه القضية، وفي بعض الحالات، إلى الحديث عن تجاربهم في التعامل مع هذه الظاهرة التي تلقي بظلالها على نحو مقلق في سوريا لاسيما بعد الزخم الكبير في انتشار المراكز الثقافية الإيرانية.
سعي هذه المراكز جذب النساء وتجنيدهن على غرار الأطفال إما بالترغيب أو الترهيب وزجهن في حربها لاستكمال تنفيذ مشروعها الاحتلالي “الهلال الشيعي الاستيطاني” الذي يربط طهران ببغداد فدمشق وبيروت وسط مخاوف من قبل الأهالي من تصاعد عمليات تجنيد بناتهم عسكرياً لاسيما مع الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه الأسر السورية والذي لن تدخره أدوات طهران في المنطقة كوسيلة في استغلالها للمواطنين لاسيما الإناث اللواتي تشكلن جزءاً مهماً من استراتيجية إيران للسيطرة الكاملة على سوريا.