كيف يحارب مسلمو كينيا جماعة الشباب؟
تحول جديد ظهر مؤخرا في شرق القارة الأفريقية وخاصة الصومال وكينيا حيث تنشط جماعة الشباب الإرهابية في القرن الأفريقي، و لكن زاد عليها بزوغ قوة إرهابية أخرى لا تقل خطورة عن “الشباب” وهي تنظيم “داعش” حيث تم من تداول تسريبات تؤكد أن رأس تنظيم “داعش” عالميا هو أمير التنظيم السابق في شرق أفريقيا.
ففي ٢ يوليو الجاري ، نشر حساب قناة فضح عباد البغدادي والهاشمي المتخصص في كشف خبايا التنظيم أن عبد القادر مؤمن، هو على الأرجح خليفة داعش المزعوم أبو حفص الهاشمي القرشي، وقال الحساب على منصة Rocket.Chat إنه تحقق من المعلومة من ”أخوة أتقياء من الصومال،“ مضيفاً أن هؤلاء أكدوا لهم أن ”الرجل لا زال على قيد الحياة.“
وكان عبد القادر مؤمن من أهم قادة التنظيم في الصومال، فهو مؤسس التنظيم في ٢٠١٥ عندما انشق عن جماعة الشباب الموالية للقاعدة، والأهم أنه هو مدير مكتب الكرار المسؤول مالياً عن التنظيم في ”الصومال والدول الحدودية القريبة منها وولاية وسط أفريقيا – الكونغو والموزمبيق، يُضاف إليها اليمن.“
جماعة الشباب استغلت للدين للوصول للسلطة
الفكر لا يواجه إلا بالفكر، مقولة يطبقها اليوم علماء ومثقفين من المجتمع المسلم داخل كينيا كي يستردون عقول الشباب الذي تستهدفه جماعات “داعش “، والقاعدة ممثلة في جماعة الشباب الصومالية بفرعها الكيني، حيث رسالتهم الوحيدة هي الخراب والدمار والقتل، وهدفها الأوحد هو السلطة أو الموت لكل من يعارضها.
ولأن أهداف جماعة الشباب، لن يقبلها أي شخص أو يتبعها، فقد لجأت إلى أكثر الأشياء قدسية عند أي إنسان وهو الدين، وبدلًا من أن يكون القتل باسم السلطة يكون القتل باسم الدين ستارًا يخفي تحته الحقيقة المظلمة، حتى لو كان ضحية ذلك هو الإسلام والمسلمين ممن تشوهت صورتهم وأسيئت سمتعهم.
من هنا قرر عدد من المسلمين ولا سيما العلماء ورجال الدين والمثقفين مواجهة “الشباب” بأيديولوجية مضادة لذلك الفكر الظلامي، فسافرنا إلى العاصمة الكينية نيروبي، وهناك التقينا أحد هؤلاء العلماء الذي قرر هو وبعض زملائه مجابهة فكر “الشباب” واحتواء وإعادة دمج العائدين منها بعدما سببت شرخا كبيرا في صورة الإسلام والمسلمين في كينيا وشرق إفريقيا عموما.
فكر مضاد
التقينا بالشيخ إبراهيم التهومي، أحد مؤسسي برنامج BRAVE، وهو برنامج مخصص لاحتواء عناصر الحركات الإرهابية في شرق أفريقيا وخاصة عناصر تنظيم “داعش” و عناصر جماعة الشباب الصومالية الإرهابية والعائدين منها، لنسأله عن طبيعة هذا البرنامج: في البداية هل يمكن أن تشرح لنا كيف جاءت فكرة البرنامج؟
ليجيب الشيخ إبراهيم التهومي قائلًا “لفترة طويلة جدا، عانت كينيا من الهجمات الإرهابية، ولسوء الحظ بعد كل هجوم، يقع اللوم على المسلمين والإسلام، وكوننا مسلمين فاللوم يقع علينا أيضا، نحن نعلم أن الإسلام الحقيقي، لا يؤيد هذا النوع من العنف والإرهاب، ومع ذلك يقع اللوم على الإسلام”
عقب هجوم غاريسا الذي راح ضحيته 149 طالبا من جامعة غاريسا الكينية الواقعة على حدودها مع الصومال، قرر الشيخ إبراهيم احتواء وإعادة دمج العائدين من جماعة الشباب، لكن هجوم جامعة غاريسا الدامي الذي وقع بمقاطعة غاريسا الكينية في عام 2015، وأودى بحياة نحو 150 طالبا جامعيا، كان له تأثيرا سلبيًا على سمعة وصورة الإسلام والمسلمين في كينيا حيث تبنته جماعة الشباب الصومالية الإرهابية، الأمر الذي دفع التهومي إلى اتخاذ القرار بتكوين هذا البرنامج.
كيف كان هجوم غاريسا مؤثرًا على المسلمين في كينيا؟
يوضح الشيخ إبراهيم التهومي: “بعد هجوم غاريسا، حيث خسرنا 148 مواطنا بريئا واثنان منهم فقط كانوا من المسلمين و146 كانوا مسيحيين، وكانوا من الطلاب الذين يتعلمون هناك، بدأ الناس يقولون “ما هو هذا الدين الذي يبرر قتل الأبرياء!”.. وكعلماء مسلمين شعرنا أن هذا يكفي، لا يمكننا الجلوس وانتظار حصول هجوم جديد يتسبب بمقتل المزيد من الأشخاص، وإلقاء اللوم على الإسلام ونحن نشاهد، لذا قررنا أن نقوم بخطوات استباقية”
فوفقًا لكثير من المصادر المحلية الكينية، فقد تسبب هجوم غاريسا في ازدياد حدة النظرة السلبية ومشاعر العداء بين أفراد المجتمع الكيني تجاه المسلمين، وهدد باحتمالية حصول موجات عنف قد تستهدفهم على إثر تلك الهجمات الإرهابية، وبالتالي ما القرار الذي قمتم باتخاذه حينها لمواجهة تلك الموجة الإرهابية التي تسبب المتاعب للمسلمين وتسيء للإسلام؟
مواجهة الفكر بالفكر
يجيب الشيخ إبراهيم بقوله “اجتمعنا نحن العلماء المسلمين، وكنا من المحامين، والمختصين في حل النزاعات، وبعض الأشخاص المتقفين فكريًا على ضرورة إنشاء منظمة لتصحيح هذا الأمر، وتوضيح حقيقة الإسلام، ومن هنا أنشأنا المنظمة وقمنا بتسجيلها كمنظمة غير حكومية، وبرنامجنا هو بناء القدرة على الصمود ضد التطرف”
وبرنامج BRAVE، هو برنامج غير حكومي يستهدف مكافحة الإرهاب وهو اختصار بالإنجليزية لمصطلح بناء القدرة على الصمود ضد التطرف العنيف، ويتبع مركز حل النزاعات المستدامة في كينيا،فما هي أهداف هذا البرنامج وما الذي ركز عليه؟
يفسر ذلك الدور الشيخ إبراهيم التهومي، قائلًا “تركيزنا كان على المجموعة التي تقوم باعتداءات في كينيا، نعرف أنه توجد مجموعات حول العالم، لكن المجموعة التي كانت تؤثر على كينيا كانت جماعة الشباب الموجودة قرب الحدود، لأننا نتشارك بالحدود معهم، لذا فمعظم الاعتداءات التي تحدث هنا يقولون إننا من قام بها وبالتالي سيُتهم الدين الإسلامي في كينيا، لذا كان تركيزنا الأساسي على الأيديولوجيا.. الفكرة”
احتواء وإعادة دمج العائدين من جماعة الشباب
وكباقي الجماعات التي ترفع الشعارات الإسلامية لتتستر خلفه، تقوم جماعة الشباب الإرهابية الصومالية أيضا بتحريف صورة العقيدة الإسلامية لمتابعيها خصوصا فيما يتعلق بالجهاد وعقيدة الولاء والبراء وغيرها من الأمور التي تدخل في صلب الشريعة الإسلامية،لذا سألنا الشيخ إيراهيم: كيف استطعتم أن تواجهوا الأفكار المسمومة التي تسيء وتشوه جوهر العقيدة الإسلامية؟
فأجاب: “فكرتنا قامت على أن العقيدة التي يروج لها هؤلاء، مبنية على التعاليم الإسلامية، لكنها تسيء استخدام القرآن والسنة، لذا أولا كان علينا أن نفهم الأحاديث الدينية التي يستعملونها، التعاليم الدينية التي يتبعونها، الأفكار التي يطبقونها أو يسيؤون تطبيقها، مثل مفهوم الجهاد، فسألنا أنفسنا هل هذا هو الجهاد الذي تحدث عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا أنهم يريدون إقامة الخلافة، هل هكذا تُطبق الخلافة؟ العلاقة بين الإسلام أو بين المسلمين وغير المسلمين، هل يجب أن تتسم بالعنف؟، وهل يحق قتل غير المسلمين لمجرد أنهم غير مسلمين؟، كان يجب أن ندرس مفاهيم الولاء والبراء، لأن هذه العقائد ترتكز على هذه الأفكار، ولذلك فعندما نفهم كل هذا يكون علينا أن نحضر بدائل وردود مناسبة للرد عليهم”
إرهاب جماعة الشباب عزل المسلمين في كينيا
لكن التواصل مع أعضاء تلك الجماعات وتوضيح حقيقة المفاهيم الإسلامية لهم لم يكن بالأمر السهل أيضا خصوصا أنه في الجهة المقابلة كان هناك من يقدم خطابه التكفيري الذي يحرض على القتل وسفك الدماء.فكيف أوصلتم رسالتكم تلك إليهم؟
يشرح الشيخ إبراهيم التهومي دورهم وكيفية وصولهم غلى صغار السن من الشباب المستهدفين فيقول: “نعم واجهتنا مشكلة، الرسالة المضادة التي نقدمها هي رسالة جيدة لكن من الذي سيحمل هذه الرسالة، من هو الشخص الموثوق الذي سيحمل هذه الرسالة ويقنع الناس بالإصغاء إليه؟
لأنه في الجهة المقابلة، كان هناك أشخاص يقولون نعم هذا مبرر، هذا هو الجهاد، لذلك كان علينا البحث عن أشخاص لديهم مصداقية عند الطرف الآخر، ليتمكن من تصويب تلك الأفكار الخاطئة فمن سنختار؟، العلماء، الأئمة، يجب أن يستفيدوا من وجودهم على المنبر ولهذا قلنا، يجب على الأئمة أن يتحلوا بالشجاعة عندما يقفون على المنبر ويشرحون حقيقة الجهاد، ويجيبون على الأسئلة الصعبة، مثل ماذا يحدث في الصومال، أو بين العراق وسوريا، هل هذا جهاد أم لا؟”
البرنامج يستهدف الفقراء والفئات الأكثر ضعفا
صحيح أن هذا البرنامج يستهدف كل الأشخاص الذين قد يقعون في فخ الخطابات التحريضية والتكفيرية التي تروج لها الجماعات الإرهابية مثل جماعة الشباب، لكن هناك حلقات أضعف يركز عليها البرنامج، فمن هي الفئات التي يركز عليها البرنامج ولماذا؟
يقول الشيخ التهومي”كان علينا أن نستهدف الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع، أولئك الذين يتم استهدافهم ليصبحوا متطرفين، أي الصبية الصغار، لأنهم هم المستهدفون، علينا أن نتذكر أن هؤلاء مفعمين بالحيوية، ومنهم من يشعر بالإحباط في الحياة، ويمكن استمالتهم بسهولة”
داعش في الصومال وكينيا
بالرغم من أن برنامج BRAVE يستهدف بشكل أساس أعضاء جماعة الشباب الإرهابية، إلا أن تلك الجماعة كغيرها من الجماعات الأخرى ترفع نفس الشعارات الجهادية، التكفيرية، وتتبنى نفس الأيديولوجية، وهو ما جعلنا نسأله من خلال تواصله مع العديد من أعضاء تلك الجماعات السابقين، وطلبنا من الشيخ إيارهيم أن يجيبنا بوضوح عن السؤال: هل هناك علاقة تربط تلك الجماعات ببعضها، وهل هناك من يحركها أو يمولها؟
فأجاب الشيخ: “كل تلك الجماعات تدعي أنها تحارب دفاعا عن الإسلام والمسلمين، وتستغل الإسلام لتبرير أفعالها، لكن هل هذا فعلا هو الدين؟، أم أنه يتم استغلال الدين للوصول إلى أهداف أخرى، الجواب هو أنهم يسيؤون استعمال الدين لتحقيق أهداف أخرى، حتى داعش وغيرها من المجموعات الإرهابية حول العالم يستغلون الإسلام، أو أي من الديانات الأخرى، الدين يُستغل لتحقيق أهداف أخرى.
يكمل التهومي: “هل هناك بلدان تدعم ذلك، يمكنني القول أن هناك أشخاصا بغض النظر عن البلد الذي يتواجدون فيه، يستفيدون من ذلك هناك أفراد يستفيدون من وضع الصومال أو من وضع المنطقة لانهم يبيعون الأسلحة، الناس تشتري السلاح، لكنني متأكد من شيء واحد فقط، هناك شخص ما يدعم هذه المجموعات من مكان ما، هناك من يدعم داعش، وبوكو حرام، وكل هذه المجموعات”.
إنضم لجماعة الشباب فترك رسالة وداع لوالديه وقتل بعد عامين
بالتأكيد مع عودة الكثير من أعضاء الجماعات الإرهابية تلك عن الطريق الذي ساروا وقرروا أن يكشفوا تفاصيل وفحوى ما تعرضوا له من عمليات غسيل أدمغة، ظهرت قصص وتجارب إنسانية صادمة ومؤلمة.
فهل يمكن أن تكشف لنا عدد من هذه النماذج؟
وبتأثرٍ شديد جاوبنا الشيخ التهومي موضحا: “الحالات كثيرة، بعضها يجعل المرء يبكي، دعيني أتحدث عن حالة، أحزنتنا جميعا، كان هناك شاب، أمه تقاعدت من الخدمة المدنية، وكانت أم عزباء تهتم بابنها وفتحت عملا صغيرا له، الشاب كان مسيحيا ثم تحول إلى الإسلام وتزوج، وعندما أنجب ولدا واحدا، قرر الانضمام إلى داعش، لكن قبل ذلك، تم إقناعه أنه يجب أن يقتل والدته، نعم، لكن لحسن الحظ لم يفعل ذلك، وهو يقول إن هذا أفضل ما حدث معي هو أنني في اليوم الذي ذهبت فيه لأقتل أمي، لم أجدها في المنزل وإلا كنت قتلتها، هرب هذا الشاب، لكنه تعرض للخطف، وطلب الخاطفون فدية، طلبوا مبلغا كبيرا، كانوا يصورون عملية تعذيبه، ثم يرسلون الفيديو إلى أمه فبدأت الوالدة ببيع أغراضها لتتمكن من دفع الفدية، باختصار تمكن هذا الشاب من العودة، ووالدته تهتم به، والدته التي كان يريد أن يقتلها”
“وهناك قصة أخرى لشاب متعلم، والدته تعمل مع الدولة هذا الشاب قرر يوما أن يختفي ويرحل ثم بعث برسالة إلى أمه يقول فيها، أمي أنا أحبك كثيرا، أبي أنا أحبك كثيرا لكن الله يحبني وسنلتقي يوم القيامة، وهذه كانت آخر مرة ترى الأم ابنها، وبعد سنتين تلقت رسالة تقول إن ابنها توفي”
الإسلام ضحية وليس جانيًا
تلك التجارب وغيرها مما حدثنا به التهومي، جعلت لديه قناعة شخصية راسخة حول تلك الجماعات الإرهابية ومن يحاولون زورا نسبها إلى الدين الإسلامي،
فما رأيك فيمن ينسب هذه الجماعات أو أفعالها إلى الإسلام والمسلمين؟
يرد الشيخ إيراهيم التهومي بغيرة واضحة على دينه قائلا: أقول إن كل من يلوم الإسلام، على هذه الحوادث هو ظالم، لأنه في الواقع المسلمون هم من أكبر الضحايا، لأنه يُنظر إلينا على أننا مجرمون، مع أننا ضحايا، بالإضافة إلى أننا من أول المشتبه بهم، عند حدوث أي هجوم، أول المتهمين هم المسلمين، أخبرني أحدهم مرة، عندما أرى مسلما صغيرا، أرى إرهابيا محتملا، وعندما نرى شابا نرى إرهابيا حاليا، وعندما نرى رجلا كبيرا في السن مثلك، نرى إرهابيا متقاعدا، نحن عانينا كثيرا، الإسلام أكثر من تأذى من كل هذا، علينا أن نبرر ونشرح طوال الوقت عن الإسلام ونوضح أنه دين سلام، لقد دمروا سمعة الإسلام، المسلمون هم أكثر من عانى من الأفكار المتطرفة”.
أنهينا حديثنا مع الشيخ إبراهيم التهومي، وكلنا رجاء بأن تتكلل جهوده في توضيح صورة الإسلام الصحيحة بالنجاح، ولكن في الوقت ذاته ظلت أذهاننا تفكر في السؤال الأهم،
متى يتخلص الإسلام والمسلمون منتلك الجماعات الظلامية التي تعصف ببلاد المسلمين وتسئ إلى الإسلام والمسلمين وتشوه صورتيهما ؟!