تحالفات متناقضة
في مساء 23 يونيو/حزيران انفجرت عبوة ناسفة كانت مزروعة على دراجة ناريّة بمحيط مسجد الدعوة، في عزلة حصون آل جلال التابعة لمديرية وادي عبيدة الواقعة شرق محافظة مأرب، وبينما يتابع السكان المَحليون واقعة الانفجار بذهول، والتي لم يتبين حينها إن كان الانفجار ناتج عن عبوة ناسفة أو غارة جوية، كشفت مصادر جهاديّة لاحقًا أن المُستهدف هو حمزة المَشدلي المُكنّى بـ”أبي صالح البيضاني” والذي أُرديَ قتيلًا فورَ انفجارِ العبوة الناسفة، فيما أُصيب ثمانية آخرون من المارّة بإصابات طفيفة.
موقع مسجد الدعوة حيث وقع الانفجار
المشدلي وتنظيم القاعدة عقدٌ من الولاء الخفي
حمزة بن محسن أحمد الشاجري، المعروف بـ”أبي صالح حمزة المشدلي” عُرف منذ اشتعال الحرب ضد ميليشيا الحوثي في محافظة البيضاء وسط البلاد، وقد برز كأحد قيادات جبهة الحازميّة بمديرية الصومعة، إلا أن جبهة الحازميّة كانت منقسمة بين قوات معروفة بالولاء والتبعية للشرعية اليمنية، ومجموعات أخرى تتبع تنظيم القاعدة، ومجموعات أخرى قبليّة.
وقد كان المشدلي من أبرز القيادات التي عُرفت بالولاء لتنظيم القاعدة، كما كانت له مواقف قاسيّة وحاسمة في الحروب الداميّة بين تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش بمحافظة البيضاء منحازًا لتنظيم القاعدة.
في تصريح مفاجئٍ لمدير أمن محافظة أبين العميد علي ناصر باعزب المعروف بـ”أبي مشعل الكازمي” شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، اتهم حمزة المشدلي بتمويل ودعم هجمات تنظيم القاعدة ضد القوات الحكومية في محافظتي أبين وشبوة، واصفًا إياهُ بـ”المجرم”، كما أشار إلى أنه كان يُقيم في أبين، وقد غادر إلى محافظة مأرب، مُطالبًا سلطات مأرب المحليّة القبض على المشدلي وتسليمهِ للعدالة.
وقد أثار هذا الاتهام الغرابة لكثير من أبناء القبائل في محافظتي أبين والبيضاء، لاسيما وأن المشدلي قد كان يقدم نفسه خلال الأعوام الماضيّة كأحد قيادات المقاومة السلفية في محافظة البيضاء لمواجهة ميليشيا الحوثي، يصرح الشيخ القبلي من محافظة البيضاء لـ”أخبار الآن” طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، قائلًا: إن حمزة المشدلي وإن كان يحاول الظهور أمام القبائل والعامة بشخصية الرجل القبلي المقاوم للحوثي، إلا أن خواص الناس كانت على علم بعلاقات المشدلي بتنظيم القاعدة منذ عقد من الزمن.
وأضاف الشيخ القبلي، قائلًا إن “المشدلي لعب دورًا كبيرًا في دعم التنظيم قبليًا بمحافظة البيضاء، إلا أن كل ذلك كان بخفاء وحذر”.
واختتم الشيخ القبلي حديثه، قائلًا: ربما كانت هناك أسبابًا جعلت المشدلي مؤخرًا يبدو جريئًا في دعم التنظيم والانخراط في العمل الميداني، والعسكري الإرهابي.
فيما أكدت مصادر أن حمزة المشدلي كان قد ترك جبهة الحازميّة تمامًا، وكل ما يتعلق بالجبهة منذ سنوات، وهذا ما أكدته عناصر إعلاميّة لتنظيم القاعدة.
وقد أحدث مقتلُ المشدلي أيضًا غرابةً لدى الكثير، وهو أن اسم الشخص الذي أعلن عنه مدير الأمن “حمزة صالح عبدربهِ المشدلي” والمقتول هو “حمزة محسن أحمد المشدلي”، واعتقد البعض أنهما شخصان، ولكن بدورنا في “أخبار الآن” تواصلنا ببعض الأقارب للمشدلي، فأكدوا لنا أن المشدلي كان يقيم بالفعل في أبين، ثم مع بداية حملة سهام الشرق التي أطلقتها القوات الجنوبية انتقل إلى مأرب، وإضافة لذلك تواصلنا بضباط أمن في إدراة أمن محافظة أبين والذي أكد لنا أن الإسمين لشخصٍ واحد، إلا أن المشدلي كان يستخدم اسم حمزة صالح عبدربه المشدلي أثناء إقامتهِ في محافظة أبين تمويهًا للدور والنشاط الذي يقوم بهِ.
كما أن حسابات جنود وأنصار تنظيم القاعدة في اليمن على فيسبوك، وتلجرام نعت مقتل حمزة المشدلي واصفينهُ تارةً بـ”الأمير وتارة بـ”الشيخ” (المجاهد).
حمزة المشدلي وميليشيا الحوثي.. أعداء أم حلفاء
إن حمزة المشدلي، وبحسب عدد من المقربين منه، يحمل ثأرًا قبليًا وأيدلوجيًا ضد ميليشيا الحوثي، إلا أن باطرفي خلال الأعوام الماضيّة تمكن من إقناع المشدلي بتجميد الحربِ والجبهات تمامًا ضد ميليشيا الحوثي، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك كفتحِ خطوط التواصل والتنسيق مع ميليشيا الحوثي عبر وسطاء قَبليون.
يقول مصدر جهادي من محافظة البيضاء لـ”أخبار الآن”: إن المشدلي كان عدوًا لدودًا لميليشيا الحوثي في محافظة البيضاء، إلا أن المشدلي منذ ثلاثة أعوام جمَّد كلًا من الجبهات والمواجهات ضد ميليشيا الحوثي، وفتح خطوط التنسيق والتواصل مع الميليشيا، وذلك بعد عشرات من اللقاءات التي عقدت بين المشدلي وخالد باطرفي-زعيم التنظيم الأسبق لقاعدة الجهاد في جزيرة العرب-.
وأضاف المصدر الجهادي قائلًا إن “المشدلي فور تجميده للعمل ضد ميليشيا الحوثي، ثمة تحركًا مشبوهًا له في أبين خاصةً، وقد كان المشدلي يتلقى دعمًا كبير مستمرًا، تحت مسمى قتال ميليشيا الحوثي، بينما قد توقف تمامًا عن أي عمل، أو مواجهة ضد الميليشيا منذ ثلاثة أعوام وأكثر”.
وأختتم المصدر قائلًا: مع توقف المشدلي عن أي عمل، أو مواجهة ضد ميليشيا الحوثي، وفتح خطوط التنسيق والتواصل والتفاهم عن طريق وسطاء قبليين، إلا أن ميليشيا الحوثي لم تكن راضيّة عن المشدلي، وبين الفينة والأخرى تقوم بعرقلة أيًا من القضايا والتفاهمات التي يقوم بها المشدلي، وقد كان المشدلي ذا تأثير قبلي في مجتمعهِ، ولذلك تعاملت الميليشيا معه خلال الأعوام الماضية بشيء من السياسة، ولم تكن العلاقة في أصفى ما يكون بينهما.
وهذا ما قدر ظهر ميدانيًا أن المشدلي توقف تمامًا عن أي عمل، أو مواجهة ضد ميليشيا الحوثي، ومع ذلك كان هناك دورًا مشبوهًا لبعض القبليين المقربين في نشاطهِ الخفي والسري، وجمعهِ للأموال دون توقف.
من قتل حمزة المشدلي؟
فور مقتل المشدلي اتهم جنود وأنصار تنظيم القاعدة ميليشيا الحوثي بقتلهِ، ومن أبرزهم الحساب الشهير المسمى معن العولقي، وقد أكدت مصادر جهادية في وقت سابق أن معنًا جنديٌ نشطٌ في تنظيم القاعدة، ومقربٌ من قيادات التنظيم.
وفي تصريحٍ خاص لـ”أخبار الآن” يقول جهادي منشق عن تنظيم القاعدة، ويتمتع بعلاقاتٍ واسعة داخل التنظيم: إن المشدلي لم تكن علاقته بالحوثيين على ما يرام، وكانت الميليشيا في كل مرة تفسد ما يقوم بالترتيب له، لاسيما ما يخص تبادل الأسرى، وما يريد أن ينسق له في مناطق سيطرة الميليشيا لصالح بعض المحسوبين عليه قبليًا، إلا أن باطرفي كان يرسل آخرين، للتهدئة والإصلاح والتفاهم.
وأضاف المصدر قائلًا: لا تثق ميليشيا الحوثي بالمشدلي وتتعامل معه بحذرٍ تام، مستفيدة من نشاطهِ في المحافظات الجنوبية، ومن نفوذه القبلي في محافظة البيضاء.
واختتم المصدر، قائلًا: علمت بعد وفاة باطرفي انحدار العلاقة بين الميليشيا الحوثية والمشدلي الى حدِّ توقف العلاقات، وقد كان المشدلي في هذه الدورة حادًا، خلافًا لكل مرة، ويبدو أنه ثمة خلافٌ دفع الميليشيا للتخلص منه، وهذا ما أكده لي مصادر داخل التنظيم أن الجهاز الأمني لتنظيم القاعدة يتهم خليةً حوثيةً في تصفية المشدلي، وذلك ما قدر ظهر على كتابات أنصار وجنود التنظيم.
من جهة أخرى اتهم آخرون تنظيم داعش بتصفية المشدلي، لاسيما وأن حمزة على قوائم المطلوبين لداعش، بمواقفه الحادة الحاسمة في المعارك الدموية بين داعش، والقاعدة في محافظة البيضاء.
ومع ذلك قد بَدا إعلام ميليشيا الحوثي مُرتبكًا فور مقتل حمزة المشدلي، فاتهم أمريكا، وداعش، والقوات الجنوبية، وآخرين، بتصفية المشدلي، في تقريرٍ واحد، وقد نُشر هذا التقرير في عدد كبير من المواقع والصحف والقنوات والحسابات التابعة لميليشيا الحوثي.
من جهة أخرى أكَّد الصحفي اليمني عاصم الصبري، بحسب مصادر متطابقة أن المتهم في استهداف المشدلي ميليشيا الحوثي.
مقتل حمزة المشدلي قائد جبهة الحازمية البيضاء بتفجير عبوة ناسفة في وادي عبيدة بمحافظة مارب.
وبحسب مصادر متطابقة فان المتهم الرئيسي في التفجير هي جماعة الحوثي. https://t.co/TLns8uUdyt— عاصم الصبري (@AsemTahaAlSabr) June 23, 2024
ميليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة.. الخُلاصة
لا يُعد مقتل حمزة المشدلي الخرق الأول في تاريخ ميليشيا الحوثي بما يسمى بالتحالف بين تنظيم القاعدة والميليشيات، وليس الآخير، وما يمكن قوله أنّ طهران اليوم قد تمكنت من مفاصل تنظيم القاعدة وفروعه، ولم تعد طبيعة العلاقة “تحالف” أو “تقارب مصالح”، إنما بات التنظيم لُعبةً بأيدي الحرس الثوري الإيراني.
ستُصفي ميليشيا الحوثي كل من يقف أمام مشروعها من داخل وخارج تنظيم القاعدة، أو حتى تتوجس، ولن تنسى كل من تورط بالحرب سابقًا ضدها دون تواني، سعيًا في تصدير صورة حاسمة وقوية للجميع.
وسيستمر التنظيم في تسارع نحو خدمة ميليشيا الحوثي تنفيذًا لأجندة طهران، دون أي تراجع أو تصحيح للمسار في ظل نفوذ سيف العدل داخل تنظيم القاعدة في اليمن، وفي ظل شخصية سعد بن عاطف العولقي المهزوزة تجاه القيادة العامة.
وخلاصةً ما يجب تصحيحه أن العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة لم تَعد تحالفًا أو تقاربًا بين فكرتين مُتناقضتين، إنما بات الواقع سيطرة تامة من قبل طهران على تنظيم القاعدة من خلال سيف العدل وصهيرهِ مصطفى حامد.