جماعة الشباب أطلقت الرصاص على الأهالي لمدة 7 ساعات متواصلة
في الأعوام ما بين 2012، و2016 شهدت كينيا مجموعة من الجرائم الوحشية لجماعة الشباب الصومالية، والتي توالت العملية تلو الآخر في مدينة تلو الآخرى خاصة المدن التي أوقعها حظها العثر على الحدود مع الصومال ومنها مدينتي غاريسا، ولامو.
ومع حلول ليل منتصف شهر يونيو من عام 2014، وبينما بدأ أغلب سكان ولاية لامو الكينية في الذهاب إلى النوم، حتى فاجأهم دوي أصوات رصاص وانفجارات عنيفة، هتافات صدحت من هنا وهناك ومعها أصوات إطلاق الرصاص، معلنة بدء مجزرة دموية ستستمر لمدة 7 ساعات متواصلة، وحملت توقيع، جماعة الشباب الإرهابية الصومالية.
مع حلول فجر ذلك اليوم، كانت شوارع المدينة قد تحولت إلى بحيرة من الدماء والجثث المتناثرة، وهو الأمر الذي تكرر في اليوم التالي في قرية قريبة من البلدة.
في الثامنة مساءً بدأت الفوضى في شوارع المدينة
وفي طريق رحلتنا إلى مدينة لامو بكينيا لرصد جرائم جماعة الشباب الإرهابية، إلتقينا أحد شهود العيان على تلك المجزرة الدموية، للوقوف على ملابسات وتفاصيل ما حدث في تلك الليلة الدامية، ويدعى ديفيد جوبارنجي، وهو مسؤول سابق بوزارة الصحة، وشاهد عيان على المذبحة، وسألناه: هل يمكن في البداية أن تصف لنا كيف بدأ الهجوم في تلك الليلة؟
فأجاب جوبارنجي “في عام 2014، تعرضنا للهجوم هنا، وكان ذلك في شهر يونيو من عام 2014، وكان يوم أحد، لم أقابلهم، لكن حوالي الساعة الثامنة مساءً، بدأت الفوضى، سمعنا الكثير من الطلقات النارية، وعمت الفوضى في المدينة، هنا في المدينة، والتي تبعد عن هنا بضعة أمتار، فكان بإمكاننا سماع ما يحدث هناك”
ورغم أن الهجوم الذي وقع في أرخبيل لامو السياحي في كينيا، كان واسع النطاق وتسبب في مقتل نحو 65 شخصا إلا أن التدخل الأمني كان بطيئا نسبيا، وهو الأمر الذي دفع الشرطة الكينية للإعلان عن توقيف حاكم ولاية لامو، عيسى تمامي، في إطار اتهامات وجهت له بالتقصير الأمني.
فماذا حدث بعد سماع أصوات إطلاق الرصاص؟، وعن ذلك يقول ديفيد”بدأ إطلاق الرصاص، وقتل الناس، لكن للحقيقة لم أعلم أن الناس كانوا يموتون، خرجت في الصباح، ووجدت عددا كبيرا من الجثث وبما أني كنت أعمل في المستشفى، فقد استقبلنا حوالي الـ65 جثة، الذين تم قتلهم خلال الليل، في ليلة واحدة، عمت فوضى كبيرة في المدينة من الساعة الثامنة حتى الساعة الثالثة فجرًا، حيث غادروا في هذا التوقيت، غادروا بعد أن خربوا المكان، وقتلوا الناس، هذا يوم لا يمكن نسيانه أبد، يوم لن ينسي”
شهدت الأعوام 2013 و2014 و2015، سلسلة من أعنف الهجمات الدموية التي شنتها حركة الشباب الإرهابية الصومالية ضد أهداف مدنية وعسكرية في كينيا، فيما وصفه عبدالقادر محمد مستشار الرئيس الكيني حينها، أوهورو كينياتا Uhuru Kenyatta، بأنه محاولة من حركة الشباب لإشعال حرب دينية في البلاد.
فماذا فعل الأهالي ليتجنبوا إطلاق الرصاص العشوائي من مسلحي الشباب؟
ديفيد جوبارنجي: أمضينا ليلة كاملة مختبئين بين الأشجار حتى لا يجدنا الشباب
كان الجواب عند ديفيد جوبارنجي حين قال “خلال تلك الفترة كان الوضع صعبا، فنحن لم نكن معتادين على هذه الأجواء، لم يكن أحدا منا، يملك سلاحا، إطلاق النار كان أمرا غريبا علينا، ولم نطلق النار في حياتنا، كان إطلاق النار يحصل في المدينة، ورأينا الناس يقتلون بعد ذلك عندما كانت الفوضى تعم المكان، لم نبق في المنزل، لأننا خفنا من أن يقوموا باقتحام المنازل، لذلك غادرنا بيتنا، وتوجها نحو هذه الأشجار في ذلك اليوم، وبقينا هنا طيلة اليوم التالي أيضا، لأننا كنا خائفين، كل الناس كانوا يشعرون بالخوف”
جماعة الشباب كانت تقتل الضحايا لغرض القتل فقط
كثيرة ومتعددة هي الشواهد على رغبة حركة الشباب في إدخال كينيا في آتون حرب أهلية، ففي هجوم وقع في نوفمبر من عام 2014، قام مسلحو الشباب بمهاجمة حافلة شمال كينيا لكنهم قاموا بإبعاد المسلمين عن المسيحيين، وقاموا بقل الركاب المسيحيين، وهو الأمر نفسه الذي تكرر في الهجوم نفسه الذي حدث بعدها بأشهر في الهجوم على جامعة غاريسا،وهذا ما دفعنا لنسأل ديفيد، هل هناك دوافع أخرى، لدى مسلحي الحركة وقت تنفيذ الهجوم غير القتل؟
فأجاب ديفيد “كانوا فقط يريدون القتل، فهم لم يسرقوا أي شئ في ذلك اليوم، كانوا يرهبون الناس ويقتلوهم، لم تحدث أية سرقات، ولم نفقد شيئا، قاموا بإحراق بعض الأماكن، لكنهم لم يسرقوا شيئا”
في المقابل، تبنت حركة الشباب الهجوم المزدوج، مؤكدة أنها تنفذ هجماتها ردا على التدخل العسكري الكيني في الصومال، في إشارة إلى مشاركة نيروبي ضمن قوات دولية لحفظ السلام في الصومال المجاور لكينيا، فما السبب وراء سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا في الهجوم؟
يقول ديفيد”لقد باغتونا في هذا الهجوم، معظم الأشخاص الذين قتلوا لم يكونوا على علم بما يجري، بعضهم أتى من المشروع السكني القريب، صوت إطلاق النار أثار فضولهم، فاقتربوا ليعرفوا ما الذي يجري، صوت إطلاق النار كان أمرا جديدا عليهم، وبعضهم هرع إلى هناك ولقوا حتفهم، قاموا بقتل الناس بطريقة عشوائية، إذا لم تكن مسلما فسيقتلوك في هذه المنطقة هناك اختلاط في الأديان، لكن معظم من قتلوا كانوا من السكان المحليين، ولم يكونوا من المسلمين، لا أعرف ماذا كان هدفهم، لكن أعتقد أنهم نفذوا ما طُلب منهم”
لكن الخطورة المحدقة التي تمثلها حركة الشباب الإرهابية تجعل السماح بعودتها إلى حكم الصومال أمرا كارثيا ومأساويا على حياة ملايين الكينيين والصوماليين على السواء، خصوصا بعد أن كشف مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في أحدث مؤشر له حول العمليات الإرهابية في العالم، أن حوالي 70% من إجمالى عدد العمليات الإرهابية في شهر أبريل 2024 وقعت في الصومال وحدها،
لذا سألنا ديفيد: هل كنت تعرف أحدا من ضحايا الهجوم وما هو تأثير ما حدث على حياة أسرهم؟
فأجاب: نعم كنت أعرف العديد منهم، لأني كنت أعمل في المستشفى، إلى حيث استقبلنا الجثث، نعم كنت أعرفهم، بالطبع لم أعرفهم جميعا، لكن كنت أعرف البعض منهم، فكما تعرفين هذه المدينة صغيرة، وبالتالي الجميع يعرفون بعضهم البعض، كنت أعرف بعضهم شخصيا، والبعض كنت أعرفهم عن بعد، كان هناك أرامل، قتل أزواجهن، هم قتلوا الرجال فقط ولم يقتلوا النساء، كنت أعرف بعض من هؤلاء الأزواج الذين قتلوا في تلك الحادثة الأليمة، لم يقتلوا العائلات، وأولادهم كبروا وأصبحوا راشدين، نعم أنا أعرفهم.
لكن رغم مرور نحو 10 سنوات على الهجوم، إلا أن هجمات حركة الشباب داخل كينيا استمرت حتى أسابيع قريبة من العام الجاري، وهو ما يثير قلق سكان منطقة لامو من إمكانية تكرار الأحداث الدامية مرة أخرى.
فهل لديكم أي معلومات أو احتمالات بشأن إمكانية تكرار حركة الشباب لهجومها مجددا؟
يقو ديفيد مجيبا عن سؤالنا: “لا أنباء عن احتمال عودتهم، لا توجد مؤشرات على ذلك، لكن أحيانا يوجهون رسائل تقول نحن عائدين، علينا أن نعود، حتى في ذلك اليوم الذي كانوا فيه هنا، قالوا إنهم سيعودون بعد 14 يوما، أو شيئا من هذا القبيل، أو بعد شهر، لكنهم لم يعودوا، أحيانا تصلنا بعض التهديدات، أنهم سيعودون”
لكن من الأمور المثيرة للقلق، بشأن إمكانية اشتداد قوة حركة الشباب من جديد إعلان قوات الاتحاد الأفريقي ومن بينها القوات الكينية، أنها قررت الانسحاب من الصومال وبدأت فعلا في مراحل هذا الانسحاب وهو ما يلقي بظلال مظلمة وكئيبة حول إمكانية عودة الحركة الإرهابية إلى حكم الصومال مرة أخرى، الأمر الذي يمثل خطرا كبيرا على ملايين الصوماليين والعالم بأسره.