منشقون يكشفون ما لا تعرضه جماعة الشباب في فيديوهاتها
تعتمد دعاية الجماعات المُصنفة إرهابيةً على دافعين في جذب المجندين الجدد، وهما العاطفة الدينية، وروح التمرد، وتتمظهر الأولى من خلال خطاب المظلومية الدينية الذي تُروج له تلك الجماعات بكافة أطيافها، فيما تخاطب روح التمرد من خلال التقنيات المُبهرة للتصوير والحركة والأناشيد الحماسية، التي تبدو كأفلام الحركة السينمائية.
وخلف الصور البراقة تختفي الحقيقة المؤلمة التي تواجه المنضمين لهذه الجماعات، من معاناة وفقدان للأهل، وقطيعة مع الأصدقاء، وملاحقات أمنية، وإصابات بدنية خطيرة، وشكوك لا تنتهي وإنّ انقطعت علاقة الفرد بمثل تلك الجماعات، هذا في حالة كان الفرد محظوظًا ووجد فرصةً للخروج قبل أنّ يلقى حتفه، في صراعات تختفي خلف رايات زائفة باسم الدين.
تستكشف “أخبار الآن” في لقاءات حصرية تجربة أربعة منشقين عن جماعة الشباب الصومالية، الموالية لتنظيم القاعدة، بدءًا من تجنيدهم إلى مرحلة الانشقاق، وتعرج على الثمن الذي دفعوه بسبب الالتحاق بالجماعة، ونصائحهم للشباب من واقع تجاربهم الشخصية.
10 أعوام من الدم
التحق حسن آدم (اسم مستعار) بجماعة الشباب في 2007، بعد عام من تأسيسها، وعقب هزيمة نظام المحاكم الإسلامية على يد قوات الحكومة الاتحادية الانتقالية المدعومة من القوات الإثيوبية، والتي تأسست عام 2004 لتكون أول حكومة مُعترف بها دوليًا في الصومال، منذ انهيار الحكومة المركزية عقب الحرب الأهلية عام 1991.
انشق آدم بحسب شهادته لـ”أخبار الآن” عن الجماعة في عام 2017، وعن دافعه لذلك، يقول: “وجدتهم في مسار مجهول، وطريق في غاية الظلام، لا يحقق أية نتائج ملموسة على أرض الواقع، وهم في حلقة مفرغة من الحروب والاقتتال، ولا علاقة لهم بهدف تحقيق الدولة الإسلامية التي طالما روجوا لها”. وحول الانشقاق داخل الجماعة، يذكر أنّ “عدد المنشقين كبير، وفي تزايد، فالناس تعبت من الوعود المعسولة الكاذبة”.
انضم آدم إلى الجماعة وعمره 33 عامًا، وتنقل فيها بين إدارات عدّة، فعمل في مكاتب الجيش، والعسكر، والصحة، وتولى قيادة إحدى مجموعات الهجوم والمباغتة، وخاض معارك عديدة ضدّ الجيش الوطني الصومالي.
أما عن تجنيده في الحركة، فحدث بعد هزيمة المحاكم الإسلامية في معركة “بنديرلي”، الشهيرة في ولاية غلمدغ، حيث قاتل آدم في صفوف المحاكم، وفرّ إلى القرى والأرياف هربًا من ملاحقة قوات الحكومة الاتحادية، وبعد عام تلقى اتصالًا من صديق سابق في المحاكم، كان قد انضم لجماعة الشباب، واسمه الحركي “أبو بلال”، والذي أمده بالمال وأدخله إلى الجماعة.
يقول آدم: “تدفع الجماعة راتبًا شهريًا محدودًا للمقاتلين، يتراوح بين 100 إلى 150 دولارًا، في حين يتميز أفراد المكتب العسكري وإدارة جهاز الاستخبارات “أمنيات” بمكافآت مالية كبيرة، إذا ما قاموا بعمليات خاصة”.
شركة عائلية بلباس ديني
التقى آدم بالعديد من القيادات، ويقول عنهم: “ليسوا بالصور المثالية التي تُظهرها الجماعة عنهم، ومنهم الكذاب المراوغ، الذي يحصر هدفه في جمع المال وكسب النفوذ”.
ويعتبر الصومال مجتمعًا قبليًا، وتلعب القبيلة دورًا أساسيًا في جميع مناحي الحياة، وتؤثر على الحكومة الفيدرالية وجماعة الشباب، وبسؤاله حول تأثير القبيلة على الجماعة، يقول آدم، إنّ “معظم قادة الجماعة من عشيرة “الإسحاق”، ويمكن القول إنّ الجماعة عبارة عن شركة عائلية لكن بلباس إسلامي”.
ويضيف أنّ القادة من عشيرة “إسحاق” يدفعون بالمقاتلين من جنوب الصومال في المعارك الخطرة، ويحتفظون بأبناء عشيرتهم كحراس وجيش خاص لهم، للسيطرة من خلاله على الجماعة، ويمنحون المناصب لمن هو من عشيرتهم أو من قبيلة “در” القريبة منهم، ولو كان حديث الانضمام، بينما يحرمون المقاتلين من القبائل الأخرى من المناصب القيادية.
يعتبر هذا التمييز القبلي السبب وراء الخلافات المحتدمة بين أمير الجماعة، أحمد ديري، الشهير بـ”أبو عبيدة”، المنحدر من قبيلة “إسحاق” الشمالية (صوماليلاند)، ونائبه أبو عبد الرحمن مهد ورسمي، الشهير بـ”مهاد كاراتي“، والمنحدر من قبيلة هوية الجنوبية، وفق معلومات من مصادر أمنية حصلت عليها “أخبار الآن”.
في سياق متصل، يذكر العضو السابق في الجماعة، أسباب أخرى للانشقاق عن الجماعة، ويقول: “لكل شخص أسبابه الخاصة؛ فهناك من يخاف من الموت في القتال، وآخر يخيب ظنه بسبب الحياة القاسية، وآخرون يستجيبون لرجاء الأهل لهم بالتخلي عن الجماعة والعودة لحياتهم الطبيعية”.
ويضيف أنّ “هناك آخرين ينضمون للجماعة لتحقيق مصالح خاصة، وحين لا تتحقق ينشقون عنها، وأيضًا يضطر الذين يُصابون ببتر في الأعضاء للخروج بعد أنّ تهملهم الحركة، وكثير منهم يضطرون للهروب من الصومال خشية ملاحقة الجماعة لهم”.
وبسؤاله عن حياته بعد سبعة أعوام من الانشقاق عن جماعة الشباب، أجاب حسن آدم: “دفعت الكثير نتيجة قراري بالانضمام للجماعة، وحين انشققت لم يصدقني الناس، وصرت محرومًا من الالتحاق بالعمل في الحكومة، ولا استطيع العيش في المدن الكبيرة، مثل مقديشو وبوصاصو وغروي، ولا تقبل الشركات الخاصة بتوظيفي، ولم يعد بإمكاني تحقيق ما كنت أتطلع إليه في حياتي”. كان آدم محظوظًا، فنجى من الموت خلال وجوده في الجماعة، رغم إصابته مرتين في البطن والكتف بالرصاص.
قوة خفية تدير الجماعة
تحدثت “أخبار الآن” إلى عضو آخر انشق عن الجماعة، يُدعى موسى علي (اسم مستعار)، وقال إنّه جُند عام 2009، وظل في الجماعة حتى انشقاقه عام 2016، ورفض الإفصاح عن سبب الانشقاق، الذي قال عنه إنّه “سبب دفنته داخل نفسه ولن أُطلع عليه أحد”.
كان عمره وقت الانضمام 28 عامًا، وهو ناشط سابق في المحاكم الإسلامية والحزب الإسلامي، والتحق بالجماعة في إقليم هيران في ولاية هرشبيلي بحسب قوله “طوعًا وإيمانًا بأهدافها”. التحق علي بعد فترة بمكتب الاستخبارات “أمنيات” في هيران، وشارك في تنفيذ مهام وعمليات خاصة، والتقى العديد من القادة، من بينهم فاضل عبد الله محمد (Fazul Abdullah Mohammed)، الشهير بـ”محمد فزول”، أحد العقول الثلاثة المدبرة للتفجيرات الإرهابية التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، عام 1998.
كانت جماعة الشباب أسبق من نظيراتها من الجماعات المصنفة إرهابيةً في سوريا والعراق فيما يتعلق بالصراعات الداخلية، ومنها صراع العام 2011 بين الأمير السابق، أحمد عبدي غوداني (Ahmed Abdi Godane)، المعروف بـ”مختار أبو الزبير” من جانب، وقادة آخرين من جانب آخر، والذي انتهى بقيام جهاز “أمنيات” باغتيال العديد من المعارضين لغوداني.
يقول العضو المنشق عن ذلك: “توجد صراعات داخل الحركة، بسبب عوامل كثيرة منها؛ الشكوك حول التعاون مع جهات استخباراتية، وتشهد الجماعة صراعات داخلية بشكل دوري، وكأن هناك قوة ما تدير عملها من وراء الكواليس”.
ويتابع أنّ “الاغتيالات التي طالت العديد من القادة في عهد غوداني لا تزال غير مفهومة، والبعض يرى أنّها كانت تصفية لقادة أثاروا الشكوك حول تعاون استخباراتي بين قيادات الجماعة وجهات استخباراتية”. لافتًا إلى أنّه “تمت تصفية شخصيات عديدة مطلوبة دوليًا”.
مضت ثمانية أعوام منذ انشقاق موسى علي عن جماعة الشباب، ومع ذلك لا يزال يدفع ثمن انضمامه لها، ويقول: “لا يثق بيّ الناس، ولا يمكنني العيش بحرية ثانيةً أو التحرك من مدينة لأخرى، إما خوفًا من الجماعة أو من عناصر الأمن، وتوفر لي قبيلتي الحماية، ومع ذلك تفرّ عامة الناس من مجلسي، ولا أحد يريد مشاركتي الحديث أو التجارة”.
ويقرّ أنّ “التحاقي بالجماعة كان أكبر خطأ في حياتي، ويدفع أطفالي الثمن، ولم أكمل تعليمي الجامعي، ويرمقني الناس حتى اليوم بنظرة شفقة وخوف”.
أهملتني الجماعة بعد إصابتي
تكشف تجربة محمد عبدي (اسم مستعار) عن الحقيقة التي تخفيها الجماعات الإرهابية، وهي عدم الاكتراث بحياة الأعضاء، والتضحية بهم لتحقيق مصالح القادة.
انضم عبدي إلى الجماعة في عام 2009، في عمر الـ 19، بسبب مقتل والد صديقه القريب من تنظيم القاعدة على يد أمراء الحرب في مقديشو عام 2004، وبعد سقوط نظام المحاكم الإسلامية انضم رفقة صديقه إلى الجماعة، بعد تجنيدهما على يد دعاتها في مقديشو.
قضى عبدي أربعة أعوام مع الجماعة، وتركها بعد تعرضه لإصابة بالغة في إحدى المواجهات مع القوات الحكومية، حيث تخلت عنه الجماعة، وتركته دون عناية طبية، ليصاب على إثر ذلك بمرض السل. عاد عبدي إلى عائلته، وساعدته خالته ماليًا ليُكمل العلاج في مقديشو.
وحول دوره في الجماعة، يذكر أنّه كان جنديًا، ويصف قادة الجماعة بأنّهم “يهتمون بمصالحهم الخاصة، ويغيرون ولائهم إذا ما وجدوا مصلحة في ذلك”. وحول الدعاية التي تبثها الجماعة، يقول إنّ “الحركة توظف الإعلام والعاطفة لتحقيق أغراض لا تخدم الإسلام، ولا علاقة لها بالجهاد في سبيل الله”.
وينصح الشباب بقوله “لا تغتروا بالبدايات، ولا تنخدعوا باسم العواطف الدينية التي توظفها الجماعة”. لا يزال عبدي يعاني من تبعات قراره بالالتحاق بالجماعة، ويعيش في أحد مخيمات النازحين في مدينة بوصاصو في ولاية بونتلاند.
أنقذتني أمي
التحق مُعلم محمود (اسم مستعار) بالجماعة في عمر الـ 18، وظل فيها لمدة ثلاثة أعوام، وجُند على يد إمام مسجد في مدينة “جالكعيو” في ولاية بونتلاند، برفقة أحد أصدقائه، الذي قُتل خلال إحدى المواجهات بين الشباب والقوات الحكومية.
كانت والدته السبب في خروجه من الجماعة، يقول: “مرضت أمي مرضًا شديدًا، وكنت وقت ذلك في الجنوب، فاتصل بي أخي الأكبر من الولايات المتحدة، وطلب مني أنّ أذهب إلى الوالدة لأعالجها، ففعلت ذلك وأخذتها إلى مستشفى في مقديشو، فقالت لي: ربما لا أكون حيةً بينكم، فيا ابني أترك الجماعة، وكن مع إخوانك ولا تفارقهم، وسأؤمن لك منزلًا”.
يضيف محمود، أنّ والدته تُوفيت بعد أسبوعين من حديثها، وعمل بوصيتها وترك الجماعة، وانتقل للعيش في مسقط رأسه في مدينة بوصاصو في ولاية بونتلاند، وافتتح محل بقالة يتكسب منه.
وحول تجربته في الجماعة، فيصفها بأنّها “مليئة بمشاهد الموت”، ويحكي كيف قُتل صديقه “عبد العزيز” أمام عينه، خلال مواجهات مع القوات الإثيوبية، حين اخترقت رصاصة من عيار ثقيل رأسه، مضيفًا أنّ قائده طلب منه إخبار أسرة صديقه، وحين فعل ظلت والدته تبكي، بينما قال أبوه: “فليمت، لقد مات في عيني حين انضم للجماعة”.
يعتبر محمود محظوظًا مقارنة بكثيرين، فحين خرج من الجماعة تلقى مساعدة من أسرته، ووجد في كنف أخواله الحماية، وتزوج وأنجب ابنة، ولكن ماضيه في الجماعة ما زال يطارده، يقول: “لا أسلم من التنمر، ولا يثق الناس فيّ”. ويضيف: “كنت جنديًا في الجماعة، ولم يكن لنا أهمية داخلها، ولم نتلق تدريبات عسكرية كافية، سوى إطلاق النار، وكانوا يزجون بنا في المعارك، لنواجه مصيرنا”.
ويوجه محمود نصيحته إلى الشباب الذين تبهرهم دعاية الجماعة، ويقول: “اهتموا بشؤونكم الخاصة، فلا أحد يبالي بكم من الجماعة”. ويرى أنّ “الإصدارات التي تنشرها الجماعة خطيرة، لأنّ الشباب يتأثرون بها، ولا يدركون أنّ الواقع مختلف تمامًا، فهو حرب وموت وجوع، وأما المقاطع المصورة التي يشاهدها الشاب وهو آمن في بيته فهي شيء آخر”.
ويتابع نصيحته بأنّ “جماعة الشباب تستخدم الإسلام لتحقيق مصالحهم الخاصة، ويستخدمون مثل القاعدة وكل الجماعات الإرهابية مآسي فلسطين وأفغانستان والعراق لتجنيد الشباب، صغير السن”.